أخيراً، وبعد أكثر من عام من التجاذبات على وقع الأزمة السياسية المستفحلة، بدأت الأحداث تتجه نحو إسدال الستار على أكثر الأزمات #السياسية_السودانية تعقيداً منذ الاستقلال، التي كادت تعصف بكيان البلاد، وبعد سلسلة من الاجتماعات الماراثونية الداخلية والحراك الدولي عبر #الوساطة_الرباعية والآلية الثلاثية والمبعوثين الدوليين طوال الأسبوع الماضي، لاحت في الأفق بوادر جادة بالتوصل إلى اتفاق إعلان سياسي يمهد لانفراج الأزمة في غضون الأسابيع القليلة المقبلة.
إعلان سياسي مرتقب
وأعلن مجلس السيادة الانتقالي، في بيان، توصل الأطراف إلى الاتفاق على الصيغة لانهائية للإعلان السياسي بعد نقاش مستفيض، وبروح وطنية عالية، واضعين مصلحة البلاد ونجاح الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي نصب أعينهم. ونوه البيان إلى أنه يجري الترتيب لإجراءات التوقيع على الإعلان السياسي بالسرعة المطلوبة، وأتى البيان عقب سلسلة من الاجتماعات انعقدت طوال الأيام الثلاثة الماضية برئاسة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي وبحضور نائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو، وضمت الاجتماعات أيضاً الأطراف الموقعة وغير الموقعة على الاتفاق الإطاري.
على صعيد متصل، أوضح المتحدث باسم أطراف العملية السياسية خالد عمر يوسف أن النقاشات تواصلت بين القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري مع كل من مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم ومحمد الميرغني الذين مثلوا تنظيماتهم الثلاثة غير الموقعة على الاتفاق الإطاري بهدف مناقشة سبل انضمامهم للعملية السياسية الجارية الآن والمبنية على الاتفاق الموقع في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2023.
انضمام للعملية السياسية
أضاف يوسف "توصل الاجتماع لتوافق مبدئي مبني على مشروع إعلان سياسي تمت مناقشته من قبل، ويتم بموجبه الانضمام للعملية السياسية الجارية الآن والمبنية على الاتفاق الإطاري" منوهاً إلى أن اللقاءات بين الأطراف ستتواصل لاستكمال بقية النقاشات ذات الصلة. وأكد أن المرحلة النهائية من العملية السياسية تمضي بصورة جيدة بانطلاق فعاليات (مؤتمر الشرق) لوضع خريطة الطريق للاستقرار السياسي والأمني والتنمية المستدامة، شرق السودان، وذلك في السادسة من مساء اليوم الأحد لمدة ثلاثة أيام.
وكان الناطق باسم "قوى الحرية والتغيير" جعفر حسن أعلن عن قرب التوصل لاتفاق نهائي يفضي إلى إنهاء حال الانقلاب وعودة مسار الانتقال. أضاف على "تويتر" "العملية السياسية تمضي كما خطط لها، لا تغيير في أطراف الاتفاق الإطاري أو موضوعاته"، مشيراً إلى أن هناك لقاءات تتم في هذا الوقت مع حركة "العدل والمساواة" وحركة "جيش تحرير السودان" (مناوي) والحزب الاتحادي الأصل، و"نقترب كثيراً من تحقيق الهدف المنشود".
تجاوز الإطاري
ونقلت وسائل إعلام محلية عن حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة "جيش تحرير السودان" مني أركو مناوي إعلانه استئناف المفاوضات مع الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري بغرض الوصول إلى اتفاق بخصوص العملية السياسية.
في المقابل، أكد القيادي بالكتلة الديمقراطية محمد السماني، وهي كتلة غير الموقعة على الاتفاق الإطاري، تمسك الكتلة بمبدأ توسيع قاعدة المشاركة في العملية السياسية من خلال التوقيع ككتلة موحدة لا أحزاباً منفردة ما قد يعزز حال الانقسامات بالساحة السياسية ويؤزم الوضع السياسي من جديد. وأوضح السماني أن الإعلان السياسي (الجديد) المتوقع اكتمال ترتيبات وإجراءات التوقيع عليه بين الكتلة الديمقراطية وأطراف الاتفاق الإطاري، منتصف هذا الأسبوع، يتجاوز الاتفاق السياسي الإطاري إلى أفق أوسع في المشاركة ما يحقق الاستقرار السياسي بعيداً من الانتقائية أو الإقصاء.
الطريق الثالث
من جانبه، رأى المحلل السياسي عبدالمنعم عبدالكريم أن الإعلان المنتظر ربما يشكل طريقاً ثالثاً بين الاتفاق الإطاري ورؤية الكتلة الديمقراطية، منوهاً إلى أن الاتفاق بات واقعاً بشرت به كل الأطراف بما فيها "الحرية والتغيير" (المجلس المركزي). ولفت المحلل السياسي إلى أن كلا الطرفين أقدما فعلاً على تقديم تنازلات جادة مهدت لهذا الانفراج السياسي.
انسلاخ "تمازج"
وقبيل بيان مجلس السيادة بساعات، أعلنت حركة "تمازج - القيادة السياسية"، الموقعة على اتفاق سلام جوبا، انسلاخها من تحالف "الكتلة الديمقراطية" امتثالاً لقرار المكتب القيادي للحركة، برئاسة الرئيس المكلف محمد موسى بادي، تمهيداً للعمل في الفضاء المشترك مع قوى الثورة بقيادة المجلس المركزي لـ"الحرية والتغيير". وقال بيان للحركة "إننا نرى المخرج الآمن لبلادنا بدعم الاتفاق الإطاري الموقع من قبل الأحزاب الوطنية التي تؤمن بالتحول المدني الديمقراطي وثورة ديسمبر التي أذهلت العالم أجمع" معلنة استعدادها للمشاركة الفاعلة في دعم قضايا التحول الديمقراطي والفترة الانتقالية. وأكدت الحركة، في بيانها، التزامها العمل مع قوى الثورة جميعاً لتحقيق شعاراتها في الحرية والسلام والعدالة، وأهداف التغيير سعياً لترجمتها إلى واقع ملموس من خلال استئناف عملية الانتقال المدني الديمقراطي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت الآلية الثلاثية التي تضم بعثة الأمم المتحدة لدعم التحول والانتقال المدني الديمقراطي "يونيتامس"، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة "إيقاد"، قد شرعت في الاستعداد بالتعاون مع سكرتارية الأطراف الموقعة، لقيام مؤتمر الشرق وفق نص الاتفاق السياسي الإطاري وضمن المرحلة النهائية للعملية السياسية، كما شاركت الآلية في اجتماع، نهاية الأسبوع الماضي، ضم المدنيين والعسكريين الموقعين على هذا الاتفاق وممثلين من الأحزاب السياسية والحركات غير الموقعة عليه لدعم هذه الأطراف توصلاً إلى توافق في الآراء في شأن العملية السياسية.
الآلية والوساطة والمبعوثون
وحضت الآلية الأطراف على التوصل إلى اتفاق في أقرب وقت ممكن، كخطوة أخرى نحو إنهاء الأزمة وتحقيق قدر أكبر من المشاركة السياسية مؤكدة أن الاتفاق يوفر الأساس للتوصل إلى انتقال مدني جديد ذي صدقية ويلبي تطلعات الشعب السوداني في مستقبل ديمقراطي مزدهر.
وكان المبعوثون الخاصون وممثلو كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والنرويج والاتحاد الأوروبي قد اختتموا زيارة مشتركة إلى الخرطوم لدفع العملية السياسية وتسريع عملية الانتقال المدني الديمقراطي، والتقوا أطراف الأزمة السياسية بمن فيهم الموقعون المدنيون على الاتفاق السياسي الإطاري، والمكون العسكري، وممثلون عن المجتمع المدني، ولجان المقاومة، وأطراف اتفاق جوبا للسلام.
وحض المبعوثون الخاصون، في بيان مشترك، الأطراف السودانية على إجراء حوار شامل على أساس الاتفاق الإطاري وتعميق وتوسيع التزامهم الحوار الأوسع، والجمع بين النساء والشباب والممثلين من مختلف أنحاء البلاد للمشاركة في تشكيل مستقبل بلادهم والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للصراع لبناء سودان مستقر ومزدهر، واعتبروا أن الاتفاق الإطاري هو الأساس الأفضل لتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية ووضع ترتيبات دستورية لفترة انتقالية تتوج بالانتخابات.
وجدد ممثلو الوساطة الدولية، الجمعة الماضي، دفع المساعي لتوسيع قاعدة المشاركة في الاتفاق الإطاري.
وأشارت مجموعة الرباعية (السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)، في بيان، إلى انعقاد اجتماع ضم ممثلين عن الموقعين على الاتفاق الإطاري من المدنيين والعسكريين وممثلي بعض الحركات الموقعة على السلام والأحزاب خارج الاتفاق، بهدف وضع خطوات عملية لتوسيع المشاركة في العملية السياسية. وشدد المجتمعون على أن الاتفاق الإطاري هو أساس للتوصل إلى الحل السياسي النهائي وتشكيل حكومة جديدة بقيادة مدنية تقود السودان خلال فترة جديدة من الانتقال الديمقراطي.
مناهضون
وفي الخامس من ديسمبر 2022، وقع المكون العسكري و"قوى الحرية والتغيير" (المجلس المركزي) وعدد من الأحزاب والتنظيمات والتجمعات المهنية والحركات المسلحة اتفاقاً سياسياً إطارياً مبدئياً يعقبه اتفاق نهائي يمهد الطريق لتشكيل حكومة مدنية وإنهاء الأزمات السياسية والاقتصادية منذ انقلاب البرهان على السلطة المدنية الانتقالية التي تشكلت بموجب وثيقة دستورية للشراكة بين العسكريين والمدنيين عقب إطاحة نظام الرئيس عمر البشير في 2019. غير أن التيار الرافض للاتفاق، بقيادة جبريل إبراهيم، نائب رئيس "قوى الحرية والتغيير" (الكتلة الديمقراطية) حذر مما وصفه بـ"اللعب بالنار"، كما حذر مني أركو مناوي من تداعيات خطرة مطالباً بجمع كل المبادرات المطروحة للخروج برؤية موحدة للحل.
ويناهض ما يسمى "التيار الإسلامي" الذي يضم كيانات عدة بما فيها "الحركة الإسلامية" و"المؤتمر الوطني" المنحل، الاتفاق الإطاري بشدة معلناً استخدامه الوسائل السلمية جميعها حتى إسقاطه وعدم السماح لما وصفها بأقلية غير منتخبة أو مفوضة شعبياً أن تشكل حاضر ومستقبل البلاد منفردة.