تتفاقم الصعوبات في مواجهة #المواطن_اللبناني يومياً في ظل الارتفاع الجنوني والمستمر لأسعار #صرف_الدولار الذي تخطى عتبة الـ80 ألف ليرة لبنانية.
أسعار المحروقات والأدوية والأطعمة تشهد زيادة غير مسبوقة، مما يزيد معاناة المواطن في حين يبدو الأفق مسدوداً في شأن الحلول.
فأسعار الفاكهة والخضراوات التي شكلت دوماً غذاء أساسياً للفقراء، قفزت بمعدلات كبيرة حتى تخطت قدرة المواطن العادي وإمكاناته. أما البصل الذي يعتبر مكوناً رئيساً في أطباق اللبنانيين لسعره الزهيد، فتحول إلى مصدر قلق لكثيرين بعدما سجلت أسعاره ارتفاعاً كبيراً الأسبوع الماضي.
سعياً وراء الأرباح
لم يواجه اللبنانيون وحدهم أزمة البصل، فبدأت الأزمة مع تأثر إنتاج أكثر دولتين تصديراً له بالسيول والفيضانات، وهما الهند وباكستان، مما أدى إلى ارتفاع سعره بشكل كبير حول العالم. لكن في لبنان كان الوضع أكثر سوءاً، إذ أوضح رئيس جمعية المزارعين أنطوان الحويك أن المشكلة الأساسية كانت في فائض إنتاج ديسمبر (كانون الأول) الماضي الذي لم يكن من الممكن تصريفه، فاحتج التجار لعدم قدرتهم على بيع 15 ألف طن من البصل. وفي ظل ما حصل في أوكرانيا والهند وباكستان، ازدادت الأزمة حدة وارتفعت أسعاره إلى حد كبير. يضاف إلى ذلك أن المزارعين باعوا إنتاجهم وذهب قسم منه إلى سوريا، حيث يمكن أن يحققوا أرباحاً كبيرة بالمقارنة مع ما يحققونه من أرباح في لبنان.
ويضيف الحويك "بلغ سعر كيلوغرام البصل دولاراً واحداً مع الإشارة إلى أن لبنان ينتج 100 ألف طن سنوياً في حين يستهلك البلد 270 طناً تقريباً في اليوم. وكان من المفترض تأمين قسم من حاجات البلاد من البصل المستورد من مصر، لكن شاءت الظروف أيضاً أن يأتي البصل المصري بنوعية سيئة، علماً أن نسبة 90 في المئة من واردات لبنان هي من مصر لوجود اتفاق بين البلدين يقضي بالتبادل التجاري في منتجات زراعية معينة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع "ما حصل ناتج من عملية تجارية قام بها التجار لتحقيق الأرباح، وأدت إلى ارتفاع أسعار البصل بهذا الشكل مع ازدياد الطلب عليه، في مقابل الشح في الكميات المتوافرة منه. لقد كانوا على علم بحاجة لبنان إلى الإنتاج بسبب شح الواردات، لكن رغبتهم في تحقيق الأرباح كانت الأقوى".
على أثر ما حصل، أصدر وزير الزراعة قراراً يقضي بمنع التصدير من دون الحصول على إجازة مسبقة من وزارة الزراعة، لكن بحسب الحويك، "كان من الأفضل لو أن هذا القرار اتخذ سابقاً بما أن أزمة البصل كانت عالمية والوزارة على علم بها. ولو حافظ لبنان على هذا الإنتاج لكان كافياً لسد حاجات السوق حتى شهر أبريل (نيسان) المقبل، وعندها يبدأ الموسم الجديد من إنتاج البصل في لبنان. لقد أديرت الأزمة بطريقة سيئة كما يبدو واضحاً، مما انعكس سلباً على المواطن ووضعه المعيشي المنهار أصلاً".
وكان المكتب الإعلامي في وزارة الزراعة بلبنان أصدر بياناً يوضح فيه أن ما حصل سببه "ارتفاع كلفة النقل والشحن العالمي، إضافة إلى زيادة الصادرات اللبنانية من منتجات زراعية وغيرها مع تدني سعر صرف العملة الوطنية على حساب الدولار، الأمر الذي شجع عمليات التصدير باتجاه الدول المجاورة أكثر فأكثر، حتى قاربت ضعفي النسبة في الأعوام السابقة".
من المتوقع أن تعاود أسعار البصل الانخفاض في الأسبوع المقبل مع دخول كميات مستوردة منه إلى البلاد بما يسهم في سد حاجات الأسواق اللبنانية، فقد أعلنت وزارة الزراعة عن دخول كمية تتخطى 1300 طن منه للتوزيع تباعاً على الأسواق.
أسعار السوبرماركت
لا تشكل أزمة البصل التي أحدثت ضجة واسعة في البلاد، المعاناة الأساسية في حياة المواطنين، إذ إن الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار انعكس على أسعار جميع السلع الأساسية. ثم جاء قرار تسعير السلع بالعملة الأميركية في السوبرماركت ليزيد المشهد قتامة.
مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر كان تأنى قبل إصدار هذا القرار في الأسابيع الماضية، وعلى أثر مشاورات مطولة ومراقبة لردود فعل المواطنين حوله، أصدره أخيراً. وبحسب تصريحات أبو حيدر إلى "اندبندنت عربية"، "لم يكن من الممكن الاستمرار على هذا النحو من دون تقديم حل على المستوى النقدي في ظل التقلبات المستمرة في الأسعار. وبما أن تثبيت سعر الصرف غير ممكن حتى اللحظة كان الحل هو دولرة الأسعار في السوبرماركت. وفي الوقت نفسه، ستستمر وزارة الاقتصاد في الرقابة التي ستكون أسهل في المرحلة المقبلة مع اعتماد التسعير بالدولار. فهامش الربح يكون واضحاً ومحدداً بالاستناد إلى سعر الشراء من الوكلاء، وهو بالدولار أيضاً".
إذا كانت الدولة أوجدت حلاً للتقلبات المستمرة بأسعار السلع في السوبرماركت والتلاعب فيها، فإن هذا لا يخفف من الأعباء على المواطن بعدما قفز سعر الصرف بمعدل 54 مرة بالمقارنة مع مرحلة ما قبل الأزمة.
من جهة أخرى، ينعكس ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل مباشر على أسعار المحروقات، بالتالي على أسعار السلع كافة. وتشكل تقلبات أسعار الصرف المستمرة هاجساً للمواطنين الذين يترقبون في حياتهم اليومية صدور جداول عدة لأسعار المحروقات في اليوم الواحد. وربما يجد المواطن نفسه أمام أزمة مع إقفال المحطات في أي وقت، اعتراضاً من أصحابها على الخسائر التي يمنون بها في مثل هذا الوضع.
يؤكد نقيب أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس أن "الحياة اليومية للمواطن ترتبط بالمحروقات، سواء في التنقل أو التدفئة أو أسعار السلع الاستهلاكية أو تشغيل المولدات، وهي بدورها تتأثر بسعر الصرف بشكل مباشر. ومن الطبيعي أن يزيد ارتفاع أسعار المحروقات من معاناة المواطن وسوء وضعه المعيشي، ولا بد من إيجاد حلول جذرية بدلاً من تلك الترقيعية التي تغرق البلاد أكثر".
ويتابع "إصدار جدول يومي لأسعار المحروقات ليس حلاً. تماماً كما هي الحال بالنسبة إلى أسعار السلع في السوبرماركت، فمن الضروري اعتماد تسعيرة بالدولار للمحروقات أيضاً منعاً لهذه البلبلة الحاصلة وبدلاً من إصدار جداول عدة في اليوم، وهو ما نطالب به منذ أكثر من سنة، كانوا يصدرون جدولاً مرة في الأسبوع. أما المحطات التي تغلق أبوابها أمام المواطنين أحياناً، فهي تفعل ذلك حتى لا تتكبد خسائر حال حصول تقلبات كبرى في أسعار الصرف".
تهدف جميع الحلول المطروحة إلى تنظيم الأمور إلى حد ما، لكنها جميعاً لا تخفف من الأعباء على المواطن في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة طالما أن سعر صرف الدولار مستمر بالارتفاع، الأمر الذي ينعكس على السلع الاستهلاكية بأنواعها من غذاء ومحروقات، وهذا ما يزيد معاناة المواطن الذي لا يجد أمامه أملاً في الخروج من نفق الانهيار الذي دخل فيه خلال الأعوام الأخيرة.