ملخص
انتشر #"جي_بي_تي" في ظرف شهرين فقط! ولكن ليس كل ما يأتي به صحيحاً
إنه أشبه بنسخة من "مصباح علاء الدين" آتية من عالم آخر فائق الذكاء والأتمتة، فقط اكتب مرادك و"شبيك لبيك" #الذكاء_الاصطناعي بين يديك.
"#تشات_جي_بي_تي" Chat GPT نظام دردشة مؤتمت صنعته شركة "أوبن أي آي" Open AI بغرض خدمة العملاء عبر #الإنترنت. إنه عبارة عن برنامج محادثة توليدية مدرب مسبقاً بواسطة التعلم الآلي والتعلم العميق، يستخدم تكنولوجيا "فهم اللغة الطبيعية"Natural language understanding (اختصاراً NLU) بغية تمييز حاجة المستخدم. مصدر بياناته الكتب المدرسية، والمواقع الإلكترونية، والمقالات المختلفة، والتي يستفيد منها في نمذجة لغته الخاصة استجابة للتفاعل البشري.
عموماً، يرتكز البرنامج على ما يسمى "الذكاء الاصطناعي التوليدي" (Generative AI)، وتجده يستجيب فعلياً لأي طلب منك بسرعة ووضوح مذهلين، في حين أن كثيراً من روبوتات المحادثة لا تعرف سوى كيفية الرد على كلمات رئيسة أو محفزات معينة، يمكن لـ"تشات جي بي تي" الرد على الأسئلة المعقدة وتقديم إجابات شاملة.
ميزته توليد استجابات تشبه تلك التي يقدمها البشر. كذلك يمكنه أن يقدم إجابات طبيعية للأسئلة بنبرة محادثة، وفي مقدوره أن يكتب قصائد شعرية، قصة، مقالاً أو منشوراً، وأن يترجم نصوصاً ويصححها، ويقترح كلمات للأغاني ونغمات.
وراء ذلك كله تقنية معقدة لا ريب، ولكن في المقابل الواجهة المرئية للنظام سهلة الاستخدام على نحو لا يصدق: ببساطة، جل ما عليك فعله إدخال نص في مربع النص، تماماً كما تفعل على "غوغل". هكذا، سمحت هذه الواجهة المبسطة للمستخدمين من مختلف الأعمار والخلفيات بالتفاعل مع البرنامج على الفور. كذلك تشكل المرونة إحدى نقاط القوة الأخرى في "تشات جي بي تي". إن لم تعجبك الاستجابة لطلبك، في مقدورك تعديل اقتراحك، والذكاء الاصطناعي في جاهزية تامة للإجابة.
تتحدث مجلة "تايم" في مقال أخير عن السرعة التي اكتسح بها "تشات جي بي تي" سوق تكنولوجيا روبوتات الدردشة "تشات بوت"chatbot في غضون أسابيع فقط.
وبعد شهرين فقط من إطلاقه في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، استقطب روبوت الدردشة 100 مليون مستخدم نشط شهرياً في يناير (كانون الثاني)، وفق بيانات شركة التحليلات "سيميلار ويب". وأشارت دراسة أجراها بنك "يو بي أس" السويسري إلى أنه "في 20 عاماً من التداول على الإنترنت، لا يمكننا أن نتذكر ارتفاعاً أسرع مما حققه هذا البرنامج الخاص بالمستهلكين". وأخيراً، بات الموقع الإلكتروني الخاص بشركة "أوبن أي إي"، التي تمتلك "شات جي بي تي" وتستضيفه، واحداً من بين أكثر 50 موقعاً إلكترونياً في العالم يلج إليه المستخدمون، وفق موقع "ديجيتال- أدوبشن دوت كوم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على سبيل المقارنة مثلاً، الوصول إلى 100 مليون مستخدم استغرق من "إنستغرام" سنتين ونصف السنة، و"تيك توك" تسعة أشهر، وبرنامج الدردشة الآلي هذا شهرين فقط!
في الواقع، يكشف الصعود المذهل لـ"تشات جي بي تي" عن فائدته في تنفيذ مجموعة واسعة من المهام، وعن فضول عارم بين الناس في شأن "الآلات الشبيهة بالبشر". من ناحيتهم، ينقسم الخبراء حول ما إذا كان هذا التطور يمثل بداية عصر جديد للذكاء الاصطناعي، أو ما إذا كان الضجيج سيتلاشى عندما يبلغ المستخدمون الحدود القصوى للقدرات الحالية التي يتمتع بها "تشات جي بي تي".
يمتلك "تشات جي بي تي" هذه القدرة من طريق تشغيل كميات هائلة من البيانات على الإنترنت عبر شبكات عصبية برمجية مصممة على أساس الخلايا العصبية في الدماغ البشري، علماً بأن ابتكار هذه التكنولوجيا يعود إلى سنوات عدة مضت. ونقلت "تايم" عن عالم الحاسوب يان ليكون، كبير علماء الذكاء الاصطناعي في شركة "ميتا" قوله إن "تشات جي بي تي" ليس "مبتكراً" بل يعتمد إلى حد كبير على تقنية الشبكة العصبية الاصطناعية من "غوغل" التي تحاكي عمل الدماغ البشري، والتي كشفت الشركة عنها في 2017.
على نحو مماثل، تعرب مارغريت ميتشل، كبيرة علماء مراعاة المبادئ والأخلاقيات في شركة الذكاء الاصطناعي "هاغينغ فايس" Hugging Face، عن دهشتها إزاء "الشعبية الهائلة لـ"تشات جي بي تي" على اعتبار أن هذا التطبيق لم يأتِ بأي نوع من الاختراقات الرئيسة" في عالم التكنولوجيا عموماً، وروبوتات الدردشة خصوصاً.
ولكن في الحقيقة، كان "تشات جي بي تي" أول مشروع تكنولوجي ذكي ضخم يضع مثل هذا الذكاء الاصطناعي في متناول الجمهور لاستخدامه، واللعب به إذا جاز التعبير، إذ تراجعت شركات أخرى مثل "غوغل" عن إطلاق برامجها الخاصة بسبب عدم القدرة على التنبؤ بمآلات هذه التكنولوجيا الجديدة، والأضرار المحتملة التي ربما تحملها معها، من قبيل نشر معلومات مضللة أو خطاب كراهية وعنصرية، اختارت "أوبن أي آي" الإسراع بمنتجها إلى السوق هذا الخريف في مواجهة المنافسة المحتملة التي تلوح في الأفق، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".
كيف يستخدم الناس "تشات جي بي تي"؟
السبب الأول الذي جعل "تشات جي بي تي" ينتشر بسرعة عامل التجديد الذي يتميز به. مثلاً، طلب أحد المستخدمين من "تشات جي بي تي" كتابة آية تحاكي آيات الكتاب المقدس حول إزالة شطيرة زبدة الفول السوداني من جهاز فيديو، أو أسلحة خيالية موضوعها النجم الأميركي الراحل إلفيس بريسلي.
ولكن سرعان ما ارتقى استخدام "تشات جي بي تي" إلى ما هو أبعد من الـ"ميمات" والخدع، ووصل إلى المجال المهني. يمكن لـ"تشات جي بي تي" تبادل الأفكار وكتابة المقالات والرموز. بدأ الناس في استخدامه لكتابة طلبات العمل بالكامل والمناهج والأوراق الأكاديمية والنصوص بلغات برمجة مختلفة. وبرزت برمجة وتطوير البرمجيات بوصفها واحدة من حالات الاستخدام الرئيسة لـ"تشات جي بي تي"، كما تظهر بيانات "سيميلار ويب".
في رسالة عبر البريد الإلكتروني مدعومة من "تشات جي بي تي" إلى "تايم"، كتب شون إلول، المؤسس المشارك لاستوديو النمذجة وتطوير الألعاب الثلاثية الأبعاد "ميتافيرس أركيتيكس" Metaverse Architects، أن هذا "الذكاء الاصطناعي قد شكل نقطة تحول في إنتاجيتنا وإبداعنا"، وروى أنه يستخدمه لتبادل الأفكار وإعداد المقالات ووضع تصورات لمشاريع جديدة. في الواقع، لا يغرد إلول خارج السرب، ذلك أن شركات كثيرة أدخلت تعديلات إلى نماذج أعمالها بغية تطبيق هذا الذكاء الاصطناعي في مسارات العمل، من بينها موقع "باز فيد" الشهير باختبارات مسلية تلقى إقبال مجموعة كبيرة من الناس، وقد أفادت إدارة الموقع بأن هذه الاختبارات القصيرة ستكون مدعومة بذكاء اصطناعي اسمه Buzzy the Robot، يستند إلى تكنولوجيا شركة "أوبن أي آي".
وتتطرق "تايم" إلى رد فعل كبير رافق هذا التطور. مثلاً، بغية وضع حد للاستعانة بالذكاء الاصطناعي في إنجاز الواجبات المدرسية المنزلية، حظرت الدوائر التعليمية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، من بينها مدينة نيويورك، "تشات جي بي تي".
وكان موقع "فيوتشريزم" الإلكتروني ذكر قبل أيام أن أستاذاً في مادة الفلسفة في "جامعة ميشيغان الشمالية" اكتشف أن أحد طلابه استخدم تطبيق "تشات جي بي تي" ليكتب بحثاً حول الحالات التي يحظر فيها على المرأة ارتداء البرقع بعد أن وجد أن البحث متماسك جداً وحسن الصياغة ولا يخلو من أخطاء، وقد اعترف الطالب بفعلته لاحقاً.
في سياق متصل، استعرت حمى الاهتمام بالموقع إلى حد أن "أوبن أي إي" رفضت مستخدمين كثراً تلقوا رسالة تقول إن "تطبيق "تشات جي بي تي" قد بلغ سعته الآن" ChatGPT is at capacity right now. وأعلنت الشركة أخيراً عن فئة مدفوعة تتيح لهؤلاء المستخدمين الوصول خلال أوقات الذروة.
هل يؤذن التطبيق بهيمنة "الذكاء الاصطناعي التوليدي"؟
الاهتمام المتزايد بـ"تشات جي بي تي"، كما تقول "تايم"، دفع الشركات المنافسة في عالم التكنولوجيا إلى إطلاق إصداراتها الخاصة. من بين تلك الشركات "غوغل"، إذ أصدرت أداتها التي ضمنتها تكنولوجيا روبوتات الدردشة، وأعطتها اسم "بارد" Bard. كذلك بدأت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة "بايدو" Baidu استعداداتها لطرح برنامج دردشة مماثل في شهر مارس (آذار) المقبل، وفق "رويترز"، بينما تختبر "أنثروبيك" Anthropic، علماً بأنها شركة ذكاء اصطناعي أسسها موظفون سابقون في "أوبن أي إي"، نسختها من تكنولوجيا روبوتات الدردشة.
بدورها، لم تقف "مايكروسوفت" مكتوفة اليدين، فصنعت "روبوت دردشة" ذكياً وأدمجته مع محرك البحث "بينغ" Bing، وفي نظامها الأساسي للمراسلة "تيمز" Teams. هكذا، فإن كثيراً من إجراءات العمل اليومية ستكون قريباً معززة بتكنولوجيا "الذكاء الاصطناعي التوليدي"، وعلى الأرجح من دون أن تدرك أنت ذلك.
ولكن الأخطار تلوح في الأفق. كتب الذكاء الاصطناعي كلاماً يحض على الكراهية ومعلومات مضللة، ويستخدم الآن في كتابة شيفرات خبيثة. خبيرة الأخلاقيات مارغريت ميتشل تقول إنه مع انقضاء "شهر العسل"، كما تصفه، ستواجه الطرق الإشكالية التي تستخدم بها هذه التكنولوجيا "سيلاً من الانتقادات".
مثلاً، تعرب ميتشل عن قلق كبير يعتريها في شأن تأثير "تشات جي بي تي" على المستخدمين الذين يتوسلونه في الحصول على توجيهات في شأن الصحة النفسية والعقلية. تقول الخبيرة إن "تشات جي بي تي" سيقول أموراً سامة أو تنم عن تنمر أو يعطي نصيحة سيئة من دون أن يدرك ما الذي يعنيه الحصول على نصيحة سيئة".
كذلك لدى ميتشل شعور بالقلق إزاء استخدام روبوت الدردشة بوصفه بديلاً لمحرك البحث، إذ يجيب "تشات جي بي تي" بشكل صريح عن أمور خاطئة (مثلاً، كتب ذات مرة تاريخاً مفصلاً عن "حضارة ناجحة" أنشأتها الديناصورات). ومعلوم أن لدى الناس نزعة إلى القبول بكلام نظام ما عندما يكون مؤتمتاً".
"يجتاحني قلق من استخدام "تشات جي بي تي" كما لو أنه مرجع موثوق يستند إلى وقائع بسبب تحيزنا المعرفي"، أضافت ميتشل.
وليس مستبعداً أن سباق التسلح بهذا الذكاء الاصطناعي الذي فتح بابه الصعود السريع لـ"تشات جي بي تي" ربما يتسبب في اتباع المنافسين أساليب ملتوية على أمل الظفر بحصة في السوق. لا ننسى أنه خلال صعود نجم وسائل التواصل الاجتماعي قبل عقد من الزمن، ساد مبدأ (مؤسس "فيسبوك" مارك زوكربيرغ) "تحرك بسرعة وحطم الأشياء من حولك، فإذا لم تحطم شيئاً أنت لا تتحرك بالسرعة الكافية". وفي النتيجة، ضربت سلامة المستخدمين عرض الحائط، وأدت منصات التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في التحريض على مجازر جماعية، والتلاعب بالناخبين.