أبدت شخصيات جزائرية مستقلة موافقتها المبدئية على اقتراحها ضمن قائمة من 13 شخصاً لتأدية دور "الوساطة والحوار". وأعلن رئيس البرلمان السابق كريم يونس موافقته قبول الدور "إذا كانت المهمة ستجيب عن مطالب الجزائريين المشروعة"، كما توالت ردود فعل موافقة من شخصيات ظلت تُحسب من أنصار "المرحلة الانتقالية".
تحولات كبيرة في المشهد السياسي بالجزائر، في سياق مواقف جديدة لشخصيات كانت مواقفها تتباعد بشكل كبير عن الرأي الرسمي المعبَّر عنه مراراً من قبل رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح أو من رئيس أركان الجيش. هذا المعطى يبدو قائماً اليوم بفعل توالي ردود إيجابية من شخصيات ذات رمزية في المشهد، بنضالها السياسي سابقاً أو الحقوقي أو التاريخي وفي الحراك الشعبي.
منتدى التغيير يكشف عن القائمة
بعد أسبوعين من أول منتدى للحوار كان جمع أحزاباً سياسية بعضها من التيار الإسلامي وأخرى من التيار الوطني، واكتفاء الأخير باقتراح "أرضية" من نقاط عدة للخروج من الأزمة، برز تشكيل "مدني" جديد تحت مسمى "منتدى التغيير المدني" مقترحاً 13 شخصية من توجهات مختلفة، وأهم ما فيها شخصيات كانت تدعم فترة انتقالية.
لكن استعمال المنتدى مصطلح "الوساطة والحوار"، يترجم تحولاً كبيراً في موقف بعض الشخصيات، بخاصة أن فكرة "منتدى التغيير المدني" تتوافق مع شرط رئاسة الدولة، وهو "حوار حول الرئاسيات فقط" مع "ليونة" في التعاطي مع أية مقترحات ضمن هذا المسار المؤدي الى انتخابات رئاسية.
وقال رئيس "منتدى التغيير المدني" عبد الرحمن عرعار إن "القائمة تحظى بالقبول من جانب الشعب الجزائري والحراك الشعبي بالدرجة الأولى وعند صناع القرار"، ما أعطى انطباعاً أن المؤسسة العسكرية "أشّرت" على القائمة أو على الأقل "لم تعترض عليها".
وأوضح عرعار، وهو شخصية مدنية ترأس جمعية تنشط في مجال الطفولة، أن هذه "القائمة مقترحة من قبل 70 جمعية على المستوى الوطني"، مؤكداً أن مقاييس ومعايير عدة اعتُمدت في اقتراح هذه الشخصيات، خصوصاً "المصداقية والحياد والقطيعة مع النظام السابق، وأن يكون للمعنيين امتداد مع الحراك الشعبي، وأن لا يكون لديهم طموح سياسي إضافة إلى عدم تورطهم في الفساد".
وضمت القائمة أسماء كل من المجاهدة جميلة بوحيرد ووزير الشؤون الخارجية السابق والدبلوماسي أحمد طالب الابراهيمي ورئيسَيْ الحكومة السابقين مولود حمروش ومقداد سيفي، إضافة إلى رئيس البرلمان السابق كريم يونس.
كما ضمت القائمة، اسم المحامي مصطفى بوشاشي والخبيرة في القانون الدستوري فتيحة بن عبو والأكاديميين ناصر جابي واسماعيل لالماس وإسلام بن عطية والنقابي الياس مرابط والناشطة الجمعوية نفيسة لحرش والحقوقية عائشة زيناي.
أولى ردود الفعل
في أولى ردود الفعل على تكليفها بمهمة "الوساطة والحوار"، لم تبد بعض الشخصيات أية شروط مسبقة، بخاصة كريم يونس الذي اختلف بشدة مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وقال يونس إنه مستعد للعب "دور الوسيط بين أبناء الوطن ما دام المشروع يتماشى مع المطالب المشروعة لملايين الجزائريين الذين خرجوا إلى الشوارع للتعبير عن آرائهم ورغبتهم في التغيير".
ويعتقد أن كريم يونس، سيكون له دور لافت في الحوار بحسب ما أوضحت مصادر رسمية لـ"اندبندت عربية"، وهذا السياسي اعتزل المشهد العام منذ 2004 ، تاريخ استقالته من البرلمان الجزائري، بعد ضغط من نواب موالين لبوتفليقة في تلك الفترة. وكان يونس موالياً لبن فليس في الصراع على قيادة جبهة التحرير الوطني، ضد التيار التصحيحي الذي قاده رئيس الحكومة السابق عبد العزيز بلخادم.
أما المحامي مصطفى بوشاشي الذي يدافع بشدة عن "فترة انتقالية"، فأعلن موافقته على المشاركة، مقرونةً بتوفر أربعة شروط "كمبدأ عام، أعتقد أن الحوار هو الوسيلة المثلى والحضارية للخروج من الأزمة التي تعيشها الجزائر اليوم، ولكن من الضروري رحيل رموز النظام وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وفتح الفضاء العام ووسائل الإعلام المختلفة أمام جميع الآراء والتوجهات بكل حرية ورفع كل القيود المسلطة على المتظاهرين".
ولم يوضح بوشاشي بالضبط، إن كان شرط رحيل رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، وارداً، وعدم الإشارة إليه بشكل مباشر يعني حصول تطور في موقفه.
"إطلاق سراح الموقوفين" شرط يتكرر
ومن خلال أولى ردود الفعل، تكرر شرط "إطلاق سراح" الموقوفين، والقصد هنا ناشطون اعتُقلوا في جمعتين على التوالي بدعوى "حمل رايات غير وطنية"، كما اعتُقل بعض المتظاهرين في مسيرات الطلبة الجامعيين التي تُنظم كل يوم ثلاثاء.
وقال الأكاديمي ناصر جابي إن "ظهور اسمي في قائمة الشخصيات الوطنية المقترحة للمشاركة في الحوار الوطني من قبل منتدى التغيير المدني، أعلن عن قناعتي كما يلي: إن استمرار الحراك الشعبي سيبقى الضامن الأساسي لأي حوار ناجح. حوار لن يكون مجدياً من دون القبول بمطالب الجزائريين كذهاب الوجوه المرفوضة شعبياً وإطلاق سراح سجناء الرأي ووقف التحرش بالحراك الشعبي".
وأضاف "يجب إطلاق إجراءات التطمين المتفق عليها وطنياً التي تؤكد السلطة من خلالها صدق نواياها في إطلاق حوار سياسي جدي، سيبقى في نهاية الأمر المخرج الضروري نحو بناء جزائر جديدة".
وينتظر مراقبون موقف جميلة بوحيرد، التي تشارك باستمرار في المسيرات الشعبية برفقة شخصيات تناهض خيارات المؤسسة العسكرية، في حين لم يكشف بعد كل من أحمد طالب الابراهيمي ومولود حمروش عن موقفيهما، وكلاهما صاحبا مصداقية لدى الشارع الجزائري، لكنهما يتواريان عن المشهد ويكتفيان برسائل للحراك الشعبي.
وفي حال أعلنت الموافقة النهائية من الشخصيات المذكورة، فإن توافقات كبيرة تكون قد حصلت في الأيام الأخيرة، ما أخر على الأرجح بدء الحوار "الوطني الشامل" الذي أعلن عنه رئيس الدولة المؤقت في الثالث من يوليو (تموز) الجاري.
والقائمة المشار إليها تُحسب على التيار "الديمقراطي" ولو أنها خالية من شخصيات حزبية من الموقف ذاته في الحراك (جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية)، وبذلك يكتمل العقد بعد كسب تأييد "الإسلاميين" و"التيار الوطني" قبل أيام.