تختلف التقييمات للراهن السياسي في #تونس بين من يراه انتكاسة للمسار الديمقراطي الذي بدأته البلاد بعد 2011 على أثر الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق #زين_العابدين_بن_علي بعد أن تم حل البرلمان المنتخب، وتغيير القانون الانتخابي بشكل فردي، وحل هيئة مكافحة الفساد، وتغيير تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المنتخبة، وتعويضها بهيئة معينة، وبين من يراه تصحيحاً لذلك المسار بعد أن أوغلت الأحزاب السياسية في الابتزاز السياسي واقتسام غنيمة الحكم والتغاضي عن مصالح التونسيين.
واختلاف التقييمات السياسية لا ينفي الإجماع على صعوبة الوضع الاقتصادي والمالي الذي تعيشه تونس اليوم، في انتظار موافقة صندوق النقد الدولي والدول المانحة على تمويل ميزانية السنة الحالية، ودفع هذا الوضع غالبية التونسيين إلى العزوف عن أي مشاركة سياسية على إثر خيبات الأمل المتتالية في السياسيين، بمختلف ألوانهم ومشاربهم السياسية والأيديولوجية، وهو ما عكسته نتيجة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي لم تتجاوز 10 في المئة في دورتيها.
وبينما تحشد المعارضة من أجل إرباك مسار 25 يوليو (تموز) 2021، من خلال تركيزها على ضرورة استعادة المسار الديمقراطي، وصون حقوق الإنسان، وضمان حرية التعبير التي ترى أنها انتُهكت مع رئيس الجمهورية قيس سعيد، يتمسك مساندو رئيس الجمهورية بما أفرزه المسار الجديد إلى حد الآن من دستور 2022 وبرلمان جديد منتخب، معولين على تشكل نخبة سياسية جديدة تقطع مع ما يعتبرونه عشرية سوداء لم تخلف إلا الخيبات المتتالية.
انقسام سياسي ومؤسسات ضعيفة
ويستبعد الكاتب الصحافي والنائب السابق في البرلمان هشام الحاجي أن "تخرج تونس من حال الاستثناء، وتستعيد مسار الانتقال الديمقراطي، وأن تتشكل طبقة سياسية جديدة بسبب التراجع عن المكاسب الديمقراطية، وتنامي الاحتقان الاجتماعي وحدة الانقسام السياسي في البلاد"، ويستحضر الحاجي "الخلاف الحاد بين رئيس الجمهورية وجميع الأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات وطنية"، لافتاً إلى حال القطيعة والمواجهة بين الجهتين، "وهو ما لا يوفر الحد الأدنى من الاستقرار السياسي علاوة على تردي الوضع المالي والاقتصادي، ما سيحول دون انبثاق طبقة سياسية جديدة في المدى القريب قادرة على إقناع التونسيين وابتكار حلول لمشاكل البلاد".
ويضيف النائب السابق أن "البرلمان الجديد المنتخب تشوبه نقاط استفهام عدة، لا سيما مدى تمثيله الشعب التونسي، علاوة على أنه لا يمثل سلطة، بل هو مجرد وظيفة، ولا نعلم كيف ستتشكل الكتل بداخله، ما سيجعله برلماناً غامضاً ومؤسسة مفرغة من الصلاحيات وتفتقد للعمق الشعبي"، سائلاً عن "دور الأحزاب في المشهد السياسي مستقبلاً"، ومعتبراً أنها "عوامل تؤشر إلى استمرار الأزمة أو ربما تعميقها".
ويقر الحاجي أن "تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس فشلت لأسباب عدة، منها مساهمة من تصدروا المشهد السياسي في العشرية الأخيرة، أي بعد 2011 في ترذيل الممارسة السياسية والتعامل مع الحكم بمنطق الغنيمة، ولم يتم وضع آليات انتقال ديمقراطي حقيقي"، داعياً إلى "تكوين جيل جديد من السياسيين وفكر ديمقراطي حديث بآليات جديدة ورؤية مختلفة لتعزيز المؤسسات الديمقراطية".
نخب سياسية جديدة بمؤسسات مختلفة
وفي مقابل هذا الطرح، يأمل الناشط السياسي ورئيس حزب "التحالف من أجل تونس" سرحان الناصري "مستقبلاً أفضل في تونس متشحاً بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة وبنخبة سياسية جديدة وبمؤسسات منتخبة"، ويؤكد أن "المسار الجديد الذي دخلته البلاد بعد 25 يوليو 2021 انطلق بتجميد المؤسسات التي خربتها المنظومة السياسية الفاسدة التي حكمت تونس طيلة 10 سنوات، وتُوّج هذا المسار بانتخاب أعضاء برلمان جديد، وهو ما سينهي فترة حكم المراسيم بتوليه مسؤولياته التشريعية لأن تونس دولة مدنية ذات سيادة تحكمها سلطة القانون والمؤسسات، ولا يمكن أن تبقى في ظل المراسيم والحكم الفردي"، ويضيف الناصري أن "تركيز المؤسسات بدأ فعلياً بالبرلمان، ثم مجلس الأقاليم والجهات، ثم المحكمة الدستورية، وعندها ستستعيد الدولة مكانتها، وستدخل البلاد في مرحلة ديمقراطية جديدة بنخبة سياسية مختلفة عن الطبقة السياسية القديمة التي كانت تخدم مصالحها الحزبية الضيقة، ومصلحة مجموعات مالية واقتصادية نافذة على حساب مصالح التونسيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" النخب السياسية التي كانت موجودة قبل 25 يوليو 2021 إلى "مراجعة حساباتها للتموقع عن جدارة في المشهد الجديد الذي سيرتكز على مبادئ الجمهورية والمصلحة الوطنية"، وعن آفاق التجربة الديمقراطية في تونس، يقول الناصري متفائلاً إنها "انطلقت فعلياً بعد 25 يوليو 2021 بعد أن عاشت تونس ديمقراطية مغشوشة وعلى مقاس الأحزاب الفاشلة التي انشغلت بصراعاتها السياسية على حساب خدمة التونسيين".
انتخابات رئاسية مبكرة
في الأثناء، تعتبر الأحزاب المعارضة أن مسار 25 يوليو "انقلابي على الشرعية وعلى دستور الجمهورية وتصفه بمحاولة لتأسيس ديكتاتورية على أنقاض ثورة 2011 ومكتسباتها"، داعية إلى استقالة سعيد وفسح المجال أمام الشعب لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة كمدخل لحل للأزمة الراهنة، كما دعت "القوى الحية السياسية والمدنية كلها إلى توحيد جهودها والاتفاق على أرضية مبادرة تنهي مرحلة العبث بالدولة".
لن أكون ديكتاتوراً
من جهته، نفى رئيس الجمهورية أن تكون لديه مساع ليصبح ديكتاتوراً، مؤكداً أنه "رجل حوار ومفاوضات"، وقال سعيد للصحافيين أمام مقر اجتماع القمة الأفريقية- الأوروبية بالعاصمة البلجيكية بروكسل، في فبراير (شباط) من السنة الماضية، رداً على اتهامه بأنه ديكتاتور "مثلما قال الجنرال (شارل) ديغول (رئيس فرنسا الأسبق) ليس في هذا العمر أبداً مسيرة ديكتاتور، ولا يمكن أن أكون إلا ضمن سياق دولة القانون والمؤسسات".