ملخص
اللواء #عباس_ إبراهيم لن يعود إلى الأمن العام اللبناني وكان وسيطاً لتحرير #رهائن ومخطوفين، ولعب دوراً في اتفاق #الترسيم_ البحري مع إسرائيل
لو أحيل أي مدير عام في الدولة اللبنانية إلى التقاعد لبلوغه السن القانونية (64 سنة) وفق قانون الموظفين، لكان موظفو وزارته أو مديريته أقاموا له حفلة وداعية وتكريمية من دون تغطية إعلامية أو في أحسن الأحوال، مرروا خبراً في وسائل الإعلام للمناسبة، وغادر من دون أي ضجة. ولكن مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم حصل خلاف ذلك في اليوم السابق على انتهاء خدمته على رأس هذه المديرية منذ عام 2011، حين انتقل من مسؤول استخبارات منطقة الجنوب ووحدة مكافحة الإرهاب في الجيش اللبناني بقرار من مجلس الوزراء.
ما أحاط بانتهاء خدمة اللواء إبراهيم من مداولات سبقتها، والبحث عن مخارج قانونية للتمديد له، جعل من موقعه قضية سياسية من الدرجة الأولى، أثيرت حولها ضجة إعلامية وسياسية، بعدما حالت الخلافات السياسية التي تعصف بالمؤسسات الدستورية جراء الفراغ الرئاسي الذي دخل شهره الخامس، دون بقائه في منصبه، على رغم سمعة السياسيين اللبنانيين بأنهم قادرون على ابتداع الصيغ التي تجيد تطويع القوانين لتحقيق هدف ما.
ناقل الرسائل بين "الحزب" وأميركا
فاللواء إبراهيم أنشأ لنفسه هالة سياسية وأمنية وإعلامية على مدى السنوات يصعب تجاهلها. وكان وسيطاً في قضايا أمنية شائكة تتعلق بالتفاوض لتحرير رهائن ومخطوفين، وبالتوسط على الصعيد السياسي بين لبنان وبعض الدول، آخرها وأبرزها دوره في التفاوض على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل عبر صلته بالمفاوض الأميركي آموس هوكشتاين، وكساعٍ للتسويات بين الفرقاء اللبنانيين من بينها معالجة الخلافات على تشكيل أكثر من حكومة، فضلاً عن دوره في التفاوض بين العراق ولبنان حول تأمين الفيول أويل لتشغيل معامل الكهرباء، وبين بيروت ودمشق من أجل إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، فضلاً عن نسجه عبرها علاقات ثقة مع أركان السياسة اللبنانية ومسؤولين كبار على الصعيدين العربي والدولي. مع أن اللواء إبراهيم انطلق من ثقة "حزب الله" به، فإن هذا الجانب من مميزاته سهّل حتى على دول وفرقاء على عداوة أو خصومة مع "الحزب" أن توكل إليه نقل الرسائل بينها وبين قيادته، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية. وهذا ما يفسر حماسة هذه القيادة لجهود التمديد له في منصبه والسعي إلى بقائه للعب الأدوار التي كان يقوم بها خلال السنوات الماضية.
وحين ظهر في الكونغرس الأميركي النائب جو ويلسون عام 2020 مقترحاً أن تشمل لوائح العقوبات اللواء إبراهيم لعلاقته مع "حزب الله"، لم تستجب الإدارة وانكفأ النائب عن طرح هذه الفكرة، بل أن واشنطن كرمته لدوره في الإفراج عن الأميركي اللبناني نزار زكا الذي كان معتقلاً في إيران.
حقيبة الخارجية... ثم رئاسة البرلمان؟
إبراهيم لم يخف رغبته بالانتقال إلى المعترك السياسي الرسمي. فهو قال بعد مراسم وداعه للصحافيين رداً على سؤال بشأن الحقيبة الوزارية التي يحب أن يتولاها "الخارجية. وسأتابع العمل السياسي وأي شيء يخدم لبنان ولن أوفر علاقاتي من أجل الوطن". وأكد أن "بيتي سيبقى مفتوحاً، كما كنت في الجيش والأمن العام وسأبقى أستمع إلى هموم الناس ومعاناتهم وأقف إلى جانبهم".
بهذا الكلام خرج إبراهيم من الأمن العام ودخل علناً المعترك السياسي، الذي انخرط فيه من باب مديرية الأمن العام، وكان معروفاً أنه يتهيأ له. فهو مرشح لأن يخوض الانتخابات النيابية، في دورة 2026، وصولاً إلى تهيئته، كما يتردد منذ سنوات في الوسط السياسي، لتولي رئاسة البرلمان بعد رئيس حركة "أمل" نبيه بري الذي مضت عليه في المنصب زهاء 31 سنة، (بلغ سن الـ 85) وذلك بدعم من "حزب الله". ورئاسة مجلس النواب وفق الأعراف اللبنانية التقليدية للتوزيع الطائفي لمواقع الدولة مخصصة للطائفة الشيعية التي ينتمي إليها. والوسط السياسي اللبناني والشيعي يتحدث منذ سنوات عن أن "الحزب" يهيء لوريث بري في المنصب الأول للطائفة الشيعية في السلطة اللبنانية في شكل مبكر، وأن ابراهيم مناسب لهذا المنصب والدور نظراً إلى الثقة التي يتمتع بها من قيادة "الحزب"، وإلى علاقاته الواسعة مع أطراف الطيف السياسي اللبناني، ومع العديد من عواصم القرار الدولية والعربية والإقليمية، انطلاقاً من المناصب الأمنية التي شغلها خلال العقدين الأخيرين.
وإن كان إبراهيم يردد كعسكري، بأنه لا يسعى إلى دخول السلطة، فإنه كان لمّح إلى دوره المستقبلي قبل أكثر من سنة ونصف السنة في رده على سؤال صحافي حول طموحه السياسي وإمكان ترشحه للنيابة ولرئاسة البرلمان، بقوله إن "هناك فارقاً بين التمني والتوقع والإرادة الشعبية"، لافتاً إلى أنه "موضع فخر إذا كان الشعب اللبناني يراه في موقع رئاسة مجلس النواب. ونقل عنه قوله رداً على سؤال إن الرئاسة ليست ملكاً أو حكراً لرئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري. وهو أكبر من أن ينزعج من هذه الأمور، وحرية الكلام والتعبير مصانة في الدستور، وأنا ألتزمه". وفي حينها انتقد كلامه بعض مناصري بري، لكنه سرعان ما زاره لإزالة الالتباس حول تصريحه مؤكداً أنه لا يضمر الدخول بمنافسة معه.
وكانت ترددت معلومات قبيل الانتخابات النيابية التي أنتجت البرلمان الحالي في مايو (أيار) 2022 الماضي أن اللواء إبراهيم قد يستقيل من منصبه ليترشح لمنصب نيابي، من أجل تحضيره المفترض لمنصب رئيس البرلمان، لكن هذه الأنباء بقيت في حدود التكهن، خصوصاً أن إبراهيم من قرية كوثرية السياد في دائرة الزهراني وقرى صيدا الانتخابية في جنوب لبنان، حيث ترشح بري نفسه في كل الدورات الانتخابية منذ تسعينيات القرن الماضي.
إلا أن إبراهيم اكتفى بالرد على سؤال عند انتهاء تكريمه في الأمن العام: "الله يطوِّل بعمرو الرئيس بري".
الدعوة إلى الحوار
حفلت مراسم الوداع التي أقيمت له في مديرية الأمن العام في الأول من مارس (آذار) بالوقائع السياسية. فهو قال في كلمته للمناسبة إن "لبنان أحوج ما يكون الى إطلاق حوار وطني حول القضايا التي تشغل المواطنين، وأي خلاف في وجهات النظر لا يمكن أن يحل إلا بالحوار الذي يجب أن يكون ميدانه المؤسسات الشرعية والدستورية القائمة. هذا ما يجب أن يكون عليه الخيار، أما الرهانات فقد تعرض الوطن للشلل والسقوط، وتشرع أبوابه للتدخلات الخارجية. فهل نقفز فوق الدستور والقوانين وروح التوافق خدمة لرؤية خاصة ومصلحة ذاتية ووصاية خارجية، تقسم أبناء الوطن بدل أن توحدهم"؟
دعوته إلى الحوار تلاقي مواصلة "الثنائي الشيعي" تكرارها من أجل التفاهم على رئيس الجمهورية، يرفض الفريق الآخر الاستجابة لها، لاعتقاده بأن الهدف الضغط لحمله على القبول بمرشح "حزب الله" الرئاسي سليمان فرنجية.
لم يقتصر الأمر على الاحتفال وإلقاء الخطابات في مديرية الأمن العام، التي خلفه على رأسها نائبه في المديرية، العميد الياس البيسري موقتاً في انتظار تعيين بديل منه، يتردد أنه قد يكون نائب رئيس جهاز أمن الدولة العميد حسن شقير. واللافت أنه جرى التمديد للبيسري في الخدمة تسعة أشهر كي يتسلم مهام مديرية الأمن العام بفتوى قانونية - طبية هي التعويض له عن اضطراره للغياب عن عمله حين أصيب أثناء محاولة اغتيال نائب رئيس الحكومة السابق وزير الداخلية الياس المر عام 2005. نظراً إلى اقتراب إحالته إلى التقاعد. لكن تعيين أصيل يتطلب قراراً من مجلس الوزراء، المتعذر عليه اتخاذ قرارات من هذا النوع، جراء رفض كتل نيابية وأحزاب سياسية وازنة، ولا سيما المسيحية منها، اجتماع مجلس الوزراء في ظل غياب رئيس للجمهورية. فالشغور الرئاسي في لبنان الذي بات مصدر كل الخلافات السياسية الراهنة، هو في الوقت نفسه السبب الرئيس للتخبط الكارثي الذي يعيشه البلد ويعرقل الحلول لأزماته المتشعبة اقتصادياً ومالياً وحياتياً وسياسياً والتي تزداد تدهوراً. وطموح اللواء إبراهيم لتولي وزارة الخارجية مستقبلاً، يتطلب قيام حكومة جديدة، الأمر المتعذر لغياب الرئيس الذي لا تتألف الحكومة إلا إذا وقع مراسيم تأليفها مع رئيس الحكومة العتيد.
حين سئل اللواء إبراهيم عن مدى استمرار الفراغ الرئاسي أجاب بأنه غير مطمئن، "لكن يخلق الله ما لا تعلمون".
التمديد ضحية الفراغ الرئاسي
ورداً على سؤال عن فشل التمديد له وعن تخلي من وعدوه عنه أجاب بأن الأمر "صار وراءنا"، ونفى أن يكون طلب من بري أو من رئيس "التيار الوطني الحر" النائب باسيل دعم هذا التمديد.
وتردد في بعض الأوساط بأن بري لم يكن متحمساً لتأجيل إحالة إبراهيم إلى التقاعد، وأن "حزب الله" لو أراد لكان أمن مخرجاً لذلك، وأن هناك من أراد الحد من نفوذ اللواء إبراهيم بعدما توسعت صلاته وطموحاته.
إلا أن ما أحبط التمديد تداعيات الخلاف اللبناني الداخلي على انتخابات الرئاسة في لبنان. وعدم نجاح جهود إبقائه في منصبه لسنتين أو ثلاث إضافية يعود إلى خلاف "حزب الله" وبري مع "التيار الوطني الحر" على ترشيح فرنجية. فباسيل يرفض اجتماع البرلمان من أجل التشريع، والذي كان يُتوقع أن يعرض عليه اقتراح قانون يسمح بتأخير تسريح المدير العام للأمن العام. وتلاقيه في ذلك كتلتا نواب حزب "القوات اللبنانية"، والكتائب وعدد آخر من النواب، في شكل يتعذر تأمين نصاب انعقادها.
ورأى بعض الأوساط أن باسيل برفضه حضور جلسة البرلمان التي كان بري ينوي الدعوة إليها، أراد الرد على مواصلة "الثنائي الشيعي" دعم اجتماعات حكومة ميقاتي التي يعارضها وعلى تمسك "حزب الله" بترشيح فرنجية، وبالتالي فإن فشل التمديد لإبراهيم في منصبه كان ضحية الفراغ الرئاسي وتداعياته على الوضع السياسي ومؤسسات الدولة، وشللها.
وحين تعذر عقد جلسة نيابية تقر بعض القوانين منها تمديد سن التقاعد لإبراهيم، طلب "الثنائي الشيعي" من رئيس حكومة تصريف الأعمال أن يسعى بالسلطات التي لديه إلى اعتماد مخرج قانوني في هذا الصدد. أفضت المخارج التي وضعت أمام ميقاتي إلى إمكان استدعاء إبراهيم من الاحتياطي العسكري من قبل وزير الداخلية، لكن الأمر يحتاج توقيع وزير وقرار مجلس الوزراء، المعطل بدوره لرفض "التيار الحر" اتخاذه قرارات كهذه، وحرص الوزراء الذين يؤمنون النصاب الحكومي على استبعاد بنود من هذا النوع في جلسات مجلس الوزراء، في ظل الفراغ الرئاسي.