توالت في الآونة الأخيرة جرائم قتل بشعة في المغرب، كثير منها حصل بين #الأزواج أو بين الأشقاء أو بين أبناء #العائلة الواحدة، وفق ما نشرته #الصحافة المغربية من تفاصيل لهذه الجرائم الدموية التي باتت تنفذ بطريقة عنيفة.
وتفيد آخر الإحصاءات الرسمية الصادرة عن مديرية الأمن أن نسبة "الإجرام العنيف" بلغت 6.59 في المئة من مجموع #الجرائم المرتكبة خلال سنة 2022، علماً أن نسبة انكشاف حقيقة الجرائم العنيفة المرتكبة ناهز 85.34 في المئة، بفضل تطوير آليات البحث الجنائي، وأدوار الشرطة العلمية والتقنية في الأبحاث المنجزة.
جرائم "عنيفة"
واهتز المجتمع المغربي قبل أيام قليلة بخبر قتل طفل لا يتجاوز عمره الخمس سنوات في مدينة سوق الأربعاء الغرب، من قبل خاله بمساعدة شقيقتي الطفل في طمس معالم الجريمة ورمي جثته في أرض خلاء.
وأشارت أخبار الصحافة المغربية إلى أن الخال القاتل يبلغ من العمر 22 سنة، وشقيقتي الضحية 17 و20 سنة، فيما لم تعرف إلى حد الآن دوافع أو خلفيات هذه الجريمة.
وقبل أيام مضت أيضاً، عرفت ضواحي مدينة القنيطرة جريمة قتل بشعة، حيث أجهز زوج شاب على زوجته بواسطة عصا غليظة ضربها بها إلى أن فارقت الحياة، قبل أن يلوذ بالفرار، غير أن الشرطة أوقفته بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.
وفي مدينة بوجدور جنوب المغرب، عمد شاب في عقده الثاني على قتل شقيقه بطريقة عنيفة وبشعة، بعدها أضرم النار في البيت لإخفاء ملامح الجريمة المرتكبة، قبل أن يعتقل ويمثل أمام المحكمة.
أما في مدينة الجديدة، فقد نحر زوج زوجته بواسطة آلة حادة لأسباب مجهولة، وذلك أمام أبنائهما الأربعة داخل بيتهما، فيما رجحت مصادر أمنية أن القاتل يعاني من اضطرابات نفسية.
وفي ضواحي مدينة سطات، أنهى شاب في عقده الثاني حياة عمه الذي كان يعمل أستاذاً جامعياً، بعد ضربه بمطرقة حديدية على رأسه، بينما في نواحي مدينة تمارة أقدم نادل على قتل زميله وموظف في قطاع القضاء بواسطة ساطور، على خلفية تصفية حسابات.
"حقد اجتماعي"
ويقول الخبير السوسيولوجي محسن بنزاكور، إن "استفحال مثل هذه الجرائم في جميع المجتمعات بشكل عام، وفي المجتمع المغربي على وجه خاص، يعود إلى أسباب متعددة، منها العامل النفسي الذي قد يتمثل في اهتزاز واضطرابات الشخصية".
ويشرح بنزاكور في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، أن المقصود هنا ليس المريض النفسي، بل المجرم الذي "يتلذذ" باقتراف الجريمة، مبرزاً أن هذا الصنف من الأشخاص المضطربين يفتقدون للتوازن والتعاطف والاعتراف بمشاعر الآخر وحقه في الحياة، كما يفتقدون الحس الإنساني، وتصبح لديهم الجريمة في حد ذاتها غاية، وليست وسيلة لبلوغ هدف معين.
و"أما العامل الاجتماعي يضيف المحلل عينه، فإضافة إلى ظروف الفقر والبطالة، عوامل تجعل الشخص يعيش نوعاً من الفراغ والحقد الاجتماعي، إذ خلال بحثه المضني عن فرص الشغل والاستقرار الاجتماعي، يبدأ في فقد الثقة وتكريس علاقة مَرَضية بينه وبين المجتمع، لتتحول في ما بعد إلى احتمالات شديدة بارتكاب جرائم عنيفة".
ولفت بنزاكور إلى معطى آخر يتجسد في ما سماه "تراجع مفهوم القيم، فالمجرم قد لا يكون يعاني من اضطراب نفسي ولا يكابد شظف العيش، بل قد يكون منتمياً إلى الطبقة المتوسطة أو الميسورة، وعلى رغم ذلك يرتكب جريمة عنيفة جراء تماديه في التركيز على الذات والاعتقاد بدونية الآخر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطرد المتكلم ذاته بأن هناك أيضاً عاملاً آخر يشرح استفحال الجرائم ذات الطبيعة العنيفة، وهو ضعف أو غياب البرامج المتخصصة التي تعتني بالشباب، مردفاً أن "هذه الفئة من المجتمع بدأت تستعيض قيم الانتماء إلى المجتمع بقيم الفردانية التي تقويها وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبار أن هذه الأخيرة تدور دائماً حول محور الفرد وجسد الفرد وإشباع غرائزه".
واعتبر أن "عدم تحقيق هذه الرغبات والأحلام الزرقاء (نسبة إلى الإنترنت)، يدفع الشخص إلى ارتكاب الجريمة، لأنه يقع تحت تأثير ما يشاهده من كم هائل من الفيديوهات التي باتت تستهين بحرمة الجسد وتصور الجريمة على أنها عمل يسير، فتصبح المسافة بين المشاهدة والمرور إلى الفعل قصيرة وقابلة للتنفيذ".
سيكولوجية عدوانية
من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع إدريس الغزواني إن أسباب الجريمة تختلف بين شخص وآخر، بخاصة الجريمة العنيفة المرتبطة بالأصول والمصاحبة بالعنف والعدوانية، وذلك بالنظر إلى تعدد عوامل هذه الظاهرة بين ما هو اجتماعي ونفسي.
وأفاد الغزواني "غالباً ما ترتبط الجريمة العنيفة ببعض الاستعدادات السيكولوجية المكتسبة لدى بعض الأشخاص، أي إن هؤلاء المجرمين العنيفين يرتكبون هذه الجرائم، ليس بسبب الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي الهش، بل بسبب طبيعة شخصيتهم المتفردة التي تتسم بسمات نفسية لديها قابلية لارتكاب الجريمة العنيفة إذا ما توافرت الشروط الخارجية، حيث تغلب النزعة الغريزية والعدوانية على الذات".
واستطرد الباحث موضحاً "هذا النوع من الفعل الجرمي ليس بسبب العوامل الخارجية المثيرة للجريمة، بل نتيجة تلك النزعات الإجرامية والبنية السيكولوجية العدوانية التي تكون عند الأفراد، بدليل أن العوامل الخارجية لا تحدث الأثر نفسه عند جميع الأشخاص".
وإضافة إلى هذا التفسير، يرى الغزواني أن هذه الجرائم التي عادة ما تكون جرائم ضد الأصول، ترتبط أيضاً بما هو اجتماعي وثقافي أحياناً، إذ تكون نتاجاً لخلاف عائلي أو شبهة ظنية أو واقعية بالفعل، يعتقد المجرم بأن الضحية قامت بعمل يعد مخلاً أخلاقياً أو عرفياً لا يمكن إزالة آثاره الاجتماعية إلا من طريق العنف الجسدي الفيزيائي.
وأكمل الأستاذ الجامعي ذاته بأن الجريمة هنا تكون، أحياناً، عبارة عن نوع من رد الاعتبار لبنية أخلاقية واجتماعية ورمزية معينة، وأحياناً أخرى، عبارة عن بحث عن اعتراف نفسي واجتماعي لدى ذلك الشخص الذي ارتكب هذا النوع من الجريمة.
وخلص المتحدث إلى أن "هناك أسباباً كثيرة يمكن من خلالها فهم دوافع وسياقات الجرائم العنيفة في المجتمع المغربي، فهناك بعض الأشخاص الذين يرتكبون هذه الجرائم بالعاطفة والصدفة، أو بالاستعداد الجرمي المرتبط ببنية سيكولوجية غريزية".