تراجعت مكونات قوى "الحرية والتغيير" السودانية، التي أبدت معارضتها للاتفاق السياسي الذي وقع يوم الأربعاء 17 يوليو (تموز) 2019 مع المجلس العسكري، عن موقفها المتشدد لإعطاء فرصة للحوار حول وثيقة المرسوم الدستوري لمعالجة الاختلالات التي وردت في وثيقة الإعلان السياسي وتضمينها في الاتفاق النهائي. وذلك في الوقت الذي تشهد العاصمة الإثيوبية أديس أبابا اجتماعات مكثفة بين وفود تمثل قوى "الحرية والتغيير" و"الجبهة الثورية" والحركات المسلحة، بعد أن انضم إليها الجمعة 18 يوليو 2019، الوسيط الأفريقي محمد الحسن لبات ورئيس حزب "المؤتمر السوداني" والقيادي بقوى "الحرية والتغيير" عمر الدقير، آتين من الخرطوم لتقريب وجهات نظر الطرفين والدفع بالمفاوضات نحو اتفاق يقود لمشاركة الأطراف كافة في العملية السياسية، من خلال التوقيع النهائي على الإعلان الدستوري المتوقع خلال الأيام المقبلة.
إرادة الشعب
وأوضحت مصادر مطلعة أن "كل الكتل المنضوية داخل قوى الحرية والتغيير رأت من الضروري إجراء مزيد من المشاورات حول النقاط الخلافية والقضايا العالقة، التي لم يُبت فيها أو التفاوض حولها مع المجلس العسكري، للوصول لتوافق حولها، وفي مقدمها الخلاف حول منح الحصانة المطلقة لأعضاء مجلس السيادة، ونسب قوى الحرية والتغيير في المجلس التشريعي، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، إضافة إلى مسألة المحاسبة منذ وقوع انقلاب الجبهة الإسلامية في 30 يونيو (حزيران) 1989، وصلاحيات المجلس السيادي بمعنى هل سيقوم مجلس السيادة بتعيين الوزراء أم سيقتصر دوره على اعتماد الوزراء المرشحين للوزارة الجديدة، لذلك تم تأجيل التوقيع على الإعلان الدستوري الذي كان مقرراً اليوم الجمعة 19 يوليو لوقت لاحق"، مؤكدة أن "هناك قناعة تامة لدى القوى السياسية مجتمعة بضرورة استكمال إرادة الشعب السوداني من خلال تحقيق أهداف الثورة الشعبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عملية السلام
رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة الدكتور محمد المهدي قال لـ "اندبندنت عربية"، إن "تأجيل التوقيع على الإعلان الدستوري بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري جاء لإعطاء الفرصة لتضمين وجهة نظر الجبهة الثورية والحركات المسلحة في وثيقة الإعلان الدستوري، باعتبارهما مكونين رئيسيين في نداء السودان إحدى كتل قوى الحرية والتغيير، فضلاً عن أثرهما البالغ في عملية السلام التي تشكل القضية الرئيسية والمحورية للحكومة الانتقالية المقبلة، التي حددت فترة الستة أشهر الأولى لإنجاز عملية السلام في كافة أنحاء السودان"، مبيناً أن "اعتراض بعض مكونات قوى الحرية والتغيير على الإعلان السياسي الذي وقع مع المجلس العسكري ليس لديه أثر يذكر، لأن معظم الآراء التي كانت محل انتقاد تضمنها الإعلان السياسي لكن من دون تفاصيل، باعتبار أن مثل هذه الاتفاقات تكون في الغالب ذات منحى عام ولا تضم نقاطاً جوهرية"، مؤكداً أن "المرسوم الدستوري المفترض توقيعه قريباً هو الأساس".
معالجة الخلل
فيما أشار عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني صديق يوسف إلى أن "تحفظات الحزب الشيوعي على الإعلان السياسي لا تزال قائمة، ونأمل من خلال المناقشات المستمرة الآن بين كتل قوى الحرية والتغيير أن يجري التوصل إلى تفاهمات تعالج الخلل الذي استصحب الوثيقة السياسية"، مؤكداً أن "ما وقّع عليه من إعلان سياسي يعد اتفاقاً أولياً، لكن الاتفاق المقبل هو الأساس والأهم كونه يحمل صفة المرسوم الدستوري، لذلك لم نستبق الأحداث في إصدار رأي نهائي حول مستقبل مشاركتنا من عدمها في الحكومة الجديدة، لحين منح الفرصة للمشاورات الجارية الآن في هذا الشأن".
مدنية الدولة
أما القيادي في قوى "الحرية والتغيير" منذر أبو المعالي أوضح أن "هناك تفهماً لمواقف بعض القوى السياسية، خصوصاً المشاركة في قوى الحرية والتغيير من الاتفاق السياسي"، لافتاً إلى أن "القضايا الخلافية معروفة ونطمح حالياً في التوصل لحل لها في المرسوم الدستوري، إذا حصل التوافق مع المجلس العسكري حوله"، موضحاً أن "هناك مسودة لهذا المرسوم ذكرت كل هذه القضايا والبنود، كهيكلة الأجهزة الأمنية وتكوين مجلس القضاء الأعلى الذي يعين رئيس القضاء ونوابه، ونتطلع إليه كأهم مطالبنا لتحقيق العدالة في كل الجرائم والحوادث التي حصلت، وأهمها فض اعتصام القيادة العامة الذي راح ضحيته أكثر من 100 معتصم في الثالث من يونيو (حزيران) الماضي". كما بين أن قوى الحرية والتغيير لن تتنازل عن نسبتها في المجلس التشريعي المتفق عليها بـ 67 في المئة، مؤكداً أنها "قضية أساسية وكذلك القضايا الأخرى أيضاً هامة بالنسبة لنا لارتباطها بمدنية الدولة".
يذكر أن المجلس العسكري وقوى "الحرية والتغيير" وقّعا على وثيقة الاتفاق السياسي لإدارة المرحلة الانتقالية المقبلة، بعد جلسة ماراثونية من المفاوضات استمرت لأكثر من 13 ساعة، وصفها المراقبون بأنها تشكل خطوة مهمة وحاسمة في اتجاه التوافق الشامل والشراكة الحقيقية، فيما اعتبرتها بعض القوى السياسية داخل قوى "الحرية والتغيير" وخارجها أنها لا تلبي طموحات الشعب السوداني المتمثلة في شعارات الثورة ومطالبها، في حين أرجأ التوقيع على وثيقة الإعلان الدستوري لوقت لاحق، بعد أن كان مقرراً له اليوم.