وصل التوتر في مياه الخليج العربي، أمس الجمعة، إلى درجة متقدمة من التصعيد المتواصل منذ أسابيع، بعد احتجاز الحرس الثوري الإيراني ناقلة نفط بريطانية أثناء عبورها مضيق هرمز، واستيلائه لبعض الوقت على ناقلة ثانية تملكها شركة بريطانية قبل أن يفرج عنها.
وبحسب ما نشر الحرس الثوري على موقعه الإلكتروني فإنه "صادر" مساء الجمعة ناقلة النفط البريطانية "ستينا إمبيرو" إثر خرقها "القواعد البحرية الدولية" لدى عبورها مضيق هرمز، على حد زعمه، مشيراً إلى أنّ توقيف السفينة تم بطلب من "سلطة الموانئ والبحار في محافظة هرمزغان". وأوضح البيان المقتضب أنّ السفينة "اقتيدت بعد السيطرة عليها إلى الساحل حيث تمّ تسليمها إلى السلطة من أجل بدء الإجراءات القانونية والتحقيق".
وأتى الإعلان عن مصادرة السفينة البريطانية بعيد ساعات من قرار المحكمة العليا في جبل طارق تمديد فترة احتجاز ناقلة النفط الإيرانية "غريس 1" 30 يوماً إضافياً. وكانت هذه الناقلة احتجزتها سلطات المنطقة البريطانية بشبهة أنّها كانت متوجّهة إلى سوريا لتسليم نفط في انتهاك لعقوبات أميركية وأوروبية، بحسب ما أعلنت حكومة جبل طارق.
ماذا نعرف عن الناقلة؟
وفي حين لم تؤكّد طهران احتجاز الناقلة الثانية، أعلنت شركة "نوربولك" البريطانية للشحن البحري ليل الجمعة- السبت أنّ الحرس الثوري الإيراني أفرج عن سفينتها، ناقلة النفط "مسدار"، التي ترفع علم ليبيريا، بعدما استولى عليها عناصره لبعض الوقت أثناء إبحارها في مضيق هرمز.
وقالت الشركة في بيان إن "الاتصالات استعيدت مع السفينة، وقد أكّد قائد (السفينة) أنّ الحرّاس المسلّحين غادروها وأنّ السفينة حرّة لمواصلة رحلتها. جميع أفراد الطاقم في أمان وبخير".
وأشارت شركة نوربالك البريطانية، التي تدير ناقلة النفط "مسدار"، إلى أن أفراداً مسلحين صعدوا على متنها في حوالى الساعة 14:30 بتوقيت غرينتش لكنهم غادروا واستأنفت السفينة رحلتها.
كانت بريطانيا قد ذكرت أن إيران احتجزت "مسدار" والناقلة "ستينا إمبيرو"، وذلك بعدما غيرت السفينتان اتجاههما وتحركتا صوب الساحل الإيراني. لكن وكالة "تسنيم" الإيرانية شبه الرسمية قالت إنه لم يتم احتجاز "مسدار"، لكن تم توجيه تحذير لها. وقالت "نوربالك" إن عسكريين مسلحين صعدوا على متن الناقلة التي ترفع علم ليبيريا وإن الاتصال انقطع بها لبعض الوقت.
من جانبها، أظهرت بيانات "ريفينيتيف" لتعقب حركة السفن، أن ناقلة النفط الثانية التي تديرها الشركة البريطانية وترفع علم ليبيريا، حولت اتجاهها فجأة شمالا صوب ساحل إيران مساء الجمعة، بعد مرورها غربا عبر مضيق هرمز.
ووفق البيانات فإن الناقلة حولت اتجاهها في حوالى الساعة 16 بتوقيت غرينتش، بعد نحو 40 دقيقة من تحويل الناقلة "ستينا إمبيرو" مسارها على نحو مماثل صوب إيران، والتي قال الحرس الثوري إنه احتجزها. وأعلنت الشركة المشغلة لناقلة النفط "ستينا إمبيرو" أنها غير قادرة على الاتصال بالسفينة بعد أن اقتربت منها سفن مجهولة ومروحية في مضيق هرمز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت شركة "نورثرن مارين ماندجمنت"، وشركة الشحن "ستينا بلك"، في بيان، إن السفينة كانت في المياه الدولية وتتجه الآن نحو إيران، موضحة أن على متنها طاقما مكونا من 23 بحارا.
وطالب الرئيس التنفيذي لغرفة الشحن في بريطانيا، بوب سانجوينيتي، بتوفير مزيد من إجراءات الحماية للسفن التجارية، قائلاً "ندين بأشد العبارات احتجاز سينا إمبيرو لدى عبورها مضيق هرمز". وتابع "هذه الواقعة تشكل تصعيدا. وبينما ندعو لرد محسوب. يتعين اتخاذ مزيد من الإجراءات لحماية السفن التجارية لضمان تعزيز الأمن وحرية تدفق التجارة في المنطقة".
تصعيد سياسي
وعلى قدر التصعيد في مياه الخليج، كان التصعيد المتبادل في العواصم الغربية وطهران. فمن جانبها، سارعت لندن إلى التنديد باحتجاز الناقلة البريطانية، مؤكدة أنّ السلطات الإيرانية احتجزت ناقلة ثانية أثناء عبورها المضيق الاستراتيجي الجمعة، في عمل "غير مقبول" و"مقلق للغاية"، معلنة أنها تدرس رداً "قوياً" على الخطوة الإيرانية.
وفي واشنطن اتّهمت الإدارة الأميركية السلطات الإيرانية بـ"تصعيد العنف"، في حين أعلن الرئيس دونالد ترمب أنّه سيناقش هذه المسألة مع بريطانيا. من ناحيته قال غاريت ماركيز، المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي في بيان "إنّها المرة الثانية خلال ما يزيد قليلاً على أسبوع تكون فيها المملكة المتحدة هدفاً لتصعيد العنف من قبل النظام الإيراني"، وأضاف "سنواصل العمل مع حلفائنا وشركائنا للدفاع عن أمننا ومصالحنا ضد سلوك إيران الخبيث". وأعلن البيت الأبيض أن ترمب بحث مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصال هاتفي الجمعة "الجهود الجارية لضمان ألا تملك إيران السلاح النووي".
سجل من انتهاك حرية الملاحة
لم تكن حادثة الناقلات البريطانية اليوم هي الأولى من نوعها على صعيد مغامرات إيران العسكرية غير المحسوبة بمضيق هرمز، فقبلها أعلن الحرس الثوري احتجازه ناقلة نفط أجنبية وطاقمها، مدعياً أنها كانت "تهرّب الوقود".
وخلال الأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة البريطانية أن زوارق إيرانية حاولت إعاقة مرور ناقلة نفط بريطانية عبر مضيق هرمز، لكن فرقاطة تابعة للبحرية الملكية وجهت تحذيرات للزوارق الإيرانية، للابتعاد.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أسقط الحرس الثوري الإيراني طائرة أميركية مسيّرة من طراز "إم.كيو-4 سي ترايتون"، مما رفع منسوب التوتر في المنطقة.
وتمثل المضايقات الإيرانية في المياه الدولية في مضيق هرمز، وتهديدها للملاحة البحرية في المنطقة، اختباراً للصبر الأميركي والبريطاني والدولي، وهو صبر قد لا يدوم طويلاً.