ملخص
هناك أطباق رئيسة اعتاد #المصريون أن تزين مائدة #شهر_الصوم ربما لن تكون موجودة لعدم توافرها أو #لارتفاع_سعرها
استعدادات شهر رمضان في البيوت المصرية تبدأ قبلها بوقت طويل، أسابيع وربما شهوراً، وبما أنه منذ صيف 2023 والانقلابات لا تتوقف في ما يتعلق بالأحوال الاقتصادية عالمياً وإقليمياً ومحلياً، فقد حرم ارتفاع التضخم البعض من عادات كثيرة، بينها تخزين كميات وفيرة من أطعمة بعينها تستخدم عادة على مائدة الإفطار والسحور، بسبب ارتفاع الأسعار حيناً وعدم جودتها أحياناً أخرى وكذلك بسبب قلة المعروض في بعض الأوقات.
وعلى رغم أن هناك حالياً وفرة نسبية في السلع، لا سيما الغذائية المعروضة في المتاجر الكبرى وتلك التي تبيع منتجاتها بسعر أقل بعض الشيء وتخضع لإشراف رسمي مباشر، ولكن لا تزال هناك بعض الأصناف الأساسية التي تعتبر مرتفعة الثمن بالإضافة إلى شح عدد منها كذلك.
حيث جرت العادة أن تكون موائد شهر الصيام عامرة بأطباق مصرية بعينها تتمتع بشعبية وكذلك تكون في المتناول، فصنف "المحاشي" على سبيل المثال مكوناته كانت جميعها متوافرة وبكثرة، خضراوات بسعر بسيط تزرع محلياً ورز من الأرض المصرية كذلك، وعلى ربة المنزل أن تختار أن تقدم معه أي نوع من اللحوم وفقاً لتفضيلات الأسرة وقدرتها المالية. هذه الوجية المعتادة لم تعد بتلك السهولة كما كانت.
اختفاء الرز وغلاء البيض والدجاج
مائدة رمضان المصرية شديدة الخصوصية، والاهتمام بها يكون بالغاً من قبل كافة أفراد المنزل، ومن الشائع أن تحمل عادة أصنافاً معينة مثل المحاشي بأنواعها والمعكرونة باللحم المفروم والصلصة البيضاء "الباشميل" والمشاوي وشرائح الدجاج بالبيض والبقسماط والملوخية وطاجن خضراوات باللحم ورز بالشعرية.
وبالنظر إلى أكثر الأطباق شهرة في البلاد كالمحاشي مثلاً سنجد أكثرها يهدد بالغياب أو على الأقل ألا يكون الحصول على مكوناته بتلك السهولة، في ظل قلة المعروض من مكونه الأساس وهو الرز المصري، فهذا المنتج مر على مدار الأشهر الماضية بأزمات متعددة، بدءاً من ارتفاع سعره مع توافره، ثم تثبيت سعره وندرة المعروض منه، وبعد ذلك أصبح متاحاً بصورة طبيعة، وأخيراً عاد سعره للارتفاع ليصل في بعض العلامات التجارية إلى ما يعادل الدولار الأميركي الواحد، ومع ذلك فالمتاجر لا تسمح إلا بشراء عدد أكياس معين لكل مواطن.
المفاجأة أنه يختفي سريعاً ولم يعد صنفاً عادياً للغاية مثلما كان يتكدس في المحال، كما تشهد أسعار بقية خضراوات الصنف ما بين دولار واحد إلى دولارين وربما دولارين ونصف بالنسبة للكيلو الواحد، وتعد هذه الأسعار مرتفعة مقارنة بما كان معتاداً قبل موجة ارتفاع معدل التضخم الاقتصادي، وأيضاً مقارنة بالحد الأدنى للأجور الذي لا يتجاوز المئة دولار أميركي، وإذا قامت ربة البيت بتدبير التزامات هذا الصنف مرة فعلى الأغلب لن تكرره كثيراً طوال الشهر كما كانت تفعل من قبل، حيث إن الوجبة تكتمل أيضاً بأي صنف من اللحوم الذي تتراوح أسعاره ما بين ثلاثة دولارات للدجاج و10 دولارات للكيلو للحوم البقر.
تقول "ندا خالد" أم لأربعة أطفال تعمل في مجال التعليم، وزوجها موظف في شركة خاصة، إنها استطاعت أن تحصل على أربعة كيلوات من الرز على مدار أسبوع، مشيرة إلى أنها تبحث عن جودة معينة ونوعية معينة لا توجد كثيراً هذه الأيام، وفي حال رغبت في شراء كميات أكبر عليها أن تضيع يوماً كاملاً لتذهب إلى متجر ضخم بعيد من منزلها يتمتع بعدد أكبر من المعروضات، وبما أن طبيعتها ليست التكالب على الشراء فقد اكتفت بما لديها، كما تنتظر المتجر القريب من منزلها إلى أن يأتي مرة أخرى بطلبية رز جديدة.
وأشارت إلى أن أسرتها تحب كثيراً وجبة المحاشي، وكانت تقدمها لهم مرتين أسبوعياً في رمضان على الأقل، ولكن مع هذا الوضع ستفكر بالطبع في بدائل جديدة، للرز مثل البسمتي على رغم أنه أغلى سعراً بكثير أو حتى القمح المجروش، ولكنها متخوفة من النتيجة وألا يكون الطعم مستساغاً للأطفال.
طبق المحاشي لم يعد زهيد الثمن
وفي ما يتعلق بالبدائل، فالأستاذة الجامعية منى سالم المتخصصة في التغذية، تؤكد أنها من متابعتها لكثير من العائلات حولها فإن كافة المستويات والطبقات تعاني بسبب الارتفاع الذي لا يتوقف في أسعار السلع الغذائية الأساسية، ولكن مع ذلك فهي ترى أنه يجب البحث بشكل دائم عن حلول وبدائل، مشددة على أن القيمة الغذائية للقمح المجروش بأنواعه عالية للغاية فهو يتضمن فيتامينات ومعادن ويمكن أن يدخل في أطباق كثيرة أو يقدم كصنف مستقل بديلاً للرز، ولكنه مختلف تماماً في الطعم وفائدته الغذائية، حيث يمكن أن تتم عملية الطهو بإدخال أكثر من نوع خضراوات به، ويمكن أن يستخدم كذلك في حشو الدجاج وبقية الطيور.
المطبخ المصري الرمضاني يتميز أيضاً بأطباق أخرى كثيرة يدخل فيها البيض وبينها أطباق رئيسة مثل بعض المكرونات وأيضاً الحلويات التي لا غنى عنها بعد طعام الإفطار، والبيض تحديداً بات سلعة غالية الثمن ومن المتوقع بحسب تصريحات مسؤولين بشعبة بيض المائدة والاتحاد العام لمنتجي الدواجن أن ترتفع أسعاره بصورة أكبر خلال الأيام الماضية نظراً لاستمرار أزمة الأعلاف، فهل هناك بديل له؟
تؤكد منى سالم، أنه حتى بعيداً من تلك الأصناف التي بشكل أو بآخر يمكن التحايل في مكوناتها ولكن البيض نفسه يحتوي على قيمة غذائية عالية وهو ضروري للصغار والكبار وبالتالي من الصعب تعويضه واستبداله.
الأسماك الرخيصة مكان أطباق رمضان الرئيسة
وتنصح أستاذة التغذية والاقتصاد المنزلي العائلات بأن يكون طبق السلطة أساسياً على المائدة لما فيه من فوائد ومعادن وفيتامينات تعزز المناعة كما أنه مشبع، وهو يلائم هذه الظروف الاقتصادية، كذلك تشير إلى أن تقديم وجبة الأسماك وعلى رغم أنه ليس وجبة رمضانية أولى على سفرة المصريين ولكن يمكن التعود عليه لأن هناك أنواع أسماك سعرها معقول بعض الشيء ويمكن تقديمها مطهية بالفرن بالخضراوات بدلاً من القلي توفيراً لاستخدام زيوت الطعام التي ارتفع ثمنها بشكل باهظ، وكذلك نبهت إلى ضرورة الاقتصاد قدر الإمكان وأن يتم التخلي تماماً عن عادات تقديم كميات كبيرة من الطعام كي لا يتم إهدارها بلا طائل في ظل ضيق ذات اليد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حملات للاستغناء والبحث عن بدائل
وعلى ذكر البدائل فهناك ما يشبه الحملة على محطات التلفزيون المحلية تديرها برامج الطهي، حيث أصبحت هناك فقرات أساسية تقدم النصائح للمشاهدين في ما يتعلق بطريقة استبدال المكونات مرتفعة السعر بأخرى ثمنها في المتناول للحصول على نتيجة قريبة من الأصلية، بينها بدائل السمن الطبيعي، والزبادي، والحليب المكثف، وأخذت تلك الفقرات شعبية كبيرة.
تشير "راندا. ع" أنها تكتفي بمتابعة المعروض من خلال صفحات المحطات التلفزيونية الشهيرة على "فيسبوك"، وبالفعل تعلمت عدداً من الأصناف والبدائل، لا سيما تلك التي تستخدم في الحلويات الرمضانية، لافتة إلى أنه على رغم ارتفاع أسعار الدقيق بأكثر من الضعف خلال الفترة الماضية، ولكن سعره لا يقارن بأسعار الحلويات الرمضانية الجاهزة، حيث إنها اطلعت على قائمة أسعار المتجر المفضل الذي اعتادت أن تجلب منه أصناف حلويات رمضان لتفاجئ بأن أسعاره زادت بمقدار الثلاثة أضعاف، بالتالي ستستغنى عن بعض الأنواع التي يصعب عليها أن تنفذها بمفردها بالمنزل مثل الكنافة المحشية وكنافة الفواكه التي وصل سعرها جاهزة إلى ما يوازي 15 دولاراً للطبق المتوسط، وستكتفي بالأصناف البسيطة مثل البسبوسة والقطايف، حيث تعلمت صنع الصنف الأخير في المنزل. وعلى رغم أنه لا يزال مكلفاً حيث يحتوى على مكسرات وسكر ودقيق وجميعها مرتفعة الثمن ولكنها لا تزال أقل بكثير من شراء الطبق جاهزاً.
المكسرات أيضا تعتبر من ضحايا التضخم، وبنظرة بسيطة على قسم بيع المكسرات "الياميش" في أي من المحال الشهيرة، سنجد أنه يتم شراء كميات قليلة للغاية، وبالحديث مع بعض الأسرة أكد أغلبهم أنهم لا يريدون أبداً الاسغناء عن عاداتهم الرمضانية ولكنهم يجدون أنفسهم مضطرين إلى تقليص الكميات إلى النصف على الأقل كي تكفي ميزانيتهم لاستكمال بقية البنود.
لا مجال للرفاهية والخطاب الديني يدعو للتقشف
نظرة بسيطة على تغيير أنماط الشراء لدى أغلب المستهلكين نجد أن هناك توجهاً إجبارياً لا بد منه للترشيد بحكم أن الدخل الشهري مهما كان معقولاً فهو لم يعد يوازي بأي حال من أحوال المستويات القياسية لارتفاع الأسعار، والأمر بدا واضحاً جداً في الاستعدادات لشهر رمضان، والضغوط الاقتصادية طاولت الجميع وباتت أكثر حضوراً في الخطاب الإعلامي والديني والرسمي.
الطبيب حسام موافي وعلى رغم أن تخصصه هو معالجة المرضى ذوي الحالات الحرجة بمستشفى قصر العيني، ولكنه أيضاً ومن خلال منصاته وكذلك ظهوره التلفزيوني دأب خلال الفترة الماضية على إعطاء نصائح تتعلق بنمط الاستهلاك في رمضان تماشياً مع الوضع الاقتصادي حيث طالب متابعيه بأن يتهيئوا للشهر نفسياً وليس بتخزين السلع على حد تعبيره، فيما كانت الصفحات الرسمية لدار الإفتاء المصرية على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر نشاطاً ووضعت على عاتقها خلال الأيام الماضية أن تسهم في حملة "الترشيد" والمساهمة في تقليل الضغوط على الجمهور، من خلال مقولات مثل "ليس كل ما اشتهيت اشتريت. وليس كل ما أرادته النفس تسير وراءه"، بل وصل الأمر إلى الحديث بشكل مباشر عن طريقة التعامل مع العروض المغرية بالشراء في متاجر السلع، وهنا جاءت النصيحة كالتالي "على المسلم ألا يخدع بعروض السلع والتطلعات الترفيهية حتى لا يشعر بالحاجة والفقر بل عليه أن يكتفي بالضروريات".
الملاحظ أن الضروريات نفسها لم تعد يسيرة وأصبح المستهلك يتصالح شيئاً فشيئاً مع فكرة التخلي عن عاداته، ولكن الأمر يكون أكثر صعوبة مع طقوس شهر رمضان، حيث ستكون المهمة شاقة بعض الشي للتعايش مع خطة التقشف، والاستغناء عن أصناف محببة، خلال 30 يوماً لا تأتي سوى مرة في العام، لأن الأمر بالنسبة للكثيرين بجانب العبادة الروحية، فهو أيضاً فرصة لاستعادة ذكريات المائدة.