ملخص
صادق #البرلمان_التونسي السابق على قانون خاص بالمراقبة الصحية لسلامة #المنتجات_الغذائية الذي أحدث الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، إلا أن الهيئة وبعد أكثر من سنتين من إصدار قانونها الأساسي لم تنطلق في العمل بعد
أحدثت تونس "الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية" بمقتضى قانون 2019 على أن تتولى حصرياً عمليات مراقبة المنتجات الغذائية التي لها علاقة بالمستهلك بما في ذلك التوريد والتصدير، وذلك بسبب تشتت عمليات الرقابة على عديد الوزارات وهو ما خلق نوعاً من البطء وأحياناً تضارباً في المواقف وعدم النجاعة في ظل نقص الإمكانيات البشرية.
وتهدف هذه المؤسسة إلى توفير سلامة صحية للمستهلك التونسي من خلال تأمين مراقبة فعالة للمنتجات المصدرة أو التي يتم توريدها وتروج في السوق الداخلية، بعد أن كانت كل وزارة تملك جهازاً خاصاً بها للمراقبة.
وأكد مدير عام الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، محمد الرابحي، في لقاء مع "اندبندنت عربية"، أن "الهيئة بصدد وضع اللمسات الأخيرة، لتنطلق فعلياً في العمل بعد التحاق مراقبي مختلف الوزارات المتدخلة لتصبح بذلك المرجع الوحيد في مجال ضمان السلامة الوطنية للمنتجات الغذائية، وستكون ممتدة في مختلف جهات الجمهورية بإدارات جهوية، لتغطية مختلف مناطق الجمهورية، ولضمان سلامة مختلف المنتوجات التي يتم ترويجها على المستوى الوطني".
ويضيف الرابحي أن "الغاية هي إعطاء هوية وطنية لكل منتوج يتم ترويجه في السوق الداخلية، ومن شأن هذه العملية أن تضفي نوعاً من الثقة بين المستهلك والمنتوج الذي يتم ترويجه داخلياً، بداية من الإنتاج وصولاً إلى الاستهلاك ومروراً بمختلف مراحل التوزيع، وتشمل الرقابة المواد الغذائية بأنواعها، ومياه الشرب في الوسطين الحضري والريفي والمياه المعالجة والمستعملة في القطاع الفلاحي بسبب تأثيراتها المحتملة على التربة والمنتوج".
ويرى رئيس الهيئة أن "قانون الهيئة سيسد المنافذ أمام التدخلات والممارسات المشبوهة لتسهيل توريد أو تصدير أو توزيع منتوجات غير مطابقة للمواصفات، من أجل السلامة الصحية للمنتجات، كما فرض القانون شروطاً على مسدي الخدمات مثل وجوب إرساء نظم الجودة والرقابة الذاتية، وفق إجراءات صحية مصادق عليها من قبل الهيئة".
وتقوم الهيئة بالمراقبة الفنية عند التوريد والتصدير، وهو ما من شأنه أن "يحمي المنتوج الوطني، ويعطيه قيمة مضافة من خلال تأشيرة الهيئة، وعند التوريد تقوم الهيئة بتحليل ومراقبة المواد الموردة والتأشير على مطابقتها للمعايير من أجل حماية المستهلك التونسي".
ويضيف أن "مصالح الرقابة حجزت آلاف الأطنان من المواد الغذائية تتجاوز قيمتها المليارات بالعملة التونسية، بسبب عدم مطابقتها للمعايير الصحية، كما تم سحب منتجات تم توريدها وخضعت للرقابة وثبت عدم مطابقتها للمواصفات".
ويعول مدير عام الهيئة على "التكنولوجيات الحديثة لتسهيل عمليات المراقبة وتلقي الشكاوى والملاحظات والتفاعل الآني مع المستهلك أينما وُجد من خلال منصات تفاعلية إلكترونية وأيضاً موقع تفاعلي وحديث" وفق تقديره.
صلاحيات واسعة لمعاينة المخالفات
ويخول القانون للأعوان المكلفين بمعاينة المخالفات في إطار قيامهم بمهامهم عدة صلاحيات، منها "الدخول خلال الساعات الاعتيادية للعمل إلى المحلات والمستودعات والمخازن، كما يمكنهم القيام بمهامهم أثناء نقل المواد الغذائية وأغذية الحيوانات بل يمكن لهم في الحالات الاستعجالية القيام بالتدخل خارج الساعات الاعتيادية للعمل".
عقوبات صارمة
ونص قانون السلامة الصحية للمواد الغذائية على جملة من العقوبات تتراوح بين "السجن والغرامة لردع المخالفين، إذ يعاقب بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 50 ألف دينار (17 ألف دولار) إلى 100 ألف دينار (34 ألف دولار)، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يحاول تغيير طبيعة أو نوع أو منشأ أو كمية العناصر النافعة لكل منتج، وترفع العقوبة إلى السجن بـ7 سنوات مع غرامة بقيمة 200 ألف دينار (67 ألف دولار)، إذا ترتب عن هذه المخالفات ضرر بصحة الإنسان أو الحيوانات أو كانت المخالفات من قبيل الجريمة المنظمة".
الدفع نحو تحسين المنتوج
ومن جهته، يقوم المعهد الوطني للاستهلاك، بدور مهم بحماية المستهلك من خلال إعداد الدراسات في مجال الاستهلاك، وإرشاده وتوجيهه في كل ميادين الاستهلاك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتؤكد مديرة الدراسات والبحوث والتحاليل واختبارات المقارنة، بالمعهد الوطني للاستهلاك دارين الدقي أن "المعهد ينجز الدراسات والبحوث في جميع ميادين الاستهلاك ويقوم بالتحاليل والاختبارات المقارنة وتقديم الدعم الفني لجميع المؤسسات التي تعنى بمجال الاستهلاك، كما يقوم بعمليات مقارنة علمية بين عديد المنتجات من نفس النوع لتقديم جميع المعطيات الخاصة بالمواد المستعملة في المنتج الغذائي".
وتضيف الدقي "مسار كامل من أجل توضيح الرؤية بالاعتماد على مخابر متخصصة حيث يتم اقتناء المنتوجات بصفة سرية كأي مستهلك عادي، من المسالك العادية، ثم نقوم بالتحاليل والاختبارات العلمية من أجل تحديد المكونات وتحديد ما إذا كانت مضرة بالصحة، ويتم إرسال نتائج التحاليل إلى المصنعين، من أجل تحسين جودة المنتوج وتوجيهه نحو المنافسة الشريفة".
وفي التحاليل المقارنة يتم "إعلام المستهلك وترشيد استهلاكه وتوجيهه من خلال إعلان مكونات المنتجات الغذائية التي تخضع للتحاليل".
وتعتبر الدقي أن المعهد أوصى "باعتماد التأشير الغذائي وهو الجدول الغذائي الذي يتضمن جميع المكونات من ملح وسكريات ومن أجل المقارنة الغذائية بين المنتوجات، للمساهمة في تحسين السلامة الصحية للأغذية".
ودعت إلى "تطوير التشريعات التونسية، لملاءمتها مع التشريعات الأوروبية"، مشيرة إلى "غياب القوانين الصارمة التي تفرض كمية محددة من الملح والسكر وغيرهما من المواد في المنتجات الغذائية من أجل الحفاظ على صحة المواطن، وهو مشروع استراتيجي ومجتمعي متكامل".
وبحسب دراسة حول أنماط الاستهلاك أعدها المعهد الوطني للاستهلاك فإن "12 في المئة فقط من العائلات التونسية تقوم بشراء المنتوج بعد التثبت من الجودة والأسعار، وتأتي جودة المنتوجات واحترام شروط الصحة في المرتبة الثالثة بنسبة 18 في المئة، و95 في المئة من المستهلكين لا يطلبون معلومات حول الخصائص الفنية للمنتجات".
تقييم المخاطر
ووضعت وزارة الصحة خطة عمل تقوم على تقييم المخاطر في عديد المجالات، ويرى مهدي سكوحي مهندس رئيس بالوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات، (تابعة لوزارة الصحة العمومية)، في تصريح خاص أن "تونس الآن في فترة انتقالية بعد إحداث الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وفي انتظار بداية نشاطها الفعلي، يتم التنسيق بين مختلف المتدخلين لتدعيم أنشطة الرقابة الصحية والتوعية بمفاتيح السلامة الغذائية للمنتجات من خلال التثبت من المكونات وتاريخ الصلاحية كما سيتم العمل مستقبلاً على مراقبة المنتجات الصناعية".
تحديث القوانين وتوفر المعلومة
بدورها تسعى منظمة إرشاد المستهلك، إلى توجيه المستهلك إلى المواد الغذائية التي تناسب مقدرته الشرائية، التي تستجيب لحاجياته الأساسية، وتوفر السعرات الضرورية للإنسان من دون أن تخلف أضراراً صحية.
ويضيف لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك أن "هاجس المنظمة اليوم هو ملاءمة التشريع التونسي في مجال حماية المستهلك مع التشريعات الأوروبية وغيرها، واطلاع المستهلك التونسي على كل المستجدات في مجال السلامة الغذائية"، داعياً إلى "الإعلام الفوري للرأي العام والمستهلك التونسي عن كل منتج يتم سحبه من السوق في العالم حتى لا يتسرب إلى السوق التونسية ونحمي المستهلك".
وبينما يقر الرياحي بـ"محدودية الوعي المجتمعي التونسي بمكونات المنتجات الغذائية"، دعا الدولة إلى تكثيف الحملات التوعوية عبر المجتمع المدني وفي وسائل الإعلام من أجل معرفة مدى تطابقها مع المعايير الدولية.
ولفت رئيس منظمة إرشاد المستهلك إلى أن "المستهلك التونسي لا يقرأ مكونات بعض المنتجات الغذائية ويكتفي بالاطلاع فقط على تاريخ الصلاحية" داعياً إلى "التثبت أيضاً من بقية المكونات كإضافة الملونات وغيرها من المواد التي قد تضر بصحة المستهلك وبخاصة الأطفال منهم".
وخلص الرياحي إلى أن "المنظمة تعمل على إنجاز تطبيقات إلكترونية للتعريف ببعض مكونات الغذائية التي يمكن الاستغناء عنها أو تعويضها بمكونات أخرى أقل خطورة على الصحة" مرحباً "بإحداث هيئة موحدة للرقابة الغذائية لتوحيد عملية المراقبة"، وداعياً إلى "بعث مركز بحوث حول المنتجات الغذائية يجمع المخابر الوطنية ويتعامل مع المخابر الأجنبية ويقدم المعطيات الآنية حول التطورات في مجال مكونات المنتجات الغذائية".
تلكؤ في إرساء فعلي للهيئة
يذكر أن "مرصد رقابة" (منظمة مدنية رقابية) أكد أن إطلاق "الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية" مركزياً وبعث مكاتب جهوية "يحتاج إلى حوالى 20 نصاً ترتيبياً بينما تم نشر أمر حكومي وحيد متعلق بضبط التنظيم الإداري والمالي للهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وطرق تسييرها وطرق تسيير اللجنة الاستشارية وتركيبتها".
وتساءل المرصد عن أسباب التلكؤ في الانتهاء من إرساء الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية، ليمتد هذا التأخير على أكثر من سنتين. وطالما أن تركيز هذه الهيئة لم يحصل بعدُ، فإن مراقبة سلامة المنتجات الغذائية ستظل مشتتة بين جهات مراقبة عديدة، تخضع لوزارات كثيرة كان من المفترض أن تُجمع بعد المصادقة على قانون إحداث الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية التي كان من المفروض أن تنطلق في العمل في يوليو 2022.
وضعت تونس التشريعات الضرورية لتتلاءم مع القوانين الأوروبية في مجال سلامة المنتجات الغذائية، إلا أن ضمان رقابة شاملة لكل ما ينتج ويروج في السوق يحتاج إلى إمكانيات كبيرة وتنسيق محكم بين مختلف الأجهزة المتدخلة، علاوة على وعي مجتمعي قوي يقطع مع التوجه نحو استهلاك منتجات زهيدة، ومجهولة المصدر وصلت إلى السوق عبر مسالك التهريب وتشكل خطراً على صحته.