ملخص
عالم #سجون_الأحداث في #العالم_العربي يزدحم بالنزلاء والمشرفين والقوانين والقضايا، لكن المسألة أعمق مما يجري داخل السجون
عالم سجون الأحداث في العالم العربي يزدحم بالنزلاء والمشرفين والقوانين والقضايا، لكن المسألة أعمق مما يجري داخل السجون، أو المؤسسات العقابية كما تسمى تخففا، أو المؤسسات الإصلاحية كما ينبغي أن تكون.
تعتبر الانحرافات السلوكية لدى الأحداث من أكبر المشكلات التي تواجهها المجتمعات المعاصرة، وتزداد سوءاً بسبب انشغال الآباء والأمهات وانصرافهم عن توجيه الرعاية الأبوية، إلى جانب ما يحمله الفقر والإحباط، والأزمات العاطفية والاجتماعية من تشويش فكري وضياع.
ولأن الأطفال والمراهقين هم نواة المجتمع فإن انحرافهم یمثل خسارة لھذه القوى البشریة، لذا تجري محاكمة الأحداث الجانحين في محاكم خاصة، ويصار إلى وضعهم في إصلاحيات لتقويم سلوكهم وإرشادهم وإعادة تأهيلهم ومعالجة مشكلاتهم النفسية والجسدية والأسرية، باعتبار أنهم الحلقة الأضعف أمام الأزمات الحياتية وهم ضحايا الظروف الصعبة والضاغطة.وتختلف سبل العقاب والتأهيل باختلاف الدول، لكن كلها أجمعت على أنه لا يمكن محاسبة الأطفال على أخطاء ارتكبوها من دون وعي ونضج كافيين، غير مدركين لخطورتها وعواقبها.
الجزائر... سجون الأحداث في توجيه وتأهيل
في الجزائر، لا تزال الجرائم المرتبطة بالأطفال الجانحين، من المواضيع الحساسة والمثيرة للنقاشات نظراً لارتباطها بفئة هشة من المجتمع، يكون من الصعب التعامل معها أحياناً لكونها تتعلق بالقضايا السالبة للحرية.
فخلال مطلع العام الحالي، عاش المجتمع الجزائري حادثة مؤلمة سواءً من ناحية الضحية أو الجاني أيضاً، فالأولى هي معلمة لغة عربية والثاني هو طفل في الصف الرابع الابتدائي.
ودارت تفاصيل الحادثة في مدرسة بولاية باتنة، وكانت ضحيتها المعلمة ريحانة بن شية التي كان كل ذنبها أنها استدعت ولي أمر الطفل لإبلاغه عن سلوكه، لكن الطفل باغت معلمته وقام بطعنها في ظهرها بساحة المدرسة، وهرب بعد ذلك، واستغرق إنقاذ حياة الأستاذة وإخراج الخنجر ساعات من قبل الطاقم الطبي.
هذه الحادثة أثارت كثيراً من ردود الفعل في الوسط التربوي وكذلك في منصات التواصل الاجتماعي، بين من ندد بالمساس بكرامة الأستاذ والمعاناة التي يكابدها، وبين من تحسر على وضع التلاميذ وكيف تحولت سلوكياتهم التي باتت غير متوقعة وتتسم بالعنف، وفتح هذا الموضوع باب التساؤلات حول الأسباب التي دفعت هذا الطفل إلى ارتكاب هذا الجرم، ليجد نفسه متهماً ورهن الحبس المؤقت في جناح الأحداث.
"وراء كل طفل جانح قصة"
وتشير معطيات قدمتها الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة في الجزائر، وتناقلتها وسائل إعلام محلية، إلى أن السرقة والاعتداء بالضرب والجرح واستهلاك المخدرات، من أكثر القضايا التي تجر الأطفال في الجزائر إلى السجن، الذي يعد الملاذ الأخير يتم اللجوء إليه في التعامل مع قضايا الأطفال الجانحين.
ويربط المتخصصون في شؤون الطفل الجرائم التي ترتكبها هذه الفئة بظروف اجتماعية وأسرية، ما جعل المشرع يخص الأطفال الجانحين بدراسة شخصية الحدث الجانح وبالبحث الاجتماعي المعمق الذي عادة ما يطلبه القاضي.
وتفيد الملفات المعالجة من طرف المحامين بأن وراء كل طفل جانح قصة قد ترتبط بتفكك أسري أو إهمال أو تهميش من قبل الوالدين بسبب الانشغال بالعمل، إضافة إلى بعض الصدمات التي يتعرض لها الطفل في محيطه سواء حالة اعتداء أو اغتصاب وغيرها، ما يؤثر فيه سلباً لتصبح تصرفاته غير سوية مع مرور الوقت.
تدابير حماية قبل الإيداع
ويعطي القانون الجزائري ضمانات لفائدة الأطفال المجردين من حريتهم، إذ لا يودع إلا بعد استنفاد وفشل التدابير الأخرى كافة، فالقاضي يبدأ بمجموعة من تدابير الحماية قبل صدور الحكم بإيداع الطفل السجن.
وفي هذا السياق، تؤكد المفوضية لحماية وترقية الطفولة أن الطفل يمر بمرحلة صعبة في حياته عندما يخطئ ويجد العقاب بالسجن في انتظاره بعد فشل مختلف التدابير، لذا وجب العمل وفق برامج تربوية وتعليمية من أجل إصلاح سلوكه.
وبحسب خبراء في القانون الجزائري، فإن العقوبات الخاصة بالأطفال الجانحين تشكل نصف العقوبة المقررة عليهم لو كانوا بالغين، كما أن عقوبة الإعدام والمؤبد تسقطان من مجمل العقوبات الممكن إقرارها.
محاولات الإدماج بالتعليم والتمهين
ويستفيد الأطفال من تسهيلات عدة، منها "فصل المساجين الأحداث الأقل من 18 سنة عن بقية المساجين الآخرين، والسماح لهم بمحادثة زائريهم دون فاصل، كما أنهم يتعرضون لتدابير تأديبية مخففة في حال مخالفتهم لنظام المؤسسة الداخلي".
ومن بين الامتيازات أيضاً السماح لـ "الحدث المسجون بعطلة مدتها 30 يوماً خلال الصيف يقضيها مع أسرته، وعطلة مدتها عشرة أيام كل ثلاثة أشهر بمناسبة الأعياد الوطنية والدينية، وإعداد برنامج تعليم للأحداث الجانحين وفق البرامج الوطنية المعتمدة، وكذا إعداد برنامج محو الأمية وبرنامج للتكوين المهني".
كما حرص المشرع على الاهتمام بالسلامة الجسدية للحدث سواء قبل إيداعه أو حتى أثناء تأديته للعقوبة المحكومة بها داخل المؤسسة، فالرعاية الاجتماعية تساعد الحدث على تقبل حياة جديدة داخل المؤسسة وتؤهله للعودة إلى المجتمع بعد قضاء محكوميته.
وتقول إدارة السجون وإعادة الإدماج في الجزائر إن هناك انخفاضاً في عدد الأحداث بالمؤسسات العقابية منذ صدور قانون حماية الطفل سنة 2015، لكونه يضمن مجموعة من تدابير الحماية في المتابعة القضائية للطفل، ويهدف إلى إعادة إدماج الطفل في المجتمع، حيث يكون اللجوء إلى إيداع الطفل في المؤسسة العقابية آخر إجراء وبعد فشل كل التدابير الأخرى.
ويتم التعامل مع الأطفال ضمن عقوبة السجن بالنسبة إلى الفئة التي تتراوح أعمارها ما بين 13 و18 سنة، أما بالنسبة لمن يتراوح سنهم بين 10 و13 فيتم التعامل معهم وفق تدابير وإجراءات يحددها القاضي استناداً إلى القانون الجزائري، في حين يدرج الأطفال الأقل من 10 سنوات ضمن خانة "الأطفال في خطر" وتتخذ إجراءات محددة وفق ذلك.
وبلغة الأرقام تحصي الجزائر 162 مؤسسة عقابية منها 147 مؤسسة مغلقة، و12 مؤسسة مفتوحة وثلاثة مراكز للأحداث، كما يوجد نوعان من السجون، سجون مدنية، وسجون عسكرية، تحكمهما قوانين وأنظمة مختلفة، وتشمل السجون المدنية المؤسسات العقابية ومؤسسات الوقاية وإعادة التأهيل والتربية، ومراكز متخصصة للنساء والأحداث.
وتعد مراكز إعادة تربية الأحداث، مؤسسات داخلية متخصصة في إيواء الأحداث بقصد إعادة توجيههم، كما أن القانون الجزائري يعرفها بأنها تكوين معنوي أيديولوجي جديد يليق للحدث من أجل تصحيح سلوكه المنحرف، وذلك من طريق التعليم والتمهين، إذ يعاد الحدث للمسار الدراسي أو إخضاعه للتمهين، قصد تأهيله لممارسته حرفة يتم اختيارها من بين الحرف المسطرة على مستوى المؤسسة، ويمكن أن تحتوي هذه الأخيرة على ورشة الحدادة، وميكانيك السيارات، والتدفئة المركزية، والترصيص الصحي، والكهرباء العامة، والدهن المعماري والزخرفة، والحلاقة، وتحويل الخشب، والنشاطات الفلاحية.
الأردن... دعوات لتطبيق عقوبات بديلة غير سالبة للحرية
كما زادت جرائم الأحداث والقاصرين في الأردن على نحو مقلق، وارتفعت معها أعداد السجون الخاصة بهم أيضاً في مؤشر إلى فشل المنظومة المجتمعية والأمنية، وعجزها أمام تفشي الجرائم وتعاطي المخدرات والتفكك الأسري وغيرها من الأسباب.
شهد عام 2022 ما يزيد على 1700 جريمة ارتكبها الأحداث ما بين جنحة وجناية، وشهدت معظمها ارتفاعاً ملحوظاً كجرائم الشروع بالقتل والقتل العمد وهتك العرض.
سجون أم مراكز تأهيل؟
يتم التعامل مع القاصرين في الأردن بموجب القوانين والتشريعات المنصوص عليها في قانون حماية الطفل، والتي تحظر اعتقال الأطفال دون سن 12 سنة، وتحدد الإجراءات الخاصة بمعاملة الأطفال الذين يتم احتجازهم وتوفير الرعاية والدعم اللازم لهم.
وتطلق السلطات الأردنية على سجون الأحداث مسمى "مراكز تأهيل"، إذ تحتوي على برامج تأهيلية وتربوية تهدف إلى تأهيل الشباب الذين ارتكبوا جرائم للاندماج في المجتمع وتحسين فرصهم في العودة إلى الحياة العادية بعد الإفراج عنهم. ويتم توفير الرعاية الطبية والنفسية والتعليمية والتدريبية للقاصرين في هذه السجون، ويتم التأكد من أن حقوقهم الإنسانية والقانونية محفوظة.
خيار أخير
تقول الحكومة الأردنية إنها تتعامل مع احتجاز الأحداث والقصر، بوصفه الخيار الأخير في النظام القضائي، في وقت يتم فيه توفير عديد من الخيارات الأخرى للتعامل مع الأطفال المتورطين في الجريمة، مثل العمل مع الأسر وتوفير الدعم النفسي والتعليمي للأطفال وتوفير فرص العمل والتدريب لهم لتحسين فرصهم في الحياة.
كما ينص قانون الأحداث على معالجة الجنح التي يرتكبها القاصرون عبر عقوبات غير سالبة للحرية، مما يحميهم من دخول السجن، ويمنحهم فرصة كي يبدأوا حياتهم من جديد ويندمجوا بالمجتمع.
لكن في المقابل تنص المادة 25 من القانون نفسه على أنه إذا ارتكب الحدث جناية تستوجب عقوبة الإعدام، فيحكم عليه بوضعه في دار تأهيل الأحداث مدة لا تقل عن ثماني سنوات ولا تزيد على 12 سنة.
أسباب جرائم الأحداث
يرصد متخصصون اجتماعيون أسباباً عدة لارتكاب القاصرين والأحداث الجرائم، كالفقر والبطالة والظروف الاجتماعية والأسرية التي تتسم بالبيئة العنيفة أو المتفككة أسرياً.
ومع تراجع فرص التعليم بالنسبة إلى كثير من الأسر الأردنية تتراجع معها مستويات الوعي والثقافة التي تجنب الأحداث ارتكاب الجرائم.
كما يعتبر إدمان المخدرات والكحول من العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى ارتكاب الجرائم بين الأحداث والقاصرين، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات التي تعرض محتوى غير مأمون وعنيف.
شيطنة القاصرين
يؤكد المتخصص في مواجهة العنف ضد الأطفال هاني جهشان، أن شيطنة الأحداث والقصر هي ترجمة لفشل الجهات المعنية والمؤسسات الاجتماعية.
ويعتقد أن الطرق والأساليب التي يتم بها التعامل مع الأطفال في مؤسسات الرعاية الاجتماعية ومع الأطفال في نزاع مع القانون، لها التأثير الأكبر والأهم على سلوكهم وفي الأعم الغالب من الحالات يكون هذا التأثير سلبياً على شكل إعاقة تطورهم في كل مراحل طفولتهم، من الولادة لعمر الـ18.
سجون الأحداث بيئة خطرة
يعتبر جهشان أن بيئة المؤسسات الاجتماعية التي يوضع فيها القاصرون كسجون الأحداث تشكل عامل خطورة حقيقياً، بسبب ضيق مساحة السكن وعدم وجود أو سهولة النفاذ إلى أماكن اللعب والترفيه وغياب المشاركة الإيجابية في المجتمع المحلي وعدم تنفيذ البرامج التي تتيح النفاذ للتعليم في المدارس خارج إطار المؤسسة الاجتماعية.
ويضيف "فشلت البرامج في مؤسسات الرعاية الاجتماعية لمحاربة الثقافة السلبية السائدة في المجتمع التي تعظم العنف وتربطه بالرجولة والإخفاق في الترويج لمبادئ التسامح والحوار واحترام الآخر، وعلى العكس تماماً فإن شيوع الثقافة السلبية بمؤسسات الرعاية الاجتماعية ينعكس سلباً على اليافعين ويعظم سلوكهم العنيف ضد رفاقه في المؤسسة وضد المسؤولين والمشرفين عليهم".
عنف له ما يبرره
ويقول جهشان إن ثمة خللاً في العلاقة ما بين اليافعين في مؤسسات الرعاية الاجتماعية والمشرفين عليهم، والتي تتصف في كثير من الأحيان بالعنف والرعونة والسلطوية من قبل المشرفين على الأطفال.
هذه العلاقات المضطربة بين اليافعين والمشرفين تنعكس سلباً على القدرات الإدراكية والعاطفية لليافع، بالتالي تدفعه إلى عدم احترام المشرف وارتكاب العنف ضده وضد رفاقه في المؤسسة وضد ممتلكات المؤسسة والهرب منها ليعود إلى البيئة الخطرة التي أدخلته إلى المؤسسة، بالتالي الدخول في حلقة مفرغة خبيثة لا تؤدي إلا إلى تفاقم العنف.
أين الخلل؟
وزيرة التنمية الاجتماعية السابقة هالة لطوف تقول إن مراكز الأحداث المنتشرة في المملكة وعددها 11 مركزاً تعاني الضغط وصعوبة الظروف داخلها، لكن أستاذ علم الاجتماع حسين محادين يلقي باللائمة على ما يسميه بتغير أنماط التنشئة في الأردن بعيداً من الأسباب الأخرى كالفقر والبطالة وغيرها.
يتحدث محادين عن أنماط التربية الأسرية في الأردن والتي تبدلت كثيراً حين غاب التقبل الاجتماعي، فأصبح هنالك غياب واضح للأب والأم مع وجود مؤثرات أخرى للتنشئة، مع عدم تقبل الأهل توجيهات من أطراف أخرى لأبنائهم كالمدرسة، فضلاً عن تراجع مكانة الأسرة في المجتمع ووجود خلل في البنية الأسرية وسيادة القيم الفردية.
في شق آخر تشير المحامية هالة عاهد إلى مسألة الأهلية القانونية التي أفرزت خللاً تشريعياً، إذ يعتبر القاصر تحت 18 سنة دون سن الأهلية القانونية، على رغم اعتبار البعض أن ثمة تناقضاً حين يسمح للقاصر وفق هذه السن بالزواج باعتباره سن الرشد.
وتعتبر عاهد القاصرين ممن يرتكبون الجرائم ضحايا لمنظومة اجتماعية قاسية، بخاصة أن معظم مراكز التأهيل غير مؤهلة ولا تقوم بدورها المنوط بها، بدليل أن معظم من فيها يرتكبون جرائم بعد الخروج منها.
السودان... سجون الأحداث مراكز تعليمية
وفي السودان، قال مدير الإدارة العامة للسجون والإصلاح السابق، لواء الشرطة المتقاعد فيصل حاج عربي إن "أعداد الأحداث في السودان ليست كبيرة وتتراوح بين 50 إلى 70 حدثاً بمن فيهم الفتيات وهن أقل عدداً، ومعظم جرائم الأطفال الجانحين من الذكور، وهي تتمثل في القتل والسرقة وقانون الأسرة والطفل".
وأضاف "تغيرت تسمية الإصلاحيات في البلاد إلى دور التربية للأحداث بكل فئاتهم، الأشبال والشباب والفتيات. وتزامن الافتتاح مع سجن ولاية الخرطوم في ضاحية سوبا شرق العاصمة في يوليو (تموز) 2021، هذا الصرح الكبير يضم تسعة مراكز، كل مبنى له سور وساحات للرياضة والثقافة ولقاء الأسر إلى جانب المصلى والورش التدريبية. فالمبنى يتألف من طابقين و16 غرفة وتتسع كل غرفة لثمانية من الأحداث، ومؤثثة بالأَسرّة وخزائن للملابس والأغراض الخاصة، وكل طابق فيه صالة كبيرة مقسمة إلى غرفة واحدة للطعام وأخرى للمكتبة والاطلاع. وسبق أن وجهت دعوات إلى قطاعات ذات صلة من المحامين والإعلام والناشطين في حقوق الإنسان والمرأة والطفل لزيارته، وهو يختلف تماماً عن المواقع السابقة للإصلاحيات التي كانت في مناطق الجريف غرب والفاشر وأبو جيلي في مدينة سنار".
ويبين مدير الإدارة العامة للسجون والإصلاح السابق أن هناك اهتماماً كبيراً بالتعليم في سجون الأحداث، إضافة إلى تقديم كل المساعدات بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني وإدارات التعليم (الأساس والثانوي). وعدد ليس قليلاً من الأطفال يتقدمون سنوياً لإجراء امتحانات المرحلتين، إضافة إلى توفير فرص للتدريب المهني للراغبين والجادين لاكتساب المهارات وتنمية القدرات وأعمال المرأة في مجال التنمية الريفية والتعليم، والمشاركة في المعارض المحلية بالإنتاج والأعمال اليدوية والتراثية. كما أن الوضع الحالي لدور التربية في منطقة سوبا يضعها في المرتبة الأولى من ناحية التصميم مقارنة بدول أفريقيا والشرق الأوسط. وهذا بشهادة المنسقين الأمميين في مجال حقوق الإنسان والناشطين في المنظمات الدولية الذين زاروا الموقع".
ولفت إلى أن أول وحدة لحماية الأسرة والطفل في السودان أنشئت عام 2007 في ولاية الخرطوم وانتشرت بعدها الوحدات لتصل إلى 18 في جميع الولايات، إلى أن صدر قانون الطفل عام 2010.
عملية التأهيل
المحامية والمستشارة القانونية شذى الأمين إبراهيم تقول إن "توجيهات صدرت لكل الأقسام الجنائية في العاصمة لإحالة كل حالات الانتهاكات الموجهة ضد الأطفال إلى وحدة حماية الأسرة والطفل".
وتشير إلى أن قانون رعاية الأحداث عام 1983 هو أول تشريع يهتم بالجانحين فى السودان، ويعد قانوناً مثالياً تحدث عن أقسام شرطية ومحاكم متخصصة ودور انتظار في الفترة ما بين تحريات الشرطة إلى أن يرفع البلاغ إلى محكمة الطفل، إذا استدعى الأمر التحفظ على الجانح وعدم الإفراج عنه في فترة ما قبل المحاكمة. وتحدث القانون أيضاً عن دور الإصلاح ومهماتها وتوفير الرعاية والمتابعة للطفل من قبل الباحثين الاجتماعيين الذين يساعدون الأطفال في عملية التأهيل.
وأوضحت إبراهيم أن "القانون لم يحظ بالتطبيق لعدم وجود آليات، وظل الوضع كما هو عليه قبل تطبيق النصوص الخاصة بالتعامل مع الجانحين في القانون الجنائي العام، وهي تدابير الرعاية والإصلاح. وعلى رغم عدم وجود أقسام شرطية متخصصة ودور انتظار، إلا أنه كانت هناك محاكم متخصصة وإصلاحيات مهيأة لاستقبال الأطفال، ويتم التعامل معهم وفق لوائح السجون التي تضع لهم معاملة خاصة بالنسبة إلى الغذاء والعلاج والتدريب".
قانون شامل
وعن مواءمة القوانين المحلية مع الاتفاقات الدولية، تصف إبراهيم الوضع بـ"المعقد ويتعارض مع المواثيق الدولية".
وأشارت إلى أنه "كان لزاماً على الدولة أن تصدر قانوناً شاملاً خاصاً بحقوق كل الأطفال، إلى جانب إلغاء القانون السابق لأنه يتحدث عن حقوق فئة واحدة من الجانحين أى المخالفين للقوانين. وهناك حقوق متعددة تم تضمينها فى الاتفاق، وأهمها الحق في الحياة والبقاء والنمو السليم والمشاركة وكذلك عدم التمييز على أساس الجنس أو النوع أو اللون، لذلك كان يجب إلغاء القانون السابق واستبداله بقانون شامل، فتم إنشاء قانون الطفل 2004، لكنه لم يحظ بالتطبيق أيضاً".
وتلاحظ المحامية والمستشارة القانونية أنه "بعد نجاح عمل وحدة الأسرة والطفل فى التعامل مع حالات الانتهاكات الموجهة ضد الأطفال، تم التفكير بمشروع قانون الطفل ليكون شاملاً فتم إنشاء قانون الطفل 2010". ونوهت إلى أن من أبرز جرائم الأطفال الجانحين السرقة واستلام المال المسروق، إضافة إلى جرائم القتل والأذى والتحرش والاغتصاب والمخدرات".
إصلاح واندماج
أما مدير دائرة الإصلاح وإعادة الدمج والرعاية برئاسة قوات السجون اللواء يحيى دياب، فيشير إلى وجود "ثلاث دور للأطفال الجانحين دون سن الـ18، اثنتان في ولاية الخرطوم وواحدة في شمال دارفور، كلها تهدف إلى تنفيذ برامج إصلاحية وتأهيل النزلاء من أجل إعادة صياغتهم للاندماج في المجتمع عقب الخروج من السجن. كما أن الرعاية تستمر حتى بعد انتهاء مدة العقوبة لأنه يكون مؤهلاً وسلوكه مقوم. وتحسباً لعدم حصوله على وظيفة يتم إدراجه في واحدة من منظمات الإدارة التي تتابع معه لحين استقرار أوضاعه في المجتمع".
المغرب... جهود واضحة وملاحظات ضرورية
وبينما تتحدث مديرية السجون في المغرب عن تحسن وضعية السجناء الأحداث أو القصّر وعن العناية بأحوالهم وأوضاعهم، تعبر هيئات ومنظمات حقوقية عن عدم رضاها على ما تحقق، وتعتبر أن فضاء اعتقال هؤلاء الأحداث بيئة حاضنة للسلوكات السلبية، كما أن إدماجهم في المجتمع بعد إطلاق سراحهم لا يزال ضعيفاً وتشوبه نواقص.
ويوجد زهاء 1070 سجيناً حدثاً يتوزعون على مختلف سجون الأحداث، أو مراكز الإصلاح والتهذيب التي يسميها المغاربة "الإصلاحيات"، يستفيدون داخل هذه المؤسسات السجنية من برامج التدريب المهني من أجل إدماجهم في سوق الشغل بعد نيلهم الحرية، لكنها تظل برامج من دون فاعلية كبيرة، وفق حقوقيين.
خريطة السجناء الأحداث
ورصد تقرير حديث حول أحوال الموقوفين القاصرين نشر في مارس (آذار) الجاري، خريطة السجناء الأحداث داخل "المؤسسات الإصلاحية" في البلاد، كما كشف عن نتائج عدة تعطي صورة واضحة عن واقع هذه الفئة من نزلاء السجون.
ووفق التقرير ذاته، فإن 23 في المئة من الأحداث انقطعوا عن الدراسة بسبب مشكلات أسرية و19 في المئة لم يتابعوا دراستهم بسبب الطيش والتهور و16 في المئة تم فصلهم بسبب الرسوب المتكرر أو لأسباب أخرى و24 في المئة من الأحداث السجناء انقطعوا عن الدراسة لأسباب اقتصادية أو اجتماعية، بينما حوالى نصف الأحداث المعتقلين كانوا يشتغلون قبل سجنهم في مهن التجارة والسباكة والكهرباء وغيرها.
أما عن الوضعية العائلية للأحداث السجناء، فجاءت نتائج الدراسة كالتالي 63 في المئة من الأحداث كانوا يعيشون مع أسرهم، حيث لا تزال رابطة الزواج قائمة بين الأب والأم و18 في المئة منهم ينحدرون من أسر عرفت حال طلاق و11 في المئة منهم أيتام الأب وخمسة في المئة أيتام الأم وثلاثة في المئة أيتام الوالدين معاً.
وفي خصوص التهم التي أودت بالأحداث إلى ما وراء أسوار السجون، فجاءت على هذا النحو 51 في المئة منهم متهمون بالسرقة والسرقة الموصوفة، و12 في المئة بالاعتداء والضرب وتهم أخرى، وتسعة في المئة بتهم الإتجار بالمخدرات والاغتصاب، وأربعة في المئة منهم بتهمة محاولة السرقة، وأربعة في المئة أيضاً بتهمة الشغب في الملاعب الكروية، واثنان في المئة بتهم محاولة القتل وتشكيل عصابة إجرامية والضرب المفضي إلى الموت، والباقون بتهم من قبيل القتل العمد والاحتجاز وتعنيف الشرطة.
بين العناية والتقصير
يقول في هذا الصدد سهيل، فتى في الـ17 من عمره سبق له أن حوكم بستة أشهر سجناً بتهمة السرقة الموصوفة، في تصريح إلى "اندبندنت عربية" بأن له ذكريات طيبة لمأواه في حبس الأحداث المسمى "العرجات".
ويشرح أنه على رغم كونه سجناً يحرم المعتقل من حريته، لكن "ظروف معاملة السجناء الأحداث كانت جيدة، كما أن التغذية كانت في المستوى وبرامج التكوين المهني متوافرة للجميع، بالتالي لم تعد السجون كما كان يحكى عنها من قبل بأنها فضاءات للممارسات السيئة".
هذا التطور في أوضاع السجون بشكل عام، والسجناء الأحداث بشكل خاص، عكسته تصريحات سابقة للمندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج محمد صالح التامك، قال فيها إن النزلاء الأحداث من الفئات الهشة التي تتطلب عناية خاصة تمهيداً لإدماجهم في المجتمع بعد الإفراج.
هذا الكلام يفنده إسماعيل، طالب في الـ18 من عمره، بقوله إنه من خلال تجربته وفترة وجوده في أحد سجون الأحداث بتهمة الاعتداء على فتاة، تأكد من أن "الكلام عن الإصلاح والإدماج مجرد شعارات يتم إلقاؤها على شاشات التلفزيون".
ويشرح أن عدداً من رفاقه في السجن "لم يستفيدوا من برامج التكوين لأنها غير مجدية، ولا تساير طموحاتهم ولا نفسياتهم، فخرجوا من السجن مثل ما دخلوه، بل بعضهم خرج منه أكثر عنفاً أو أكثر إجراماً، ليعود له من جديد بارتكاب جرائم جديدة".
مؤاخذات
يلتقط مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان عبدالإله الخضري خيط الحديث من سابقه ليقول إن "موضوع المعتقلين الأحداث في المغرب لا يحظى بالاهتمام الكافي من قبل المجتمع المدني والحقوقي بصفة خاصة"، مورداً أن "هناك عدداً من الملاحظات في ما يتعلق بهذه الفئة من السجناء".
ويشرح أن "ظروف إيواء السجناء الأحداث صعبة بالنظر إلى المرحلة العمرية المفصلية، فالأحداث ما بين 18 و20 سنة يكونون أكثر صلابة، بالتالي أكثر عنفاً في حق نظرائهم من ذوي الأعمار الأقل، بل إن اختلاط الأطفال مع بعضهم بعضاً يدفع أضعفهم إلى الخضوع لأقواهم واكتساب مهارات انحرافية من أجل فرض أنفسهم على الآخرين، مما يجعل من فضاء اعتقالهم بيئة حاضنة للتصرف السلبي".
وتابع "برامج تكوين السجناء الأحداث لإعادة إدماجهم في المجتمع بعد إطلاق سراحهم، تبدو بحسب المعطيات المتداولة، تقليدية وضعيفة الفاعلية ولم تعد مناسبة"، معتبراً أن "ظروف اعتقال الأحداث باتت من أهم الأسباب المباشرة في حالات العودة لارتكاب جرائم أخرى، بالتالي وجبت دراسة المعضلة والبحث عن حلول ناجعة لتهذيب الأحداث ومعالجتهم لثنيهم عن ارتكاب جرائم مرة أخرى".
حلول مقترحة
ويقترح الخضري في هذا الصدد، "العمل بالعقوبات البديلة في الحالات الجنحية البسيطة مثلاً، مثل إعادة الأحداث إلى حضن آبائهم مع وضع مراقبة منظمة عليهم، كما أن تأهيل الأحداث داخل السجون ينبغي أن يتضمن التكوين في المجال المعلوماتي والإلكتروني بحسب ميول هؤلاء الأطفال، والأمر نفسه في مجال اللغات والتواصل".
وأردف أنه "يتعين كذلك اعتماد برامج التأهيل السيكولوجي وحماية الأحداث نفسياً وجسدياً، بخاصة مع احتمال تعرض الأطفال الأحداث للتحرش أو الاغتصاب في فضاء مغلق بطبيعته، وذلك حتى لا يصبح الطفل الجانح ضحية الشعور بالإحباط والاكتئاب واليأس".
وأكمل الخضري أن "هذه المشاعر تؤدي إلى اكتساب نفسية عدوانية في حق المجتمع ككل، إذ إن ارتفاع منسوب الجريمة في المغرب يعود لكل هذه الاختلالات التي جعلت كثيراً من الأحداث مجرمين بالتسلسل حين يكبرون ويرتكبون جرائم بشعة".
السعودية... التأهيل قبل العقاب
أصوات جلجلة قيود المساجين وصرير أبواب الحديد، هكذا يتخيل المواطنون السعوديون الحال في سجون الأحداث عند ارتكابهم جريمة ما. إلا أن السن لمرتكبي الجريمة يجعل الفرق شاسعاً بين السجن العادي وبين دور التوجيه الاجتماعي للذكور ورعاية الفتيات، كما أسمتها الحكومة السعودية، إذ تقوم الدولة بتنظيم برامج عدة للتأهيل بين الرياضة والأعمال الحرفية وبين الترفيه والتعليم قبل العقاب.
على العكس تماماً، ففي حديث هاتفي مع أحد نزلاء دار الأحداث، رفض وصفه بـ"السجين"، وقال "أنا هنا محتضن بين مجموعة تتفهم واقعي وتحميني من شر نفسي".
يقبع خلف أسوار دار الأحداث في السعودية صغار سن تتراوح أعمارهم ما بين 14 و18 سنة، أدينوا بجرائم قتل وسرقة وحيازة مخدرات وقضايا لا أخلاقية، بينما يختلف العمر في دار رعاية الفتيات إلى سن الثلاثين، ومن ثم تحول إلى السجون العادية.
وعلى رغم أن القصص والروايات لدار الأحداث يندى لها الجبين، كما وصفها مشرف الدار، وتمحورت أسبابها حول الإهمال الأسري وعدم متابعة أولياء الأمور لهم، فهذا فتى لم يتجاوز عمره 17 سنة، متهم باغتصاب طفل في الثامنة، وآخر مدان بجرائم سرقة وترويج مخدرات. ووصل الأمر إلى وجود أربعة أشقاء تلقوا حكماً بالسجن 12 عاماً، وذلك بعد أن شكلوا عصابة للسرقة وسجل بحقهم عدد من السوابق.
وراء كل مراهق قصة
ومن أبرز وأخطر القضايا وجود صغار متهمين بترويج الحشيش وتعاطي الكبتاغون، ويشكل هؤلاء نحو 30 في المئة من نزلاء دور الأحداث، وخلف كل مراهق منحرف قصة ورواية.
يقول مدير التأهيل الاجتماعي علي الشهراني، إن التنمية الاجتماعية أنشأت دور الأحداث منذ 40 عاماً، وذلك لرعاية الحدث وليس لعقابه، وهي تختلف عن السجون العادية التي هي تحت مظلة وزارة الداخلية، يقول مدير التأهيل الاجتماعي علي الشهراني، إن التنمية الاجتماعية أنشأت دور الأحداث منذ 40 عاماً، وذلك لرعاية الحدث وليس لعقابه، وهي تختلف عن السجون العادية والتي هي تحت مظلة وزارة الداخلية.
وحول الأنشطة والبرامج في الدار، يقول إنها تتمثل في البرامج التعليمية وتضم ثلاث مراحل، هي تابعة لوزارة التعليم ومناهجها مطابقة لمناهج المدارس الأخرى، وأكثر من نصف الطلاب الوافدين يأتون إلى الدار أميين، ويتم تعليمهم، أما البرامج الثقافية فهي متنوعة وشاملة، إلى جانب الدورات العلمية مثل الحاسوب بالتعاون مع أحد المراكز المتخصصة، إضافة إلى حلقات التحفيظ والبرامج الرياضية.
وحول آلية التحقيق مع الأحداث، قال الشهراني "لا يجوز إيقاف الحدث إلا في دار تابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، حيث تخصص فيها أماكن توقيف مستقلة للأحداث الموقوفين، وإذا كان الحدث لا يحمل ما يثبت هويته، فيضبط بلاغه وتسمع شهادته من رئيس جهة الضبط أو من ينوبه وتحت مسؤوليته وبحضور مندوب من وزارة الموارد البشرية، بما يمنع الخلوة والانفراد به، كما يضبط بلاغ الحدث المدعي وتسمع شهادته بشكل مفصل ما يفيد في كشف الحقيقة على نحو يكفل عدم حضوره مستقبلاً، وفق نموذج يعد بالتنسيق مع النيابة العامة".
وتابع "عند القبض على الحدث في حالات التلبس، يبلغ ولي أمره أو من يقوم مقامه فوراً بالوسائل المتاحة، ثم يكتب محضر تدون فيه جميع البيانات اللازمة، كما يودع رجل الضبط الحدث في الدار فور القبض عليه في حالة التلبس على أن يراعى في إجراءات إيداعه ما يمنع الخلوة أو الانفراد به".
"عالم الجريمة"
ويقول الاختصاصي الاجتماعي في دار الأحداث أحمد الغامدي "إنها كغيرها تعتني بتحقيق أسس الرعاية والتوجيه الخلقي والديني والرعاية الصحية والتربوية السليمة للأحداث الجانحين من هم رهن التحقيق أو المحاكمة، أو الذين يقرر القاضي إبقاءهم في الدار ممن لا تزيد أعمارهم على 18 سنة، ممن يقبض عليهم من قبل السلطات الأمنية لارتكابهم أي مخالفات تستوجب تأديبهم، وتتحدد مدة الحجز بالدار بما يصدر من حكم من قاضي الأحداث"، ويضيف الغامدي أنه في كثير من القضايا، يحتاج الحدث إلى محام يحضر معه الجلسات لأن كثيراً منهم لا تستطيع أسرهم توفير أتعاب المحاماة، "ونحن كاختصاصيين اجتماعيين ونفسيين، نؤيد ذلك لأن هذا يريح المراهق ويسهل تطبيق الوسائل العلاجية المناسبة لحالته".
وتشخص الأخصائية النفسية رفعة المطيري أسباب دخول الأحداث إلى عالم الجريمة، بالقول "كلما كانت تربية الطفل سليمة، سلم من المخاطر الاجتماعية المكتسبة والسلوكيات المنحرفة والأفكار الضالة. هناك عصابات تستغل الأطفال وتشغلها في النشل وخطف المحافظ من أيدي السيدات، وتوزيع المخدرات وغيرها. وإذا نظرنا من حولنا وأمعنا النظر في خريطة أطفال العالم نجد الآلاف جاهزين لأن يصبحوا مشاريع مجرمين أو منحرفين، خصوصاً هؤلاء الذين لم يمنحوا حق الرعاية الأسرية والاجتماعية والنفسية والعلمية".
وتضيف "حتى في حال ارتكابهم جريمة أو جنحة، فإن ذلك لا يلغي حقوقهم في الحصول على تربية سليمة".
مصر... المؤسسات العقابية للأطفال إصلاح وتدريب
أما في مصر، ينص القانون على عدم إيداع الأحداث في سجون تابعة لوزارة الداخلية كحال بقية المجرمين، وإنما تختص بهم وزارة التضامن الاجتماعي بالمؤسسات العقابية التابعة لها.
وألقى حادث مصرع ستة أطفال في حريق نشب في أكبر المؤسسات العقابية للأطفال المحكوم عليهم في قضايا جنائية، الواقعة شمال القاهرة في يونيو (حزيران) 2021، الضوء على أحوال "أطفال الأحداث"، إذ نشب الحريق بسبب ماس كهربائي خلال ساعات الليل، ونظراً لإغلاق بعض المشرفين الباب قبل مغادرتهم المكان، لم يتمكن الأطفال من الفرار من النيران، ما أدى لتفحم جثامين ستة أطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و18 سنة.
وعلى رغم سرعة فتح النيابة العامة التحقيق في الواقعة، إلا أن المحكمة أصدرت حكمها النهائي في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتبرئة المتهمين الأربعة في الواقعة، بعد الإعلان بأنه ليس من مسؤوليتهم وفق مهمات وظيفتهم، تفتيش العنابر أو السيطرة على الأطفال النزلاء، وأنها من مسؤولية أفراد الشرطة، وبذلك أغلق الملف من دون تحميل المسؤولية القضائية لأحد.
المراكز العقابية
ويقسم القانون المصري الأطفال المرتكبين لجرائم جنائية إلى فئتين: الأولى من هم دون الـ15 من العمر عند ارتكابهم الجرم، وهؤلاء تطبق عليهم مجموعة من الإجراءات الإصلاحية تبدأ من توبيخ الطفل وتسليمه لولي أمره الذي يتعهد بإصلاح سلوكه، أو المراقبة الاجتماعية عن طريق الاختصاصيين التابعين لوزارة التضامن الاجتماعي، وتصل إلى الإيداع في إحدى دور الرعاية الاجتماعية، أما الأطفال الذين تجاوزت أعمارهم سن الـ15، فيبيح قانون الطفل تطبيق العقوبات السالبة للحرية عليهم، على أن تخفض مدد الأحكام ويكون الاحتجاز في مؤسسة عقابية خاصة.
ويصل عدد المؤسسات العقابية في مصر إلى 37 موزعة في محافظات الجمهورية، وبحسب بيان لوزارة التضامن الاجتماعي، فإن المؤسسة العقابية بالمرج، التي شهدت الحريق قبل عامين، تعد المؤسسة المغلقة الوحيدة المخصصة لاستقبال الأطفال الذين بلغوا سن 15 سنة ويقضون عقوبات بالسجن.
كذلك، هناك مؤسستان شبه مفتوحتين إحداهما في الإسكندرية والأخرى في القاهرة، وكلاهما مخصصتان لمرتكبي الجرائم الخطرة، ويكون الخروج منهما بإذن من النيابة العامة.
تدريب الأطفال
ويرجع أول تشريع لمعاملة الأطفال المحكوم عليهم جنائياً في مصر إلى عام 1983، وأقرت التعديلات القانونية بعد ذلك ضرورة إصلاح المشكلات النفسية والجسدية لدى هؤلاء الأطفال، والرقابة على المؤسسات العقابية لضمان تنفيذ برامج الدولة في إعادة تأهيلهم نفسياً وجسدياً، حتى يبلغ السن القانونية ويكمل مدة المحكومية في سجون الكبار، إذ تنص المادة 134 من قانون الطفل على أن يقوم رئيس محكمة الطفل أو من ينوبه من خبراء، بزيارة الجهات العقابية التابعة لدائرته مرة على الأقل كل ثلاثة أشهر.
ووفق تقارير صحافية، عند استقبال الأطفال الجدد في المؤسسة العقابية يتم إجراء مجموعة جلسات أمنية ونفسية واجتماعية، يقوم بها متخصصون تابعون لوزارة الداخلية ووزارة التضامن الاجتماعي، وتكون أولى الجلسات مع الاختصاصي النفسي والاجتماعي لتقييم شخصية الطفل ومدى عنفه ونزوعه إلى الجريمة.
وتهتم المؤسسة العقابية بتدريب الأطفال المودعين في نحو 15 ورشة متخصصة في مجالات النجارة والسباكة والجزارة وصيانة السيارات، وصيانة الكمبيوتر والهاتف المحمول، والتكييف والتبريد، حيث يوزع الأطفال عليها وفق اهتماماتهم، إلى جانب المزرعة بهدف إيجاد فرصة عمل لهم بعد الخروج من المؤسسة.
حياة ما بعد العقوبة
كما أنشئت عام 2016 إدارة للرعاية اللاحقة، التي تهدف للاهتمام بإيجاد عمل للطفل قبل خروجه من المؤسسة العقابية، أو تمويل مشروع صغير، كما يزور الاختصاصيون أسرة الطفل لتأهيلها لاستقباله، وتدعم الأمم المتحدة برنامجاً لإعادة تأهيل وإدماج الأطفال المودعين في المؤسسات العقابية، وبحسب موقع مكتب الأمم المتحدة الإقليمي المعني بالجريمة والمخدرات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد استفاد من البرنامج 440 طفلاً من دروس محو الأمية، و1696 طفلاً من ورش التدريب المهني، و260 طفلاً من توفير فرص عمل، كذلك استفاد 50 طفلاً وعائلاتهم من تحسين ظروف السكن.
وشكلت الحكومة المصرية لجنة وزارية متخصصة بالعدالة الجنائية للأطفال، ترأسها وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، وتضم ممثلين عن وزارات العدل والداخلية والخارجية والتربية والتعليم والنيابة العامة والمجلس الأعلى للجامعات الحكومية، والمجلس القومي للطفولة والأمومة، ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة.
وتختص اللجنة بوضع الخطط واقتراح التعديلات التشريعية لتطوير نظم العدالة الجنائية، بهدف تحقيق العدالة التصالحية والحد من تقييد الحرية، وحل المشكلات التي تواجه نظام العدالة المصري الخاص بالأطفال، ودمجهم مجتمعياً بعد انقضاء العقوبة ومتابعة أسرهم خلال الاحتجاز وبعده.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2022، قالت وزيرة التضامن الاجتماعي إنه يتم العمل على إعداد مشروع قانون الرعاية البديلة، الذي يحقق المنظور التصالحي في العدالة، لكي يكون الإيداع في المؤسسات العقابية الملاذ الأخير أمام القاضي.
العراق... قانون رعاية الأحداث يغفل "الجرائم الحديثة"
وفي السياق ذاته، وضمن القوانين الخاصة بقضايا القاصرين، يعمل العراق بحسب معنيين في الشأن العام، وفق تعليمات قانون رعاية الأحداث رقم (76) لسنة 1983، وكذلك قانون إصلاح النزلاء والمودعين رقم 14 لسنة 2018، ويهدف قانون رعاية الأحداث وفقاً للتفسير الذي جاء به، "إلى الحد من ظاهرة جنوح الأحداث من خلال وقايته وتكييفه اجتماعياً وفق القيم والقواعد الأخلاقية"، ويعتمد القانون على مجموعة من الأسس منها الاكتشاف المبكر للحدث المعرض للجنوح لاحتضانه، ومعالجة الجانح وفق أسس علمية ومن منظور إنساني، كما يعتمد القانون على مبدأ الرعاية اللاحقة للمراهق كإحدى الوسائل لاندماجه في المجتمع والوقاية من العودة.
ويوضح مدير عام دائرة إصلاح الأحداث كامل أمين هاشم لـ"اندبندنت عربية"، أن قانون رعاية الأحداث في العراق يعـد من القوانين المتقدمة في المنطقة، ويقسم القانون الفئات العمرية على الشكل الآتي، بدءاً من الصبيان الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و15 سنة، والفتيان بين 15 و18 سنة، والفئة الأخيرة هي فئة الشباب التي بين 18 ولغاية 22 سنة.
ويؤكد أن القانون يراعي الحدث اجتماعياً ونفسياً، فلا يوجد للحدث سجل جنائي ولا تؤخذ بصماته ولا يوجد هناك ظرف مشدد له في حال عودته لارتكاب الجنحة، كما أن المدارس المتواجدة في الإصلاحيات ليس فيها أي إشارة وذلك لضمان مراعاة الجانب الاجتماعي والنفسي للحدث بعد انتهاء مدة محكوميته وخروجه من الإصلاحية.
بحاجة إلى إصلاحات
وعلى رغم تقدم القانون الخاص برعاية الأحداث، إلا أنه بحاجة إلى إصلاحات لكي يتناسب والتغيرات الحاصلة في المجتمع، إذ يرى مدير عام دائرة إصلاح الأحداث كامل أمين هاشم، أن قانون رعاية الأحداث قد شرع عام 1986، والعراق بعد عام 2003 أصبح لديه كثير من الالتزامات الدولية باعتباره طرفاً في المعاهدات التي تخص حقوق الطفل، وعدم استغلال الأطفال في القضايا الإباحية، وعدم استغلالهم في التجنيد، وعليه فإن القانون لم يكن مهيأ لهذه التغيرات الواسعة كالمخدرات والابتزاز الإلكتروني والإرهاب.
كما أن القانون العراقي يعتبر حدثاً كل من أتم التاسعة من عمره، ويرى هاشم أن هذا القانون بحاجة إلى تعديل لرفع سن الحدث كما هي حال الدول الأخرى التي تعتبر الحدث هو من أكمل 14 سنة، فالصبي الذي لا يتجاوز التاسعة من عمره لا يزال صغيراً على العقاب ولا يجوز إدخاله الإصلاحية.
ضحايا وليسوا متهمين
ويوضح علي البياتي العضو السابق في مجلس المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان، أن الآلية المعتمدة في قانون الأحداث العراقي تعتمد على الاحتجاز والسجن لمن هم دون 18 سنة ولا يعتبرهم ضحايا.
كما يرى أن الإصلاح غائب تماماً عن الإصلاحيات مع وجود أكثر من 1000 محتجز من الأحداث بسبب الاعتقال اليومي للمتهمين بتعاطي المخدرات.
ويكمل البياتي أن الانتهاكات لحقوق الإنسان كبيرة وكثيرة في دور رعاية المراهقين بسبب فقر البنى التحتية وغياب المؤسسات الرقابية التي ترصد عمل المؤسسات الإصلاحية، "لا بد من اعتبار الحدث حسب المعايير الدولية، ضحية لا متهماً، ولا بد من التعامل معه وفقاً للمؤسسات المدنية وليس الأمنية إلا في حالات خاصة وخطيرة".
جانب الوعظ الديني غير كاف
ويوضح مدير عام دائرة إصلاح الأحداث كامل أمين هاشم أن برامج التأهيل الحالية في إصلاحيات الأحداث لم تعد تركز على جانب الوعظ الديني فقط، ويقول "بدأنا برامج مهمة تتعلق بإعادة الثقة للمراهق لكي يشعر أنه عنصر مهم في المجتمع وتخليصه من الشعور بالوصمة الاجتماعية، كما أن العلاج النفسي يعد ركيزة أساسية في تلك المراكز وهناك نية لإدخال العلاج النفسي السريري".
كما تعتمد برامج التأهيل في إصلاحيات الأحداث وبمساعدة إحدى المنظمات الدولية، على عرض مجموعة من الأفلام التثقيفية على أن تقدم ورشة خاصة عن الفيلم للحديث حوله بمشاركة الأحداث كجزء من عملية التعافي النفسي لهم.
الرعاية اللاحقة
وتتنوع قضايا وملفات الأحداث في الإصلاحيات، والنسبة الأكبر منها إرهابية وسرقة ومخدرات وقتل وقضايا أخرى تتعلق بأوراق الإقامة بالنسبة إلى غير العراقيين وكذلك قضايا التسول.
أما بالنسبة إلى الرعاية اللاحقة فتجري بعد انتهاء مدة إيداعه مدرسة التأهيل بما يضمن اندماجه في المجتمع وعدم عودته إلى الجنوح، وهذا يتولاه قسم الرعاية اللاحقة المرتبط بدائرة إصلاح رعاية الحدث بعد انتهاء مدة إيداعه المدارس الإصلاحية.
ويرى مدير عام دائرة إصلاح الأحداث أن قسم الرعاية اللاحقة هو من أهم الأقسام التي نص عليها القانون، والمحكوم قبل انتهاء مدة محكوميته بثلاثة أشهر، ينقل إلى قاعات خاصة وأحياناً يجري إلباسه ثياباً مختلفة ويتم البدء بتخفيف الإجراءات والسماح له ببقاء فترة أطول في ساحات الإصلاح، كما يقدم قسم الرعاية اللاحقة محاضرات بهدف تهيئة الحدث لتقبل العالم الخارجي، وبعد خروجه يرسل أشخاص متخصصون لزيارة المطلق سراحهم بهدف متابعة احتياجاتهم، كما يمنحون بمساعدة المنظمات الدولية مساعدات لافتتاح مشاريع صغيرة لضمان حصولهم على العمل، ويقول "لدينا قصص نجاح مهمة في هذا المجال، ففي الموصل تحديداً، كلفت إحدى المنظمات الدولية بمساعدة السفارة البريطانية على تدريب الأحداث على مهن تحتاجها السوق، تمهيداً لحصولهم على فرص عمل بعد انتهاء مدد محكومياتهم".
الاحتواء العائلي
ويشترط لإطلاق سراح المراهق، بأن يستلم من قبل عائلته وهو ما يصفه كامل أمين هاشم، بـ"التحدي الأصعب، فكثير منهم قاطعتهم عائلاتهم بسبب الوصمة الاجتماعية أو أن بعضهم تغيب أسرهم وهم الأحداث المتورطون بقضايا الإرهاب، لذا يسعى قسم الرعاية اللاحقة لزيارة عائلة الحدث قبل إطلاق سراحه، لإقناعها بضرورة التواصل معه واحتوائه لكي لا يعود إلى ارتكاب الجنح".
وهناك فتيات يرفضن العودة إلى منازلهن لا سيما الفتيات اللواتي يجبرن على البغاء، فيتم إيداعهن في دور رعاية الدولة واعتبارهن فاقدات الرعاية الأسرية.
تحديات كثيرة
لم يبن أي سجن للأحداث منذ عقود، ويوجد في بغداد خمس إصلاحيات، وفي الموصل توجد إصلاحية واحدة، كما أن غياب المباني المخصصة للتأهيل، أدى إلى الاعتماد على مبان قديمة وتجهيزها لتكون مراكز إصلاح، وهذا يعني أن المباني المعتمدة حالياً هي غير مناسبة للأحداث ولا تنسجم مع البرامج الحديثة التي يسعى المعنيون إلى إدخلها ولا تراعي زيادة أعداد المحتجزين.
كما أن العراق يعاني من قلة عدد المراكز الخاصة، فالمراهق لا يوقف في مراكز الاحتجاز، بل يحتجز لحين عرضه على المحكمة في مكان يطلق عليه "دار ملاحظة الأحداث"، وبسبب قلة عدد هذه الدور يحتجز الأحداث في مراكز التوقيف الخاصة بالكبار، لكن في غرف منعزلة عنهم.
كيف يمضي اليوم في الإصلاحية؟
يقضي الحدث يومه في الإصلاحية بنظام مرسوم بجدول محدد، فالقاعات التي يتواجد فيها مجهزة بالمكيفات والمولدات الكهربائية، كما أن هناك أجهزة تلفزيون مبرمجة على قنوات محددة، فهي لا تلتقط قنوات إخبارية لضمان عدم تأثر الموقوف بالجو السياسي العام في الخارج.
وكل باحث اجتماعي يكون مسؤولاً عن قاعة ويقوم الباحث الاجتماعي بالاطلاع على تقرير المناوب الليلي في حال وجود شجار أو خلاف، "وهذا وارد جداً، فالتقسيم في إصلاحيات الأحداث يكون على أساس الفئات العمرية وليس على أساس الجريمة، فهناك خلافات تحدث بسبب العلاقات الثنائية (المثلية) وكذلك صراعات طائفية".
يتواجد داخل الإصلاحية مدرسة تعليم تختصر المرحلة الابتدائية بثلاث سنوات، وهناك صفوف لمحو الأمية تصل مدة الدراسة فيها سنة واحدة، يمنح المتخرج منها شهادة الخامس الابتدائي، وهناك ورش تدريب ومرسم ومكتبة وساحة رياضة، كما أن هناك سيارة إسعاف في كل إصلاحية، ومن حق الحدث زيارة أسبوعية له واتصال هاتفي بعائلته مع بعض الاستثناءات.
تونس... سجن الأحداث عقوبة يتجنبها المشرع
أما القانون التونسي فيحرص على إعلاء المصلحة الفضلى للمراهق الجانح من خلال الإجراءات الخاصة في التحقيق أو في توجيه العقوبات، وتعد مراكز الإصلاح (وهي مؤسسات سالبة للحرية مخصصة للأطفال) من العقوبات التي يلجأ إليها القانون التونسي من أجل إعادة تأهيل الأحداث. لكن كغيرها من السجون في تونس، يرى بعض المهتمين بحقوق الطفل أن هذه المراكز تشكو الاكتظاظ.
ويعرّف أستاذ حقوق الإنسان في المعهد الأعلى للقضاء فريد بن جحا، الأطفال الجانحين أو طبقاً للتعريف الدولي أطفال في خلاف مع القانون، هم من تتراوح أعمارهم بين 13 و18 سنة، لأنه بالنسبة إلى القانون التونسي كل شخص لم يتجاوز الـ 18 سنة هو طفل".
ويضيف الناطق الرسمي باسم محاكم محافظتي المنستير والمهدية، بأن "الطفل الأقل من 18 سنة لا يتحمل المسؤولية الجزائية، ولديهم نظام خاص في التتبع والعقوبات"، مفسراً "إذا ارتكب طفل جريمة لا يتم التحقيق معه إلا بحضور الولي، وإذا كانت الجريمة خطيرة فعلى وكيل الجمهورية تسخير محام على نفقة الدولة، أيضاً لا يمكن إيقاف الأطفال وإصدار بطاقة إيداع في السجن ضدهم إذا لم تبلغ أعمارهم 15 سنة إلا في الجنايات الخطيرة".
ويتابع بن جحا "وإذا ثبتت الجريمة في حق الطفل الأكثر الذي تجاوز عمره 13 سنة، فهناك قاض متخصص في جرائم الأطفال ينظر في وضعيته، وإذا تعلق الموضوع بجناية قد يصدر على إثرها حكم بالسجن لأكثر من خمس سنوات، فالقانون هنا يلزم أن يتعهد به قاضي تحقيق متخصص في الأطفال".
عقوبة سالبة للحرية
وبحسب القانون التونسي، يقول بن جحا "لا يقع الحكم منذ البداية على الطفل الجانح بعقوبة سالبة للحرية، فالمشرع التونسي يضع مصلحة الطفل الفضلى في أولوية اعتباراته"، قائلاً "دائماً ما يبحث القاضي عن تدابير غير سالبة للحرية على غرار التوبيخ والاتصال بالوالدين، لمزيد السهر على رعايته أو وضعه تحت نظام الحرية المحروسة، وآخر الحلول التي يلتجئ إليها قاضي الطفل وضع الطفل الجانح في الإصلاحية".
مراكز الإصلاح هي مؤسسات سالبة للحرية بخاصة للأطفال، وإذا لم تتوفر هذه الإصلاحيات في بعض المناطق حينها يوضع الطفل في سجن خاص بالراشدين داخل فضاء خاص بالأطفال، أي يقع عزله عن بقية المساجين البالغين.
والهدف من إيداع الأطفال الجانحين في إصلاحية بحسب بن جحا "تجنب احتكاك الأطفال ببقية المساجين الذي من شأنه أن يؤثر في نفسياتهم ويخلق فيهم النازع الإجرامي، لهذا يحولون إلى الإصلاحية وهي فضاء للإصلاح أكثر من كونه فضاء للعقوبة".
ويضيف أن "قاضي الأطفال يمكن أن يراجع هذه العقوبة"، كما يفيد بأن "كل العقوبات السالبة للحرية مهما كانت درجة خطورتها، لا يمكن أن تتعدى خمس سنوات، ماعدا جريمة القتل التي قد تصل عقوبتها لعشر سنوات سجن في الإصلاحية، وهي أقصى عقوبة يمكن أن توجه للطفل الجانح".
الابتعاد من تجريم الجنح
وتختص مراكز الإصلاح في تونس بإيواء هؤلاء الأطفال بهدف "رعايتهم وإصلاحهم وتهذيب سلوكهم وتأهيلهم تربوياً ومهنياً واجتماعياً ونفسياً لمعاودة الاندماج في المجتمع"، وفق الموقع الرسمي للهيئة العامة للسجون والإصلاح في تونس.
أيضاً حسب القانون التونسي، يمكن أن يحكم القاضي على الطفل الجانح قضاء العطل والأعياد بين أفراد عائلته وهذا استثناء لا يوجد في عديد من الدول، بحسب فريد بن حجا.
ويرى بن جحا أن "مجلة الطفل في تونس مجلة رائدة جعلت المراهقين الجانحين يتمتعون بإجراءات عدة تجعل مصلحتهم هي الفضلى، حتى أن قاضي الأطفال يمكن له مراجعة العقوبة في أي وقت، وفي السياق نفسه، يفيد بن جحا أن مشروع مجلة الطفل الذي ينتظر المصادقة عليه يقترح، رفع سن الأحداث في تونس من 13 إلى 21 سنة بدل 18.
وتضم تونس خمسة مراكز إصلاح و27 وحدة سجنية، حسب الموقع الرسمي لوزارة العدل التونسية.
إلا أن عديداً من الحقوقيين في تونس تحدثوا عن الظروف الصعبة التي يعيشها الأحداث داخل الإصلاحيات، وفي هذا الجانب، يقول رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل معز شريف، إن نسبة الاكتظاظ في مراكز إصلاح الأحداث تفوق 180 في المئة.
وشدد المتدخلون في الشأن القانوني وشأن الطفولة في تونس لتدارس التدابير البديلة لاحتجاز الأطفال، على ضرورة الابتعاد عن تجريم الجنح الصغرى التي يرتكبها الأطفال تفادياً للاكتظاظ في تلك المراكز.
لبنان... عدد الأحداث في السجون يرتفع في 2023
وفي لبنان، تتراكم المشكلات في ظل غياب الإصلاحات الشاملة التي يحتاجها قطاع السجون في البلاد، ويشمل ذلك الأوضاع الحياتية الصعبة والصحة السيئة، وتعرض السجناء إلى التعذيب والإهمال.
ويعتبر معنيون أن هذا الموضوع من أهم المواضيع التي يجب لفت الانتباه إليها، باعتبار أنها تتعلق بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
وفي السياق يشير رئيس شعبة العلاقات العامة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي العقيد جوزف مسلم، في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية"، إلى أن "هناك 143 قاصراً في السجون هذا العام، وهو رقم مرتفع مقارنة بعام 2022 حين كان هناك 108 أشخاص من الأحداث، وبالتالي فإن النسبة قليلة نوعاً ما"، لافتاً في الوقت عينه إلى أن "اللافت في الأمر هو أن اللاجئين السوريين يشكلون 61 في المئة، بينما في السابق أي قبل النزوح عام 2011 كانوا يشكلون 20 في المئة".
أوضاع الأحداث
وعن أوضاعهم في السجون يشير مسلم إلى أنهم "منفصلون عن باقي السجناء الراشدين، ولكننا بصدد أن ننقلهم إلى مركز آخر دشناه حديثاً وهو يتطابق مع المعايير العالمية وموجود في منطقة الوروار في الحدث - محافظة جبل لبنان، إذ سيتم تأمين رعاية وبرامج خاصة لهم"، لافتاً إلى أن "قانون 422/2002 ينص على تنظيم برامج تأهيلية متخصصة للقاصرين".
الجرائم
وتشمل الجرائم بحسب العقيد مسلم "السرقة وتعاطي المخدرات والانخراط في أعمال إرهابية والقتل"، كاشفاً عن أن "القتل والأعمال الإرهابية عادة ما تكون للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و16 سنة، ويخضع هؤلاء الأحداث إلى دورات تأهيل لحين يستطيعون أن يتأقلموا بشكل طبيعي مع محيطهم".
وفي هذا الإطار يؤكد المسلم "أهمية التربية والاهتمام والعناية والرقابة والتربية الصالحة والتعليم اللائق منذ الصغر منعاً للانحراف، إضافة إلى تأمين بيئة ومحيط سليمين مما لهما من تأثير كبير".
بدورها تشير رئيسة "الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان" أميرة سكر إلى أن "الأزمة تزداد اضطرارياً، فكلما زادت حاجة الناس كلما ارتفعت نسبة الجرائم من خلال الهرب من الواقع عبر تعاطي المخدرات أو الانخراط في العمل في سن باكرة بعد زيادة التسرب المدرسي، لا سيما مع إضراب المدارس الرسمية، وبالتالي اللجوء إلى الشارع والبؤر الموبوءة".
برامج الرعاية
وعن برامج رعاية الأحداث في لبنان تقول سكر إنه "عندما ينتقل القاصر إلى سجن رومية يتم عرضه على طبيب السجن بهدف فتح ملف طبي، كما يتم فتح ملف اجتماعي وهناك مندوبة اجتماعية واحدة حالياً تتابع ملفات القاصرين كافة في رومية وتتابع مواعيد جلساتهم، كما تلاحق حاجاتهم وبرامجهم التنموية مثل مشاغل تزيين الشعر والكروشية والموزاييك وأخيراً الموسيقى، إلى جانب الدعم النفسي ومحو الأمية".
وعن الوزارات والجهات التي تهتم بوضع الأحداث يلفت المسلم الى أن هذه "مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التربية من خلال معهد التدريب المهني، وإضافة إلى ذلك فهناك جمعيات أهلية تهتم بشكل يومي بعملية التأهيل، وأيضاً هناك المجتمع الدولي أي مكتب الأمم المتحدة الذي يعنى بالمخدرات والجريمة ويهتم بتطوير القدرات المهنية للقاصرين وخلق برامج جديدة".
واقع السجون
وعن واقع السجون تشرح سكر أن "السجون كما الوطن تمر بأزمة أهمها نقص في عدد من قوى الأمن بسبب تفاقم الوضع الاقتصادي، وبالتالي فكافة الأنشطة التي يعملون عليها تتقلص، وعلى رغم وجود عدد من المبادرات الوطنية والإنسانية من قبل جمعيات تعنى بحقوق الإنسان إلا أنها لا تكفي".
وعن كيفية تعامل الدولة مع الأحداث عندما يتم توقيفهم تقول، "عند توقيف الحدث لا يتم احتجازه مع راشدين، وتتلى عليه حقوقه وينتقل بعدها إلى سجن رومية بانتظار المتابعة القضائية، ولا يزال تكبيل القاصرين متبعاً إلا أن هذا يعود لأسباب متعلقة بالخوف من هرب الموقوف، وحينها يعاقب المسؤول من قوى الأمن، ويتم هذا التدبير نظراً لعدم وجود عدد كاف".