ملخص
أطلقت #الحكومة_الجزائرية مشروعاً لتموين أسواق شمال البلاد بـ #اللحوم_الحمراء انطلاقاً من محافظتي تامنراست وأدرار في محاولة لـ #ضبط_الأسعار
خرجت أسعار اللحوم الحمراء في الجزائر، أخيراً، عن قاعدة العرض والطلب التي تحكم الأسواق، ما يطرح تساؤلات عن الأسباب الحقيقة التي تقف وراء هذه القضية.
وتتراوح أسعار اللحوم الحمراء في الجزائر في أسواق التجزئة ما بين 1800 و2400 دينار جزائري (13 دولاراً و17 دولاراً)، فيما يبلغ معدل استهلاك الجزائري من اللحوم الحمراء 15 كيلوغراماً سنوياً، وهو رقم أقل بكثير من المتوسط العالمي الأدنى الذي تنصح به المنظمة العالمية للتغذية والمنظمة العالمية للصحة والمحدد بـ25 كيلوغراماً سنوياً.
أرقام متضاربة
ولم يعرف العدد الحقيقي لرؤوس الماشية في الجزائر، طيلة السنوات الماضية، حتى كشف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أن الإحصاء الدقيق للمواشي أظهر توفر الجزائر على 19 مليون رأس من الأغنام "وليس 23 أو 29 مليون رأس مثلما كانت تظهره الإحصائيات السابقة"، واستغرب تبون، في كلمة له خلال افتتاح أشغال الجلسات الوطنية للفلاحة، "التفاوت والتضارب" المسجلين في سنوات سابقة حول الأرقام التي كانت تنشر بخصوص الثروات الفلاحية الوطنية لا سيما بالنسبة إلى المواشي والمساحات المزروعة كل موسم فلاحي، بحسب ما نقل موقع الإذاعة الجزائرية. وأكد تبون أن "الإحصاءات الدقيقة من شأنها الإسهام في التخطيط والاستثمار والإنتاج وتنظيم الاستيراد بطريقة جيدة".
وأشارت أرقام متداولة سابقاً إلى توفر الجزائر على أكثر من 20 مليون رأس من الأغنام، وفي عام 2021، أعلن عن تسجيل زيادة في عدد الأغنام بأكثر من مليون رأس، سنة 2020 وحدها. وقالت مسؤولة بوزارة الفلاحة حينها إن "عدد قطعان الأغنام في الجزائر ارتفع مدفوعاً بالحجر الصحي بأكثر من 29 مليون رأس، السنة الماضية، مقابل نحو 28 مليوناً في السنوات الأخيرة".
اتهامات متبادلة
وقال رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الطاهر بولنوار إن "عدد رؤوس الماشية في الجزائر قليل جداً ولا يتناسب مع تطلعات المواطنين الذي يشترون اللحوم الحمراء بأسعار مرتفعة للغاية". وأوضح، في تصريحات صحافية، أن "من بين الأسباب التي أسهمت في ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في الجزائر، سعر الأعلاف المستوردة الذي ارتفع بعد تفشي كورونا، والحرب في أوكرانيا التي كان لها الأثر المباشر في زيادة كلفة سعر اللحوم بصفة عامة"، ويتمثل السبب الثالث، بحسب بولنوار، في أن المربين لم يتدربوا على استعمال التقنيات الحديثة إضافة إلى عدم وجود أسواق جملة منظمة للمواشي ما يساعد في ضبط الأسعار إضافة إلى "عدم إقبال الشباب على تربية المواشي واقتصارها على كبار السن".
وبحسب إحصائيات رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، يقدر معدل الإنتاج الوطني للحوم الحمراء سنوياً ما بين 500 و600 ألف طن، وهو رقم ضعيف مقارنة بحجم الطلب الذي يعادل مليون طن سنوياً.
وبعد أكثر من عامين على قرار منع استيراد اللحوم الحمراء والبيضاء، بغرض تشجيع المنتجات المحلية والفلاحة الوطنية، قررت الحكومة الجزائرية العودة إلى خيار الاستيراد مجدداً لمواجهة غلاء الأسعار والمضاربة، تزامناً مع اقتراب شهر رمضان وقلق المواطنين بخصوص استمرار ارتفاع أسعار اللحوم.
ومنحت الحكومة صلاحيات استيراد اللحوم، بشكل حصري للشركة الجزائرية للحوم الحمراء (حكومية)، من أجل جلب الكميات اللازمة من اللحوم الطازجة بهدف سد العجز الذي تشهده السوق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقدر وزارة التجارة الجزائرية كمية استهلاك الجزائريين للحوم، خلال شهر رمضان، ما بين 45 و50 ألف طن شهرياً، بينما يرجح الخبراء والمتخصصون في مجال التجارة، أن يصل حجم حاجات السوق الجزائرية من اللحوم التي يجب استيرادها شهرياً إلى نحو 25 ألف طن.
ويوجد في الجزائر 45 سوقاً للجملة خاصة ببيع الخضر والفواكه، في حين لا توجد أي سوق لبيع اللحوم الحمراء والبيضاء بالجملة.
أما نائب رئيس فيدرالية مربي المواشي محمد بوكرابيلة فقال، إن تجار المواشي حالياً في قفص الاتهام بسبب ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في الجزائر، إلا أن المسؤولية الحقيقية يتحملها المضاربون الذين يعدون الفئة الحقيقية المفتعلة للأزمة والمستفيدة منها. أضاف في تصريحات صحافية، أن المضاربين ينشطون على مستويين، الأول من خلال استغلال الأعلاف ورفع سعر الشعير المدعوم من طرف الدولة ما جعل مربي المواشي يتكلفون مصاريف مضاعفة، بخاصة في ظل توالي مواسم الجفاف في المناطق المعروفة بتربية المواشي، الأمر الذي جعل المربين يعتمدون بشكل رئيس على الأعلاف بدلاً من الرعي.
وبخصوص المستوى الثاني من المضاربة، لفت إلى أن المضاربين يعمدون لشراء المواشي وأحياناً الاحتفاظ بها لخلق نوع من النقص على مستوى الأسواق الأسبوعية، بالتالي رفع أسعار اللحوم الحمراء في الجزائر، مؤكداً ضرورة التدخل النهائي من طرف السلطات لحل أزمة الأعلاف ومحاولة تحقيق الاستقلالية في هذا الجانب، من خلال توفير أعلاف جزائرية تفي بحاجات السوق الداخلية. وطالب بوضع حد لكل محاولات التلاعب بالأعلاف إلى جانب مرافقة الموالين من خلال تمويلهم بقروض بنكية إلى جانب حفر الآبار والوقوف على لوازمهم لتحقيق هدف إيصال اللحوم بأسعار معقولة إلى المستهلكين.
حلول استراتيجية
وأطلقت الحكومة الجزائرية مشروعاً لتموين أسواق شمال البلاد باللحوم الحمراء انطلاقاً من محافظتي تامنراست وأدرار (جنوب الجزائر) في محاولة لضبط الأسعار وجعلها في متناول المواطن.
وقال عزاوي عبدالباسط أستاذ الاقتصاد بجامعة تامنراست (جنوب الجزائر)، إن أسباب ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء ترجع إلى تداخل عوامل كثيرة منها ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة والضرر الذي لحق بالمساحات الرعوية بعد موجات الجفاف المتتالية وتفشي ظاهرة المضاربة. ورأى أن توجه السلطات نحو استيراد رؤوس الماشية من الدول المجاورة على غرار النيجر ومالي من شأنه المساهمة في تغطية جزء من الطلب المحلي المتزايد على اللحوم الحمراء.
وأوضح أن عملية نقل اللحوم الحمراء من الجنوب إلى شمال الوطن تسهم في زيادة العرض، ما يؤدي حتماً إلى انخفاض أسعارها في الأسواق وتكون في متناول المواطن، فضلاً عن كونها تساعد على التقليص من فاتورة الاستيراد لا سيما اللحوم المجمدة، وربط عزاوي نجاح تجربة استيراد الماشية من هذه الدول بتوفر مجموعة من الشروط منها فتح الحدود بشكل دائم عوضاً عن مرتين كل شهر مثلما هو معمول به حالياً، وتوفير بنية تحتية ملائمة للتخزين ومنح التسهيلات اللازمة في مجال النقل والعقار الصناعي لإنشاء مصانع تحويلية.
وأشار إلى ضرورة الاهتمام بعمليات تسمين الماشية عبر تشجيع الاستثمار في تصنيع الأعلاف محلياً وتطوير بعض السلالات الممتازة المستوردة وتحسينها، وتوسيع وتنويع نشاط الصناعات التحويلية للحوم ومشتقاتها ومنح إعفاءات جبائية وجمركية وفرص استثمارية لعدد من المؤسسات للمساهمة في امتصاص البطالة من خلال تشغيل عدد كبير من العاطلين عن العمل في تلك المشاريع.
وأكد عبدالباسط عزاوي أهمية التعامل بمنهجية تقنية لمواجهة التذبذب في عدد رؤوس الماشية وغلاء اللحوم الحمراء بإنشاء قاعدة بيانات على مستوى المحافظات الجنوبية لإحصاء الكمية المتوفرة من اللحوم لضمان تزويد السوق المحلية بشكل مستمر. وشدد على ضرورة عدم الإخلال بقاعدة تحقيق الاكتفاء على مستوى ولايات الجنوب الكبير لكي لا تشهد نقصاً في كميات اللحوم المتوفرة، وتبرز هنا أهمية الدور المحوري لقواعد البيانات الإحصائية في المحافظة على هذا التوازن، بخاصة في ظل اختلاف مستويات الوفرة من موسم إلى آخر على مستوى أسواق المواشي بدول الجوار.
واقترح عزاوي حلولاً استراتيجية لمعالجة الوضع منها ربط المدن الاقتصادية الجزائرية في الجنوب بنظيرتها في الدول المجاورة عبر خطوط السكك الحديدية لتسريع وتسهيل عملية نقل المواشي وأيضاً عبر النقل الجوي بتطوير المطارات المحلية وتجهيزها.