Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران... سياسات البقاء

ثمة أسئلة كثيرة وكبيرة يطرحها إصدار جديد للكاتب الأميركي لبناني الأصل وليد فارس عن نظام طهران

متظاهر يحمل دمية معلقة تمثل المرشد الأعلى الإيراني خلال احتجاج في بروكسل 20 فبراير 2023 (أ ف ب)

ملخص

كيف حافظ #النظام_الإيراني الحاكم على بقائه قائماً إلى الآن؟ وكيف نجا من طوفان #الغضب_الأميركي الذي اجتاح #العراق وأفغانستان؟ وكيف نجا من #الحرب_الباردة؟

في الوقت الذي تنشغل فيه أميركا وإيران بمحادثات ترمي إلى استئناف الاتفاق النووي، الذي تم توقيعه بين البلدين خلال فترة رئاسة باراك أوباما، ثم تراجعت عنه الولايات المتحدة في ظل حكم دونالد ترمب، ثم عادت لتحاول إحياءه الآن في ظل إدارة جو بايدن الحالية، يصدر عن دار نشر "بوست هيل" كتاب مهم في هذا الموضوع للكاتب الأميركي لبناني الأصل وليد فارس عنوانه "إيران: الجمهورية الإمبريالية والسياسة الأميركية".

ثمة أسئلة كثيرة وكبيرة يطرحها الكتاب، فضلاً عن انشغاله الدائم أيضاً بتأكيد لا جدوى الاتفاق النووي الذي يجري العمل على محاولة استئنافه، الأسئلة هي "كيف حافظ النظام الإيراني الحاكم على بقائه قائماً إلى الآن؟ كيف لنظام معاد للولايات المتحدة الأميركية منذ نشأته الأولى إثر ما عرف بالثورة الإسلامية عام 1979 أن يبقى إلى الآن؟ كيف نجا من الحرب الباردة؟ ومن حربه مع العراق على مدار ما يقارب العقد من الزمن؟ وكيف نجا من طوفان الغضب الأميركي الذي اجتاح العراق وأفغانستان، عن يمين إيران وشمالها، في السنوات التالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)؟

كيف بقي هذا النظام وقد أعلنت الولايات المتحدة إيران ضمن محور الشر الشهير في عهد إدارة بوش الابن؟ كيف وقد أدرجت في السنوات التالية بعض وكلائه الإقليميين، بل وحرسه الثوري نفسه، على قائمة المنظمات الإرهابية؟ كيف على رغم هذا كله، فضلاً عن اضطرابات داخلية كثيرة وغير هينة قوضت أمثالها أنظمة حكم أخرى في المنطقة كان بعضها أكثر رسوخا منه، لم يزل النظام الإيراني راسخاً، ويتفاوض الآن على استئناف الاتفاق النووي، ويمثل جزءاً مزعجاً في معادلة الحرب الروسية- الأوكرانية، أو بالأحرى الحرب الروسية الغربية، ويتوسع إقليمياً في أكثر من بلد وبأكثر من طريقة؟

كيف على رغم التحريض المعلن اللحوح للولايات المتحدة على هذا النظام من إسرائيل والتخوف من توسع إيران وطموحاتها النووية؟

سر بقاء النظام الإيراني

غير أن الكتاب في ما يبدو لا يطرح هذه الأسئلة الكبيرة عن سر بقاء النظام الإيراني وأسباب قوته، أو بالأحرى أسباب المرونة التي مكنته من احتمال هذه الأنواء الخطيرة، إلا ليضع يده على الأسباب التي أعجزت الولايات المتحدة، أو ألهتها، عن تغيير هذا النظام المعادي، حتى الآن على الأقل.

الكتاب لا يشير إلى مواطن قوة النظام الإيراني إلا لينبه إلى نقاط ضعف في الداخل الأميركي، ومع ذلك فقد يكون من الممكن لمن يقتنع بسردية هذا الكتاب أن يجد طرفاً من أسباب القوة الإيرانية.

يتمثل الطرح الذي يقدمه فارس، في أن إيران ورثت عن الاتحاد السوفياتي السابق غداة انهياره بعض بؤر الضغط في الولايات المتحدة من اليسار إلى أقصى اليمين، مكونة ما يطلق عليه الكاتب "اللوبي الإيراني" أو جماعة الضغط الموالية لطهران في الولايات المتحدة، وقد أضيفت إلى ذلك اللوبي خلال السنوات الأخيرة جماعة ضغط أخرى أقوى وأكثر نفوذاً، وهي التي يسميها فارس بلوبي الاتفاق النووي، وهو لوبي مدعوم من شركات أميركية كبرى لها مصالح مباشرة في الاتفاق الذي أبرمته الولايات المتحدة في ظل إدارة باراك أوباما، ثم تراجع عنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في سنوات حكمه الأربع الغابرة ليفرض على جو بايدن أن يبدأ من جديد محاولات إحياء ذلك الاتفاق.

 

 

بسبب جماعتي الضغط آنفتي الذكر، فضلاً عن الظروف الدولية على مدار العقود الماضية التي لم تكن مواتية للنظام الإيراني طيلة الوقت، لكنها خدمته بطريقة أو بأخرى، أمكن لإيران أن تمنع الولايات المتحدة بإداراتها المتعاقبة منذ 1979 وحتى اليوم، بما فيها من إدارات جمهورية وديمقراطية، من أن تتخذ منها الموقف الصارم الكفيل بإرضاء حلفاء أساسيين واستراتيجيين للولايات المتحدة منهم إسرائيل نفسها.

ذلك هو الطرح الأساسي الذي يقدمه وليد فارس، مستشار ترمب السابق، في مقدمة وعشرة فصول منها ما تنبئ عناوينه فقط بفحوى ما فيه إلى حد ما، "جذور الخطر الإرهابي الإيراني"، "النظام الإيراني بعد 11/ 9"، "اتفاق أوباما"، "استغلال إيران لداعش"، "حقبة ترمب: احتواء النظام الإيراني"، "حقبة بايدن: رجوعاً إلى سياسات أوباما الإيرانية"، "استراتيجيات إيرانية وسياسات أميركية"، "اللوبي الإيراني"، "الرقص مع إيران"، "الخلاصة الكبرى".

خبرة وليد فارس

في استعراضها للكتاب المنشور في موقع تحالف أميركا والشرق الأوسط من أجل الديمقراطية، تقدم تيرا دال تعريفاً مسهباً لوليد فارس، غير التعريف المتحفظ الذي يقدمه هو لنفسه في ذيل كتابه، ففي حين أنه يشير باقتضاب ودونما تفاصيل إلى تعيينه "مرتين مستشاراً لشؤون السياسة الخارجية والأمن الوطني لمرشح رئاسي" فإنها تفصل ذلك على النحو التالي:

اقرأ المزيد

"سعت إلى خبرته (أي خبرة وليد فارس) وكالات حكومية ووزارات منذ عام 2001، كما سعى إليها كثير من النواب والمشرعين والمرشحين الرئاسيين، ومنهم ميت رومني الذي عينه كبير مستشاري الأمن الوطني في عام 2011، ودونالد ترمب الذي عينه مستشاره الأول للسياسة الخارجية في عام 2016".

وتشير تيرا دال أيضاً إلى مكانة فارس المرموقة بوصفه أستاذاً للعلوم السياسية صارت آراؤه "جزءاً أساسياً من رحلة بلدنا التعليمية لقضايا الشرق الأوسط" وتبرز بصفة خاصة عمله "محللاً في فوكس نيوز لخمسة عشر عاماً".

ولعل في هذا الجانب من تعريفها بفارس الذي يبرز ارتباطه بدوائر الحزب الجمهوري السياسية والإعلامية ما يعين القارئ على حسن قراءة هذا الكتاب باعتبار أنه يمثل وجهة من وجهات النظر الأميركية لا تجاه إيران بصفة عامة، أو النظام الإيراني كله، لكن على الأقل تجاه قضية الاتفاق النووي التي يسميها فارس بـ"اتفاق أوباما".

مواجهة تحد كبير

تقول تيرا دال إن فارس في كتابه هذا اضطلع بمواجهة تحد كبير هو أن "يؤلف كتاباً شاملاً عن استراتيجيات الجمهورية الإسلامية منذ بدايتها في عام 1979 ويوضح كيف استجابت إدارات الولايات المتحدة المتعاقبة لتحدي الخميني على مدار العقود الأربعة الماضية" من دون أن يكلف نفسه كتابة تاريخ تفصيلي بقدر ما يقدم تفسيراً للاستراتيجيات المتنوعة التي وظفتها إيران منذ سقوط الاتحاد السوفياتي "وهي تتوسع في الشرق الأوسط من خلال سوريا ولبنان في ظل احتلال الأسد، وإطلاقها شبكة إرهابية واسعة في شتى أرجاء العالم".

تمضي تيرا دال فتكتب أن "السؤال الأكبر الذي يعالجه الكتاب يتعلق بانتصارات طهران المستمرة منذ الحادي عشر من سبتمبر، على رغم إعلان إدارة بوش للنظام وامتداداته ضمن "محور الشر".

ويسهب فارس في شرح المناورات الإيرانية في العراق التي حققت لها السيطرة هناك بعد سنين، لكن في ما يتجاوز هذا الاندفاع الإقليمي، اتبعت نخب طهرن جملة معقدة ومتطورة من التكتيكات والاستراتيجيات التي انتهت إلى ما أصبح طريقاً لـ"الاتفاق الإيراني".

ويكشف فارس النقاب عما يعتقد أنه "عرض إيراني" لإبرام اتفاقية مع قيادات أميركية من خلال "اللوبي الإيراني" الموجود هنا في الولايات المتحدة، وبموجب هذا الاتفاق تقبل طهران إيقاف برنامجها النووي العسكري، وتلك محض أكذوبة، في مقابل إنهاء الولايات المتحدة تجميد 150 مليار دولار، وذلك مكسب إيراني حقيقي.

اللوبي الإيراني

والسؤال الثاني الذي يثيره الكتاب يتعلق باستعمال اللوبي الإيراني في أوروبا والولايات المتحدة لهذه الأموال"، تتساءل تيرا دال "هل استعملت إيران الاتفاقية لتأسيس عملية نفوذ قوية داخل الولايات المتحدة؟ هل تدخلت في السياسة الأميركية؟ هل حاولت التأثير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة؟".

وتقول إن فارس يذهب إلى أن النظام الإيراني وشركاء له قد دأبوا طوال سنين على "استهداف خبراء وجماعات في المهجر وساسة وموظفين ممن كانوا يناصرون سياسة احتواء إيران، في الدفاع عن الاتفاقية وفوائدها، ويبين الكتاب على نحو مثير للقلق أن النفوذ الإيراني تطور في الأوساط الأكاديمية والإعلامية والحكومية، بما يفسر قوة السياسة التي بدأتها إدارة أوباما واتبعتها من بعدها إدارة بايدن الحالية".

 

 

يكتب وليد فارس أن الأميركيين والغربيين بعامة يشهدون ما يجري في إيران من تظاهرات واحتجاجات وما يقابلها به النظام من قمع وسحق وقهر للمعارضين "فلا يفهمون تمام الفهم كيف أصبح نظام كذلك غير قابل للإيقاف من قبل الولايات المتحدة والغرب والمجتمع الدولي.

ويتساءل الشعب الآن، وكذلك كثير من المسؤولين، ومنهم نواب وكتاب عن التقاعس الأميركي والغربي عن مساعدة الشعب الإيراني (وغيره من المجتمعات المدنية في الشرق الأوسط) على تحقيق الحرية، بخاصة أنهم يناضلون منفردين، عراة الأيدي في الغالب، ضد إحدى آلات الحرب في المنطقة.

كما يصعب على العامة أن يفهموا أيضاً لماذا أصرت إدارتان أميركيتان (في ما بين عامي 2009 و2023) على الشراكة مع آيات الله، والإفراج عن أموال لنظامهم، مع نبذهم الشعب العادي الساعي إلى الحرية، ما السبب وراء الصفقة الإيرانية؟".

على رغم أن الباحث المخضرم لا يغفل أن الولايات المتحدة لا تقصر منعها العون على الشعب الإيراني، وإنما تمنع ذلك أيضاً عن شعوب أخرى تناضل من أجل الحرية، لكنه لا يتوقف هنا طويلاً بحثاً عن السبب، وكأن ما يعنيه في المقام الأول هو أن ينتهي إلى السؤال عن الاتفاق النووي، بل وربما إلى الحث على نبذه، واتباع سياسة أخرى تجاه إيران.

السمة الدراماتيكية الفارقة

تكتب تيرا دال أن "السمة الدراماتيكية الفارقة في هذا الكتاب الجديد هي أنه يكشف النقاب عما يطلق عليه "الصفقة الكامنة وراء الصفقة"، إذ يركز الكاتب على أداة كانت غامضة استعملتها السلطة الإيرانية لحماية النظام.

تلك الأداة هي النفوذ السياسي الذي أطلقته داخل معسكر أعدائها، فأطلقته أول ما أطلقته داخل الشرق الأوسط، إذ يصف فارس العمليات السيكولوجية التي قامت بها طهران في المنطقة لكسب دعم الشيعة في العراق ولبنان.

ثم ينطلق الكاتب في تحليل فريد للطريق الذي انتهى إلى الصفقة النووية من منظور إيراني، فقد حدد النظام الإيراني دوائر سياسية في الغرب وفي الولايات المتحدة من شأنها أن تقبل بمفهوم الصفقة وتضغط من أجل إبرامها".

يشرح فارس المصالح التي تنطوي عليها ممارسة العمل مع الجمهورية الإسلامية، ثم يبين كيفية استعمال النظام لهؤلاء اللاعبين لتكوين جماعة ضغط قوية داخل أميركا محابية للاتفاقية، وكيف أن هذه الجماعة في حقيقة الأمر قد أنهت سياسة الاحتواء الأميركية وأحلت بدلاً منها "سياسة تعاون".

لقد "ولدت اتفاقية إيران من صفقة بين النظام في طهران ومصالح هائلة في الولايات المتحدة، وكذلك في أوروبا" بحسب ما يذهب إليه فارس، منتهياً إلى أن "لوبي الاتفاق الإيراني" قد أثر سلباً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويعدد الكتاب ضحايا هذه الاتفاقية فمنهم الشعب الإيراني الذي ترك ليكافح وحده، والمجتمعات المدنية في المنطقة،، وشركاء الولايات المتحدة العرب وإسرائيل والأمن الوطني الأميركي".

دراية عميقة بالملف الإيراني

لا شك أن دراية وليد فارس بالملف الإيراني قديمة وهو نفسه يكتب أن عمر اهتمامه بهذا الملف يبلغ 34 عاماً من "البحث والكتابة والنشر ومقابلة القادة والمعارضة في الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا الشمالية، لقد بدأت رحلتي إلى فهم الجمهورية الإسلامية منذ أن كنت لم أزل طالباً سنة 1980 أكتب مقالات عن معنى الثورة الإسلامية وأتصور مستقبلها في العقود التالية، وقد نشرت كتابي الأول عن ظاهرة الخميني سنة 1987 باللغة العربية، وعرفت فيه إيران بالجمهورية الكولونيالية التي تقع جبهاتها المستقبلية خارج نطاق حدودها، والتي تتحلى بمظهر شمولي، وبعد أن هاجرت إلى الولايات المتحدة سنة 1990 استأنفت عملي على طموحات النظام وعلى إطلاع الجمهور عليها".

وعبر العقود، تأكدت للطالب رؤيته تلك، فلم يزل الباحث الذي آل إليه ثابتاً عليها، فهو يقول في ختام كتابه إن "النظام الإيراني لم يزل ومنذ بدايته، جمهورية إسلامية إمبريالية، وراسباً من رواسب الجهادية الخمينية، وقوة فاشية وعقيدة أصولية"، بل إنه يشبه طموحاتها الإقليمية بطموحات الرايخ الثالث في ثلاثينيات القرن العشرين.

وينبه إلى اختراق إيران المؤسسات السياسية الغربية، في أوروبا ثم الولايات المتحدة من خلال جماعات الضغط "باستعمال الجاذبية المالية لما عرف بخطة العمل الشاملة المشتركة (أي الاتفاق النووي)".

ويضيف قوله عن هذه الاتفاقية إنها "كانت ولم تزل محض مطية مالية استعملتها طهران لشراء النفوذ، فاشترت بها الغرب في المقام الأساسي بصفقة أوفر لكم المال، وتوفرون لي الحماية من ضربات أميركا والناتو، ومن حلفائكم في الشرق الأوسط (ومنهم العرب والإسرائيليون)، ومن معارضتي".

لا شك أن اهتمام وليد فارس بهذا الملف يعطي ثقلاً لتقديراته وتفسيراته وطروحاته، مهما ذهبت بالقارئ الظنون والشواهد إلى أن لميول الكاتب السياسية أثراً في هذه التفسيرات والطروحات، فمن المؤكد أيضاً أنه ما من طروحات لكاتب واحد، أو حزب واحد، في هذه المسألة بالذات، أو في أي أمر آخر، أن تكفي وحدها لرسم صورة يمكن الاعتماد عليها.

عنوان الكتاب: Iran: An Imperialist Republic and U.S. Policy

تأليف: Walid Phares

الناشر: Post Hill Press

المزيد من كتب