في مقطع مدته 12 ثانية فقط، يستعرض بسرعة مجموعة من الصور الملتقطة على أضواء الملعب المبهرة، تمكنت #ريانا من إثارة الجمهور أكثر من مباراة #كرة_القدم_الأميركية الممتدة لثلاث ساعات كاملة.
المقطع الترويجي المنشور على الإنترنت من بروفات الحفل الذي أحيته "ري ري" ما بين الشوطين في نهائي البطولة السابعة لكرة القدم الأميركية (سوبر بول) لم يكشف كثيراً عن خططها. على كل، بالنسبة لمعجبيها، كان هذا الحدث بمثابة هدف يسجل في اللحظة الأخيرة، إذ شهد حفل سوبر بول 2023 أول أداء مباشر لها منذ حفل جوائز غرامي في عام 2018، ونظراً إلى اعتبار عرض ما بين الشوطين أعظم حفل لموسيقى البوب في الكوكب كما يدعي البعض.
علينا ألا ننسى أن عرض ما بين الشوطين أصبح خلال السنوات الثلاثين الماضية معروفاً بكونه أعظم حفل موسيقي مصغر في العالم، بمثابة التمكن من اختزال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية الذي يستغرق 12 دقيقة في 6 دقائق فقط، هذا الحفل الذي يفخر بمشاهدته من قبل أكثر من 100 مليون متفرج في 180 دولة وأضخم جمهور تلفزيوني في العام في أميركا، يتطلب تحضير أكثر المناظر التي تشد الأبصار. في العام الماضي، قدمت مجموعة من مغني الراب المشاهير، بمن فيهم دكتور دري وسنوب دوغ وكيندريك لامار وإيمينيم، سيلاً من كلاسيكيات الهيب هوب ضمن عرض على هيئة حفل على قمة بناء مستوحى من المستقبل.
سنة 2021، قدم المغني الكندي "ذا ويكند" أغنياته في مدينة مصغرة تم بناؤها ضمن مدرجات استاد ريموند جيمس في تامبا، امتلأت بمئات من الحضور المخيفين الذين ارتدوا أقنعة بيضاء ومعاطف حمراء وأحاطوا عيونهم بهالات بنفسجية. في عام 2015، امتطت كيتي بيري ظهر نمري ذهبي هندسي عملاق طاف بها على مسار الملعب الذي يتجاوز طوله 27 متراً وحلقت حول الاستاد محمولة على رافعة تنطلق منها ألعاب نارية. إنه بالتأكيد ليس حفل مبتدئين موسيقياً.
بفضل المنصة التي تمتد على كامل ملعب كرة القدم والميزانية الضخمة التي يبدو أنها بلا سقف مثل الاستاد نفسه (من المعروف أن كلفة الإنتاج تصل إلى 10 ملايين دولار)، تطور عرض ما بين الشوطين إلى مختبر يتم فيه تجريب الإمكانات البصرية لموسيقى البوب وبوتقة لخلط مواهب فناني الصف الأول. هل تريدون معرفة ما الذي يمكن أن يفعله كولد بلاي بعديد من الفرق الموسيقية الاستعراضية وأوركسترا مكونة من الأطفال ومئتي زهرة عملاقة وأرقام هواتف برونو مارس وبيونسيه؟ كيف يمكن لـليدي غاغا أن تنزل من سطح الملعب وتهبط على نسخة من شعلة تمثال الحرية يتجاوز طولها 15 متراً؟ أو ببساطة أن تتصفحوا على هواتفكم مزيداً من الهفوات والخلافات والنكات المصورة من الحفل الذي يمتلك بفضل أحداثه لقب الموطن الأصلي "للأزياء الفاشلة"؟ ما عليكم سوى حضور هذا العرض.
لم يكن الحال كذلك دائماً. منذ نشأة عرض ما بين الشوطين في أول لعبة سوبر بول عام 1967، اشتمل الحفل الممتد لنصف ساعة في البداية استعراضات أميركية خالصة فوق الملعب تؤديها فرق الاستعراض الجامعية والمشجعون. من حين لآخر، قدم مغنون أمثال آندي ويليامز وإيلا فيتزجيرالد أو كارول تشانينغ أغنيات لإحياء ذكرى عظماء موسيقى الجاز مثل لويس أرمسترونغ وديوك إلينغتون. في بعض السنوات كانت الاحتفالات تحمل مواضيع مثل كرنفال الشراهة أو موسيقى السود أو الكاريبي أو الفرق الكبيرة، أو مخصصة للموسيقى الأميركية والأفلام والتاريخ. شهد بعضها الآخر ملء والت ديزني الملعب بشخصيات كرتونية والأشخاص الذين يرتدون أذني ميكي ماوس الشهيرتين، أو الاحتفال بالذكرى الأربعين لقصص "بيناتس" المصورة، وتقديم ملكة جمالة تكساس لعام 1974 عزفاً منفرداً على الكمان، وقيام أحد مقلدي إلفيس بريسلي، ويدعى إلفيس بريستو، بعرض خفة باستخدام أوراق لعب ضخمة في عام 1989.
نظراً إلى اكتساب الحدث طابعاً موسيقياً أكثر تعقيداً بشكل متزايد خلال الثمانينيات، سلطت العروض المنتظمة التي تقدمها فرق موسيقى سول بوب الملهمة المنتمية لمنظمة "أب ويذ بيبول" غير الربحية الضوء على الإمكانات الموسيقية للحفل. مع ذلك، لم تتحول المناسبة إلى عرض نجوم غير الطبيعة الأصلية للفعالية إلا في المباراة النهائية للبطولة الخامسة والعشرين في عام 1991. كان هناك ظهور سريع لفرقة الشباب "نيو كيدز أون ذا بلوك" اللامعة أثناء عرض يقدمه بالكامل أطفال من إنتاج عالم ديزني، سيكون من دون مشاركة الفرقة اقتباساً لطيفاً جداً لعملية عاصفة الصحراء. في العام الذي تلاه، تم رفع غلوريا إستيفان على برج يبرز وسط عرض مستوحى من الشتاء مليء برجال الثلج والمتزلجين على الجليد في واحد من عروض ما بين الشوطين عديدة التي يطوف فيها النجوم في الهواء.
تغيرت طبيعة الحدث بالكامل في عام 1993، عندما قفز مايكل جاكسون من بين الألعاب النارية المتدفقة ليقدم تشكيلة من أغنياته الناجحة محاطاً بفريق من الراقصين المرتدين زي شرطة ويؤدون حركات مثيرة. في غضون 12 دقيقة، استحضر صوراً ضخمة مكونة من مربعات يحملها الأطفال في المدرجات بتحريك عصا سحرية بيده وأحاط نفسه بأطفال من جميع الدول تحت بالون ضخم على هيئة الكرة الأرضية وهو يقدم أغنية "اشف العالم". ارتفعت مبيعات ألبومه "خطر" بنسبة 83 في المئة في الأسبوع التالي، وفجأة، أراد نجوم الصف الأول المشاركة في الحدث.
لعدة سنوات، أصبح حفل ما بين الشوطين عرضاً موسيقياً مسرحياً ضخماً، يظهر فيه نجوم مثل باتي لابيل، زي زي توب، بويز تو مين، ستيف وندر، غريستينا أغييليرا وفيل كولينز على أضخم وأكثر منصة مربحة في العالم. على كل حال، بقيت العروض نفسها مبتذلة، تقدم تكريماً لفرقة "ذا بلوز براذرز" أو تقحم وصلة حول فيلم "إنديانا جونز" جديد، أو ببساطة تتناول موضوع السلام العالمي بشكل عام.
بعد ذلك، تم التخلي في عام 2001 عن الموضوعات المغرقة في العاطفية وتم منح هذه المساحة التلفزيونية المهمة لفنانين بارزين في موسيقى البوب أو يمتلكون إرثاً مهماً في عالم الروك ليصدحوا بأغنياتهم الناجحة بإيقاع سريع بشكل خيالي. توحدت فرقتا "إيروسميث" و"إن سينك" تحت اسم "إيروسينك" في عرض "ملوك الروك والبوب"، وهو خليط ثقافي غريب زادت إثارته بسبب وصلات عشوائية قدمها ضيوف الأمسية بريتني سبيرز، ماري جيه بلايج ونيلي.
في العام التالي، قدمت فرقة "يو 2" أغنية "حيث الشوارع ليس لها اسم"، بينما كانت أسماء ضحايا 11 سبتمبر (أيلول) تمرر على شاشة قماشية عملاقة. خلال العشرية الأولى من القرن الحالي، قدم كل من بول مكارتني وبرنس وتوم بيتي وبروس سبرينغستين العروض المفضلة، بينما قدمت فرقة "ذا رولينغ ستونز" أضخم عرض في الحدث بمناسبة الدورة الأربعين لسوبر بول في عام 2006. من خلال لوحة تمتد على طول الملعب لصورة الشفتين اللتين تأخذهما الفرقة شعاراً لها، وضعوا الجماهير المحتفلة في منطقة اللسان في الشعار الشهير. ومع ذلك، تمكن عرض ما بين الشوطين خلال العقد الماضي من العثور على توأم روحه الطبيعي في حضور نجوم البوب الرئيسين. ظهرت مادونا في عام 2012 بنسخة أنثوية من الإله زيوس ضمن موكب ذهبي يشق مدينة أوليمبوس معاصرة، بينما لمت بيونسي شمل عضوات فرقة "ديستنيز تشايلد" اللاتي دخلن فجأة من باب سحري في عرض سنة 2013.
بشكل مفهوم، تسبب هذا التحول في تحميل فرق الإنتاج أعباء لا نهاية لها. قال مهندس الصوت في حفل سوبر بول، باتريك بالتزيل، لموقع "ذا فيرج" في عام 2018: "علينا الانطلاق من مواقف السيارات ونقل كل المعدات إلى مكانها في الملعب خلال ست دقائق وتوصيلها في الظلام والتحقق من عملها"، في حين أن معظم المغنين يقدمون أغنياتهم مباشرة على خلفية مسجلة مسبقة لجعل هذا العرض الترفيهي المبهرج المستعر أكثر سلاسة، أصرت فرقة "ذا رولينغ ستونز" على توصيل ميكروفونات لتجهيزات المجموعة بأكملها. في المقابل، رفض برنس المهووس بمثالية الصوت في البداية النظام المتنقل الذي وضعه بالتزيل والقابل للتشغيل في ثوان. وطالب بتثبيت مكبرات الصوت في الملعب في عام 2007 لتقديم أداء منفرد لأغنيته "المطر الأرجواني" الحماسية ينافس عاصفة الأضواء البنفسجية المرافقة. اعترف بعدم صواب فكرته فقط عندما قيل له إنه من غير الممكن تمرير المكبرات في الوقت المناسب عبر الأنفاق التي يدخل منها اللاعبون والتي لا يتجاوز عرضها 3 أمتار.
كما أن ضخامة العرض وإيقاعه السريع يجعلان الهفوات والأخطاء شائعين جداً. أي شخص سمع فيرغي من فرقة "بلاك آيد بيز" وهي تتأوه وتؤدي بصعوبة أغنية "أيها الطفل الجميل أنت لي" برفقة عازف الغيتار سلاش في عام 2011، لم تتعاف طبلة أذنه من صوتها حتى الآن، كما أن دعوى قضائية رفعت للمطالبة بتعويض بقيمة 16.6 مليون دولار من مغنية الراب "أم آي أم" لرفع إصبعها الوسطى في وجه الجمهور في أحد أكثر العروض مشاهدة على التلفزيون، بينما كانت تقدم أداءً جانبياً بوصفها إمبراطورة رومانية مرافقة لمادونا. نشرت تغريدة تقول: "عزيزتي مادونا، هل يمكنني اقتراض 16 مليون دولار؟" وعلى رغم حركاتها الشهوانية وعروضها الجريئة في عام 2015، إلا أن مرافقة الراقص "ليفت شارك" لـكيتي بيري على المنصة لا يمكن أن تنسى بعد الضجة الهائلة التي أحدثتها على الإنترنت. كان الراقص المسكين يكافح لتأدية الحركات في عرض راقص ذي طابع شاطئي لأغنية "حلم مراهق" لأن الراقصين كانوا يقدمون الرقصة وهم يرتدون بدلات اسفنجية ضخمة على هيئة أسماك قرش، بينما يتشتت انتباههم على الأرجح بسبب كل كرات الشاطئ الضخمة تلك التي كانت تشارك بيري الغناء.
كل ذلك يبدو ضئيلاً مقارنة بعرض ما بين الشوطين في نهائي عام 2004، الذي يعتبر السبب الحقيقي في ابتعاد سوبر بول عن نجوم البوب للسنوات السبع التالية من دون انقطاع. عندما سحب جاستن تيمبرليك القطعة التي تغطي الصدر من الزي الجلدي الذي كانت ترتديه جانيت جاكسون من تصميم ألكسندر ماكوين لما وصل إلى المقطع القائل "سأعريك بحلول نهاية هذه الأغنية" وهما يقدمان أداء مشتركاً لأغنيته المنفردة "حرك جسدك"، كاشفاً ثديها العاري أمام 140 مليون مشاهد، سرعان ما تحولت هذه اللحظة إلى واحدة من أكثر اللحظات شهرة في تاريخ البث المباشر. تسببت برد فعل عنيف عبر أميركا المحافظة (حيث اعترض عليها أكثر من نصف مليون أميركي، مقارنة بنحو 50 كندياً) وكانت لها تداعيات مجتمعية تتجاوز بكثير ظهور مصطلح "الأزياء الفاشلة".
التفسير الرسمي هو أن تيمبرليك كان يقصد فقط الكشف عن حمالة الصدر الحمراء المصنوعة من الدانتيل التي كانت ترتديها جاكسون، وأن ملابسها الداخلية التي لا يمكن التنبؤ بها هي المسؤولة عن "الحادث"، لكن فرضت غرامة قدرها 550 ألف دولار (وألغيت لاحقاً) على قناة سي بي أس بتهمة الفحش بسبب "فضيحة الحلمة". أثار القرار فرض مزيد من الرقابة بين عشية وضحاها عبر وسائل الإعلام الأميركية وكان له تأثير مدمر على حياة جاكسون المهنية كان أكثر وضوحاً بكثير من "فشل الزي" نفسه.
حقيقة أنها استبعدت فوراً من الأفلام ومراسم توزيع الجوائز ووضعت على القائمة السوداء لعديد من القنوات التلفزيونية والإذاعية في جميع أنحاء العالم، بينما لم تتعرض حياة تبمرليك المهنية لأي أذى تقريباً، عكست بشدة النظرة الضمنية لأميركا تجاه النساء والأقليات. في هذه الأثناء، ووسط الاندفاع الذي حرضته الفضيحة لمشاهدة الحادثة على الإنترنت، الذي جعل اسم "جانيت جاكسون" الأكثر بحثاً في تاريخ الإنترنت وأكسب منصة "تي آي فو" TiVo الرقمية نحو 35 ألف مشترك جديد، أصيب ثلاثة رجال هم جاويد كريم وستيف تشين وتشاد هيرلي بالإحباط الشديد لعدم تمكنهم من العثور على المقطع في أي مكان، مما جعلهم يبتكرون فكرة إنشاء منصة بث تدفقي رقمية تديرها العامة، وأطلقوا عليها اسم "يوتيوب".
جاء الجدل الأخير حول استعراض ما بين الشوطين في سوبر بول عام 2019، عندما انتقد مارون 5 لقبوله تقديم الحفل بعد رفض عديد من الفنانين البارزين إحياءه احتجاجاً على إبعاد اتحاد كرة القدم الأميركي كولين كيبرنيك، لاعب خط الوسط السابق في فريق سان فرانسيسكو 49، الذي بدأ حركة ثني إحدى الركبتين والارتكاز على الأخرى في إشارة إلى مناهضة عنصرية ووحشية الشرطة خلال تشغيل النشيد الوطني للولايات المتحدة في مباريات عام 2016. كانت ريانا من بين المعترضين وقالت لمجلة فوغ عن رفضها إحياء حفل سوبر بول عام 2018: "لم أستطع أن أجرؤ على فعل ذلك... من الذي يكسب من ذلك؟ ليس الناس الذين أنتمي إليهم. لا أستطيع أن أكون خائنة ببساطة. لا يمكنني أن أكون عاملاً مساعداً". الآن، زعمت قبل تقديم عرض هذه السنة: "يجب عليَّ الارتقاء إلى مستوى هذا التحدي".
بغض النظر عن مقدار سحر ريانا على الحدث، فإن حفلها ضمن بالفعل إذن مكانه بين عروض ما بين الشوطين الأكثر إثارة للانقسام. آه، هل قلت كانت هناك مباراة كرة قدم أيضاً؟ هذا غريب، لكن ليس مهماً.
© The Independent