Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صاحب "العشاء العاري" يكتب سيرة حياته عشية رحيله

قاتل زوجته وليام بوروز يعود إلى الوضوح في مؤلفه الأخير "تربيتي: كتاب أحلام"

ويليام بوروز (1914 – 1997) (موقع الغارديان)

احتاج الكاتب الأميركي #وليام_بوروز الذي لم يكن الأوسع شهرة بين أبناء جيل "البيتنكس" من خلال أدبه، بل من خلال نمط حياته وغرابة أطواره، هو الذي عاش آخر أيامه في طنجة المغربية أسوة بكبار من أدباء وفنانين آثروا الارتباط بتلك المدينة بعد أن أضجرهم عيشهم "الرتيب" في مدنهم الأصلية. ومن هنا، احتاج إلى أن يقتبس المخرج الكندي #ديفيد_كروننبرغ روايته "العشاء العاري" في فيلم سيلقى نجاحاً بفضل غرابته، حتى تعادل شهرته في العالم شهرة رفيقه جاك كيرواك صاحب "على الطريق".

ومن هنا، حين كتب بوروز ذلك النص الذي عنونه "تربيتي: كتاب أحلام" كان شبه واثق من أنه سينال به نوعاً من حظوة لدى قراء جدد من غير الذين كانوا اعتادوا قراءة رواياته ونصوصه الأخرى السابقة. ومن هنا، ربما نبعت رغبته في أن يتسم كتاب "تربيتي" هذا بشيء من بساطة غير معهودة لديه، غير أن بوروز لم يتمكن من معرفة ردود فعل القراء على بساطته الختامية تلك لأنه رحل عن عالمنا في العام التالي لظهور الكتاب وانتشاره، ناهيك بترجمته إلى لغات أوروبية هو الذي كان أدبه مقروءاً في أوروبا أكثر منه في بلاده الأميركية، ولو عاش أكثر لرأى كيف أن بساطة الكتاب وشهرة فيلمه الذي حققه كروننبرغ جعلا لـ"تربيتي" مقروئية لا بأس بها انعكست على رواج جديد لكتبه السابقة.

 

أحلام حقيقية أم مخترعة؟

كما يدل العنوان الثانوي للكتاب، نحن هنا في إزاء كتاب عن الأحلام، ولكن ليس بالمعنى الذي كان من شأنه أن يروق لسيغموند فرويد صاحب أشهر كتاب عن "علم الأحلام"، بل بالمعنى الذي قد يجعل من أحلام الكاتب المروية فيه مفسرة لعديد من نصوصه الأدبية، سواء كانت متطابقة مع ما حلم به حقاً، أو مع كثير من التوابل على اعتبار أن ما من حالم يمكنه حقاً أن يسجل أحلامه مدعياً أنها هكذا زارته خلال نومه، بتلك الدقة والوعي. ومع ذلك، علينا أن نتعامل مع سرد بوروز لتلك الأحلام على أنها جزء أساسي من سيرته، ومن أدبه أيضاً. ويا لها من سيرة! ففي النهاية، لدينا هنا في ما يقرب من 260 صفحة عشرات الأحلام التي يخبرنا الكاتب أنها كانت مدرسته الحقيقية و"مسودات" قطعه الأدبية، بل حتى "لذة عيشه" طالما أنه شاهدها، بل عاشها في وقت هو غافٍ تحت تأثير المخدرات التي ظل مدمناً عليها وتتوافر له في طنجة حتى آخر أيام حياته.

أما "الأحلام" فتتنوع بين أماكن يزورها، وربما يعرفها أو أماكن تزوره فيكتشفها للمرة الأولى، ثم يتنبه في اليوم التالي حين يفيق من حلمه أنها ليست أكثر من مناطق وهمية لا وجود لها في الحقيقة، وأشخاص يعرفهم، بعضهم من أخلص أصدقائه من أمثال جاك كيرواك الذي نافسه فترة، كما يذكره واحد من الأحلام على زعامة الـ"بيت جنرايشن"، أو برايون جيزن الذي كان صديقاً حميماً له. ومن بين الأحلام هناك، تلك التي تحيل إلى نصوصه نفسها، أو حتى إلى نصوص أراد يوماً كتابتها، ولم يفعل، وها هي الآن تعود في أحلامه وكأنها تحولت إلى كتابات موجودة بالفعل.

سرد الأحلام لتفسيرها

وتلك هي على أية حال وضعية جاك كيرواك وبول بولز على خريطة أحلام بوروز باعتبارهما الأكثر ظهوراً في تلك الأحلام. وبوروز الذي لا يكتفي هنا بسرد أحلامه بدقة كما أشرنا، بل إنه غالباً ما يفسرها بأشكال بدائية أحياناً، ولكن بأشكال تريد لنفسها أن تكون علمية في أحيان أخرى، وإن لم يكن على طريقة فرويد. مثلاً، ها هو هنا يخبرنا بأن ظهور المقربين، سواء كانوا قد رحلوا منذ زمن، كما حال كيرواك، أو لا يزالون على قيد الحياة كما حال بول بولز، صاحب "السماء الواقية" الذي كان مجاوراً له في طنجة ويضاهيه في اهتمامه بالموسيقى، قد يعني شيئاً في مجال سرد الأحلام، ولكن ليس في تفسيرها. ومن الحاضرين في الأحلام من دون تفسير جان جينيه الذي يحضر لمناسبة تتعلق مثلاً بصدور كتابه "الأسير المتيم" الذي يدور في معظمه من حول "القضية الفلسطينية" وأهلها الذين عاشرهم جينيه عن قرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن ما يظهره بوروز في سياق روايته للحلم الذي حضر فيه جينيه إنما كان إظهاره اختلافه الجذري عن زميله الفرنسي من دون أن يربط الاختلاف بأي خلاف! ومن هنا تبدو لافتة الفقرة التي يخبرنا فيها الأميركي قائلاً "إنني أكثر الكاذبين إثارة للازدراء، ولكن ليس لأسباب أخلاقية، أي انطلاقاً من نزاهة مبدئية تطبعني، ولكن انطلاقي من عجزي عن أن أخون بالنظر إلى أنني ليس لديَّ أحد أخونه".

بعيداً من الجنس

مهما يكن من أمر، يكشف لنا كتاب "تربيتي" هذا عن كم أن الكتابة والكتاب يعششون في قلب كتابة بوروز وأحلامه، سواء كان ذلك عن وعي أو في الوعي الباطني الذي تكشف عنه الأحلام، أو حتى الرغبة في "اختراعها". وفي هذا الصدد، يكتب بوروز هذه الفقرة اللافتة التي قد يكون من شأنها أن تسبغ على الكتاب بأسره سمات غير متوقعة بدورها "تماماً كما أن لصاً فتياً يحس أن من حقه أن يحلم، كذلك، فإن من حق كاتب شاب أن يحس أن من حقه أن يكتب. فهل تدركون فحوى كلامي هذا؟"، يسائل بوروز قراءه وهو يوضح أن ليس ثمة في حياة الكاتب الحقيقي، أي كاتب حقيقي، أية حقيقة أخرى غير أن يكتب. ويكتب مثلاً "أن كثراً يتوقعون مني أن أتحدث عن الجنس، لكنني لن أفعل لأن ثمة قليلاً جداً من الجنس في أحلامي، وقد بت الآن في الثانية والثمانين، وأحمل من الأحلام والذكريات ما يفوق طاقتي. فأكتفي وأنا أشعر بالهول بذكريات أكثر عادية وبراءة كتلك التي أحملها منذ كنت أصغر سناً بكثير، وحدث ذات يوم وكنت أعمل في متجر يهودي أن أدخلتني مسؤولة في المتجر من باب الخدم، فاكتفيت بأن أشير إليها بإصبعي إشارة بذيئة وأنا أصرخ: لقد كان هتلر على حق"!!

هل قتل زوجته عن خطأ؟

وهنا قد يكون ملائماً أن نفتح هلالين لنذكر شيئاً عن هذه المسألة تحديداً ناقلين عن بوروز نفسه أمراً بالغ الأهمية، إن لم يكن بالغ الغرابة، ولكنه يورده فقط في السطور الأخيرة من الكتاب قائلاً "كل شيء ينتهي، فهلا عليَّ أن أرتب أموري الآن بشكل مختلف؟". ويقيناً إن "الأمور" التي يريد بوروز أن "يعيد ترتيبها" تتعلق ليس بحياته، بل بالكيفية التي عبر بها عن تلك الحياة. وما "كتاب الأحلام" هذا سوى وسيلته للقيام بذلك، ولكن الذي حدث هو أن رحيل بوروز بعد عام فقط من ظهور هذا الكتاب، وفي وقت لم يتسن للكتاب فيه أن ينتشر ويقرأ بما يكفي لورود تعليقات القراء عليه، حرمه من أن يغمض عينيه وقد أراحته، وربما أزعجته، ردود الفعل تجاهه.

صحيح أن ذلك لم يكن مهماً كثيراً للراحل، لكنه سيكون مهماً بالطبع لمن سيحدث له أن يحلم ذات يوم بالكاتب يزوره آتياً من وراء قبره ليحاسبه أو يناقشه كما يفعل هو مع رفاقه! وبقي أن نذكر هنا أن وليام بوروز المولود عام 1914 ليرحل في عام 1997، كان كاتباً ورساماً وموسيقياً بدأ نشاطاته الإبداعية قبل أن يسهم في تكوين ما سيسمى جيل "البيتنكس"، وليكتب خلال سنوات نشاطه الطويلة متفرغاً للإنتاج في مجال الرواية، وغيرها نحو 18 رواية وقصة طويلة وست مجموعات قصصية قصيرة، إضافة إلى رسمه عدداً لا بأس به من لوحات، ومساهماته لاحقاً في إبداعات موسيقية.

وكل ذلك وسط نشاط لافت في أدب الرحلات من دون أن يمارس أعمالاً حقيقية هو المتحدر أصلاً من عائلة ثرية مكنته من الاستغناء عن القيام بأي عمل غير الإبداع. وكادت حياته الشخصية تمر من دون أحداث درامية لولا ما اتهم به من قتل زوجته الثانية جوان فولمر في نيو مكسيكو عام 1951، وبحسب ما أخبر به المحققين، فإن مسدسه أفلت منه في وقت كان يريه لأصحابه، مما جعل رصاصة تفلت وتصيب من زوجته مقتلاً! وكانت النتيجة أن حكم عليه بالسجن عامين مع وقف التنفيذ!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة