Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطبقة المتوسطة في مصر تقاوم الهبوط بالصبر والترشيد

نأت بنفسها عن السياسة وارتضت بالمتاح من خدمات آخذة في التقلص وطلبات مستمرة بالإلحاح

تعاني هذه الطبقة حالياً أشد المعاناة في ملفات الصحة والتعليم والسكن وتقاوم من أجل تلبية متطلباتها الأساس (أ ف ب)

ملخص

تظل #الطبقة_المتوسطة المصرية صامدة رغم الأعباء الرهيبة التي تنوء بها بحكم تركيبتها المتمسكة دوماً بـ #حبال_الأمل

بلغة إنجليزية سليمة وإن بلكنة أميركية وسياق مصري خالص، وقفت الصغيرة تجادل الأم حول أسباب عدم شراء "الشوكولاتة" التي اعتادت تناولها على مدى سنواتها الـ 10 واستبدالها بنوع آخر تقول عنه الأم إنه أفضل وأحلى بمراحل من "الشوكولاتة" الأخرى، بفروق بسيطة لا تتعدى الغلاف الخارجي.

نظرت الصغيرة بازدراء شديد إلى الغلاف "الوطني" ووضعته إلى جوار الغلاف المبهر "متعدد الجنسيات"، وقالت للأم بدموع هي خليط من الحزن والغضب، لماذا لا تقولين إن الفرق بضعة جنيهات، فالأمر لا يستدعي كل هذا الجدل".

لكن بضعة جنيهات هي قيمة الفرق بين الشوكولاتة المتعددة الجنسيات العابرة القارات وتلك "المحلية" الفاقدة للجاذبية الاستهلاكية لدى الصغيرة التي تربت في المدارس الدولية، إضافة إلى بضعة جنيهات أخرى هنا وهناك قيمة الفرق بين شراء الدجاج والبيض والسكر والأرز والشاي من سلسلة السوبرماركت الأنيقة من جهة، أو الحصول عليها من سلسلة السوبرماركت غير الأنيقة، ناهيك ببضعة جنيهات أخرى قيمة ما يتم توفيره جراء التخلي عن كوب القهوة في الكبسولة أو السندوتش الـ "كومبو" بصوص "الباربكيو" أو "الدونات" المعممة بـ "المارش مللو" والمذيلة بصوص الكراميل، والتي تصنع فرقاً كبيراً في حياة ملايين الأسر المصرية المنتمية إلى الطبقة المتوسطة، وتحديداً الجانب المحتفظ أو الذي كان محتفظاً لنفسه بالطابق الأعلى المتاخم للطبقات العليا.

الطبقات العليا

أعلى ما في الهرم الطبقي المصري الحالي قلما يصدر عنه صوت أو تأتي منه حركة مرئية بالعين المجردة، فالطبقة العليا في مصر كانت تتكون من أفراد العائلة الملكية وأصحاب الأراضي والعاملين في الحكومة ورجال الدين والجيش والأطباء، أما الطبقة المتوسطة فكان قوامها التجار والحرفيون والصنايعية، وكل من عدا ذلك فهو عامة الشعب، لكن هذا كان في مصر القديمة قبل آلاف السنوات.

تطورت مصر ودخلت عصوراً وخرجت من أخرى، لكن بقي هرمها الطبقي مثيراً للاهتمام على مر العصور، وفي العصر الحالي وجدت التركيبة الطبقية بأبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية نفسها بعيدة من الاهتمام الرسمي والشعبي دائماً وأبداً، باستثناء ثلة قليلة من الأكاديميين والمتخصصين وبعض من بحت أصواتهم مطالبين بالنظر في القنبلة الطبقية الموقوتة.

حملت الطبقات المختلفة في مصر منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مروراً بالراحلين أنور السادات وحسني مبارك على عاتقها مغبة تجاهل الحاجات المتفردة لكل طبقة والهوات السحيقة المتجذرة بين طبقة وأخرى، والاحتقانات الاجتماعية الناجمة عن الفروق الاجتماعية بين الرابضين أعلى الهرم والقابعين في قاعدته، كما ظلت الطبقة المتوسطة "كافية خيرها شرها" كما يقول المثل الشعبي الدارج، إذ تحفر في صخر التعليم والعمل والتربية والتنشئة، وتصارع الرياح من أجل الدفع بنفسها وذريتها في اتجاه القمة بعيداً من القاعدة، وذلك بكل ما تملك من راتب ثابت وعزيمة حديدية ورأسمال قوامه التعليم وإطاره الثقافة.

للصبر حدود

ظلت هذه الطبقة المصرية الأصيلة معتمدة على ذاتها وإمكاناتها لبناء نفسها، إذ نأت عن السياسة وارتضت بما تقرره لها الحكومات من خدمات آخذة في التقلص وطلبات مستمرة في الإلحاح.

كثير من الحكومات العربية شرع في تسعينيات القرن الماضي بإجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية، محملة الطبقة المتوسطة، لا سيما في الدول غير النفطية، العبء الأكبر من كلفة الإصلاح لمواجهة الضغوط الاقتصادية المتزايدة، لكن للصبر حدوداً.

الطبقة "الكافية خيرها شرها" تحملت وطأة هذه التغييرات من دون أن تحصل على مميزات أو تعويضات أو محفزات مناسبة، فقلصت الدول الإعانات وخفضت الإنفاق العام وعمدت إلى الخصخصة وتحرير التجارة، وعلى رغم أن جانباً معتبراً من الأموال العامة ظل مخصصاً للصحة والتعليم، فإن خفض الموازنات أدى إلى تدهور كبير وسريع في نوعية الخدمات المقدمة على هذين الصعيدين، لذلك لم يبق أمام الطبقة المتوسطة خيار سوى اللجوء إلى التعليم الخاص والرعاية الصحية الخاصة وتواترت حلقات "الخدمات الخاصة".

الأحمال والضغوط المستمرة على الطبقة المتوسطة بشكل عام وفي مصر بخاصة أدت إلى زيادة الأعباء الملقاة على كاهلها، وهي الطبقة المعروفة دائماً بالتمسك بحبال الأمل والعمل مهما كانت متهالكة حتى الرمق الأخير أو قبله بقليل.

ما قبل الرمق الأخير هو مرحلة الهبوط درجة أو درجتين على سلم الهرم الطبقي، وهذا السلم الذي تآكلت عتباته من فرط الصعود حيناً والهبوط أحياناً يشهد هذه الآونة حراكاً نشطاً، إذ إن سكان المنتصف يتشبثون بكل ما أوتوا من منطق وحكمة للحيلولة دون الانتقال للطوابق السفلى.

مؤشرات الانضمام للقاعدة

مؤشرات الانضمام للطوابق السفلى كثيرة، لكن يمكن القول إن هذه الطبقة من دون غيرها، سواء المنعزلة أعلى الهرم أو الرابضة في قاعدته، هي الأكثر تشبثاً بمكانتها، فقواعد الفيزياء تقول إن الأجسام الملتصقة بالأرض لا تبذل جهداً للبقاء عليها، كما أن تلك المحلقة في الفضاء تحول سرعتها المنتظمة دون سقوطها على رؤوس من هم في الأسفل.

رؤوس من في الأسفل تتنازعها رياح التضخم وأعاصير الدولار وتسونامي الأسعار وجفاف المدخرات وجفاء التجار، وكأن كل ما سبق لا يكفي لتقويض الطبقة المقوضة بفعل ضغوط الأزمة الاقتصادية الطاحنة من دون مناعة الطبقات الغنية أو حماية الدولة للطبقات الفقيرة، فإذ بقرارات جذرية وتغيرات كلية وإجراءات إنقاذية تضعها أمام فوهة مدفع الفقر.

ظهرت علامات الامتعاض وأمارات الغضب على وجه المهندس أشرف (38 عاماً) وهو يقرأ تقريراً لوكالة الأنباء الفرنسية يقول نصه "في مصر يقترب شبح الفقر من أفراد الطبقة المتوسطة في ظل الأزمة الاقتصادية المتواصلة، ووسط خفض قيمة العملة والتضخم المتزايد، فيدفعها إلى قرارات جذرية وتغيير نمط عيشها".

الامتعاض لم يكن لكذب ما جاء في التقرير، والغضب لم يكن بسبب تهويل أو تهوين، بل مرده عدم رغبته في قراءة ما يمر به هو وأسرته وملايين من الأسر المصرية المصنفة تحت بند "الطبقة المتوسطة" من أزمة اقتصادية هي الأغرب منذ عقود، وربما لم تحدث من قبل.

قبل سنوات قليلة وتحديداً عام 2016، حين خاض الجنيه المصري الجراحة الجذرية الأولى التي خرج منها فاقداً نصف وزنه تقريباً، أخذ الجميع "يولول" على ما جرى للطبقات الوسطى وما دونها، فما دونها ظل ويظل يحصل على برامج حماية رسمية وبرامج دعم حكومية وحزم مساندة تموينية وعينية، والمبكي والمضحك في آن أن الطبقة الوسطى على رغم الأضرار الاقتصادية والمعيشية الواقعة عليها ظلت تلعب دور البقرة الحلوب، مزودة برامج حماية الفقراء بقدر معتبر من التمويل، وهذا القدر يتم تحصيله بفرض ضرائب ورسوم إضافية، وكذلك بالانتقاص من حجم وكمية الخدمات المقدمة لهم، إذ ترفع الدول في هذه الأحوال راية "فقه الأولويات".

طبقات تطفو وأخرى تسبح

أولوية الإبقاء على الطبقات الفقيرة طافية تطغى على رفاهية الإبقاء على الطبقات المتوسطة سابحة، وكانت النتيجة انكماشاً ملحوظاً في الطبقة التي يحلو للجميع التغزل فيها باعتبارها صمام أمان المجتمعات ووتد صمود البلاد، وقد خاضت مصر مراحل متتالية من "الإصلاح الاقتصادي" الموصوف تارة بـ "المرير" وأخرى بـ "شر لا بد منه"، ولأن المرارة والشر في روشتة الإصلاح ترجحان أنهما موقتان لا يلبث بعدهما أن يستعيد الجسد قدراً من عافيته، فقد صمدت الطبقة الوسطة وصبرت. ومن إجراء مرير إلى دواء شرير مضت الإصلاحات الاقتصادية في مصر خلال السنوات السبع الماضية بدءاً من عام 2016، وتمثلت في تحرير سعر الصرف وضبط الأوضاع المالية العامة لخفض الدين العام وإصلاح دعم الوقود والطاقة، وجميعها ألقى بظلال وأعباء ثقيلة أعتاها كان على الطبقة المتوسطة المحرومة من دعم الفقراء والبعيدة من رفاهية الأغنياء.

وعلى رغم ذلك لم تمثل الظلال خطراً أو تشكل الأعباء تهديداً في ما يختص بغضبة هذه الطبقة سياسياً أو انتفاضها اقتصادياً، مطالبة بـ "العيش" أو ملوحة بـ"الحرية" أو متغنية بـ "العدالة الاجتماعية"، وهو ثالوث الغضب في أحداث يناير (كانون ثاني) 2011، فهذا الثالوث يعتبره مراقبون المحرك الرئيس لهذه الأحداث التي يقال إن الطبقة المتوسطة كانت في القلب منها، لكن الاعتبار والقول غير مؤكدين، إذ إن نسبة كبيرة من أبناء هذه الطبقة نفسها هي التي حركت أحداث يونيو (حزيران) 2013 مطالبة بإسقاط حكم "جماعة الإخوان المسلمين"، وبقيت على تأييدها للجيش والدفع بوزير الدفاع حينئذ عبدالفتاح السيسي رئيساً.

وعلى رغم عدم توافر بحوث أو استطلاعات رأي عام فإن العين المجردة تشير إلى أن الطبقة المتوسطة ظلت تشكل الظهير الشعبي الحامي للنظام في مصر، وليس هذا فقط، بل إن أبواق "جماعة الإخوان المسلمين" الإعلامية والبحثية، الصريحة والمموهة، لا تزال حتى اللحظة تضرب أخماساً في أسداس حول سر "توقف الطبقة الوسطى في مصر عن الاحتجاج"، وحتى التقرير الصادر عن "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" (إسكوا) تحت عنوان "الطبقة الوسطى في البلدان العربية"، لا يقدم شرحاً أو تعليلاً لامتناع الطبقات المتوسطة المهروسة من الانتفاض، إذ افترض التقرير أن الطبقات الوسطى العربية إذا ما استميلت بالإعانات والسياسات الاجتماعية المناسبة فإنها تدعم النظام الحاكم، لكن ما إن يتم خرق شروط هذا العقد الاجتماعي وترزح هذه الطبقة تحت ضغوط اقتصادية متزايدة حتى يتغير ولاؤها.

ويضيف التقرير الصادر عام 2014 أن انزلاق الطبقة المتوسطة إلى صفوف الفئات المعرضة للفقر يعني بالضرورة أن أصواتها تعلو منادية بالإصلاح وتتوقف عن دعم الحاكم، لكن تظل الطبقة المتوسطة في مصر على رغم ما تكابده منذ عقود بدأت مع سياسة الانفتاح التي اتبعها الرئيس السادات منتصف سبعينيات القرن الماضي واستمرت بدرجات متفاوتة في عهد مبارك وتواترت بشكل مكثف منذ عام 2016، بعيدة من حيز الاحتجاج الفعلي أو حتى مجال التعبير عن الغضب أو عدم الرضا العلني.

تتداخل الأسباب وتتشابك

وعلى رغم صعوبة تفسير ذلك فإن المرجح أن عوامل عدة تتداخل وتتشابك في الحال المصرية وبعضها يناقض بعضه، فهامش التعبير العلني عن الرأي ضيق، بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي التي فقدت جزءاً كبيراً من استخداماتها لأغراض التعبير السياسي أو الغضب الاجتماعي، وصحيح أن بعضهم لا يزال يعبر عن الغضب أو الانتقاد لسياسة هنا أو لإجراء هناك، لكن الملاحظ أن هذه المنصات العنكبوتية لم تعد منصات للغاضبين والثائرين، فمن جهة زاد الوعي العام بوجود الصالح والطالح على هذه الصفحات مع التيقن من أن ميليشيات وكتائب عنكبوتية جاهزة للصيد في مياه الضغوط الاقتصادية العكرة واستغلالها لمصلحتها السياسية، ومن جهة أخرى يعاني كثيرون من الإنهاك الفكري والعصبي، حيث ساعات اليوم بين عمل وسعي ومهمات أسرية وضغوط نفسية لم يعد فيها متسع لـ "الهري العنكبوتي".

تقول المحاسبة منال القاضي (40 عاماً) إنها قللت كثيراً ساعات وجودها على الـ "سوشيال ميديا" منذ أشهر، مضيفة "أغلقت صفحتي على ’فيسبوك‘ ولا أطالع ’تويتر‘ و ’تيك توك‘ إلا لنصف ساعة على الأكثر، فلم تعد لدي طاقة للكتابة أو القراءة أو حتى التعليق، وتكفيني أسباب القلق بدءاً بتدبير القسط التالي من مصروفات المدرسة مروراً بإيجاد بدائل لأنواع الجبن وكميات البيض ومصادر اللحوم لأسرتي، وانتهاء بتوفير ما أدفعه في وقود السيارة التي أفكر في التخلص منها توفيراً لرسوم الترخيص والتجديد والإصلاح بعد أن باتت مبالغاً فيها، إضافة إلى ظهور أولويات أخرى مثل دروس الأولاد، لا سيما أن القيمة الشرائية لراتبي وراتب زوجي انخفضت إلى أكثر من النصف".

العماد والصفوة والصمام

في نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي تقدمت عضوة البرلمان المصري صفاء جابر عيادة بطلب إحاطة موجه لرئيس الوزراء حول زيادة معاناة وأوجاع الطبقة المتوسطة، وهي الطبقة التي وصفتها بـ "عماد التنمية الاقتصادية وصفوة الموارد البشرية وصمام الأمان".

وقالت جابر إن هذه الطبقة تعاني حالياً أشد المعاناة في ملفات الصحة والتعليم والسكن بعد أن تراجعت دخولها وزادت ضغوطها، وتقاوم من أجل تلبية متطلباتها الأساس وتصارع من أجل البقاء للحفاظ على نفسها بعد أن أصبحت على مشارف الطبقة المحدودة الدخل.

وأشارت النائبة إلى أن "هذه الطبقة هي التي تساعد الدولة وتخفف مسؤوليتها الاجتماعية عبر دعم المؤسسات الخيرية والجمعيات الأهلية بما تقدمه من مشاريع خيرية ومساعدات مادية وعينية للطبقات الفقيرة والمعدمة".

كان هذا قبل نحو ثلاثة أشهر تبدو قليلة بحساب الزمن، لكنها كبيرة بحساب التضخم والأسعار والدولار، ويومها كان الدولار يساوي 24.4 جنيهاً مصرياً، واليوم يساوي نحو 31 جنيهاً، ويومها كانت الدجاجة بـ 60 جنيهاً (دولارين)، واليوم بـ 120 جنيهاً (أربعة دولارات)، ويومها كانت الطبقة المتوسطة لا تزال إلى حد كبير تسهم بالجانب الأكبر من التبرعات للجمعيات الخيرية المخصصة لإطعام وعلاج وإسكان الفقراء، واليوم انخفضت التبرعات في بعض الجمعيات بنسبة تقارب 80 في المئة، وانضم بعض أبناء الطبقة المتوسطة نفسها، لا سيما المتوسطة المنخفضة، إلى قوائم طالبي المساعدات، إن لم يكن بشكل مباشر في بعض هذه الجمعيات فبشكل غير مباشر عبر طلب مبالغ مالية من الأقارب والأصدقاء والزملاء بغرض العلاج أو دفع مصروفات مدرسة أو سداد قسط شقة أو سيارة.

متعلمة وواعية ومطلعة

تسير الأوضاع الاقتصادية في العالم ملحقة كثيراً من الضرر بشتى الطبقات، لا سيما الفقيرة والمتوسطة، لكن بدرجات متفاوتة بحسب أنظمة الرعاية الاجتماعية والحماية الاقتصادية في كل دولة، وأيضاً باختلاف المكانة الاقتصادية ومدى القدرة على المقاومة والحماية.

وفي مصر فلأن الطبقة المتوسطة متعلمة وعلى قدر كبير من الثقافة والقراءة والاطلاع، فإنها على علم بأن الأزمة عالمية الأبعاد وأن الضغوط لا تستهدف مصر من دون غيرها، وأن التسخين الذي يحترفه بعض الناس لدفع فئات من المواطنين نحو الاحتجاج يجدي نفعاً مع أولئك الذين يسلمون عقولهم ومعارفهم لهواة الصيد في المياه العكرة، لذا فإنها ملتزمة الصمت ومتسلحة بالصبر ومعتنقة نهج البدائل ورافعة راية "التباديل والتوافيق"، منتظرة إما الخروج من الأزمة أو الدخول في حيز الحماية.

وقبل أيام تقدم عضو مجلس النواب محمد عبدالله زين الدين بطلب مناقشة عامة للحكومة حول تفعيل دور المجتمع المدني في مساندة الدولة لمواجهة الأوضاع الاقتصادية الحالية والحد من تأثيراتها القاسية على المواطنين، والجديد هو أن النائب طالب بتكاتف الدولة مع المجتمع المدني لتحقيق الحماية الاجتماعية، لا لمعدومي ومحدودي الدخل كالعادة، ولكن لمتوسطي الدخل الذين طاولتهم الأزمة لدرجة تهدد بمزيد من تآكل طبقتهم.

عمليات النحر الاقتصادي المتواترة تدق أبواب الطبقة المتوسطة في مصر بشدة، لكن أبناءها صامدون صابرون متشبثون بمكانتهم في منتصف الهرم باستماتة، وفي الوقت نفسه باتوا أكثر تسامحاً مع فكرة تلقي شكل من أشكال الدعم الاقتصادي أو الحماية الاجتماعية.

يقول مهندس الاتصالات أيمن مروان (50 عاماً) ضاحكاً، "سنتلقى أشكال الدعم أو المساعدة إما على حساباتنا البنكية أو (دليفري) في النادي حيث نقضي يوم الجمعة، أو في الكافيه حيث نلتقي مساء لنبكي على حالنا ونحتسي اللاتيه".

المزيد من تحقيقات ومطولات