ملخص
يمتد التجسس المتبادل بين البلدين إلى أكثر من 70 عاماً لكن ما يثير انزعاج #واشنطن هو ارتفاع وتيرة الحوادث الأخيرة في مجال #التكنولوجيا_العسكرية والتجارية
بعد يوم واحد من اتهام الرئيس الصيني شي جينبينغ واشنطن بمحاولة احتواء بلاده وتطويقها وقمعها، حذر وزير خارجيته تشين غانغ، من أن الصين والولايات المتحدة تتجهان نحو تصادم حتمي، ما يعكس الحال المزرية التي وصلت إليها العلاقة بين البلدين، عقب أيام قليلة من أزمة المنطاد الصيني، وتزايد قلق المسؤولين الأميركيين من أن تكون رافعات الشحن العملاقة الصينية الصنع العاملة في الموانئ الأميركية أداة أخرى من أدوات التجسس الصينية، إلى جانب توجه الكونغرس وإدارة بايدن إلى تقييد تطبيق "تيك توك" الصيني في أميركا، الذي تحوم حوله شبهات بالتجسس والابتزاز والدعاية، فما سبب تصاعد الاتهامات بالتجسس، وما نطاق حروب الجاسوسية بينهما، وهل من اختلاف في عمل كل منهما؟
حرب تتصاعد
لطالما كان التجسس ومكافحته من الأدوات الأساسية في فن الحكم على مدى قرون، ولا تعد العلاقة الأميركية الصينية حالاً استثنائية في هذا الشأن، فمنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، تنافست أجهزة الاستخبارات في كل من بكين وواشنطن لكشف أسرار بعضها بعضاً، سعياً وراء ميزة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية، لكن ما تشير إليه الحالات الأخيرة هو أن الحرب الاستخباراتية تتصاعد بوتيرة خطرة، وأن الصين زادت من نطاق وتعقيد جهودها لسرقة الأسرار من الولايات المتحدة، بينما تواصل واشنطن جهودها للتنصت وجمع المعلومات عن كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية في الصين.
وجاءت أبرز الأمثلة الأخيرة عندما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال"، الأسبوع الماضي، عن مسؤولين أمنيين أميركيين قولهم إن رافعات الشحن المصنوعة بالكامل في الصين، التي تعمل في الموانئ التي يستخدمها الجيش الأميركي، ربما تحتوي على أجهزة استشعار متطورة يمكنها مراقبة الخدمات اللوجيستية والتحكم عن بعد في هذه المعدات، مما يعني إمكانية تعطيل العمليات اللوجيستية الأميركية، الأمر الذي أثار المخاوف حول توسع عمليات التجسس الصينية التي يقول الأميركيون إنها شملت منطاد تجسس صينياً حلق فوق أراضي الولايات المتحدة الشهر الماضي.
وتزامنت الاتهامات مع جهود جديدة في الكونغرس لتقييد تطبيق التواصل الاجتماعي للقطات الفيديو السريعة "تيك توك" الذي تمتلكه شركة "بايت دانس" الصينية، حيث ينتظر أن تمارس وزارة التجارة الأميركية صلاحيات واسعة لحظر أو تقييد "تيك توك" وتطبيقات التكنولوجيا الأخرى الأجنبية بموجب مشروع قانون قدمته، أمس الثلاثاء، مجموعة من 12 عضواً في مجلس الشيوخ من الحزبين بدعوى أن التطبيق، الذي يستخدمه 100 مليون أميركي على الأقل، تستخدمه الحكومة الصينية في التجسس على معلومات المستخدمين الأميركيين والدعاية والابتزاز.
تضليل أم حقيقة؟
وعلى رغم سخرية المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، من مخاوف الأمن القومي الأميركي المتعلقة برافعات الشحن، ووصفه هذه الادعاءات بأنها تعكس جنون العظمة الكامل، وبأنها مضللة للرأي العام الأميركي، فإن هذه القضية كانت منذ أواخر العام الماضي تحت التدقيق في واشنطن، حيث طلب المشرعون في الكونغرس من وزارة النقل، ضمن قانون الاعتمادات البالغ 858 مليار دولار لعام 2023، دراسة التهديدات التي تشكلها رافعات الشحن الأجنبية التي تستخدم في موانئ الولايات المتحدة وبعضها يستخدمها الجيش، في ظل هواجس حول وجود مجموعة واسعة من أدوات التجسس تحت تصرف بكين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما أثرت الطبيعة المتغيرة للتجسس على وجهة نظر الولايات المتحدة حول نقاط الضعف التكنولوجية، ودفعها إلى فرض حظر شامل على معدات شركتي الاتصالات الصينيتين "هواوي" و"زد تي إي"، أدى إسقاط منطاد المراقبة الصيني الذي انتهك المجال الجوي الأميركي، الشهر الماضي، الذي تقول الإدارة الأميركية إن الحكومة الصينية استخدمته للتجسس، إلى تصعيد التوتر وإثارة أزمة دبلوماسية مع تأجيل زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بكين.
وفي ظل الحملات والاتهامات حول عمليات التجسس المتبادلة، التي يصعب التحقق من صدقيتها نظراً إلى أنها تتضمن معلومات تتسم بالسرية القصوى وأحياناً ما يتم التعامل معها بوسائل أخرى. يقول المسؤولون الأميركيون، إن بكين تستخدم كل أداة تحت تصرفها لاكتساب ميزة استراتيجية على الولايات المتحدة، منافستها الجيوسياسية الأساسية، بينما يقول المسؤولون الصينيون شيئاً مشابهاً حيث اتهمت بكين الولايات المتحدة مراراً بالتجسس عليها في الماضي.
مع ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى التمييز بين الإجراءات الأميركية وما يقولون إنه التجسس الأكثر جرأة الذي تقوم به الحكومة الصينية خلال الأعوام الأخيرة.
إمبراطوريات التجسس
يمتد التجسس المتبادل بين البلدين إلى أكثر من 70 عاماً، لكن ما يثير انزعاج واشنطن هو ارتفاع وتيرة حوادث التجسس الأخيرة التي استخدمت فيها بكين مجموعة متنوعة من الأساليب للحصول على معلومات استخباراتية من الولايات المتحدة، وبخاصة في مجال التكنولوجيا العسكرية والتجارية.
ووفقاً لدراسة أصدرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة عام 2021، تم رصد 160 حادثة تجسس صيني منذ عام 2000 منها 89 حادثة منذ تولي الرئيس شي جينبينغ السلطة، كما أظهرت البيانات نمواً بمقدار الربع في عمليات التجسس بين عامي 2000 و2009، ثم ارتفاعاً أكبر بكثير بلغ 75 في المئة بين عامي 2010 وحتى عام 2021، كما أشار المركز إلى أن قائمته مستمدة من مواد مفتوحة المصدر ولم تشمل العدد الإجمالي الفعلي لعمليات التجسس التي تتمتع بالسرية، ولم تتضمن أيضاً التجسس ضد شركات أميركية أو أشخاص أميركيين موجودين في الصين.
في المقابل، تتهم بكين واشنطن بتكثيف عملياتها للمراقبة والتجسس، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الصيني وانغ وين بين، الشهر الماضي، إن الولايات المتحدة استخدمت السفن الحربية والطائرات لجمع معلومات استخباراتية عن الصين 657 مرة منذ بداية العام الماضي، معتبراً أن "كل هذا كان دليلاً على أن الولايات المتحدة تعد أكبر إمبراطورية مراقبة ومجرم اعتيادي للتجسس في العالم" على حد وصفه، كما اتهم واشنطن بأنها ترسل مناطيد إلى المجال الجوي للدول الأخرى، وهو ما نفاه البيت الأبيض بحزم.
أسباب التصعيد
تدور رحى حرب الاستخبارات المتنامية في ظلال الصراع بين الولايات المتحدة والصين من أجل الهيمنة العالمية، وإثبات التفوق والكفاءة، وإذا كان الطرفان يدخلان حقبة من صراع القوى العظمى، فمن المحتمل ألا يحدث جوهر الصراع في ساحة المعركة، ولكن في السباق للحصول على المعلومات، على الأقل في الوقت الحالي، بحسب ما تقول صحيفة "أتلانتيك".
ويشير الأستاذ الفخري في جامعة "جورجيا" لوك جونسون، وأحد علماء الاستخبارات الأميركيين البارزين، إلى أن كل دولة تقريباً لديها قدرات على جمع المعلومات حول خصومها والدفاع عن نفسها ضد التجسس، لكن عدداً أقل بكثير لديه شبكات ذات مغزى للعمل السري الذي يشمل التلاعب السياسي والاقتصادي والأنشطة شبه العسكرية والدعاية السرية، وتعتبر كل من أميركا والصين نفسيهما من بين هذه المجموعة.
ولأن كلاً من الولايات المتحدة والصين قوتان عظميان، ولديهما مجموعة كاملة من القدرات الاستخباراتية، يستهدف كل منهما بعضهما بعضاً والأهداف المهمة الأخرى في جميع أنحاء العالم، وهذا يعني بحسب جونسون أن الولايات المتحدة مثل الصين، تحاول باستمرار معرفة ما تفعله الصين عندما يتعلق الأمر بالأنشطة العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية، لأنها قد تمس مصالح الولايات المتحدة في آسيا وأماكن أخرى، ولهذه الغاية تستخدم الولايات المتحدة وسائل الاستخبارات الخاصة بالإشارات والجغرافيا المكانية فضلاً عن المصادر البشرية، ويساعد ذلك البحث الدؤوب في المواد المتاحة والضخمة من الاستخبارات مفتوحة المصدر في الحصول على خلفية المعلومات المطلوبة.
اختلاف النهج
مع ذلك فإن هناك اختلافاً رئيساً بين البلدين يتمثل في التجسس على الشركات الأجنبية لمساعدة الشركات الوطنية المحلية، حيث نفى مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر، عام 2013، استخدام القدرات الاستخباراتية من أجل سرقة الأسرار التجارية للشركات الأجنبية نيابة عن الولايات المتحدة، في حين أن نهج الصين يركز على التجسس الاقتصادي.
ومع تقدم الصين اقتصادياً وتكنولوجياً، تواكب خدمات التجسس لديها هذه السرعة، فقد أصبح ضباط استخباراتهم أكثر تطوراً، والأدوات المتاحة لديهم أكثر قوة عما كانت عليه في الماضي، وهم يستهدفون ضباط الاستخبارات الأميركيين السابقين ضمن حملة صينية يقول المسؤولون في واشنطن، إنها تتضمن أيضاً هجمات إلكترونية ضد قواعد بيانات وشركات حكومية أميركية، وسرقة الأسرار التجارية من القطاع الخاص، واستخدام رأس المال الاستثماري للحصول على التكنولوجيا الحساسة، واستهداف الجامعات والمؤسسات البحثية.
تهديد وجودي
غير أن نائب مساعد مدير وكالة الاستخبارات المركزية لشرق آسيا والمحيط الهادئ دينيس وايلدر، في عام 2016، اعتبر أن النهج الصيني للتجسس يعتمد على حقيقة أن قادتها ينظرون إلى أميركا منذ فترة طويلة على أنها تهديد وجودي، وأنهم لا يتعمدون فقط سرقة الأسرار، وإنما يسعون إلى حماية أنفسهم من الهدف الأميركي الحقيقي وهو القضاء على الشيوعية الصينية، تماماً كما كان هذا هو الهدف مع الاتحاد السوفياتي.
ويستشهد وايلدر بأن المسؤولين الصينيين يتحدثون بانتظام عن الإجراءات السرية الأميركية السابقة مثل دعم وكالة الاستخبارات المركزية لحركة الاستقلال في التبت، وتسلل عملائها إلى الصين عبر تايوان في الخمسينيات من القرن الماضي، وما زالوا يرون يداً أميركية في أحداث مثل الاحتجاجات في هونغ كونغ خلال حكم الرئيس ترمب، لذلك يؤمنون بأن الهدف الأميركي هو تدمير وزوال الشيوعية الصينية، وبالنسبة إلى الصينيين، فإن السرقة والتجسس الإلكتروني ضد الشركات الأميركية هو من أجل مصلحة الدولة الصينية، وجزء لا يتجزأ من الحاجة إلى البقاء على قيد الحياة ضد هذا العدو الهائل.
تاريخ طويل من التجسس
ولا تعد الشكوك الصينية وليدة اليوم، بل تعود إلى الأيام الأولى من تأسيس الصين الشيوعية عام 1949 حينما ساندت الولايات المتحدة والغرب الصين الوطنية (تايوان)، وظلت تتشكك في نوايا وأهداف الصين الشيوعية حتى غيرت استراتيجيتها في السبعينيات عندما زار الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بكين كي يستقطب الصين ويدعمها ضد العدو الاستراتيجي الأساسي آنذاك وهو الاتحاد السوفياتي.
ووفقاً لموقع "تكنولوجي ريفيو" التابع لمعهد "ماساتشوستس" التكنولوجي، فإن أول حال تجسس صيني على الولايات المتحدة جاءت بعد عام واحد فقط من تأسيس الصين الشيوعية، حيث تم تجريد شيان شيزن الشريك المؤسس لمختبر الدفع النفاث في الولايات المتحدة والأستاذ في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، من تصريحه الأمني بسبب صلاته المزعومة بالحزب الشيوعي الصيني، واستقال شيان الذي استجوب علماء الصواريخ النازيين نيابة عن حكومة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وعمل في مشروع "مانهاتن"، من معهد "كاليفورنيا" للتكنولوجيا وطلب مغادرة الولايات المتحدة إلى الصين، لكن السلطات وضعته رهن الإقامة الجبرية لمدة خمس سنوات قبل ترحيله عام 1955 إلى الصين التي استقبل فيها كبطل وأصبح أباً لبرنامج الصواريخ الصينية.
وكما سعت الولايات المتحدة إلى جمع معلوماتها الاستخباراتية عن الحكومة الصينية، باستخدام أساليب تشمل تحليق طائرات الاستطلاع فوق الجزر المتنازع عليها التي تطالب بها بكين، وتجنيد مصادر بشرية، واعتراض الإشارات الإلكترونية عبر وسائل متعددة، فقد وسعت الصين أيضاً من نطاق عملياتها الاستخباراتية ضد الولايات المتحدة.
أساليب التجسس الصينية
تتعدد وسائل التجسس الصينية إلى نطاقات أوسع من الوسائل الأميركية بحسب ما تشير صحيفة "نيويورك بوست"، حيث تتصدر القرصنة هذه الوسائل، ففي عام 2020 اتهمت وزارة العدل الأميركية خمسة مواطنين صينيين باختراق شبكات الكمبيوتر لأكثر من 100 شركة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، وقبل ذلك بعامين، اتهم قراصنة صينيون بسرقة خطط سرية لصاروخ أسرع من الصوت مضاد للسفن يتم تطويره لمركز الحرب البحرية تحت سطح البحر في ميناء "نيوبورت" الأميركي، ووجهت اتهامات إلى قراصنة صينيين بسرقة خطط لمقاتلة الشبح الأميركية "أف 35"، بناء على وثائق سربها المتعاقد مع الاستخبارات الأميركية المارق إدوارد سنودن عام 2015.
وإضافة إلى المناطيد التي يقول المسؤولون الأميركيون، إن الصين استخدمتها للتجسس في حوادث مماثلة في هاواي وغوام الأميركيتين خلال السنوات الأخيرة، تأتي الأقمار الاصطناعية في المرتبة الثانية من حيث الأهمية على قائمة وسائل التجسس الصينية، ففي مايو (أيار) 2018، كان لدى الصين أكثر من 120 قمراً اصطناعياً تدور حول العالم لعمليات الاستطلاع والاستشعار عن بعد للأغراض العسكرية والمدنية والتجارية، وفقاً لتقرير غير سري للقوات الجوية صدر عام 2019، وبحسب التقرير كان جيش التحرير الشعبي يمتلك ويشغل نصف هذه الأنظمة، ومعظمها يدعم مراقبة وتتبع واستهداف القوات الأميركية، كما أصدرت وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية تقريراً حديثاً قال إن الصين تطور عمليات أقمار اصطناعية محدثة بتقنيات ذات استخدام مزدوج، بينما أشار تقرير من وكالة الاستخبارات المركزية إلى أن الصين تواصل تطوير مجموعة متنوعة من القدرات الفضائية المضادة المصممة لمنع استخدام الخصم للأصول الفضائية أثناء الأزمات أو الصراع.
ووظفت الصين أيضاً أبراج الهواتف المحمولة التي تديرها شركات صغيرة تستخدم التكنولوجيا الصينية في عمليات المراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية مع احتمال شن هجمات على الشبكة في المناطق المحيطة وغيرها من المنشآت العسكرية الحساسة، وهو ما جعل رؤساء وكالات الاستخبارات الأميركية الكبرى يحذرون من استخدام أجهزة ومنتجات "هواوي"، وخصوصاً بالقرب من ترسانة البلاد من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، التي يمكن أن تشكل تهديداً أكبر بكثير.
لكن العملاء السريين يحظون باهتمام خاص، ففي عام 2020 قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك مايك بومبيو لصحيفة "نيويورك بوست"، إن القنصلية الصينية في مانهاتن تستخدم كمركز رئيس وإنهم منخرطون في أنشطة أقرب إلى ما يفعله الجواسيس، وجاءت تصريحات بومبيو بعد شهرين من إجبار الحكومة الأميركية الصين على إغلاق قنصليتها في هيوستن رداً على سرقات الملكية الفكرية الأميركية التي تكلف مئات الآلاف من الوظائف، كما قال الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جيمس أولسون، إن أكثر من 100 جاسوس صيني كانوا يعملون في شركة "بيغ أبل" الأميركية، مشيراً إلى أن برنامج التجسس الخاص بهم هائل، لأنهم يتنقلون بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي ويبحثون عن الأميركيين الصينيين الذين لديهم عاطفة تجاه الوطن الأم.
علاوة على ذلك، تدفع الاستخبارات الصينية جواسيسها للتقرب من السياسيين في جميع أنحاء أميركا، كما حدث مع عضو مجلس النواب الديمقراطي إريك سوالويل. وقال موقع "أكسيوس" إن فتاة أميركية صينية استخدمتها الاستخبارات الصينية لإقامة علاقات جنسية أو رومانسية مع اثنين على الأقل من رؤساء بلديات مدن الغرب الأوسط، بما في ذلك لقاء جنسي مع رئيس بلدية أوهايو داخل سيارة كانت تحت مراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي في ذلك الوقت.
وذكرت شبكة "سي أن أن" أيضاً أن بكين كانت تعتمد في عمليات التجسس على العلماء الصينيين المغتربين ورجال الأعمال وأكاديميين وحتى الطلاب في الولايات المتحدة، حيث اعتقل كثير منهم ودينوا بالتجسس، وفقاً لمسؤولين حاليين وسابقين في الاستخبارات الأميركية ومشرعين.
آلة التجسس الأميركية
مثل بكين، فإن واشنطن لديها شهيتها النهمة للتعرف على أسرار الصين، حيث تبدو جهود الولايات المتحدة واسعة النطاق وتدخلية وفعالة وفقاً لشبكة "أن بي سي"، ويعد مفتاح فهم قدرة أميركا على جمع المعلومات عن الصين هو معاهدة عمرها 50 عاماً تربط أنشطة التجسس للولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا بعضها ببعض ضمن ما يسمى "العيون الخمس".
ويعتبر اختراق الصين تحدياً مختلفاً تماماً عن جمع المعلومات في بيئة مفتوحة حيث يعمل الجواسيس من البشر، لكن مع وجود عمليات تنصت إلكترونية عالمية وجدت وكالات الاستخبارات الأميركية فرصاً عدة، إذ يقول جيفري ريشيلسون المؤرخ والخبير الاستخباراتي، إن الأساليب الأميركية للتنصت على نطاق الاتصالات الصينية يمتد من استخدام المنصات الموجودة تحت سطح البحر مثل الغواصات إلى مجموعة متنوعة من أنظمة الهوائيات على الأرض وصولاً إلى الأقمار الصناعية التي تحوم على ارتفاع 24 ألف ميل في الفضاء.
ويتم نقل قدر كبير من حركة الاتصالات الهاتفية الدولية عن طريق الأقمار الاصطناعية مثل "أنتلسات" التي تحلق فوق محيطات العالم وتنقل يومياً ملايين المكالمات الهاتفية والفاكسات ورسائل البريد الإلكتروني إضافة إلى بيانات الكمبيوتر، حيث وضعت الولايات المتحدة وحلفاؤها روابط لهذه الأقمار الصناعية في مواقع بعيدة لاعتراض الاتصالات وإرسالها عبر نظام اتصالات "البنتاغون" إلى مختلف مراكز وكالة الأمن القومي الإقليمية لتحليلها.
واعتمدت الاستخبارات الأميركية على سلسلة من أقمار "أوريون" الاصطناعية لجمع الإشارات اللاسلكية من نقطة إلى نقطة، التي تحمل كثيراً من المكالمات المحلية والدولية، وهو نظام استهدف في الأصل الاتحاد السوفياتي، لكن تم تطويره لاحقاً لاستهداف الصين، بخاصة بعد أن علمت وكالة الأمن القومي أن الهواتف المحمولة أيضاً تصدر إشارات ويمكن اعتراضها، لذلك تستمع الاستخبارات الأميركية إلى مكالمات الهاتف الخليوي في الصين ودول أخرى باستخدام قمر اصطناعي فوق القطب الشمالي.
جهود مكافحة التجسس
ومثلما نجحت جهود مكافحة التجسس الأميركية في الكشف عن عشرات الجواسيس الذين يعملون لصالح الاستخبارات الصينية، فقد نجحت وزارة الأمن الداخلي الصينية في التسلل إلى عدد كبير من وكالات التجسس في البلدان الأخرى، حيث تم الكشف عام 2010 عن وجود عملاء سريين لوكالة الاستخبارات المركزية يعملون في الصين وداخل وزارة الأمن الداخلي الصينية لحساب الوكالة الأميركية التي أخطأت في استخدام المعدات نفسها في الصين، التي كانت تستخدمها للتواصل مع عملائها في الشرق الأوسط، لكن وزارة الأمن الداخلي الصينية كانت قادرة على كسر شبكة الاتصالات الأميركية.
ووفقاً لتقارير أميركية، تم اعتقال وإعدام 20 من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية من قبل وزارة الأمن الداخلي، مما جعل وكالة الاستخبارات المركزية تعاني خسارة كبيرة لسنوات عدة.