ملخص
#المغرب من أكثر البلدان العربية تفاعلاً مع #الثقافة_الأفريقية، وقد شهد حراكا من أجل تأسيس "رابطة كاتبات أفريقيا" لمد جسور الشراكة الثقافية بين بلدان القارة
بات واضحاً أن القطيعة مع الثقافة الأفريقية لا يمكن أن تستمر في ظل الانفتاح التقني الذي قارب أطراف العالم، وجعل الإنسان المعاصر قادراً على التواصل الفعلي مع أكثر الأشكال الثقافية بعداً عنه على المستوى الجغرافي. وإن كانت الثقافة الأفريقية ممتدة في عديد من جهات العالم بدءاً من البلدان العربية وصولاً إلى أميركا، فإنها بالمقابل لا تحظى بالاعتراف الذي يكشف عن حقيقتها ومكانتها وعمقها. فالعالم يتعامل بانتقائية غريبة مع ثقافة القارة السمراء، إذ يحتفي فقط بما يتلاءم مع تصورات فلكلورية ونمطية. غير أننا صرنا نشهد في العالم العربي خلال العقود الأخيرة ما يشبه العودة إلى أفريقيا السمراء، عبر الترجمة أولاً، ثم عبر استضافة أسماء من بلدانها في معارض الكتب الدولية وفي التظاهرات الثقافية الكبرى.
ويبدو في هذا السياق أن المغرب قد يكون أكثر البلدان العربية تفاعلاً مع الشأن القاري واهتماماً بالثقافة الأفريقية. والحقيقة أن هذا التوجه ينسجم بشكل كبير مع الرؤية السياسية للدولة الحديثة التي دأبت في الفترة الأخيرة على عقد شراكات أفريقية وآسيوية كبرى، كي لا تبقى حبيسة شراكاتها التقليدية.
وخلال الأشهر القليلة الأخيرة شهدت البلاد حركة في طبيعة التظاهرات التي تولي الأهمية للثقافة القارية. فما إن اختتم المهرجان الدولي للسينما الأفريقية في خريبكة، حتى افتتح منتدى أصيلة الدولي دورته الخريفية التي احتفت بالثقافة الأفريقية، ليليهما مهرجان الأدب الأفريقي في مراكش في دورته الأولى، كما أن المعرض الدولي للكتاب بالرباط اختار أن تكون أفريقيا ضيف الشرف في دورته الأخيرة. وعملت هذه التظاهرات على استقطاب أسماء أساسية في عالم الكتابة والفن في القارة السمراء، مع فتح نقاشات عدة حول راهن العلاقة، في شقها الثقافي، بين البلدان الأفريقية مع بعضها من جهة، وهذه البلدان ومراكز العالم من جهة أخرى.
ويضاف إلى هذه الحركية الجديدة الإعلان الذي رفعته مثقفات من بلدان أفريقية عدة من أجل تأسيس هيئة جديدة تعمل على مد جسور الشراكة الثقافية بين بلدان أفريقيا، في سياق التضامن القاري. تحمل الهيئة الجديدة اسم "رابطة كاتبات أفريقيا"، وتسعى هذه الرابطة الجديدة، بحسب لجنتها التأسيسية، إلى تسليط الضوء أكثر على التراث الأدبي الأفريقي المتميز الذي يعبر عن قارة معتزة بثقافتها وتتطلع إلى المستقبل بكل ثقة. وفي ندوة إعلامية سبقت المؤتمر التأسيسي أكدت الكاتبة المغربية بديعة الراضي رئيسة رابطة كاتبات المغرب ورئيسة لجنة الإعداد للمؤتمر أن فكرة تأسيس رابطة كاتبات أفريقيا تجسيد لطموح قارة بأكملها للتعريف أكثر بثقافتها الغنية والمتنوعة، وتعزيز التعاون والتبادل وتقاسم مختلف التجارب الثقافية.
كاتبات يحلمن بأفريقيا القوية
وقد عقد المؤتمر التأسيسي لرابطة كاتبات أفريقيا مساء أول من أمس في المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، بدعم من وزارة الثقافة والوكالة المغربية للتعاون الدولي ومجلس الجالية وجهات أخرى. وعرف المؤتمر حضور وزير الثقافة ووزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة ووزير الخارجية، ورئيس مؤسسة التضامن الأفريقي، وشخصيات معروفة من حقل الثقافة والفن والسياسة والمجتمع، فضلاً عن عدد من الدبلوماسيين الأفارقة. وقد شارك في فعاليات هذا المؤتمر الذي يمتد إلى 11 مارس (آذار) الجاري 100 كاتبة من 40 دولة أفريقية.
وقد انتخب المؤتمر الكاتبة المغربية بديعة الراضي (مواليد 1969) رئيسة لرابطة كاتبات أفريقيا، كما تم تحديد أسماء رئيسات الفروع في مختلف بلدان القارة المنتمية للرابطة. وتعتبر بديعة الراضي أحد الوجوه المعروفة في المشهد الثقافي والإعلامي، فضلاً عن انشغالها الدائم بالشأن العام في المغرب، فهي من أبرز النشطاء في المجالين السياسي والاجتماعي. من أعمالها الروائية "غرباء المحيط" و"الزنقة 7"، ومن أعمالها المسرحية "الجلاد" و"رجل من الصحراء" و"المحاكمة" و"حدوثة مغربية"، كما أنها كاتبة سيناريو عملت على نقل عدد من الروايات المغربية إلى عالم السينما، مثل "البعيدون" لبهاء الدين الطود و"خطبة الوداع" لعبدالحي مودن و"نساء آل الرندي" للميلودي شغموم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي كلمتها خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التأسيسي لرابطة كاتبات المغرب ركزت بديعة الراضي على مفهوم "أفريقيا الأفارقة" في إشارة إلى رفض كل أشكال الاستلاب التي مورست على القارة السمراء ردحاً من الزمن، وترسيخاً لمفهوم التعاون الثقافي جنوب - جنوب. وأكدت الراضي أن أفريقيا ماضية في سعيها نحو الخروج من كل الدوائر المغلقة التي صنعت لها بمقاسات من القارات المجاورة. واستنكرت الكاتبة المغربية استمرار استغلال خيرات القارة واستنزافها من طرف بلدان أخرى مهيمنة. وقالت الراضي "نحن اليوم نعلن، بلغة الإبداع وبصوت المؤنث، أننا قادرات على صناعة التغيير، بنفض الغبار عن أفريقيا المنتجة ثقافياً وفكرياً وعلمياً ومعرفياً". أضافت "نلتقي هنا لحماية تنوعنا والترافع على الثقافة الأفريقية، والافتخار بلغاتنا المحلية". وأكدت أن الكاتبات الأفريقيات بإمكانهن صناعة التغيير انطلاقاً من الإمكانات الذاتية، خصوصاً أنهن يحلمن على الدوام بأفريقيا القوية، التي بإمكانها أن تتضامن مع العالم قبل أن يتضامن العالم معها.
والجدير ذكره أن مؤتمر رابطة كاتبات أفريقيا اختار أن يكون نشاطه الافتتاحي هو معرض الفنانة التشكيلية لبابة العلج الذي حمل عنوان "من الظل إلى النور"، في تناغم مع شعار الانعتاق والتغيير الذي رفعته الكاتبات الأفريقيات المشاركات في هذه التظاهرة. وعقب انتخاب بديعة الراضي رئيسة لرابطة كاتبات أفريقيا انبثقت لجنتان عن المؤتمر، لجنة المشروع الثقافي الأفريقي ولجنة القانون التأسيسي.
ومن المتوقع أن تعمل رابطة كاتبات أفريقيا على مد جسور الشراكة الثقافية على المستوى القاري، كما ورد في أوراقها التأسيسية، إضافة إلى الانفتاح على مختلف التجارب النسائية في الكتابة، والعمل على خلق مساحات كبرى للتداول والتسويق والتبادل الثقافي عبر تظاهرات ثقافية كبرى وعبر الترجمة من وإلى اللغات القارية.