ملخص
#معرض_مسقط يختلف عن سائر #المعارض، ليس بأجنحته والدور العربية المشاركة فيه، بل بجوه الهادئ وندواته ولقاءاته غير الصاخبة وجمهوره الذي يتنقل بين القاعات والأجنحة، بحثاً عن #الكتب
لعل زيارة معرض مسقط للكتاب للمرة الأولى، تحمل مفاجأة للزائر الذي يجد نفسه للفور في مدينة فريدة، تحيط بها جبال من حجر قاتم اللون، تتاخم الأحياء والبيوت في جهات عدة، حتى لتبدو كأنها جزء أليف منها، على رغم قسوتها وحدتها. يتوزع الزائر بين ردهات معرض الكتاب في دورته السابعة والعشرين، وبين مناظر المدينة وجبالها التي تشكل سوراً بنته الطبيعة، ربما ليحمي هذه المدينة الضاربة جذورها في أديم التاريخ القديم.
معرض مسقط يختلف عن سائر المعارض، ليس بأجنحته والدور العربية المشاركة فيه، بل بجوه الهادئ وندواته ولقاءاته غير الصاخبة وجمهوره الذي يتنقل بين القاعات والأجنحة، بحثاً عن الكتب، جديدة كانت أو قديمة. لا تدافع هنا ولا ازدحام، وحده الجناح المخصص للطلاب الجامعيين يشهد إقبالاً فهو يمنح كل طالب كتابين مجاناً يختارهما بحرية. وهذه بادرة مهمة جداً ونادرة في المعارض. ومثلما الطلاب الكبار، يمنح المعرض للقراء الصغار مساحات وهدايا وكتباً وأقلام تلوين.
هدوء جميل يرين على المعرض، وفي إمكان الزائرين أن يقضوا وقتهم في التنقل بين الأجنحة واختيار الكتب والتفاوض على أسعارها عندما تكون مرتفعة. حتى المكاتب الإعلامية بدت شبه غائبة، ولا زحمة صحافيين عرب، ولا نشرة يومية تغطي النشاطات وتقدم المشاركين من كتاب ومفكرين وإعلاميين. حتى الصحف العمانية بدت غائبة عن المعرض. لكن مجلة "نزوى" المعروفة عربياً والتي يترأس تحريرها الشاعر سيف الرحبي، حضرت في جناح مع أعداد قديمة وجديدة ومع منشوراتها الشهرية، وهي عبارة عن كتب توزع مع المجلة. وحضرت أيضاً المقاهي الثقافية ومنصات توقيع الكتب ومنابر للعزف الموسيقي والغناء.
عماني وعربي
لا يدعي معرض مسقط العالمية مثل سائر المعارض، هو معرض عماني وعربي، والدور الأجنبية تحضر عبر ستاندات رسمية، ولا كتّاب من العالم ولا دولة عربية أو عالمية هي ضيف شرف. وقد حلت محافظة جنوب الباطنة ضيف شرف هذه السنة، بأدبائها وشعرائها وكتبها وثقافاتها الشعبية. ويكاد الزائر العربي لا يلحظ وجود هذه المقاطعة، تبعاً لذوبانها في النشاطات العمانية عموماً.
تحضر 33 دولة في المعرض و656 داراً للنشر مع دور تشارك عبر التوكيل. الندوات غير قليلة وتتوزع بين قضايا وعناوين عدة ترتبط بالنشر والأدب والثقافة والترجمة والإعلام وسواها، ويشارك فيها كتاب ونقاد وناشرون وإعلاميون. أما جمهور هذه الندوات فليس كثيراً ولا قليلاً. وثمة أمسيات شعرية يطل فيها شعراء عرب وعمانيون، بالفصحى والنبطية، ناهيك عن الجلسات الحوارية التي يتناقش فيها مفكرون ومثقفون في حوار حي ومفتوح. ويطل كذلك روائيون وشعراء عمانيون معروفون من خلال ندوات ولقاءات وحفلات توقيع، ومنهم الروائية جوخة الحارثي التي فازت سابقاً بجائزة البوكر الدولية عن روايتها "سيدات القمر" بترجمتها الإنجليزية، والشاعر زاهر الغافري الذي أصدر ديواناً جديداً كتب الشاعر أدونيس مقدمته، والروائية هدى حمد التي أصدرت رواية جديدة بعنوان "تأمل الذئب خارج غرفة الماكياج". وكان الروائي زهران القاسمي وقع روايته الجديدة "تغريبة القافر" عشية إعلان القائمة القصيرة لجائزة البوكر التي ضمت روايته. وبدا هذا "الفوز" ولو في اللائحة القصيرة، حدثاً أدبياً في مسقط ، وتم للفور الترحاب به بل الاحتفال، فهو من الروائيين البارزين عمانياً وعربياً. وكانت الروائية بشرى خلفان دخلت القائمة القصيرة للبوكر نفسها العام الماضي عن روايتها "دلشاد".
رواية "تغريبة القافر"
رواية زهران القاسمي تنقل القارئ إلى بيئة عمانية جعل الروائي منها مسرحاً لأحداث روايته، وهي بيئة قروية زراعية مائية، يتلاقى فيها صوت خرير الماء ورائحة الهواء الرطب. أما القافر الذي يرد اسمه في العنوان، فهو يمثل رجلاً، حرفته أو مهنته، التنقيب عن الماء في الأرض وشق الأفلاج. وتتطلب هذه المهنة قوة ومراساً وخبرة، وغالباً ما يبرع فيها الرجال الأشداء في المناطق القروية التي تغلب عليها الفلاحة، بسبب بعدها عن ضفاف الأنهر. أما كلمة التغريبة، فتعود إلى الأصل: "غريب"، وربما تعني الغريب عن وطنه، والبعيد منه. وتعني كذلك الرجل الذي ليس من أهل البلد. ولعل سالم، بطل الرواية هو الغريب في كل هذه المعاني. فكما تفيد الرواية، كانت ولادته أشبه بحدث غريب بل غرائبي. فهو ولد من بطن أمه مريم عقب وفاتها غرقاً. وبعد انتشال جثة الأم الغريقة من البئر وخلال تكفينها، وجدوا أن في بطنها حركة، أي طفلاً حيّاً. وهنا دار سجال في القرية بين الفقهاء وأهل القرية، هل يجب دفن الجنين مع أمه أم يجب منحه الحياة؟ وبينما الجدل قائم، غافلت كاذية بنت غانم، الجميع، واستلت سكينها وشقت بطن الأم الغريقة وأخرجت الطفل الذي أطلق عليه اسمه سالم. وهو بطل الرواية، القافز الذي أضحت مهنته حفر الأرض والصخر، والتنقيب عن الماء الذي يحتاج إليه أهل القرية والفلاحون.
تحفل الرواية بحوادث غريبة، ناجمة عن توتر العلاقة بين الطبيعة والناس، وتبرز قضية البحث عن الماء الذي يعدّ سر الحياة، فنقصه يسبب الجفاف الذي يهلك الزرع، ووجوده الزائد يحدث السيول الهائلة التي تدمر الإنسان والمزروعات والحيوانات.
المدينة الساحرة
وعودة إلى مدينة مسقط الساحرة بطبيعتها وجبالها الحجرية والصخرية وبحرها الشاسع وشواطئها، فزائرها للمرة الأولى يشعر برهبة التاريخ الذي لم تنل منه الجغرافيا العمرانية الحديثة. فمدينة مسقط، تطل على بحر عمان، وهي قريبة نسبياً من مضيق هرمز. مبانيها البيضاء التقليدية الطابع تسم معظم المشهد الراهن فيها، في حين تشكل مدينة مطرح مع الكورنيش والميناء محيطها الشمالي الشرقي.
وبحسب بعض المعلومات، تربط مسقط بين المجال العربي والمجال الفارسي، وهي تفصل بين الخليج العربي شمالاً وبحر العرب جنوباً، وتقع في منتصف الطريق الذي يربط بين ولاية صور في شرق عمان، وصحار في شمالها، وقربها من المرافئ والمدن العمانية مثل صور وصحار ومصيرة ومسندم بحراً، ونزوى والرستاق براً، منحها مكانة مرموقة على الصعيد الداخلي. وعرفت المدينة منذ أوائل القرن الميلادي الأول كمنفذ تجاري مهم بين الغرب والشرق، وحكمت مسقط طوال تاريخها قبائل محلية عدة وفي فترات تاريخية وقعت تحت سيطرة بعض القوى الخارجية كالفرس والبرتغاليين. وحين أصبحت قوة عسكرية إقليمية في القرن الـ18 أثرت مسقط في شرق أفريقيا انطلاقاً من زنجبار. وأسهمت مكانتها كميناء في خليج عمان، في جذب التجار الأجانب والمستوطنين مثل الفرس والبلوش.
تحتاج مسقط إلى أكثر من زيارة وإلى أكثر من جولة في شوارعها ومناطقها، وعلى تخوم جبالها الصخرية، وبالقرب من كورنيشها الطويل الذي يحلو عليه المشي والتنزه، خصوصاً في مثل هذا الجو الندي قبل بدء فصل الحر.
دار الاوبرا السطانية
ولا بد في مسقط، من زيارة دار الأوبرا السلطانية التي تعد أول دار أوبرا في منطقة الخليج العربي. وكان السلطان قابوس هو من أشار ببنائها عام 2001 على مساحة شاسعة تبلغ 80 ألف متر مربع، وتبلغ المساحة المبني عليها ما يربو على 25 ألف متر مربع.
تبدو دار الأوبرا السلطانية تحفة معمارية وبصرية بطوابقها الخمسة المرتفعة وببنائها الممتد من الشمال إلى الجنوب، والذي يجتازه رواقان من الأعمدة يمتدان على جانبيه الشرقي والغربي. والبارز في هذه التحفة العمرانية هو التناغم القائم فيها بين التراث المعماري العماني والتراث العربي والإسلامي خلال عهود تاريخية عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تستضيف دار الأوبرا السلطانية حفلات متعددة الألوان والأنواع، كحفلات الأوبرا والحفلات الموسيقية والمسرحيات، إضافة إلى المؤتمرات والملتقيات الثقافية والفنية التي تعكس فن العمارة العمانية المعاصرة. ويضم مجمع دار الأوبرا، عطفاً على مسرح الحفلات، قاعة وحدائق رسمية، وسوقاً ثقافية ومركزاً للإنتاج الموسيقي والمسرحي والأوبرالي.
تستخدم دار الأوبرا السلطانية تقنيات عرض الوسائط المتعددة عن طريق شاشات تفاعلية في المقاعد. وتم فيها استخدام أحدث تقنيات الصوت والإضاءة في المسرح الكبير للدار. وقدمت على مسرح دار الأوبرا أعمال فنية عمانية وعربية وعالمية، من أوبرا ورقص وعزف موسيقي ومسرح وفنون ضوئية وسواها.