زوجان اتفقا في بداية حياتهما التي كللها #الحب على الوقوف معاً حتى النهاية، فهالة سعد آثرت أن تموت على الفراش نفسه مع رفيق دربها فايز عطاف، أو #طبيب_الفقراء كما يدعوه أهل مدينة جبلة.
الاثنان توفيا على الفور على إثر سقوط بناية الأطباء في مدينة جبلة، حيث وجدا أحدهما إلى جانب الآخر وقد ربط بينهما الموت ومحبس الزواج في آن معاً وسط الركام والدمار.
الطبيبة الأم
منذ انتشار خبر وفاتهما، امتلأت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، بخاصة "فيسبوك" بصورهما وسيرتهما البيضاء النقية.
هالة طبيبة الأعصاب ورئيسة شعبة الأمراض العصبية في مستشفى تشرين الجامعي والمدرسة في كلية الطب البشري في جامعة تشرين، كانت تعامل الجميع، لا سيما الطلاب، كأولادها. ومن أحد المواقف التي رواها أحدهم ويدعى يوسف، أنها طلبت منه مرة أن يرتدي مريوله الأبيض التزاماً بقواعد المستشفى، لكنه رد أنه يشعر بالبرد ويخاف المرض، لتبادره بالقول "ولا يهمك سلامتك، خليك بالجاكيت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عرفت هالة بالتزامها الشديد بواجباتها، فكان يجب على طلابها والعاملين معها الوجود في ساعة مبكرة يومياً نظراً إلى دقتها وحرصها على تأمين جميع مستلزمات المرضى، بخاصة الفقراء منهم، إذ كانت تتابع الجميع وتمر عليهم دورياً وتحاول تأمين متطلباتهم التي تعتبر في بلد كسوريا صعبة وأحياناً مستحيلة. ولم تكن لتتوانى عن محاولة تأمين دواء مقطوع، أو الحصول لأحدهم على صورة رنين مغناطيسي.
يقول يوسف "أتذكر أن معظم إنجازاتي في هذا المستشفى كانت مع المرضى الذين كانت تشرف عليهم في قسم الأمراض العصبية، إذ استطاعت كثيراً أن تؤمن لهم كل شيء بمجهودها الشخصي، مما جعلها تكبر في عيون المرضى وعيوننا، فكان مرضاها يحترموننا كما يحترمونها، كما كانوا يقسمون بحياتها هي التي لم تبخل عليهم بأي شيء ولو على حسابنا".
استطاعت هالة الإجابة عن معظم أسئلة طلابها، وهم يعزون ذلك إلى اطلاعها الواسع على أحدث المراجع والمقالات العلمية، إضافة إلى أنه على رغم عدم معرفتهم باللغة الفرنسية فإنهم كانوا لشدة حبهم واحترامهم لها يفهمونها حينما تتحدث بها.
أبو الفقراء
أما زوجها فايز عطاف، أو كما يناديه أهل جبلة "أبو الفقراء"، فهو طبيب جراحة عامة، وعرف عنه أنه خلال الأعوام الـ10 الأخيرة لم يتقاض ثمن معاينته من أي فقير أو مهجر، وفي كثير من الأحيان كان يدفع من جيبه ليسدد مقابل عمليات جراحية للفقراء.
نعى كثيرون هذا الحكيم بأكثر العبارات إشادة بأعماله وألماً على رحيله، فبعضهم قال إن العزاء ليس لهم ولذويه، بل للعلم والكتاب والكرم والشهامة والجمال، وآخرون وصفوه بالمثقف الحكيم، معتبرين أن وقتاً طويلاً سيمضي قبل أن يجدوا مثالاً يشبهه.
ويبدو أن فايز جعل مهنة الطب في أبهى صورها وأكثرها عطفاً وحباً وكرماً وأدباً، وكان هذا لسان حال معظم من رثاه. يذكر أحدهم أنه كان من محبي جمع الحجارة والأصداف من البحر ووضعها على مكتبه، يقول "لا أنسى اللحظة التي أهدى ابنتي شيئاً غالياً على قلبه لأنه عرف مدى حبها للحجارة التي كانت بمثابة أيقونات في عيادته".
رفض عطاف كثيراً من العروض المغرية للعمل خارج سوريا، وآثر البقاء مع أهل بلده ومدينته ليمنحهم من خبرته ووقته، حيث كان معروفاً عنه ثقافته وحبه للفقراء. ولانشغاله معظم الوقت بمرضاه كان يستغل الوقت بين خروج مريض ودخول آخر ليقرأ مقطعاً أو صفحة من كتاب، فقد قال عنه أصدقاؤه إنه كان عالماً متجدداً في عمله، متابعاً لكل جديد من دراسات وأبحاث في الطب والجراحة العامة على مستوى العالم.
وكانت مدينة جبلة وأهلها ودعوا فايز وزوجته إلى مثواهما الأخير، بحيث انطلق موكب الجنازة من مستشفى جبلة وودعمها الكادر الطبي بالدموع والأسف على خسارتهما قبل أن يواريا الثرى.
يذكر أن البناية التي كان يسكن فيها الطبيبان هي بناية للأطباء، وخسرت جبلة ومدينة اللاذقية وسوريا برحيل من قضوا تحت أنقاضها صفوة رائعة من أطبائها الذين كان مشهوداً لهم بالكفاءة والأمانة والمهنية.
توزيع المساعدات
من جهة أخرى، استطاع المتطوعون في جبلة ومدينة اللاذقية استكمال أعمال توزيع المساعدات الإنسانية التي جمعوها، أو تلك التي وصلتهم من أماكن مختلفة على معظم المتضررين، مؤكدين أنه منذ ليلتين لم ينم أحد في جبلة واللاذقية من دون مأوى أو فراش وأغطية وغذاء.
كما تتواصل عمليات إنقاذ الضحايا من تحت الأنقاض وأسهمت في هذا العمل فرق إنقاذ من روسيا والجزائر، إضافة إلى الفرق السورية.
وأعلن فوج إطفاء مدينة اللاذقية أنه في منطقة جبلة يتم العمل على آخر موقعين، وهما بناء في الريحاوي بمنطقة جب جويخة وآخر في منطقة الغزالات شارع المالية.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية أصدرت قراراً يسمح بعودة المعاملات المالية المتعلقة بالإغاثة من الزلازل إلى سوريا لمدة 180 يوماً، باستثناء الإجراءات القسرية أحادية الجانب التي تفرضها على الشعب السوري.
وبحسب وكالة "سانا" السورية ذكر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية أمس الجمعة على موقعه الإلكتروني أن الوزارة أصدرت الرخصة العامة لسوريا رقم 23 التي تسمح لمدة 180 يوماً بجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلازل التي كانت ستحظرها لوائح العقوبات السورية "إس واي أس آر".
كما اعتبرت الوزارة أن الترخيص 23 يوفر التفويض الواسع اللازم لدعم جهود الإغاثة الفورية في حالات الكوارث في سوريا، ويتضمن السماح بمعالجة أو تحويل الأموال نيابة عن أشخاص من دول أخرى إلى سوريا أو منها لدعم المعاملات المصرح بها بموجب هذا الترخيص العام.