Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة "الأرثوذكسية الإثيوبية"... كيف انحنى آبي أحمد للعاصفة؟

اتفقت الكنيسة والحكومة على اللجوء إلى القضاء لإنهاء أزمة الآباء المنشقين في إقليم الأورومو ومراقبون يرون الحل في "المواطنة"

الأب ماتياس بطريرك كنيسة التوحيد الإثيوبية الأرثوذكسية قرر تأجيل التظاهرات بعد قبول دعواه القضائية ضد المنشقين (أ ف ب)

في فصل جديد من المواجهة بين كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية، وحكومة رئيس الوزراء #آبي_أحمد، توصل الطرفان بعد مباحثات مضنية عقدت في القصر الجمهوري الإثيوبي، إلى اتفاق مبدئي يقضي بتجميد دعوات التظاهر التي أطلقتها الكنيسة.

وكانت الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية دعت إلى التظاهر إثر رفض الحكومة المركزية التدخل لإنهاء الأزمة التي نشبت في البيت الأرثوذكسي، عقب انفصال مجموعة من الآباء من إقليم الأورومو وتشكيلهم مجمعاً كنسياً موازياً، وتسمية بطريرك للإقليم في مخالفة لأعراف الكنيسة الواحدة. 

وعلى رغم سعي الكنيسة الأم لعزل المجموعة المنشقة إلا أنها لم تجد تعاوناً من الحكومة، لا سيما في ما يخص توقيف المنشقين ومنعهم من استغلال المؤسسات الكنسية من مرافق العبادة والممتلكات والمنابر، فضلاً عن رفع الحماية الأمنية والغطاء السياسي.

ويأتي الاتفاق الجديد بين الوفد الكنسي ورئيس الوزراء الإثيوبي ليبطل أكبر خطر ظل يحدق بالوحدة الوطنية الإثيوبية، لا سيما بعد لجوء الكنيسة للشارع، ودعوة أتباعها إلى التظاهر السلمي، وأعلن الوفد الأحد "تأجيل التظاهرات" إلى حين تطبيق ما تم الاتفاق عليه مع الحكومة، فيما أصدرت محكمة ابتدائية في أديس أبابا حكماً بقبول دعوى الكنيسة في شأن عزل المنشقين. 

الإجراءات القضائية مقدمة الحل

وظل موقف الحكومة الإثيوبية تجاه أزمة الكنيسة يعتمد على أسس قانونية راسخة في الدستور الفيدرالي الإثيوبي، الذي ينص على عدم تدخل الدولة في الشؤون الداخلية لدور العبادة، بالتالي دعت إلى حل الأزمة داخل الكنيسة وفقاً للقوانين واللوائح الداخلية المنظمة لها.

وعلى رغم وجاهة هذا الموقف من حيث المبدأ، فإن قيادة الكنيسة الأرثوذكسية ظلت تعتقد أن الدولة لا تقف على مسافة واحدة من هذا النزاع، بل واتهمتها بالتواطؤ مع الطرف المنشق بتوفيرها الحماية الأمنية لعناصره، فضلاً عن الغطاء السياسي، فيما عملت على منع البيانات والتصريحات الصادرة من الكنيسة الأم من الإذاعة في المؤسسات الإعلامية الحكومية، إضافة إلى أنها لم تمنع المنشقين من الاستيلاء على مقدرات الكنيسة في إقليم الأورومو.

كما يستند موقف الكنيسة إلى أسس دستورية أخرى تتعلق بـ"سيادة دور العبادة للقيادة الروحية الشرعية وتوجيهاتها، وعلى الدولة الالتزام بما يصدر عن تلك القيادة".

ويرى كثير من المراقبين أن الخروج من هذا المأزق كان يتطلب موقفاً من السلطة القضائية التي يمكن أن توفر مساحة للطرفين لتدارك تدهور الأوضاع، بما يحفظ للجهة التنفيذية ماء وجهها، وللمؤسسة الدينية وقارها وسيادة قرارها في ما يخص إدارة شؤونها وفقاً للقوانين الداخلية، لا سيما أنها المؤسسة الأكثر نفوذاً وتأثيراً شعبياً ورسمياً.

وبقبول المحكمة الابتدائية الدعاوى القضائية التي تقدمت بها الكنيسة ضد المنشقين عنها، منحت الطرفين مساحة للحوار بناءً على الحكم القضائي الأولي.

الانحناء للعاصفة 

يعتقد الكاتب الإثيوبي المتخصص في شؤون الكنيسة، إسكندر تفري، أن "نتائج المباحثات بين ممثلي الكنيسة والنظام الإثيوبي، كانت متوقعة تماماً للمتابعين، لا سيما بعد الحملة الناجحة التي قادتها الكنيسة، وقدرتها على تحريك الشارع، وتحويل الأزمة الداخلية إلى نزاع كنسي - حكومي". 

ويقول تفري في إفادته لـ"اندبندنت عربية"، إن "الاتفاق الأخير يعد بمثابة انحناء رسمي للعاصفة التي قادتها الكنيسة"، مؤكداً أن "ثمة توجهاً رسمياً ظل يعمل على تفتيت مواقف المؤسسات الدينية، ومحاولة تطويعها أو تحييد مواقفها"، مردفاً "الصمت الرسمي تجاه تحركات المنشقين، واستيلائهم على ممتلكات الكنيسة الأم، لم يكن يعبر عن حياد الدولة، بل عن انحيازها، لا سيما أن التدخل الأمني في مدينة شاشميني كان موجهاً ضد ممثلي الكنيسة الأم". 

ويرى تفري أن "المراهنة على نحو 28 من القساوسة المنحدرين من إقليم الأورومو لإضعاف مواقف الكنيسة الأم، كان رهاناً خاسراً، لا سيما أن الكنيسة الأرثوذكسية تعد أهم مراكز الوحدة الوطنية الإثيوبية، ومن المؤسسات القليلة التي لم تنجح الأنظمة السابقة في تقسيمها إثنياً، إذ يعد الرابط الديني أكثر قوةً من الروابط العرقية واللغوية".

تأجيل الأزمة

من جهته يرى الصحافي تامرات مانو أن "التوافق الأخير يعد تسكيناً للألم وليس حلاً للمرض الذي أصاب الكنيسة"، مؤكداً أن "المؤسسة الكنسية كسائر المؤسسات الأخرى أصيبت بداء الإثنية، الذي عمل النظام السابق على استشرائه، من خلال فرض نظام الفيدرالية، تحقيقاً لحكم الأوليغارشية العرقية، الذي مكن مجموعة من السكان لا تتجاوز نسبتها الخمسة في المئة من حكم بقية الشعب لأكثر من ثلاثة عقود".

ويعتقد مانو أن "العودة لنظام المواطنة هو الحل الأمثل في جميع مستويات الدولة، ولا يمكن فهم أزمة الكنيسة بعيداً من الأزمة الوطنية الشاملة". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقدر مانو أن "المواقف التي أعلنتها الدولة في البدء متوافقة تماماً مع الدستور الفيدرالي الساري، إذ لا يحق للجهة التنفيذية التدخل في شؤون دور العبادة، سواء في تنصيب أو عزل أي من مسؤوليها"، منوهاً بأن "مطالبة الحكومة باتخاذ تدابير لعزل منشقين، يمثل مقدمة لتدخلات لاحقة قد لا تكون فعلاً في صالح الكنيسة الأرثوذكسية التي ستدفع أثماناً باهظة نتيجة هذه السابقة التي ستكرس حل الأزمات بإجراءات تنفيذية".

ويضيف أن "البدء بالإجراءات القضائية منح آبيي أحمد غطاءً قانونياً ودستورياً، لاتخاذ إجراءات مناسبة بما في ذلك الموافقة على عزل المنشقين تطبيقاً لأحكام صادرة عن المؤسسات القضائية المستقلة". 

ويعتقد مانو أنه "بصرف النظر عن مواقف وتقديرات مكتب رئيس الوزراء حول الأزمة الأخيرة، فإن امتناعه عن التدخل لترجيح طرف، واعتماده على الحكم القضائي للبدء في الحوار قد أكسبه الجولة، على رغم مما يروج عن خضوعه لمطالب الكنيسة، ففي المحصلة النهائية لم يتدخل في شؤون الكنيسة إلا بعد حصوله على حكم ابتدائي من جهة قضائية، بالتالي لا يبدو طرفاً في المنازلة الكنسية، التي ستظل مستمرة على رغم التدابير الأخيرة".

خسارة الحلفاء والحاضنة 

وبالعودة إلى الباحث إسكندر تفري، يرى أن "رئيس الوزراء بتباطئه عن اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الطرف غير الشرعي قد خسر كثيراً من الأنصار، بخاصة حلفاءه من قومية الأمهرا الذين يميلون للتدين التقليدي، وهم الذين مثلوا الكتلة الأكبر من مؤيديه خلال الحرب الأخيرة في إقليم تيغراي، وبقبوله متأخراً لمطالب الكنيسة خسر حاضنته الاجتماعية والعرقية في إقليم الأورومو، بعد أن تحول النزاع الكنسي إلى إثني، بين الأمهرا والأورومو". 

فيما يختلف تامرات مانو مع هذا التحليل، ويرى أن "اتخاذ أية تدابير في غياب مرجعية قضائية للنزاع كان سيضع الدولة في موضع المتدخل بشؤون الكنيسة الداخلية، ويعرض العلاقة مستقبلاً لمخاطر أخرى". 

ويضيف، "نحن في مرحلة جديدة من النزاع وليس بالضرورة نهايته، وقد تخرج مجموعة أخرى من داخل الكنيسة مستقبلاً، محملة بخلفيات ثقافية وإثنية لا سيما في ظل وجود مطالب تتعلق بلغة التعبد وخصوصيات كل منطقة".

المزيد من تقارير