ملخص
يضطلع #البريد_التونسي بدور اقتصادي واجتماعي ويعد مؤسسة ضاربة في تاريخ #تونس يعود تأسيسها إلى القرن التاسع عشر، وشهدت تطورات كبرى عبر تاريخها
إلى زمن غير بعيد كان ساعي البريد يحمل رسائل الوصل والشوق قبل أن تقلص شبكة الإنترنت المسافات وتختزلها في تواصل افتراضي سريع وآني. كانت الرسائل المكتوبة حاملة مشاعر الحب والشوق تختزل تاريخاً من العلاقات الإنسانية المشحونة ينقلها ساعي البريد لتخفف من لوعة شوق الأم لأبنائها، وتشعل قلوب الأحباب محبة وشوقاً. كما شكلت الرسائل البريدية مدونة أدبية بين الكتاب والأدباء، وبنت جسوراً للتواصل بين الناس في أقاصي الأرض ومغاربها.
"تغير كل شيء"
يعمل ساعي البريد على تأمين وهج هذه العلاقات الإنسانية من خلال نقل الرسائل من دولة إلى أخرى ومن المدن إلى القرى، قبل أن "يتغير كل شيء"، على حد تعبير العم خميس بن عامر، سبعيني متقاعد من البريد التونسي، عمل في مدن داخلية عديدة قبل أن يستقر به المقام في الضاحية الجنوبية للعاصمة. تحدث بنبرة حالمة وهو يقول "كنت في العشرينيات من عمري أجول بدراجتي الهوائية وحقيبتي الجلدية السوداء بين الأنهج الضيقة والأعين ترمقني بلهفة وأنا أضع الرسائل والحوالات البريدية في صندوق البريد، أو أسلمها مباشرة إلى أصحابها. كنت أحفظ أسماء الأنهج، وأعرف سكانها فرداً فرداً".
ويضيف "كنت وقتها محل تقدير أهل المدينة، وأنا بالزي الأزرق الرسمي للبوسطة (العبارة المحلية المشتقة من الكلمة الفرنسية la poste)، وكان البعض يسلمني البِشارة (بشرى نبأ سار) عند تلقيهم رسالة تحمل أخباراً جيدة عن ابن في المهجر، أو طالب يدرس في الخارج، وقد تكون زجاجة مرطبات أو فنجان قهوة أو شاي".
وبحسرة شديدة يقول "اليوم تغير كل شيء. كانت أياماً جميلة على رغم عذابات شوق الأم والأب إلى رسالة من ابنهما في الغربة"، مستدركاً "التكنولوجيا قربت المسافات، ولكل زمن خصوصيته. زمن اليوم ليس زمني، لكنني أتعايش، بل أحاول أن أساير هذه التطورات الهائلة".
غيرت التكنولوجيات الحديثة والإنترنت وجه البريد واندثرت الرسائل والبطاقات البريدية وأصبحت تاريخاً محفوراً في الذاكرة وذاكرة البريد.
ضارب في التاريخ
يعود تاريخ تأسيس البريد في تونس إلى عام 1847، من خلال إحداث أول خدمة توزيع، وتم إنشاء أول مكتب بريد كامل النشاط يؤمن الخدمات المالية والبريدية عام 1875.
ويعد البريد التونسي من أولى المؤسسات البريدية في العالم التي انضمت إلى الاتحاد البريدي العالمي عام 1878، كما تم إصدار أول طابع بريدي تونسي في 1888. وفي 1918 تم إنشاء خدمة الشيكات البريدية في تونس، ثم في 1956 تم إحداث صندوق الادخار القومي التونسي.
قطاع حيوي بـ1200 مكتب
بدأ الديوان الوطني للبريد في النشاط بشكل مؤسسة عمومية ذات صبغة صناعية وتجارية في 1999. ويؤكد المدير بشبكة البريد التونسي محمد بهلول في لقاء مع "اندبندنت عربية" أن "البريد قطاع حيوي، وهو من أول القطاعات الخدماتية في تونس، واليوم يضطلع بدور مهم في الدورة الاقتصادية من خلال تحقيقه أرباحاً مهمة من عام إلى آخر، وهو من المؤسسات القليلة التي تحافظ على توازناتها المالية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإجابة عن سؤال حول مدى تأثير جائحة كورونا في قطاع البريد يقول محمد بهلول "إن البريد التونسي لم يتأثر بالفيروس، بل انتعش القطاع، حيث كان السند الرئيس للدولة، في إطار دوره المواطني، وقام بتوزيع المساعدات المالية للمواطنين على رغم تقلص الخدمات البريدية الأخرى".
ويضيف أن "البريد التونسي يملك أكثر من 600 موزع آلي، ومنح أكثر من ثلاثة ملايين بطاقة بريدية للسحب المالي، وللبريد التونسي أكثر من 1200 مكتب بريد في أنحاء البلاد، وجميع الخدمات المالية متوفرة في جميع المكاتب المجهزة بالإنترنت".
تكنولوجيا حديثة
وللاستفادة من الإمكانات التي تتيحها التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والاتصال، يشير مدير الشبكة إلى أن البريد التونسي اعتمد "استراتيجية الابتكار والتجديد في مجال البرمجيات والحلول التكنولوجية، حيث تعد بطاقة e-Dinar مسبقة الدفع أول بطاقة دفع إلكتروني عبر الإنترنت في تونس، وكذلك الحوالات الإلكترونية والإرساليات القصيرة".
ويعمل البريد التونسي على "تطوير خدمات الدفع عبر الهاتف الجوال، على غرار تطبيق "my poste" الذي يمكن المواطن التونسي من الولوج إلى كل الخدمات التي يتمتع بها عند تحويله إلى مكتب البريد، من ذلك التحويلات المالية بطريقة سهلة ومؤمنة".
وحول الاستراتيجيات المستقبلية للبريد يؤكد بهلول أن "البريد التونسي يفكر في إعادة بنك البريد وتحسين الخدمات وتطويرها وتقريبها من المواطن أينما كان".
من جهته، يؤكد الكاتب العام المساعد لجامعة البريد التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، الحبيب التليلي، في تصريح خاص، أن "مؤسسة البريد التونسي مساهمة في النسيج الاقتصادي، وحققت أرباحاً تقدر بنحو 46 مليون دينار (15 مليون دولار) في عام 2022". ويضيف "على رغم المنافسة مع البنوك يحوز البريد التونسي على نحو 68 في المئة من السوق المالية في تونس"، لافتاً إلى "الدور الاجتماعي الذي يقوم به البريد في تونس".
ودعا التليلي إلى ضرورة وضع حد للشركات الموازية التي تقوم بالبيع على الخط، بعد حصولها على رخصة نقل من الدولة، إلا أنها تقوم بمهام يفترض أنها من مشمولات البريد التونسي كتوصيل الطرود البريدية"، مشدداً على "ضرورة تنظيم هذا القطاع وحماية مؤسسة البريد التونسي من هذه الممارسات". وأشار إلى أنه لا بد من مواجهة "نقص الإمكانات والتجهيزات، وضرورة الاعتماد على الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة لتقليص استعمال الورق وتحسين الوضعية المالية للموظفين من أجل مواكبة الغلاء ومزيد تحفيز الأعوان والموظفين".