Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سجال الـ"60 دقيقة"... التوقيت الصيفي يناطح أزمات المصريين

يتساءل البعض: ما الذي سيتغير في حياتي من تقديم الساعة أو تأخيرها أو إبقائها على حالها؟ والإجابات تفتح باب التأويلات على مصراعيه

ساعة جامعة القاهرة (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - مواقع التواصل)

ملخص

أعلنت #الحكومة_المصرية العودة إلى العمل بـ #التوقيت_الصيفي وذلك بهدف #ترشيد_الطاقة.

قليلة هي الأمم التي يحتوي تاريخها القديم أو الحديث على جدول زمني يؤرخ لأحداثها ويوثقها عبر جدول زمني للوقت. ونادرة هي المعارك الفكرية التي تخوضها الشعوب بين مؤيد ومعارض وفي القلب منها ساعة زمنية. عجيبة هي الإنجازات الثورية التي يجري تحديدها وتحقيقها عبر عقارب مسار دائري مرة من أعلى اليمين إلى أسفل اليمين نزولاً من ثمة أسفل اليسار ليعود صعوداً إلى أعلى اليمين.

على يمين ملعب التوقيت في مصر يجلس فريق دعم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء شتاء، ودفعها إلى الأمام صيفاً. وعلى اليسار يتزاحم ألتراس تثبيت الوقت، أما الملعب فيركض فيه اللاعبون، مرة صوب مرمى التطبيق، وأخرى في اتجاه الإلغاء.

وبين تطبيق وإلغاء، وسرد للفوائد وشرح للأضرار، وتحليل لأسباب الإلغاء بكل همة وحماس ثم تفسير للتطبيق بالهمة نفسها والحماس ذاته حكم انقطعت أنفاسه وتقطعت به سبل الفهم، فما كان منه إلا أن دفع بـ"التوقيت الصيفي" على قمة "الترند" في مصر متحدياً "مصيبة" الزيادة المباغتة الجديد لأسعار الوقود، ومنحياً جانباً صراع "الفراخ" الفكري العنيف وحرب اللحوم، وكفاح البيض ونضال الأرز وانكسار الجنيه.

الجنيه غلب الكارنيه

يقولون في مصر "الجنيه غلب الكارنيه"، بمعنى أن المال له السطوة واليد العليا على كل ما عداه. ويبدو أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالعالم، ومصر في القلب منه، تمددت وتوغلت حتى طاولت منظومة التوقيت والجنيه والكارنيه.

قبل يومين، أعلنت الحكومة المصرية العودة إلى العمل بالتوقيت الصيفي، وذلك بدءاً من يوم الجمعة الأخيرة من أبريل (نيسان) وحتى أكتوبر (تشرين الأول) المقبلين، وذلك بهدف ترشيد الطاقة.

وبين الطاقة بمعناها المادي من كهرباء ووقود وغاز ومصادرها الجاري العمل على ترشيدها على وقع الأزمة الاقتصادية، وطاقة المواطن بمعناها الرمزي من وجدان وشعور وقدرته على المضي قدماً، التي تتعرض لعمليات نحر مستمرة بفعل عوامل التعرية الاقتصادية والإجراءات التقشفية والإصلاحات الجذرية التي لم تترك رأساً إلا دكته، وباباً إلا دقت عليه، سجال عنيف يدور في الشارع والأثير.

صمام أمان المصريين

الأثير العنكبوتي تحول إلى سوق عكاظ، لكن بنكهة مصرية ومحتوى تتصارع فيه علوم الاقتصاد بالاجتماع بالنفس بالتاريخ بالسياسة، ولا يخلو كذلك من مكون السخرية الرهيبة التي هي صمام أمان تاريخي للمصريين على مدار قرون.

قرون من ترسيخ دور المصريين القدماء في معرفة الوقت، وحفر اسم مصر القديمة جنباً إلى جنب مع أول الأدوات المستخدمة لقياس أجزاء من اليوم اعتماداً على ساعات الظل المصرية القديمة لم تشفع للمصريين أو تنقذهم من غياهب الجدال حول جدوى عودة العمل بالتوقيت الصيفي من عدمه. حتى آلاف المسلات التي تزخر بها مصر، ومنها إلى ميادين العالم الكبرى، وهي التي شيدت قبل آلاف السنوات لتساعد في تحديد الوقت تقف في حيرة من أمرها وأمر المصريين وأمر التوقيت الصيفي.

التوقيت الصيفي حديث الجميع. وفي خلفية الحديث استحضار لإعلان الحكومة قبل أشهر عن حزمة من القواعد والإجراءات الهادفة إلى ترشيد استخدام الطاقة في المصالح الحكومية والتجارية لإتاحة كميات أكبر من التصدير بحثاً عن مزيد من النقد الأجنبي، تحديداً الدولار، الذي أطاح الجنيه كما لم يطح من قبل.

ليس اختراعاً مصرياً

وقبل أن يترك مجال السجالات الصاخبة والتكهنات الزاعقة لكل من هب ودب لينظر ويحلل ويفسر ما وراء القرار والمؤامرة الكامنة في التوقيت وحقيقة وضع الصيف وما يحاك حوله من دسائس ومكائد، حصنت الحكومة المصرية نفسها بالمعلومة والتعليل، والشرح والتفسير، والإعلان والتوضيح.

أعلن مجلس الوزراء أن العمل بنظام تعديل الساعة "يأتي في ضوء ما يشهده العالم من ظروف ومتغيرات اقتصادية، وسعياً من الحكومة لترشيد استغلال الطاقة". وقال المتحدث الرسمي باسم المجلس نادر سعد، في تصريحات صحافية، إن تطبيق التوقيت الصيفي من شأنه أن يوفر 10 في المئة من حجم الطاقة المستخدمة، وأن القرار جاء بعد دراسات عدة أثبتت قدرة وكفاءة تطبيق التوقيت الصيفي لتوفير الطاقة، مشيراً إلى أن التوقيت الصيفي مطبق في نحو 40 في المئة من دول العالم، وليس اختراعاً مصرياً.

يبدو أن الحكومة المصرية باتت قادرة على استشراف رد الفعل الشعبي في مثل هذه القرارات والأمور، إذ تتفجر حزمة غريبة فريدة من الاعتراض والسخرية والتنظير المرتكز على قدر غير قليل من الهبد، وإعادة تدوير ما يقوله الآخرون لتخرج الحزمة في هيئة قنبلة عنكبوتية ذات قدرة على الانشطار في كل منصات التواصل الاجتماعي. وشرح سعد كيف أن نسبة كبيرة من الدول التي تطبق نظام تغيير التوقيت متقدمة، وأن الأمر لا يقتصر على الدول النامية فقط.

موجات الهبد

لكن، لا القدرة على الاستشراف، أو الكفاءة في استيفاء المعلومة وشرح الإجراء وتفسير القرار تقف عقبة أمام موجات الهبد، وهي الموجات التي يمتزج فيها صالح المعلومات والتفسيرات وحتى الاعتراضات بطالح الإشاعات والاستقطابات وحتى السخافات.

من السخافة بالفعل أن يعتقد بعضهم أو يصدق أن التوقيت الصيفي اختراع محلي، وإلا لتقلب بنيامين فرانكلين في قبره غاضباً، وهو صاحب الفكرة في مقالة كتبها في عام 1784 تحت عنوان "مشروع اقتصادي" تناول فيه مسألة تغيير التوقيت لتعظيم الاستفادة من الإضاءة الطبيعية في أثناء النهار.

كما أن الانجراف وراء القول إن الحكومات المصرية الحديثة تلجأ إلى التلاعب بساعات النهار إلهاء للمواطنين من شأنه أن يزعج ويؤرق عالم الحشرات النيوزيلندي جورج هادسون الذي اقترح في عام 1895 أن يجري تعديل زمني قوامه ساعتان لإتاحة مزيد من ساعات مشمسة مضيئة تمكنه من الاستفادة ببضع ساعات مشمسة بعد انتهاء الدوام الرسمي للبحث عن الحشرات في فصل الصيف.

فصل الصيف وتوقيته المرجح أن يعود في مصر بعد غياب نحو سبعة أعوام امتزجا في الجدال الشعبي المحتقن بأسعار الوقود التي استيقظ المصريون الخميس على صاعقة زيادة جديدة كبيرة فيها. وكانت نتيجة الامتزاج تفجراً رهيباً لنظريات المؤامرة والإلهاء وصلت لدرجة القول إن مصر وإسرائيل فقط هما الدولتان الوحيدتان اللتان تطبقان التوقيت الصيفي، وأن عودة التطبيق في مصر بعد توقف في عام 2015 هو نتيجة إملاءات خارجية واشتراطات دولية وقيود عالمية وصراعات جيوسياسية.

صاروخ السياسة

السياسة تجد نفسها في كل شيء وأي شيء، أو كما يقول المصريون للدلالة على الشمول "من الإبرة للصاروخ". صاروخ الأسعار الذي أصاب ملايين المصريين بدوار البر والبحر والجو منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي يضرب بعنف. تراجع الجنيه أمام الدولار 30 في المئة قبل أسابيع، وهو التراجع الأحدث في سلسلة من التراجعات التراجيدية بدأت في نوفمبر 2016 حين تراجع الجنيه 78 في المئة، وتهاوى من 8.88 إلى 15.77 أمام الدولار، فاقم من متلازمة المؤامرة والقرارات الحكومية. وهو التفاقم الذي وصل إلى درجة قول بعضهم إن الهزات الأرضية التي شعر بها المصريون في الأسابيع القليلة الماضية هي هزات حكومية مفتعلة لتشتيت الانتباه والإلهاء.

نظرية الإلهاء

نظرية الإلهاء شاعت وتجذرت في العقدين الأخيرين من حكم الرئيس السابق الراحل محمد حسني مبارك، إذ تفتق ذهن بعضهم عن القول إن الحكومة تفتعل المصائب، وتختلق الكوارث لتلهي المواطنين عن شؤون البلاد وأمور العباد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وظن بعضهم أن متلازمة الدولة والإلهاء انتهت بنهاية عهد حكم مبارك واندلاع أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، وتواتر القلاقل والمصائب في الأشهر التالية، وصولاً إلى ما وصل إليه حال الكوكب، وليس مصر فقط، في الأعوام القليلة الماضية. لكن الإلهاء فكرة، والفكرة لا تموت بنهاية عصر سياسي أو استهلال عهد اجتماعي.

ما جرى، بفعل أو بفضل منصات التواصل الاجتماعي، على مدار العقد الماضي كان تحويل النظريات الشعبية المتحولة سياسية وجغرافية وجيوسياسية واقتصادية واجتماعية إلى ضخ الحياة في نظرية الإلهاء التي صارت أكبر من الواقع نفسه.

وأول ما تبادر إلى ذهن مجموعات غير قليلة من المصريين، لا سيما مع صدور قرار زيادة أسعار البنزين (الوقود) بعد ساعات من قرار عودة العمل بالتوقيت الصيفي، هو أن الحكومة عمدت إلى إلهاء المواطنين عن قرار زيادة البنزين بقرار التوقيت. المضحك والمبكي في آن هو أن مجموعات أخرى اعتبرت الإلهاء في المسار العكسي، أي أن قرار زيادة البنزين هو للإلهاء عن قرار التوقيت.

التوقيت المحتار

التوقيت المحتار يبكي اليوم على حاله. يقول بعضهم إنه ينظر لنفسه في المرآة، ويشدو بكلمات رائعة عبدالباسط حمودة "أنا مش عارفني". لسان حاله يقول: "كيف جرى التلاعب بكياني والتشكيك في ماهيتي بهذا الشكل؟! ظننت أن أمري انتهى حين خرج رئيس الوزراء عصام شرف في 20 أبريل (نيسان) عام 2011، عام الحماسة الثورية والحراك الشارعي، ليعلن انتهاء العمل بي؟ وكيف لرئيس الوزراء إبراهيم محلب أن يخرج بالحماسة نفسها ليعلم في السابع من مايو (أيار) عام 2014 عودتي مجدداً، هكذا من دون رد اعتبار أو تفسير لما جرى؟! وما كدت أبدأ في التأقلم مع عودتي لحياة المصريين حتى صدر قرار بالعودة للتوقيت الشتوي في عز الصيف، وتحديداً يوم 26 يونيو (حزيران) في العام نفسه؟".

الأسئلة نفسها يطرحها المصريون في كل مرة يصدر فيها قرار بالعمل بالتوقيت الصيفي أو قرار بوقف العمل به. ما فائدة القرار؟ وما الغاية من التغيير؟ وما الذي سيتغير في حياتي جراء تقديم الساعة أو تأخيرها أو إبقائها على حالها؟

تنكيت وتنقيب

لسان حال المصريين هذه الآونة هو الانشغال. بعضهم منشغل في التنكيت على القرار كالعادة. وبعضهم الآخر غارق في التنقيب عن قرارات سابقة تتعلق بتطبيق التوقيت أو إلغائه والتعليلات التي سيقت في كل مرة بغرض التبرير. فريق ثالث ظل على مدار أسابيع يعيش بتوقيت مختلف عمن حوله من دون أن يتنبه لذلك.

وفريق رابع يتبادل أعضاؤه ذكريات لخبطة تغيير التوقيت بين من فاتته طائرته، ومن ذهب إلى الامتحان ساعة متأخراً أو من حائر في أمره، فهو غير متأكد مما ستفعله الـ 60 دقيقة به؟ هل سينام ساعة إضافية أم أقل؟ وهل سيذهب إلى العمل ساعة مبكراً أم متأخراً؟

في عام 2014 الذي شهد آخر مرة تعدل فيه الحكومة التوقيت، أجرت وزارة المالية استطلاعاً لرأي المواطنين حول العودة للتوقيت الصيفي بدعوى أنه يوفر في استهلاك الكهرباء. وجاءت النتيجة أقرب ما تكون إلى أعتى ديمقراطيات العالم، حيث قال 46 في المئة من المواطنين إنهم يؤيدون التوقيت الصيفي، وقال 53 في المئة إنهم يرفضونه.

قناعة ونكاية

الرفض والتأييد الشعبي لا يدوران حول توفير الطاقة أو ترشيد الكهرباء أو غيرهما. الرفض والتأييد ينقسمان إلى قسمين رئيسين: الأول لقناعة لدى المواطن بقيمة أو فائدة التوقيت الصيفي من عدمها، والثاني نكاية في الحكومة.

شعور ينتاب كثيرين قوامه أن نسبة من المواطنين باتت تتعامل مع أي قرار حكومي من منطلق النكاية، وذلك بسبب أوجاع الاقتصاد. فإذا قالت الحكومة إن التوقيت الصيفي جيد، ويجب أن يعود، قالوا التوقيت الصيفي سيئ، ويجب أن يظل ملغياً، والعكس صحيح.

صحة قدرة تطبيق التوقيت الصيفي على تخفيف الأحمال الكهربائية، وذلك بتقليل ساعات الليل التي يلجأ فيها المواطنون لتشغيل الإضاءة والأجهزة الكهربائية وزيادة ساعات النهار التي لا تحتاج إلى القدر نفسه من الكهرباء وغيرها من مصادر الطاقة مرجحة، لا سيما أن دولاً عدة في العالم تنتهجه.

ثقب التوقيت الأسود

لكن الأمر في مصر كعادته ليس مجرد ترشيد وتوفير ونظريات علمية وتفسيرات منطقية. الأمر أكبر من ذلك بكثير. الأمر يتعلق بفضاء عنكبوتي قادر على تحويل الفسيخ إلى شربات. "فسيخ" الهبد القائم على شهوة الـ "ترند" يتحول إلى "شربات" تتناوله وتتداوله ملايين باعتباره نظريات صائبة وإبداعات ثاقبة.

ثقوب عديدة تجتاح رداء التوقيت الصيفي، منها ما يتعلق بتوقيت القرار في ظل أزمة غلاء فاحش وزيادة جديدة صادمة في أسعار الوقود، ومنها ما يتعلق بنظرية عدم إضافة مزيد من التقيحات للوضع النفسي والمعيشي المحتقن بشدة.

لكن منها أيضاً ما وصل إلى الثقب الأسود أو "يونيكورن" وهي النظرية الفيزيائية التي تصف الثقب الأسود في الفضاء القادر على امتصاص ما يقترب منه بما في ذلك الضوء، وتمتعه بجاذبية تفوق مثيلتها الشمسية بعشرات المرات.

هذه المرة، تفتق ذهن أحدهم بأن ثقب التوقيت الصيفي الأسود قادر على امتصاص ما يحوم حوله من قلق اجتماعي ووجع نفسي وشعور عام بالإنهاك الاقتصادي والمعيشي.

وزير سابق يقول

ولحسن الحظ إن نظرية ثقب التوقيت الصيفي الأسود لم تنتشر شعبياً، بل تظل حبيسة مجموعات عنكبوتية مغلقة. وفي ظل هذه الفوضى الفكرية والعشوائية التفسيرية، خرج وزير الدولة المصري السابق للإعلام الكاتب الصحافي أسامة هيكل كاتباً على صفحته على "فيسبوك" ما اعتبره كثيرون "خير الكلام". قال إن مجلس النواب (البرلمان) المصري ألغى بأغلبية تقترب من الإجماع العمل نهائياً بنظام التوقيت الصيفي، مستنداً إلى نقاط عدة أهمها أن العلة في تطبيق التوقيت الصيفي هي توفير الكهرباء، إلا أن الدراسات التي أجراها مركز معلومات مجلس الوزراء خلال فترات تطبيقه كشفت عن أن الوفر في الكهرباء لا يذكر، وأن الأمر لا يستحق كلفة تغيير جداول الطيران بين مصر والعالم مرتين سنوياً".

وأضاف الدول المتقدمة التي تلجأ إليه لتوفير الكهرباء لا ينطبق على مصر، لأن فارق طول النهار في الدول الغربية بين الصيف والشتاء يصل إلى أكثر من ست ساعات، وهو ما لا ينطبق على مصر حيث لا يزيد فرق طول النهار صيفاً وشتاء على ثلاث ساعات.

وبعد سلسلة من الأسئلة التي وجهها هيكل حول الاطلاع على هذه الدراسات قبل بدء تطبيق التوقيت، طرح سؤالاً وصفه بـ"الأهم". قال: "هل هذا الموضوع (التوقيت الصيفي) يمثل أولوية وسط كل المشكلات التي يعانيها المجتمع وعلى رأسها الأسعار؟!".

وأشار إلى إمكانية اتباع إجراءات أخرى من شأنها أن توفر في استهلاك الكهرباء مثل تبكير مواعيد الدوام، وهو قرار سهل ولا يحتاج إلى تغيير قوانين وجداول سفر، كما سيترتب عليه تلقائياً تعديل عادات السهر في المحال والمقاهي والشوارع التي تستهلك الكهرباء بكثرة.

وقود النقاش

وفي الشوارع والمحال والمقاهي لا صوت يعلو حالياً على صوت التوقيت الصيفي مع قدر من أسعار البنزين (الوقود) الجديدة. وقود النقاش الحامي في المحال والمقاهي ليس إعلان التوقيت الصيفي، بل فهم ما يقال من تصريحات، لا سيما في ما يختص بمواعيد الإغلاق.

يتداول رواد المقاهي وأصحابها وكذلك المحال التجارية تصريحات صادرة عن جهات حكومية عدة في هذا الشأن. جلس أحدهم منكفئاً على هاتفه المحمول وهو يقرأ بصوت مرتفع: "وقال المسؤول إنه وفقاً للمادة السادسة من القرار الوزاري لتنظيم مواعيد عمل غلق وفتح المحال التجارية، تكون أشهر الصيف اعتباراً من يوم الجمعة الأخيرة من أبريل من كل عام، حتى نهاية يوم الخميس الأخير من سبتمبر من كل عام. وبحسب هذه المادة تنتهي المواعيد الصيفية لغلق المحال هذا العام، يوم الخميس 29 سبتمبر المقبل، لتبدأ من اليوم التالي الجمعة 30 سبتمبر المواعيد الشتوية لتغلق المحال في العاشرة مساء، على أن يتم زيادة التوقيت يومي الخميس والجمعة وفي أيام الإجازات والأعياد الرسمية للدولة لتغلق الساعة 11 مساء".

انتهت القراءة لكن لم ينجح أحد في فهم المقصود، وبشكل أكبر في هضم المأمول. "أيوه يعني إحنا سنستفيد إيه؟!" (ما النفع الذي سيعود علينا؟) أغلب الظن أن النفع  بالمعنى الشعبي من فائدة مادية أو حتى معنوية، لن يتحقق. لكن خبثاء يلوحون بأن النفع سيظل سراً لا يعلمه إلا الله وكبار المسؤولين.

تاريخ التوقيت

يشار إلى أن تاريخ التوقيت الصيفي يعود في مصر إلى عام 1945، تحديداً في عهد حكومة محمود فهمي النقراشي الذي صدر في عهده قانون رقم 113 لعام 1945 للعمل به. ويشير المحللون إلى أن هذا القرار عكس أبعاد الأزمة الاقتصادية التي عاشتها البلاد والعالم في هذا الوقت جراء الحرب العالمية الثانية وارتفاع أسعار الوقود.

وفي عام 1975، قرر الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلغاء التوقيت الصيفي وصدر بذلك القانون 87 لعام 1975، ليعيده الرئيس السابق الراحل محمد حسني مبارك في عام 1982 لترشيد الطاقة أيضاً. لكنه ألغي في عام 1985 ليعود مجدداً في عام 1988.

وفي عام 1995، صدر قانون رقم 14 لتعديل مواعيد التوقيت الصيفي، واستمرت حتى عام 2011، وتحديداً عقب أحداث يناير (كانون الثاني). ففي أبريل (نيسان) عام 2011، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية مرسوماً يقضي بوقف العمل بنظام التوقيت الصيفي استجابة لمطالبات شعبية.

شعبياً، تشيع فكرة بين بعض من المصريين، سواء من باب التنديد بأحداث يناير التي قلبت أحوال البلاد وألحقت بها البلاء، أو من باب التأييد للأحداث التي عدلت حال البلاد، وألحقت بها العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، أن الإنجاز الوحيد الذي تبقى من أحداث يناير كان إلغاء التوقيت الصيفي.

أدلة التاريخ

أدلة التاريخ وبراهين القوانين وتعليلات المحللين تشير إلى أن تغيير التوقيت عادة يكون مرتبطاً بعوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية. وعلى رغم أن عديداً من دول العالم تشهد نقاشات شعبية حول مسألة التوقيت وجدواه بين مؤيد ومعارض، تظل النقاشات الشعبية المصرية متفردة ومحلقة في آفاق كثيراً ما يعتريها اللا معقول واللا منطقي.

منطقياً لن تؤثر عودة العمل بالتوقيت الصيفي سلباً أو إيجاباً في حياة المصريين حتى وإن ألقت بظلال إيجابية على ملف ترشيد الطاقة. وعموماً، تبقى عودة التوقيت من عدمه قيد نتيجة طرحه أمام مجلس النواب (البرلمان) المصري، الذي لا يتوقع أن يعارضه.

من جهة أخرى يتداول بعضهم على سبيل التخفيف من حدة الواقع بسرد أحداث عجيبة وقصص عجيبة خاصة بالوقت والتوقيت، ربما على سبيل "من رأى طرائف غيره، هانت عليه طرائفه". فمثلاً التوقيت في الصين على رغم امتدادها على مسافة خمسة آلاف كيلومتر واحد، ووقوعها بحسب المناطق الزمنية المعمول بها في الكرة الأرضية في خمس مناطق مختلفة، فإن التوقيت واحد وهو توقيت بكين وذلك لتقوية مشاعر الوحدة الوطنية.

وفي فنزويلا في عام 2007، أجرى الرئيس آنذاك هوغو تشافيز "توزيعاً أكثر عدالة لشروق الشمس" وذلك لتحسين الإنتاج عبر تقديم شروق الشمس! أما كوريا الشمالية، فقد طبقت "توقيت بيونغ يانغ" لطمس آثار الإمبراطورية اليابانية السابقة، ولكنها اكتفت بـ 30 دقيقة فقط وليس 60.

المزيد من تحقيقات ومطولات