Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المبادرة الصينية" بين اتفاق التقديرات وتباين التوجهات

تشير ضمناً إلى مصالح بكين وتجمع بين الأضداد في ما تطرحه موسكو وكييف

من اللافت في صدد هذه المقترحات أنها تتضمن حقيقة ما يساور بكين من مخاوف في شأن تايوان (أ ف ب)

ملخص

#الصين تدرك جيداً أن الوضع يمضي إلى ما هو أبعد، فكل ما يهدد أمن #روسيا اليوم قد يهدد أمن بكين في الصراع حول #تايوان

عاد "مؤتمر الأمن الأوروبي" في ميونيخ هذا العام لتعزيز الضغوط الغربية ضد روسيا بسبب موقفها الراهن على صعيد عمليتها العسكرية في أوكرانيا الذي لم يخفف من بعض حدته سوى ما كشف عنه عضو المكتب السياسي ورئيس مكتب الشؤون الخارجية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وانغ يي، حول وجود مبادرة صينية سرعان ما كشف عن كثير من بنودها في موسكو عقب لقائه الرئيس فلاديمير بوتين.

وجاء ذلك في توقيت بيّن خشية الولايات المتحدة وحلفائها من تصعيد الصين لدعمها روسيا واحتمالات إمدادها بالأسلحة، وبينما كان حرص المبعوث الصيني واضحاً على عدم الكشف صراحة عن مضمون الخطة الصينية للسلام، لكن حرصه كان أكثر على تأكيد أهمية عدم إطالة أمد النزاع والحيلولة دون توسيع نطاق الحرب والتركيز على "الهدوء وتوفير الفرص اللازمة لتحقيق التسوية عبر الحوار".

وفي إشارة لم تخل من مغزى، أضاف وانغ يي أن "بعض القوى السياسية قد لا تريد أن تتحقق محادثات السلام لأنها تسعى إلى تحقيق أهدافها الإستراتيجية الخاصة"، كما تطرق إلى الحديث حول تايوان التي قال إنها لم تكن يوماً دولة مستقلة عن الصين الشعبية ولن تكون".

ومن هذا المنظور أكد وانغ يي معارضة بلاده الكيل بمكيالين إلى جانب ضرورة مراعاة مخاوف كل الأطراف المعنية.

الحروب الأميركية
هجمات 11 سبتمبر 2001، دفعت الولايات المتحدة الأميركية إلى شنّ حربها العالمية على الإرهاب. فاستهدفت أولاً أفغانستان لضرب تنظيم "القاعدة" المحمي بحركة "طالبان"، ثم ما لبثت أن وجّهت جيشها الجرار باتجاه العراق، حيث قضت على نظام صدام حسين.
Enter
keywords

 

الثقة الشديدة بالنفس

ثمة من وصف سلوك ونبرة المبعوث الصيني بأنها تبدو دليلاً على الثقة الشديدة بالنفس بما قد يعكس، على حد وصف مصادر ألمانية، الرغبة في عدم انفراد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بالصدارة في "مؤتمر ميونيخ" مع غياب الحليف الروسي.

وعلى رغم تكتم وانغ يي وعدم إسهابه في الحديث عن تفاصيل ما يسمى بالمبادرة الصينية للسلام، فقد بدا واضحاً لدى كثير من كبار المشاركين في المؤتمر الحرص على التريث تجاه تقدير ما كشف عنه المبعوث الصيني من محاور أساس، ومنها "عدم إطالة أمد الحرب" الذي أشارت إليه نائبة الرئيس الأميركي ورئيسة الوفد الأميركي كاميلا هاريس في إطار تعليقها على "الخطة الصينية" حول أملها في أن تتضمن الوثيقة "مناشدة روسيا وقف القتال".

ويأتي ذلك في توقيت يشهد مواصلة حشد الجهود الرامية إلى مزيد من الدعم العسكري لكييف، على ضوء ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول "إن الوقت لم يحن بعد لاستئناف الحوار مع روسيا الاتحادية في شأن وضع أوكرانيا"، وذلك يعني ضمناً أن تحالف الغرب الجماعي لا يريد بعد التقيد بخطة لتحقيق السلام في أوكرانيا، على رغم سابق اعترافاته بضرورة التوصل إلى "هذا السلام"، وذلك ما عاد كثير من أبرز قيادات التحالف الغربي الجماعي إلى الإعلان عنه صراحة بعد أن كشفت وزارة الخارجية الصينية عن تفاصيل "مبادرتها" في ختام زيارة وانغ يي للعاصمة الروسية ولقائه الرئيس بوتين.

12 مادة

وكان المبعوث الصيني استهل زيارته لموسكو بلقاء مع أمين مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف وما أعقبه من محادثات مع "صديقه القديم" وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف.

وفي هذه اللقاءات والمحادثات ناقش وانغ يي عدداً من جوانب الأزمة الأوكرانية، وأماط اللثام عن المحاور الرئيسة للخطة الصينية التي تنطلق فيها بكين من رغبة جادة في أن تقوم بدور إيجابي من أجل تحقيق التسوية في أوكرانيا، يساندها في ذلك ما قد يكون بدا من اتفاق في التقديرات بين كل من موسكو وكييف، وإن تباينت التوجهات والمنطلقات.

وقالت مصادر الخارجية الروسية إن تلك اللقاءات تناولت أيضاً العلاقات الروسية – الصينية وما تتسم به من تطور مطرد يتسم "بشكل ديناميكي في مواجهة التغيرات المفاجئة على الساحة الدولية"، على حد وصف وزارة الخارجية الروسية.

وجاء لقاء بوتين مع ضيفه الصيني ليكشف عن كثير من جوانب مواقف بكين وما تتضمنه من بنود أساس حرصت على إيجازها في ما وصفته بـ "البيان" الصادر عن الخارجية الصينية، ويتضمن 12 مادة توجز بين طياتها مواقف بكين في شأن نهاية الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بما في ذلك ما يشير "إلى احترام سيادة جميع البلدان" بما قد يجرى تفسيره على أنه إشارة أيضاً إلى "سلامة ووحدة أراضيها، واحترام وتنفيذ ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية إلى جانب التخلي عن عقلية الحرب الباردة ووقف الأعمال العدائية واستئناف مفاوضات السلام، فضلاً عن العمل من أجل حل الأزمة الإنسانية وضمان سلامة محطات الطاقة النووية ومواجهة تهديد الأسلحة النووية أو الكيماوية أو البيولوجية، وتعزيز صادرات الحبوب في إطار مبادرة حبوب البحر الأسود".

كما تدعو الوثيقة الصينية إلى "حماية المدنيين وأسرى الحرب ووقف العقوبات أحادية الجانب ودعم استقرار سلاسل الإنتاج وتقديم العون والمساعدة في إعادة الأعمار بعد انتهاء الصراع".

تشكيك أميركي

وما إن كشفت بكين عن جوهر ما تطرحه من اقتراحات وبنود حتى سارعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إلى إعلان أن "لدى واشنطن سبباً للتشكيك في مبادرة الصين، لأنها تسعى إلى البقاء محايدة حول الوضع مع التعبير عن دعمها لموسكو".

من جانبه أشار مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جاك سوليفان إلى أنه من الناحية الصينية ينبغي إيلاء الاهتمام للنقطة الأولى وهي "احترام سيادة البلدان وما يتعلق بسلامة ووحدة أراضيها"، مضيفاً أنه يعتقد بضرورة "أن يتخذ الأوكرانيون أنفسهم قرار إنهاء الصراع مع روسيا".

على أن هناك في الصف الغربي من اتخذ مواقف تبدو على نحو مغاير مما سبق وأشرنا إليه بعاليه، ومن هؤلاء الرئيس البولندي أندريه دودا الذي قال إنه من "الممكن أن يكون هذا دائماً هو الطريق إلى السلام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعرب دودا عن أمله في أن ينتبه زيلينسكي وزملاؤه لخطة السلام التي نشرتها جمهورية الصين الشعبية، مبرراً ذلك بقوله إنه "لا يمكن تجاهل مثل هذا الشريك الرئيس والقوة العظمى مثل الصين".

وتقول المصادر الغربية إن الرئيس البولندي تعجل الحكم، إذ سارع إلى التعليق على المبادرة الصينية قبل أن يكشف الرئيس الأوكراني عن رفضه لها في الليلة السابقة، وربما أيضاً قبل اطلاعه على ما قالته نائبة وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند المسؤولة عن هذا الملف وصاحبة الرأي الأكثر تأثيراً في هذا الشأن.

وكانت نولاند أشارت إلى عدم قبول المقترحات الصينية، فضلاً عما سارعت إلى استخدامه من تعبيرات على غرار "وقف إطلاق النار الساخر"، في إطار تعليقها على المقترحات الصينية.

وكان الرئيس الألماني فالتر شتاينمير انضم أيضاً إلى منتقدي المقترحات الصينية بقوله إن "أي اقتراح بناء يقربنا من العالم العادل موضع ترحيب، لكن من المشكوك فيه حتى الآن أن الصين ترغب وكقوة عالمية في لعب مثل هذا الدور البناء".

"ليست خطة سلام"

أما رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين فقد أشارت إلى أن "الوثيقة الصينية هي إعلان للمبادئ وليست خطة سلام، ويجب النظر إليها في سياق أن الصين دخلت علاقات ودية مع روسيا قبل الحرب مباشرة"، بينما سارع الأمين العام لحلف الـ "ناتو" ينس ستولتنبرغ إلى الإعلان عن أنه ليس لديه ثقة كافية في الصين"، مشيراً إلى أنها لم تعلن عن إدانتها لما وصفه بـ "غزو أوكرانيا"، وأن الرئيس شي على العكس من ذلك وقع مع نظيره بوتين اتفاق شراكة".

ومن اللافت أن كل هذه التصريحات الرافضة في مضمونها للمقترحات الصينية جاءت في توقيت مواكب للاتفاق الذي توصلت فيه بلدان الاتحاد الأوروبي إلى ما جرى اتخاذه من قرارات حول ما يسمونها بالحزمة الـ 10 من العقوبات ضد روسيا، وذلك على عكس ما يتوالى صدوره في موسكو من ردود فعل تقول بإيجابية ما تطرحه الصين من اقتراحات في الوقت تستعد لاستقبال الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

وكانت مصادر برلمانية روسية سارعت إلى الإعلان عن إيجابية هذه المقترحات، ومنها النائب الأول لرئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الدوما ألكسي تشيبا الذي قال إن "في هذه المقترحات ما يبدو قريباً مما سبق وتقدمت موسكو بها من مطالب أمنية نهاية عام 2021"، قبيل بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.

وأضاف تشيبا، "أعتقد أن هذه الوثيقة تم التحقق منها وهي تتوافق مع جميع قواعد القانون الدولي المقبولة التي ينبغي أن تضمنها الحقوق والالتزامات التي أعلنتها الأمم المتحدة"، لافتاً إلى أنه سيكون من الصعب على أي شخص ألا يأخذ في الاعتبار رأي الصين في شأن إمكان التوصل إلى حل لهذا الصراع، وأن عدداً من هذه المتطلبات تستند في مضمونها إلى ما سبق وطالبت به روسيا من ضمانات أمنية.

وخلص إلى القول إن "الصين تدرك جيداً أن الوضع يمضي إلى ما هو أبعد، فكل ما يهدد أمن روسيا اليوم قد يهدد أمن الصين في الصراع حول تايوان"، وذلك ما يتفق في بعض جوانبه مع ما أشار إليه الصحافي الأوكراني أناتولي شاري الذي قال على موقعه الإلكتروني "إن المقترحات الصينية تجمع بين بعض ما سبق وطرحته كل من موسكو وكييف، وإن بدت في مجملها تتفق أكثر مع مواقف الصين التي سبق وتطرق إليها كثير من مسؤوليها خلال أكثر من مناسبة"، على رغم ما بدا من حرص بكين على وصف ما تقدمت به من مقترحات بوصفها "خطة سلام".

الموقف الرسمي لموسكو

أما عن الموقف الرسمي لموسكو فقد أعرب عنه دميتري بيسكوف الناطق باسم الكرملين في تصريحاته إلى صحيفة "إزفيستيا" حول أن "الوضع الحالي لا سيما في كييف لا يترك مجالاً للتعويل على ظهور فرص مناسبة لمناقشة دقائق أمور التسوية. لذلك فإن العملية العسكرية الخاصة مستمرة حتى تحقيق أهدافها". 
لكن ذلك وحسب تقديرات مراقبين في موسكو لا يمكن أن يعني القبول بالنقطة الأولى من النقاط الـ12، التي أوجزتها المبادرة الصينية في إشارتها إلى "احترام سلامة الأراضي". وكان بيسكوف أشار أيضاً إلى اتفاق موسكو مع الخطة الصينية في ما "يتعلق بضمان الأمن". 
أما عن الموقف العام فقد أوجزته الخارجية الروسية في ترحيبها بالمبادرة وإشارتها إلى "استعداد روسيا لتحقيق أهداف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بالسبل الدبلوماسية، وأولها اعتراف كييف بالواقع الجديد". 

وأضاف بيسكوف "لا توجد إشارات من الجانب الاوكراني حول استعداد كييف في واقع الأمر للمباحثات مع روسيا الاتحادية". 

مخاوف بكين في شأن تايوان

ومن اللافت في صدد هذه المقترحات أنها تتضمن حقيقة ما يساور بكين من مخاوف في شأن تايوان، وما تؤكده حول أنها لا بد من أن تظل جزءاً لا يتجزأ من أراضي الصين الشعبية، لكنها تتضمن أيضاً عدداً مما سبق وطرحته موسكو من متطلبات أمنية عبر وثيقتيها اللتين تقدمت بهما إلى كل من الإدارة الأميركية والـ "ناتو" نهاية عام 2021، ومنها ما يتعلق بحياد أوكرانيا واعتبارها "دولة خارج الأحلاف" إلى جانب احترام قدسية أمن كل دولة، والحيلولة دون توسع الـ "ناتو" وما يمثله من أخطار ضد أمن البلدان الأخرى، لكنها وبحسب تقديرات غربية تقول أيضاً إنها تخلو من أية إشارة إلى العودة لحدود 1991 التي وضعها زيلينسكي في صدارة مطالبه، مع دفع التعويضات والمحاكمة الدولية وغيرها من الشروط التي سبق وقال كثير في موسكو إنها لا تستحق حتى عناء أن يأخذها المرء على محمل الجد.

المزيد من تقارير