ملخص
اكتسب #المصريون على مدار ما لا يقل عن أربعة عقود خبرة عميقة بشؤون الكرتونة: محتوياتها ومكانتها ومصدرها وغايتها... فما قصة #كرتونة_رمضان عند المصريين؟ ولماذا ترتبط دائماً بالسياسة؟
الأيام القليلة السابقة لبدء شهر رمضان لا تحمل نفحات روحانية وهبات إيمانية فقط، لكنها تأتي متخمة بإسقاطات سياسية، وأمارات اقتصادية، وتربصات أيديولوجية، وجميعها لا يخلو من استنفارات واستعدادات لخوض أحد أكثر مواسم التسخين السياسي احتداماً واستقطاباً.
الاستقطاب السياسي الرمضاني في مصر الذي يدق على أوتار ارتباط شهر الامتناع عن الطعام والشراب بالإغراق فيهما، في ما يمكن وصفه بأحد أفدح التناقضات الإيمانية والاقتصادية المقاومة للتعديل والعصية على التفسير، ليس وليد هذا العام. إنه سمة كل عام، لا سيما منذ ترك الشارع لجماعات الإسلام السياسي والحكم للحزب الحاكم الأوحد، الذي هو النظام، وذلك منذ سبعينيات القرن الماضي.
الانخراط الخفي
في كتابها "الإخوان المسلمون في المجتمع" (2020) تقول أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية الزائرة في الجامعة الأميركية بالقاهرة ماري فانتزيل إن جماعة الإخوان المسلمين صورت نفسها على إنها "جهة فاعلة أخلاقية" حتى تميز نفسها عن غيرها من اللاعبين السياسيين، وهو ما أتاح لها فرصة الانخراط الخفي في لعبة السياسة، والدق على الأوتار الأخلاقية لقاعدة عريضة من المصريين ومشاعرهم الدينية.
وترجع فانتزيل بدء هذا التحرك من قبل الجماعة إلى نظام الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي أيد توسيع قاعدة عمل وتمدد "الجمعيات الخيرية الإسلامية"، لتتحمل عبء الخدمات الاجتماعية التي تخلت عنها الدولة تدريجاً في أعقاب تبني برامج وسياسات الانفتاح الاقتصادي.
وتشير فانتزيل إلى أنه كان للدولة والنظام وجماعة الإخوان في هذه السنوات تحالفات لتغيير مفهوم الرعاية الاجتماعية. وتحول جانب كبير من هذه الرعاية إلى توفير سلع غذائية ومساعدات مادية وغيرها لتصبح هذه هي السياسة. والسبب في ذلك شيوع التصور الشعبي المصري بأن من يخدم الشعب هو سياسي حاذق وناجح والعكس صحيح.
وتجذرت منظومة "اقتصادات الخير" بالمجتمع في ظل استمرار قسمة ارتضاها النظام والجماعة وأبناء عمومها من جماعات الإسلام السياسي، حيث الشارع لها (الجماعات)، والحكم لهم (الحزب الوطني الديمقراطي، ورجاله والدوائر المتصلة به من رجال أعمال ومال ومصالح).
واستمر "اقتصاد الخير" الذي يأتي حاملاً الخير لملايين البسطاء من شاي وسكر وزيت ورز وربما لحوم ودواجن في الأعياد طوال عهد الرئيس السابق الراحل محمد حسني مبارك، لدرجة أن انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) المصري لعام 2005 شهدت شعار الإخوان "معاً لما فيه الخير لمصر".
الطريق إلى القلب والصندوق
المعنى المباشر والصريح الذي لم يكن مدعاة لحرج أو سبباً لإخفاء أو تورية هو أن "الإخواني" في أية حارة أو شارع أو حي أو مؤسسة أو مستوصف أو جمعية خيرية أو مدرسة يهيمن عليها بالملكية أو بالسطوة العددية هو مصدر خير، لا سيما خيرات الغذاء.
هذه الخيرات لم تكن فقط الطريق إلى معدات ملايين المصريين، بل كانت السبيل إلى قلوبهم وقدر من عقولهم، حيث الزيت ممتزج بالتقوى، والسكر مخلوط بالورع، والشاي محلى بالإيمان، والعدس مفعم بالزهد، ولحوم المواسم متخمة بـ"قال الله"، و"قال الرسول"، وأكبر المواسم وأهمها وأخطرها وأكثرها استراتيجية هو موسم رمضان. فيه تفتح أبواب الكراتين وتستنفر جهود المانحين وتنظم أهداف الطامحين وتحدد مناطق الناخبين وتنتظر نتائج الجهود والأموال والكراتين.
هذا الانتظار لم يكن بالضرورة بهدف جني الحسنات وحصاد الصدقات ونيل أفضل المرتبات في الحياة الآخرة، لكن جني التأييد وحصاد التعضيد، ونيل أكبر عدد من الأصوات حال وجود انتخابات، وإن تعذرت لسبب من الأسباب، فالفوز بقاعدة من الأخوة والأخوات المستعدين للإدلاء بأصوات في صناديق انتخابات لا ناقة لهم فيها أو جمل من حيث السطوة والسلطة والقوة، فقط في الكرتونة ومحتويات الكرتونة، لا سيما الرمضانية.
محتويات الكرتونة
محتويات الكرتونة، بحسب التأريخ الحديث لها، تتراوح بحسب مدى بعدها أو قربها من انتخابات ما، ومقدار الحاجة إلى أصوات مستحقيها، وكذلك مدى بعد الرؤية التي يتمتع بها مزودو الكرتونة من حيث الاستثمار في بناء قاعدة شعبية يمكن الرجوع إليها وقت الحاجة. وقد أثبت الاستثمار في بناء القاعدة الشعبية جدوى هائلة على مدار عقود. فالأوضاع الاقتصادية التي اعتقد المصريون في الثمانينيات والتسعينيات ومطلع الألفية أنها الأسوأ والأفدح والأقسى دفعت كثيرين في القرى الفقيرة والأحياء العشوائية المطوقة لكل مدينة كبيرة للارتماء في أحضان الجماعة وكرتونتها المصاحبة لرمضان. واكتسب الارتماء سمة روحانية إيمانية هفهافة، وذلك بفعل الأجواء "الإيمانية" العميقة التي أبدعت الجماعة في خلقها، ونثرها حول كل صغيرة قبل كبيرة في تعاملاتهم الشعبية.
هذه الأجواء أضفت سمات وصفات إيمانية ظاهرياً وسياسية باطناً حتى صارت لصيقة بمنظومة "كرتونة رمضان"، بما في ذلك الكراتين الفاصلة بين الجماعة والغاية، أو بين الكرتونة كعمل خيري والكرتونة كوسيلة لتحقيق غاية.
أحاديث البسطاء ممن لا يفقدهم الفقر أو العوز حس السخرية المصري العميق وحدس فهم ما وراء المعلن وقراءة ما بين سطور لطالما تساءلوا بخبث عن مصدر الكرتونة، وإن كانت من "الرجل السني الطيب" (غالباً إخواني)، أم من "الشيخ" (غالباً سلفي وقد يكون نجاراً أو سباكاً أو بائع دجاج أو مورد خضار)، أو "واحد بتاع ربنا" (مستقل أي لا هو إخواني أو سلفي)، وهذا الأخير يعلم المصريون أن كرتونته غالباً منزهة عن الأهواء منزوعة الغايات، أي لا يعود بعد أيام أو أسابيع أو شهور ليطالبهم بالتصويت لهذا أو للنزول للشارع للتخلص من ذاك الذي "انقلب على كلام الله".
خبرة عميقة بشؤون الكرتونة
اكتسب المصريون على مدار ما لا يقل عن أربعة عقود خبرة عميقة بشؤون الكرتونة: محتوياتها ومكانتها ومصدرها وغايتها. والغاية لخصها الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية نبيل عبدالفتاح في حديث صحافي أدلى به في رمضان عام 2011، أي بعد أشهر من أحداث يناير (كانون الثاني) عام 2011.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشار إلى أن هذا الشهر في ذلك العام شهد تكالباً جهرياً من أغلب القوى السياسية التي بدأت تتكالب على حكم مصر، فظهرت كرتونة رمضان تحمل شعارات مختلفة باستثناء شعار "الحزب الوطني الديمقراطي" الذي سقط بسقوط حكم مبارك قبلها بأشهر قليلة.
قال عبدالفتاح إن استغلال القوى السياسية لتوزيع كراتين رمضان هو استمرارية لفكر النظام السابق، الذي اعتبر الفقراء المادة الخام للبقاء في الحكم، مسمياً ذلك بـ"سوق النخاسة السياسية" الذي عاشته البلاد على مدار عقود.
وانتقد عبدالفتاح استغلال القوى السياسية، بما في ذلك القوى التي لا تخلط السياسة بالدين وشهر رمضان للاستفادة السياسية عبر دغدغة مشاعر البسطاء، والدق على أوتار جيوبهم الخاوية.
واعتبر عبدالفتاح هذه الدغدغة "قاصرة"، منتقداً عدم التفكير في تشييد مشروع تأهيل أو إعادة تأهيل أو تدريب المحتاجين والفقراء لانتشالهم من دائرة الفقر بدلاً من إطعامهم مع إبقائهم في الدائرة. محذراً في ذلك الوقت الذي كانت مصر تقف فيه على مفترق طرق كلها مر. فقد كشف صراع الميدان (ميدان التحرير الثوري) عن تشتت وتشرذم القوى المدنية وعدم وجود رؤية أو خطة لما بعد إسقاط النظام، مع توحد وتوحش قوى الإسلام السياسي واعتمادها بشكل أساسي على البطون التي أشبعتها على مدار عقود لإبقاء القوى المدنية بعيداً عن الحكم، إن لم يكن بغزارة التصويت، فبفداحة الوقوف في وجه غير الإسلاميين بالقوة.
"عطايا" البر السياسي
وحذر عبدالفتاح من أن تمدد الفكر الديني المحافظ لدى قطاعات عريضة من المصريين ساعد تيارات الإسلام السياسي والجماعات السلفية على مدار سنوات في تجذير فكر "العطايا" الذي أخرج كرتونة رمضان من خانة البر والإحسان المهتمة بالجانب القيمي والأخلاقي إلى خانة الاستغلال السياسي.
خانة الاستغلال السياسي مطاطة ومرنة وتتسع لكثير من دون شروط انتماء أو قيود انتساب. وكذلك كرتونة رمضان التي أثبتت على مدار ما يزيد على نصف قرن أنها قمة العطاء حيناً، والوسيلة الغذائية التي تبرر تحقيق الغاية السياسية أحياناً، والكرتونة التي يمتدحها المؤيدون بحسب التوجهات والتوجيهات، ثم ينتقدونها إن تبدلت التوجهات، أو تغيرت التوجيهات، مع الإشارة إلى أن بعضهم كان يتعامل في مصر مع الكرتونة باعتبارها وجاهة اجتماعية.
الوجاهة تتقلص
هذا العام، يرجح أن تتقلص الكرتونة ذات الوجاهة الاجتماعية كثيراً، حيث الأزمة الاقتصادية لم تترك بيتاً إلا وأضرته، أو فئة اقتصادية إلا ونالت منها. لكن المؤكد أن الكرتونة تتخذ هذا العام أيضاً صفات وتكتسب سمات ذات مذاق مختلف، وإن ظلت الكرتونة وأهدافها معاداً تدويرها.
تدور حوارات وأحاديث كرتونة رمضان هذا العام حول محتويات الكرتونة. وفي ظهور مباغت مبكر، فوجئ مواطنون في أغلب فروع المجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين بظهور كرتونة قيمتها 65 جنيهاً مصرياً (دولاران أميركيان) تحوي زجاجة زيت وأكياس سكر ورز وملح ودقيق. تكالب المواطنون على الكرتونة، لا للتبرع بها بغرض أعمال الخير، لكن لاستخدامها لزوم احتياجات البيت، لا سيما أن ثمن الكرتونة أقل بكثير من قيمة شراء كل من محتوياتها منفرداً.
انفراد آخر يشهده شهر رمضان هذا العام وذلك في سياق يراه بعضهم دعماً غذائياً بحتاً أو تخفيفاً حكومياً عن كاهل الموطنين في ظل الأزمة الراهنة، فيما يصر بعضهم الآخر على أنه استمرار لتسييس سلع رمضان الغذائية، ومحاولة كسب الشارع، وتهدئة هلعه الاقتصادي، والدق على ولعه الموسمي بمحتويات مائدتي الإفطار والسحور. لكن هذه المرة الأمر أكثر من مجرد كرتونة.
أخبار مدروسة
أخبار الكرتونة مدروسة بدقة. أغلب العناوين تدور حول توافر كرتونة رمضان، وتنوع أسعارها لتناسب جيوب كل أهل الخير، وعروضها الكثيرة في أفرع سلاسل السوبرماركت سواء الحكومية أو المملوكة للقطاع الخاص. تشير الأخبار إلى أن أسعار الكرتونة تبدأ من 55 جنيهاً (1.78 دولار أميركي) ولا حداً أقصى لها. لكن محتويات الكرتونة ذات الجنيهات الـ55 أو حتى ذات 100 جنيه (3.24 دولار أميركي) أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها "بدائية" أو "اقتصادية" وأحياناً "هزيلة" أو "شحيحة".
لكن شح المحتويات ليس سمة، فقط علامة أو أثر منطقي للأوضاع الاقتصادية الحالية. أما السمة فهي ضلوع الدولة بأشكال عديدة في منظومة الكرتونة هذا العام عبر مبادرات عديدة لعل أبرزها "كتف في كتف"، التي انطلقت قبل ساعات. إنها "المنظومة الأكبر في العالم" و"المبادرة الأوسع بمصر والعالم العربي"، و"طوق النجاة للأكثر احتياجاً"، و"الفكرة غير المسبوقة" بحسب وسائل الإعلام المصرية.
وبحسب وسائل إعلام غير مصرية، هي ضمن الجهود الرسمية التي تبذلها الدولة المصرية لاحتواء الأزمة الاقتصادية الراهنة، وخطوة لاحتواء قلق الشارع جراء الأزمة الحالية، ووسيلة لكسب رضا الشارع أو على الأقل اتقاء شرور عدم رضاه.
رضا و"أمان"
ملامح الرضا والشعور بالأمان التي بدت على وجه عديد من المصريين الخارجين من منفذ بيع بشارع مكرم عبيد في حي مدينة نصر (شرق القاهرة) لا تخطئها عين. يخرج المواطن حاملاً كيساً بلاستيكياً ربما يحتوي كيلوغرام أو أكثر من اللحوم الحمراء. الكيلو غرام يباع بـ 220 جنيهاً مصرياً (7.12 دولار أميركي) في الوقت الذي لا يقل فيه سعره الكيلو لدى "الجزارين" عن 300 جنيه مصري (9.71 دولار أميركي).
"أمان" ليس مجرد شعور يكتسبه حامل كيس اللحم، لكنه اسم المنفذ الذي حصل منه على اللحم. إنها المنظومة التابعة لوزارة الداخلية المصرية، التي جرى شنها قبل نحو عام ضمن مبادرة "كلنا واحد" التي دشنت عام 2015، أي قبل احتدام الأوضاع الاقتصادية وقبل الوهن الشديد الذي لحق بالجنيه المصري مقابل الدولار.
الهدف من المبادرة هو طرح السلع والمستلزمات الأساسية للمواطنين ومحاربة الغلاء وجشع بعض التجار، و"الاستجابة لمطالبهم بما يحقق توطيد العلاقات الإيجابية مع المواطنين، ويسهم في تحقيق مفهوم جودة العمل الأمني"، بحسب وزارة الداخلية آنذاك.
لحوم وكهرباء وبهجة
المنفذ القابع في شارع مكرم عبيد يقول كثير. فهو لا يحوي لحماً فقط، بل تسبقه مئات الأمتار من الأضواء الكهربائية الاحتفالية التي تضفي جواً من البهجة والسعادة والفرحة لسبب لا يعلمه إلا الله وصاحب قرار تعليق الأضواء بهذه الكثافة. لكن يمكن التكهن بأن يكون الغرض هو إشاعة أجواء البهجة لعل الأضواء الكهربائية تخفف من حدة وإحباط وقلق الأزمة الاقتصادية لدى المواطنين.
الاستعداد لرمضان بلحوم "أمان" يتزامن واستعدادات أخرى عديدة، جميعها يصب في الخانة نفسها، خانة إسعاد المواطنين وإشاعة أجواء من البهجة، إضافة إلى التخفيف عن الكواهل والجيوب وموازنات ملايين من البيوت المصرية.
الملايين المستهدفة أو المتوقع استفادتها من مبادرة "كتف في كتف" التي انطلقت قبل ساعات كثيرة، وتراوح بين أربعة ملايين كرتونة و25 مليون مستفيد. المبادرة أطلقها ما يعرف بـ"التحالف الوطني للعمل الأهلي". هذا التحالف انطلق في مارس (آذار) 2022 ويضم نحو 25 ألف مؤسسة عمل أهلي وتنموي في مصر، وذلك بعد ما أعلن الرئيس المصري 2022 "عام المجتمع المدني".
وبحسب التحالف، فإن المبادرة جاءت تنفيذاً لتوجيهات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بدعم الفئات الأولى بالرعاية والأكثر استحقاقاً. والأهداف كثيرة وتتراوح بين تخفيف العبء عن كاهل المواطنين، وتقليل حدة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بجميع المجالات.
بهجة مستدامة
وبعيداً من أن ملايين المصريين من متلقي كرتونة رمضان عبر "كتف في كتف" أو غيرها لا يعنيهم كثيراً أو قليلاً مسألة "تحقيق أهداف التنمية المستدامة"، فإن الكرتونة تأتي هذا العام محملة كذلك بهدف البهجة.
المارة في شارع مكرم عبيد، حيث منفذ "أمان" والأضواء الكهربائية الاحتفالية الممتدة بطول الشارع، يتحدثون بالفعل عن شعورهم ببهجة غير معروفة المصدر على رغم فداحة الأزمة التي يمر بها الجميع. يعلمون إنها غير مستدامة، وإنها مضاعفة لدى الحاصلين على أكياس اللحم، لكن هذا ليس نهاية مطاف الكرتونة والبهجة الرمضانية، بل أوله.
ومن أوائل آثار البداية المبكرة للكرتونة الرمضانية هذا العام، والصفة الرسمية التي اكتسبتها في ظل الأزمة الطاحنة هو ذلك التحول الذي طرأ على بعض ممن كانوا ينتقدون "اقتصاد الكرتونة" الذي يمكن توجيهه لمصارف إنفاق أكثر استدامة، و"لوجاهة الكرتونة الاجتماعية" التي ينبغي في الأصل أن تكون لوجه الله تعالى، وللتخفيف عن كاهل الفقراء والمحتاجين، ولفكرة الكرتونة من الأصل حيث تشوبها شبهة التسول والاستغلال مما قد يعيد إحياء الكرتونة السياسية من مرقدها.
وتر الكرتونة الاستراتيجي واللوجستي
غالبية الأصوات الحالية تدق على وتر الكرتونة الاستراتيجي والاقتصادي واللوجستي. فهي في ظل الظروف الاقتصادية بالغة الصعوبة الحالية ذات أهمية استراتيجية، حيث توفر قدراً من الحماية والدفاع ضد هجمات الأعداء والمتربصين، الذين يحاولون التسلل عبر منافذ السياسة وفجوات الاقتصاد وهوات المشكلات الاجتماعية. هي بحق كرتونة طوارئ في ظروف بالغة الصعوبة. وهي بالطبع طوق نجاة اقتصادي، ولو وقتياً، في ظل الظرف الصعب الراهن. ولوجستياً هي تؤمن عملية توفير قدر من السلع الغذائية من نقطة المنشأ الرسمية، ومعها قدر من مساندات القطاع الخاص ممثلة في عدد من رجال الأعمال إلى نقطة الاستهلاك ألا وهي المواطن.
المواطن المستهلك تتنازعه مشاعر عدة بين رضا بالحصول على توليفة من السلع الغذائية في كرتونة مع إمكانية اختيار محتوياتها عبر تطبيق جرى إعلانه، وبهجة مردها أضواء كهربائية احتفالية مكثفة في محيط منافذ بيع اللحوم المخفضة، وشعور موقت بالأمان حيث احتياجاته الغذائية الأساسية متوفرة ولو إلى حين.
لكنه في الوقت نفسه يعرف أن قضاء الكرتونة هو التسييس، وقدرها تنازع الخير والاستغلال والتكافل والاستثمار وكسب الشارع ودرء الأعداء، وإبقاء الغضب بعيداً والرضا قريباً على ملكيتها في رمضان الحالي وكل رمضان.