Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين أخطأ المحافظون الجدد

كيف علمتني حرب العراق حدود القوة الأميركية

جندي من مشاة البحرية الأميركية يقف في قصر صدام حسين في بابل بالعراق، أبريل 2003 (رويترز)

ملخص

فشل احتلال #أفغانستان و #العراق فشلاً ذريعاً، دفعت #الولايات_المتحدة ثمنه غالياً وبطبيعة الحال نجمت عنه تكاليف أكبر على البلدين اللذين تعرضا للغزو

 بعد وقت قصير من أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، صنفت بأنني من "المحافظين الجدد". وكان هذا المصطلح محيراً ومبهماً بعض الشيء بالنسبة إلي، إذ لم يكن انتمائي إلى تيار المحافظين بالشيء الجديد. لقد كنت يمينياً منذ الأزل. ولكن بعد 11 سبتمبر استخدمت تسمية "المحافظين الجدد" للإشارة إلى نوع معين من النزعة المحافظة يضع حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية في الصدارة في السياسة الخارجية الأميركية. وكانت هذه عقلية مختلفة تماماً عن نهج السياسة الواقعية الذي اعتمده جمهوريون مثل الرئيس دوايت أيزنهاور، والرئيس ريتشارد نيكسون، ووزير الخارجية هنري كيسنجر، وكان من الطبيعي أن تجذب شخصاً مثلي جاءت عائلته إلى الولايات المتحدة بحثاً عن الحرية. (وصلنا من الاتحاد السوفياتي في عام 1976، عندما كنت في السادسة من عمري). وكوني اختبرت العيش في ظل نظام ديكتاتوري شيوعي، كنت أؤيد نشر الولايات المتحدة للحرية في الخارج. وقد جعلني ذلك بدوره داعماً قوياً للعمل العسكري في أفغانستان والعراق.

لقد أراد المحافظون التقليديون، مثل وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، تعليم طالبان وصدام حسين درساً ثم مغادرة كل من البلدين في أسرع وقت ممكن. في المقابل، كان موقف المحافظين الجدد، الذي انتصر في نهاية المطاف في إدارة جورج دبليو بوش، هو أن الولايات المتحدة لا تستطيع ببساطة إسقاط الأنظمة القديمة وترك الفوضى في أعقابها. لذا كان على الأميركيين البقاء والعمل مع الحلفاء المحليين من أجل بناء نماذج من الديمقراطية يمكن أن تبث روح التغيير الليبرالي في الشرق الأوسط. وبهذه الطريقة، كان بإمكان واشنطن القضاء أخيراً على الحركة الإسلامية المتشددة، التي ابتلت بها أميركا منذ أزمة الرهائن الأميركيين في إيران عام 1979.

ولكن من الواضح أن تغيير النظام لم يحقق النجاح المنشود. في الواقع، فشل احتلال أفغانستان والعراق فشلاً ذريعاً، دفعت الولايات المتحدة ثمنه غالياً، بالدماء والأموال، وبطبيعة الحال نجمت عنه تكاليف أكبر على البلدين اللذين تعرضا للغزو. وكما يقول المثل، عندما تتغير الحقائق، أغير رأيي. على رغم أنني ما زلت داعماً للديمقراطية وحقوق الإنسان، فبعد أن رأيت ما آل إليه تعزيز الديمقراطية على أرض الواقع، لم أعد أعتقد أنها تنتمي إلى صلب السياسة الخارجية التي تعتمدها الولايات المتحدة. وعندما أنظر إلى الأمس، أرى أنني كنت متفائلاً للغاية بشأن احتمالات نشر الديمقراطية بالقوة، مستخفاً بالصعوبات والتكاليف المترتبة على مثل هذا المشروع الضخم. لم أعد من "المحافظين الجدد"، على الأقل بالطريقة التي فهم بها هذا المصطلح منذ 11 سبتمبر. 

اليوم، أنا أكثر إدراكاً لمحدودية القوة الأميركية مما كنت عليه في السابق، بالتالي أكثر تشككاً في الدعوات إلى تعزيز الديمقراطية في الصين ومصر وإيران وباكستان وتركيا وفنزويلا، وغيرها من الدول. يجب أن تستمر الولايات المتحدة في الدفاع عن مثلها وفضح انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن عليها أن تفعل ذلك بتواضع وألا تخجل من إعطاء الأولوية لمصالحها الخاصة، إذ لا يمكن للسياسة الخارجية أن تكون عملية غيرية المنحى حصراً أو حتى بشكل أساسي، والأرجح أن أية محاولة ترمي إلى تحقيق ذلك ستأتي بنتائج عكسية، بطرق من شأنها أن تضر الأشخاص نفسهم الذين يحاول الأميركيون مساعدتهم.

والأهم من ذلك كله، يجب أن تكون الولايات المتحدة أكثر حرصاً بشأن استخدام القوة العسكرية مما كانت عليه في الأيام العصيبة التي عاشت فيها "لحظة أحادية القطب" [في الأيام الخوالي خلال زمن تفرد أميركا كقطب أوحد] في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي. لقد عاد عصر منافسة القوى العظمى بقوة. وعلى رغم أن الولايات المتحدة لا تزال أكبر قوة عسكرية في العالم ولها مصالح ومسؤوليات في كل أنحاء العالم، إلا أنها لا تستطيع تبديد قوتها في صراعات ليس لها أهمية كبيرة.

الفكرة الخاطئة عن تغيير النظام

قبل 20 عاماً، في أوائل سنة 2003، كان صدام متمسكاً بالسلطة، وكانت إدارة بوش تستعد لشن غزو يطيح به. في الحقيقة، لم أكن لأدعم العمل العسكري على الإطلاق لو علمت أن صدام لم يكن يصنع أسلحة دمار شامل فعلياً، لكن ما رغبت فيه حقاً آنذاك هو التخلص من دكتاتور العراق القاسي، وليس برنامج أسلحته المزعوم فحسب. كانت إحدى الحجج الأساسية التي قدمتها إلى جانب أشخاص آخرين داعمين للغزو أن تغيير النظام يمكن أن يؤدي إلى تحول ديمقراطي أوسع في الشرق الأوسط. لكنني الآن أشعر بالاشمئزاز والإحراج عندما أقرأ بعض المقالات التي كتبتها في ذلك الوقت. بعد شهر من الـ11 من سبتمبر كتبت في مجلة "ذا ويكلي ستاندرد"، وهي مجلة بارزة كانت تابعة لحركة المحافظين الجدد وتم إيقاف إصدارها: "قد تكون هذه فرصة مناسبة لتصحيح الموازين، وإرساء أول ديمقراطية عربية، والإظهار للشعب العربي أن أميركا ملتزمة بحريتهم مثلما كنا ملتزمين بحرية شعوب أوروبا الشرقية. إن تحويل العراق إلى منارة أمل للشعوب المضطهدة في الشرق الأوسط سيشكل هدفاً تاريخياً للحرب". 

ولكن بعد إعادة التفكير بالأمر اليوم، أرى أنه كان نوعاً من السذاجة الخطرة التي ولدت من مزيج يجمع بين غطرسة ما بعد الحرب الباردة وذعر ما بعد 11 سبتمبر. أردت بشدة أن أصدق أن نشر الحرية يمكن أن يحل المعضلات الأمنية التي تواجه الولايات المتحدة، وأن قيامها بالخير والأعمال الصالحة في العالم، قد يخدم أيضاً مصالح أمنها القومي.

وكان من الرائع لو جرت الأمور بهذه الطريقة، لكنها لم تفعل، وكان من المفترض أن أدرك في ذلك الوقت كم كانت تلك المهمة بأكملها بعيدة المنال. من يظن الأميركيون أنفسهم حتى يعتقدوا أنهم يستطيعون إجراء تغيير جذري في منطقة بأكملها تملك تاريخاً خاصاً بها يعود إلى آلاف السنين؟ ما زلت ألوم نفسي لأنني لم أعط مزيداً من الاهتمام لمقالة رأي حكيم، نشرتها في عام 2002 عندما كنت محرر مقالات الرأي في صحيفة "وول ستريت جورنال"، تحت عنوان "لا تهاجم صدام"، وقد تنبأ فيها خبير السياسة الخارجية المخضرم برنت سكوكروفت بدقة أن غزو العراق سيتطلب "احتلالاً عسكرياً واسع النطاق وطويل الأمد" وسيؤدي إلى "ارتفاع أعداد الإرهابيين". لقد تجاهلت مثل هذه التحذيرات لأنني كنت منبهراً بقوة الجيش الأميركي بعد انتصاراته في حرب الخليج وغزو أفغانستان، وأبهرتني آنذاك أيضاً حجج مفكري المحافظين الجدد مثل برنارد لويس وفؤاد عجمي بأن العراق وفر أرضاً خصبة للديمقراطية. وحين أفكر في الأمر الآن، أشعر بالدهشة والذهول لأنني وقعت فريسة لتلك الأوهام الكبيرة. 

وعلى غرار الحرب في فيتنام، قدمت حربا أفغانستان والعراق تحذيراً قوياً من مخاطر النوايا الحسنة التي ضلت طريقها. والجدير بالذكر أن التدخل الأميركي في ليبيا عام 2011 في ظل إدارة أوباما، وهو تدخل أيدته أيضاً، أكد لاحقاً تلك الدروس المستخلصة نفسها على نطاق أصغر. وبالاسترجاع، قصفت الولايات المتحدة وحلفاؤها قوات معمر القذافي، مما أدى إلى الإطاحة به وقتله، بيد أن النتيجة لم تكن ظهور ديمقراطية جيفرسونية في الصحراء. وحتى يومنا هذا، لا تزال ليبيا عالقة في جحيم هوبيزي [بالعودة إلى فلسفة توماس هوبز] من الحرب الداخلية وانعدام القانون. في كل تلك البلدان، كانت الولايات المتحدة حريصة جداً على نشر الديمقراطية، تماماً كما كانت في يوم من الأيام حريصة على احتواء الشيوعية، لدرجة أنها تسببت في بؤس كبير للأشخاص الذين كان من المفترض أن تساعدهم، ثم تخلت عنهم في وقت الشدة. 

ونتيجة لذلك، أنا لست الوحيد الناقم على حروب تغيير النظام. حتى أنني أصبحت متشككاً في محاولة إحداث تغيير في النظام من خلال العمل السري أو العقوبات الصارمة، وهما سياستان لا يزال كثيرون يناصرون تطبيقهما في بلدان مثل الصين وكوبا وإيران وفنزويلا، حيث واجهت الأنظمة البغيضة المناهضة لأميركا حركات احتجاجية كبيرة في الماضي القريب. في الواقع، نادراً ما تنجح العمليات السرية. والدليل على ذلك هو فشل المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة في الإطاحة بالديكتاتور القاتل بشار الأسد في سوريا وفشل المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة في الإطاحة بصدام قبل عام 2003. وغالباً ما تكون العقوبات أمراً لا مفر منه عندما تقرر الولايات المتحدة فرض تكاليف على الأنظمة المارقة نتيجة ممارساتها السيئة، بيد أن هذه العقوبات غير فعالة عموماً في إسقاط المستبدين (مع استثناءات قليلة فحسب، مثل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا).

لنكن واقعيين بخصوص إيران

على رغم ذلك، فإن عدداً كبيراً من حلفائي الأيديولوجيين السابقين لم يتوصلوا إلى الاستنتاجات نفسها حول جنون تغيير النظام. في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصدرت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات the Foundation for Defense of Democracies، التي غالباً ما توصف بأنها مؤسسة فكرية للمحافظين الجدد، تقريراً يدعو إلى "دعم الشعب الإيراني إلى أقصى حد". وكان معظم ما أوصى به التقرير، مثل استخدام "القدرات الإلكترونية لدعم المتظاهرين"، وتمكين "تجاوز الرقابة الإلكترونية"، وتوسيع "عقوبات حقوق الإنسان"، وإدانة "إيران داخل المنظمات الدولية"، منطقياً بشكل كبير. في الواقع، سبق أن نفذت إدارة بايدن جزءاً كبيراً من هذه التوصيات. لكن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات FDD تمادت في الدعوة إلى وضع حد للجهود الدبلوماسية الرامية إلى حمل إيران على إعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بحماقة في عام 2018. وقد كان هذا أحد أسوأ القرارات التي شهدتها السياسة الخارجية في تاريخ الولايات المتحدة، إذ أبدت إيران التزاماً بالاتفاق آنذاك، لكنها أصبحت اليوم دولة "على العتبة النووية" [على أعتاب صنع قنبلة نووية] وتملك ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب لإنتاج سلاح نووي واحد على الأقل.

لم يعد أمام الولايات المتحدة خيارات كثيرة لوقف البرنامج النووي الإيراني. والبديل الوحيد الواضح للحل الدبلوماسي هو الحل العسكري. قبل سنوات، كان من الممكن أن أقول إن هذه مجازفة تستحق المخاطرة (في الواقع، هذا ما قلته تماماً في عام 2011)، ولكن بالنظر إلى مدى تقدم البرنامج النووي الإيراني، لم أعد أفكر في الطريقة نفسها. كما كتبت في عام 2019، من غير المرجح أن تدمر الضربات الجوية جميع المنشآت النووية الإيرانية المحمية جيداً، ويمكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية. يمكنها حتى أن تولد نتائج عكسية من خلال إقناع إيران ببناء سلاح نووي فعلياً. سيكون من الرائع أن يقوم المتظاهرون الليبراليون بالإطاحة بالنظام وإنهاء برنامجه النووي، لكن يبدو أن معظم الخبراء في موضوع إيران يتفقون على أن النظام لا يواجه خطر الانهيار الوشيك. وفي الحقيقة، فالاحتجاجات التي بدأت في الخريف قد تضاءلت بالفعل. 

واستطراداً، يزعم معارضو استخدام الدبلوماسية مع إيران أن البلاد ستزداد قوة من خلال المكاسب غير المتوقعة التي ستحصل عليها إذا عادت للانضمام إلى الاتفاق النووي ورفعت عنها العقوبات. وفي الواقع، لا يواجه النظام مشكلة في تمويل قواته الأمنية وقمع المعارضة حتى من دون اتفاق نووي. ووفقاً لإحدى الإحصاءات، شهدت الفترة الممتدة من منتصف سبتمبر 2022 إلى أوائل يناير (كانون الثاني) 2023، مقتل 516 متظاهراً واعتقال أكثر من 19 ألف و200 شخص. ولكن حتى لو كان صحيحاً أن اتفاقاً نووياً من شأنه أن يعزز قدرة الدولة على ممارسة القمع الداخلي، فسيكون هذا ثمناً يستحق أن تدفعه الولايات المتحدة إذا كان سيوقف فعلياً اندفاع إيران لبناء القنبلة. والجدير بالذكر أن امتلاك إيران للأسلحة النووية سيهدد الولايات المتحدة وحلفائها ومن المرجح أن يقود بعض جيرانها (مثل تركيا) إلى الحصول على أسلحة نووية خاصة بهم.

لم يعد أمام الولايات المتحدة خيارات كثيرة لوقف البرنامج النووي الإيراني.

بالطبع، هذا النقاش برمته هو مجرد نقاش نظري في الوقت الحالي، لأن المتشددين في طهران لم يظهروا أي استعداد للانضمام مجدداً إلى صفقة يكرهونها بقدر ما يفعل المتشددون الأميركيون والإسرائيليون. لا شك في أن ملالي إيران، شأنهم شأن الدكتاتوريين الآخرين في جميع أنحاء العالم (مثل كيم جونغ أون في كوريا الشمالية)، درسوا التاريخ الحديث وتوصلوا إلى استنتاجات منطقية: لقد أطاحت الولايات المتحدة بالقذافي وصدام بعد تخليهما عن برامج أسلحة الدمار الشامل. بالتالي، فإن أي دكتاتور يريد البقاء في السلطة يجب أن يطور ترسانة نووية. إذاً، هذه طريقة أخرى أدت فيها حماسة الولايات المتحدة لنشر الديمقراطية إلى نتائج عكسية. وتفاقم الخطأ في حال إيران بسبب خروج ترمب من الصفقة النووية غير المثالية ولكن المهمة، من دون وجود خطة بديلة. في الحقيقة، سيكون قراره موضع تدقيق لسنوات مقبلة باعتباره دراسة حالة حول مخاطر إعطاء الأولوية للسياسة عوضاً عن اعتماد الحيطة والحذر في تسيير العلاقات الخارجية.

وفي هذه المرحلة، لم يتبق سوى قليل من الخيارات الجيدة بخصوص إيران. إن الأعمال السرية الأميركية أو الإسرائيلية، على غرار اغتيال علماء الأسلحة أو نشر فيروسات الكمبيوتر، لن تؤدي إلا إلى تأخير طفيف في برنامج يمكن أن يصنع سلاحاً نووياً قريباً. لذا، يجب أن تستمر واشنطن في محاولة إحراز تقدم على المستوى الدبلوماسي، ولكن لنفترض أن ذلك فشل، فهي ستحتاج إلى الاعتماد على الردع والاحتواء، كما فعلت خلال الحرب الباردة. وهذا يعني التصدي لتوسع القوة الإيرانية عن طريق العمل عبر الحلفاء الإقليميين مثل إسرائيل ودول الخليج والتوضيح لإيران أن أي استخدام للأسلحة النووية سيؤدي إلى تدميرها.

العالم بصورته الحقيقية

إن التعامل مع الأنظمة القمعية أمر بغيض ولا يحظى بشعبية، لسبب وجيه، ولكن في معظم الحالات، لا تملك الولايات المتحدة صلاحية عزلها وفرض عقوبات عليها. قد تكون مثل هذه السياسات مرضية من الناحية الأخلاقية، لكنها ليست فعالة للغاية. وكما قلت في نوفمبر (تشرين الثاني)، مما أثار استياء اليمين أن الولايات المتحدة قد تكون قادرة على فعل مزيد من أجل شعب كوبا وفنزويلا من خلال تخفيف العقوبات في مقابل تحسين حقوق الإنسان عوضاً عن المطالبة بتغيير النظام. وعلى نحو مماثل، ينبغي ألا تخشى أن تعرض على كوريا الشمالية تخفيف العقوبات في مقابل تجميد برنامجها النووي أو التراجع عنه، حتى لو أدى ذلك إلى تزويد النظام الستاليني في البلاد بمزيد من الأموال. (بالطبع، لم تظهر بيونغ يانغ أي اهتمام بمثل هذه الصفقة).

واستكمالاً، يتعين على واشنطن الاستمرار في فضح انتهاكات حقوق الإنسان، والمدافعة عن المنشقين الليبراليين، مثل السجناء السياسيين الروس أليكسي نافالني وفلاديمير كارا مورزا وإيليا ياشين والمتظاهرين الإيرانيين الشجعان الذين يخاطرون بتعرضهم للاعتقال والإعدام. ويجب أن ترسل مساعدات عسكرية إلى الديمقراطيات المحاصرة، من أوكرانيا إلى تايوان. على رغم أنني لم أعد مثالياً كما كنت في السابق، إلا أنني لم أصبح من أولئك الذين يصفون أنفسهم بالواقعيين ويلومون الولايات المتحدة على العدوان الروسي أو يعتقدون أنه يجب أن تضحي بأوكرانيا كثمن للسلام. وبطريقة موازية، أنا لا أوافق على رئيس يتملق الديكتاتوريين (كما فعل ترمب). فالولايات المتحدة تظل أقوى ديمقراطية ليبرالية في العالم، ولديها التزام أخلاقي بالتحدث عن مبادئها على الأقل. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن هناك فرق جوهري، لم أكن أقدره بشكل كاف في الماضي، بين الدفاع عن الديمقراطية وتصدير الديمقراطية. ويعتبر سجل إنجازات الولايات المتحدة حافلاً في الأولى [أي الدفاع عن الديمقراطية] (لنتذكر هنا أوروبا الغربية أثناء الحرب الباردة) أكثر منه في الثانية [أي تصدير الديمقراطية] (لنتذكر هنا أفغانستان والعراق). قبل 20 عاماً، تعرض عدد من دعاة تغيير النظام في العراق وأفغانستان، بمن فيهم أنا، للتضليل بسبب نجاح الولايات المتحدة في تحويل ألمانيا وإيطاليا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن ما فشلنا في فهمه هو أن هذه البلدان استفادت من ظروف تاريخية فريدة، بما في ذلك مستويات عالية من التنمية الاقتصادية، وثقة اجتماعية واسعة النطاق، ودول قوية، وصفحة بيضاء خلقتها الهزيمة في حرب شاملة، وهي ظروف من الصعب أن تتكرر على ما يبدو. لقد كان وما زال من الحماقة أن نحاول تكرار ظروف مماثلة.  

بالكاد يمكن للغرباء فهم المجتمعات المحلية، فكيف بالأحرى السيطرة عليها بنجاح. وحتى عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الديمقراطية، يتعين على واشنطن في بعض الأحيان اتخاذ قرارات صعبة بناء على تقييم واقعي للظروف المحلية بعيداً من الأفكار التجريدية والمثالية المحبذة في المناقشات السياسية الأميركية. كانت كل من كوريا الجنوبية وفيتنام الجنوبية تستحقان الدفاع عنهما في وجه العدوان الشيوعي، لكن الكوريين أظهروا مهارة واستعداداً أكبر للقتال من أجل حريتهم مما فعل الفيتناميون الجنوبيون. إذاً، تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تكون واقعية في تقييمها للأماكن بطريقة تخولها تحديد ما إذا كان شركاؤها المحليون هناك قادرين أو غير قادرين على تحقيق النجاح.

وتستوفي أوكرانيا هذا المعيار بسهولة، لأن حكومتها تتمتع بالدعم الحماسي من شعبها، وقد أظهر جيشها مهارة وتفانياً. على النقيض من ذلك، فإن النظام الذي أنشأته الولايات المتحدة وحلفاؤها في كابول بعد الإطاحة بنظام طالبان لم يكن يتمتع مطلقاً بالشرعية الشعبية الكافية. نتيجة لذلك، لم يكن الجيش الأفغاني يملك الدافع الكافي للقتال بمفرده. ما زلت أعارض الانسحاب الذي تفاوض عليه ترمب ونفذه الرئيس جو بايدن لأنني كنت أعتقد أنه من الممكن إبعاد طالبان عن السلطة بكلفة منخفضة نسبياً، وكنت أخشى الرسالة الخطرة التي قد يبعث بها خروج الولايات المتحدة إلى المعتدين الآخرين. أما اليوم، فأنا أفضل الإبقاء على المستشارين العسكريين الأميركيين في العراق كتحوط ضد قوة إيران وعودة ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضاً باسم داعش). لكن هذه أهداف أكثر تواضعاً بكثير من تلك التي كنت أتخيلها قبل 20 سنة. في الواقع، إن الوقت الذي أمضيته مع القوات الأميركية في أفغانستان والعراق على مدى العقدين الماضيين منحني تقديراً أكبر لأهمية الديناميكيات المحلية. وبغض النظر عن مدى قوة الغرباء أو حسن نيتهم، فهم بالكاد يستطيعون أن يفهموا المجتمعات المحلية، فكيف بالأحرى السيطرة عليها بنجاح.

في فترة من الفترات، على سبيل المثال، كنت أعتقد أن أشرف غني سيكون الرئيس المثالي لأفغانستان لأنه كان تكنوقراطياً متعلماً في الغرب ولم يكن فاسداً. وعندما تولى السلطة في عام 2014، كتبت "إذا كان أي شخص مؤهلاً للتعامل مع مشكلات أفغانستان، فسيكون هو". ولكن تبين أنه زعيم فظيع في زمن الحرب لم يحشد شعبه وهرب قبل دخول طالبان إلى كابول حتى. على النقيض من ذلك، لم أكن أتوقع كثيراً من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الممثل الكوميدي التلفزيوني السابق. لكنه تبين أنه يتمتع بشخصية "تشرشلية" تستحق دعم الولايات المتحدة اللامحدود. في الحقيقة، حتى لو لم تكن أوكرانيا دولة ديمقراطية ليبرالية، فسيظل من المنطقي أن تدعمها واشنطن من أجل التمسك بالمبدأ القائل إن الحدود الدولية لا يمكن تغييرها بالقوة. (لذلك كانت واشنطن على حق في دفاعها عن الكويت في حرب الخليج وكوريا الجنوبية في الحرب الكورية). لكن حقيقة أن أوكرانيا ديمقراطية ليبرالية يجعل من الأسهل الانحياز إلى جانبها.

القيم تتوافق مع المصالح

هناك نقاش قديم في السياسة الخارجية الأميركية حول دور القيم مقارنة بدور المصالح. في عشرينيات القرن الـ19، عندما كان اليونانيون يخوضون حرباً من أجل الاستقلال، أراد كثير من الأميركيين المولعين بالإغريق تقديم المساعدة في كفاحهم ضد قسوة الإمبراطورية العثمانية. قاوم وزير الخارجية جون كوينسي آدامز تلك المناشدات، وقال جملته الشهيرة إن أميركا "لا تذهب إلى الخارج، بحثاً عن الوحوش لتدميرها". في الماضي، كنت أمتعض من كلمات آدامز، التي كثيراً ما استشهد بها الانعزاليون. لكنني أصبحت الآن أكن تقديراً أكبر لحكمته المحافظة. وفي الواقع، انتصر المتمردون اليونانيون في حرب الاستقلال بدعم من فرنسا وروسيا والمملكة المتحدة. لكن عوضاً عن البدء بعصر بريكليس جديد [العصر الذهبي في أثينا]، أنشأوا نظاماً ملكياً غير فعال، أشرف عليه ملوك أجانب وتخللته انقلابات عسكرية.

ما زلت أؤيد الريادة الدولية للولايات المتحدة ودعم الحلفاء، بما في ذلك الوجود العسكري الأميركي القوي في المراكز الثلاثة للقوة العالمية، أوروبا والشرق الأوسط وشرق آسيا، حيث يعد انتشار القوات الأميركية ضرورياً للحفاظ على النظام وردع العدوان. لكنني لم أعد أعتبر أن نشر الديمقراطية هو محور السياسة الخارجية الأميركية، لأنني لا أثق كثيراً في أن الولايات المتحدة تعرف كيف تفعل ذلك بنجاح ولأن الأولويات الأخرى (على غرار الأمن الاقتصادي والأمن القومي) يجب أن تؤخذ في الاعتبار أيضاً.

اكتشف بايدن صعوبة توجيه السياسة الخارجية الأميركية نحو دعم الديمقراطيات عندما عقد "قمة من أجل الديمقراطية" في ديسمبر 2021. بعض الدول التي دعيت إلى المشاركة في الاجتماع الافتراضي عبر الإنترنت، مثل الهند وباكستان والفيليبين، لا تعد نموذجاً للديمقراطية الليبرالية. في المقابل، لم توجه دعوة إلى بعض الحكومات الاستبدادية بشكل خاص، مثل سنغافورة وتركيا والإمارات العربية المتحدة وفيتنام، على رغم أن الولايات المتحدة لديها مصالح مشتركة كثيرة معها. وكما كان متوقعاً، لم تحقق القمة نتائج تذكر، لأن مجرد الالتزام بالديمقراطية ليس كافياً لحشد العمل والجهود المشتركة بين 110 دول من جميع أنحاء العالم. ما الذي يجمع بين زامبيا وأوروغواي فعلياً غير أنظمتهما السياسية الديمقراطية؟

في الواقع، إن الرد على الغزو الروسي لأوكرانيا لا يقوم على أسس ديمقراطية أو استبدادية، فهناك عدد كبير من دول الجنوب الديمقراطية، مثل البرازيل، وإندونيسيا، وجنوب أفريقيا، ترفض معاقبة روسيا. وخلافاً للمجموعة الأوسع من الديمقراطيات في العالم، دعم حلف الناتو أوكرانيا بقوة لأن معظم أعضائه، باستثناء المجر وتركيا اللتين تزداد أنظمتهما استبداداً، متحدون تحت راية القيم والمصالح المشتركة. وتمثل تحالفات الولايات المتحدة مع أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية قصص نجاح للسبب نفسه، على رغم أنه حري بنا أن نتذكر أن الولايات المتحدة قاتلت من أجل كوريا الجنوبية قبل فترة طويلة من تحولها إلى دولة ديمقراطية.

لا يعتبر الأمل أساساً تستند إليه سياسة خارجية سليمة.

العالم مكان بشع، وعلى المسؤولين الأميركيين التعامل معه كما هو، من دون أن يتخيلوا أنهم يتمتعون بقوة أكبر لتغييره، تفوق تلك التي يتمتعون بها فعلياً. في العالم الحقيقي، غالباً ما يتعين على الولايات المتحدة العمل مع أنظمة تبغضها، سواء كانت الصين أو غيرها.ووكالة المخابرات المركزية ليست قوية بما يكفي للإطاحة بأي زعيم على هذا الكوكب إلا في الأفلام وفي تخيلات النشطاء التقدميين، وسجل إنجازاتها الفعلية في العمل السري أقل إثارة للإعجاب بكثير، وفي تلك المناسبات القليلة التي ساعدت خلالها في تنفيذ انقلابات ناجحة، عادة ما أسفر ذلك عن نتائج عكسية. في الواقع، لا يزال الملالي الإيرانيون يعلمون شعبهم عن الغدر الأميركي من خلال الاستشهاد بالانقلاب المدعوم من الولايات المتحدة الذي أطاح بمحمد مصدق عام 1953.

في العالم الحديث، تبين أن الطغاة موهوبون بشكل مزعج في استخدام أدوات المراقبة العالية التقنية لقمع الانتفاضات الشعبية. على مدار السنوات 20 الماضية، وفقاً للباحثة إيريكا تشينويث، انخفض معدل نجاح الاحتجاجات الجماهيرية بشكل كبير. لذلك لم يكن مفاجئاً للغاية أن الصين كانت قادرة على وضع حد للاحتجاجات ضد سياسة شي جينبينغ "صفر كوفيد" من خلال مزيج من القمع والتهدئة.

في الحقيقة، إن أي شخص يتوقع أن تؤدي ثورة قوة الشعب إلى تشكيل حكومة ليبرالية موالية للغرب في أي وقت قريب في بكين أو موسكو أو طهران في حال قدمت الولايات المتحدة مزيداً من الدعم للمتظاهرين، هو شخص غارق في التفكير الحالم. قد تتحقق مثل هذه الآمال، لكن الأمل لا يشكل أساساً تقوم عليه السياسة الخارجية السليمة. يجب أن تدعم واشنطن المتظاهرين الليبراليين بكلمات التشجيع وتقنيات الاتصالات والمساعدات غير العسكرية الأخرى، لكن ليس من المفترض أن تعتمد على نجاحهم، ويجب أن تضع في الاعتبار أنه عندما تسقط الدكتاتورية، لا يكون البديل دائماً هو الأفضل. لنتذكر أن آية الله الخميني جاء بعد شاه إيران، وأن الفوضى عمت بعد القذافي. والرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو مجرم حرب يجب أن يحاكم في لاهاي، ولكن في حال لم تعد السلطة في يده، قد لا يكون خليفته شخصية ليبرالية مثل نافالني، بل يمكن أن يكون متشدداً قومياً أكثر تهوراً وتطرفاً قد يستخدم بالفعل ترسانة روسيا النووية في أوكرانيا بدلاً من أن يكتفي بالتهديد بالقيام بذلك. وحتى في إيران، قد لا تستبدل الثيوقراطية الموجودة اليوم بديمقراطية ليبرالية بل بمجلس عسكري من الجنرالات المتشددين الذين سيكونون أكثر علمانية ولكن ليس أقل خطورة. للأسف، ليس هناك ما يدعو إلى توقع أن الدول الأخرى ستتطور على أساس تقدمي هويغيWhiggish  فتتحول إلى ديمقراطيات نموذجية على النمط الغربي، سوى التفكير الحالم.

في الواقع، أثبتت الديكتاتوريات أنها أكثر قدرة على الصمود بالمقارنة مع عدد كبير من الديمقراطيات. حتى في الولايات المتحدة والهند، أكبر دولتين ديمقراطيتين في العالم، كانت الحرية تحت الحصار في السنوات الأخيرة. وفي أماكن أخرى، في بلدان مثل ميانمار ونيكاراغوا وروسيا وتونس، ترسخت الديمقراطية لفترة وجيزة ثم ضاعت أمام رجال أقوياء ماكرين. وحتى في أوروبا الشرقية، حيث شكل انتشار الحرية في تسعينيات القرن الماضي مصدر وحي بالنسبة إلي وإلى أشخاص كثيرين في جميع أنحاء العالم، تراجعت الديمقراطية في المجر وبولندا. في الحقيقة، لقد شفيت منذ زمن طويل من نشوة انتصار الديمقراطية التي ولدت بعد سقوط جدار برلين. والآن، أصبحت أكثر وعياً وإدراكاً لصعوبات إنشاء ديمقراطيات ليبرالية تدوم.

أكبر سناً وأكثر حكمة

بعد عقدين من التجربة المريرة، أحاول بجهد أكبر من ذاك الذي بذلته في شبابي حين كنت أقل نضجاً وخبرة، للتوفيق بين تطلعات المثالية وقيود الواقعية. ما زلت أعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تستمر في تعزيز حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطية، لكنني للأسف خلصت إلى أن السياسة الخارجية الأميركية يجب ألا تركز على تصدير الديمقراطية. قد يجعلني ذلك محافظاً جديداً سابقاً، محافظاً جديداً صدمته الحقيقة، إذا كان المعنى المقصود بـ "المحافظ الجديد" هو "داعم متحمس لتصدير الديمقراطية". لكن بطريقة ما، أنا أعيد إحياء رؤية المحافظين الجدد الأصليين، الذين اتحدوا في معارضتهم للمخططات السوفياتية لكنهم نادراً ما دافعوا عن حملة من أجل الحرية في الخارج.

بعد عقدين من التجربة المريرة، أحاول بجهد أكبر مما كنت أحاول في شبابي القاسي التوفيق بين تطلعات المثالية وقيود الواقعية. ما زلت أعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تستمر في تعزيز حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطية، لكنني للأسف خلصت إلى أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة لا ينبغي أن تركز على تصدير الديمقراطية. قد يجعلني ذلك محققاً جديداً سابقاً - محققاً جديداً يسرقه الواقع - إذا تم اعتبار كلمة «محافظ جديد» تعني «مروجاً قوياً لتصدير الديمقراطية». لكن من بعض النواحي، أعود إلى رؤية المحافظين الجدد الأقحاح، الذين اتحدوا في معارضتهم للمخططات السوفياتية لكنهم بالكاد دافعوا عن حملة صليبية من أجل الحرية في الخارج.

وفي الوقت الحالي، أنا أشغل كرسياً في مجلس العلاقات الخارجية الذي سمي على شرف جين ج. كيركباتريك، وهي ديمقراطية سابقة كانت من أهم مفكري المحافظين الجدد في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، عندما كنت صغيراً [في طفولتي ثم في مرحلة المراهقة]. لقد اشتهرت كيركباتريك أولاً من خلال كتابة مقالة في مجلة "كومينتري" Commentary  عام 1979 بعنوان "الديكتاتوريات والمعايير المزدوجة" دعا إلى خلق قضية مشتركة مع "المستبدين المعتدلين الداعمين للمصالح الأميركية" على رغم انتهاكاتهم لحقوق الإنسان. أدى ذلك مباشرة إلى تعيينها سفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في عهد الرئيس رونالد ريغان. بصفتها عضواً في حكومة ريغان، لم ترغب في دعم المملكة المتحدة خلال حرب فوكلاند عام 1982 لأنها نظرت إلى المجلس العسكري الأرجنتيني على أنه حصن ضد توسع الشيوعية في أميركا اللاتينية. في وقت لاحق، بعد فترة طويلة من تركها منصبها، عارضت الغزو الأميركي للعراق، بحجة أن "العراق يفتقر عملياً إلى جميع الشروط اللازمة لإنشاء حكومة ديمقراطية". في الواقع، يجب أن توضح رؤية كيركباتريك للعالم أن الترويج للديمقراطية لم يكن جزءاً لا يتجزأ من رؤية المحافظين الجدد وفق المفهوم الأساسي لهذه الرؤية.

إذاً ما الذي كانت تدور حوله رؤية المحافظين الجدد؟ في العدد الأول من مجلة المحافظين الجدد "ذا بابليك انترست" The Public Interest [المصلحة العامة]، في عام 1965، أعرب مؤسساها، دانييل بيل وإيرفينغ كريستول، عن ريبتهما إزاء جميع محاولات تبسيط قضايا السياسة العامة المعقدة بالاستناد إلى "الأيديولوجيا، سواء كانت ليبرالية أو محافظة أو متطرفة". وأصبحت تلك المجلة منتدى للمقالات المكثفة والمثيرة للجدل حول مشكلات العلوم الاجتماعية الشائكة، وليس للتصريحات الأيديولوجية الشاملة. وحينما شرحا اسم مجلتهما، استشهد بيل وكريستول بتعريف "المصلحة العامة" الذي استخدمه كاتب العمود والتر ليبمان: "قد يفترض أن المصلحة العامة هي ما سيختاره الرجال إذا رأوا بوضوح، وفكروا بعقلانية، وتصرفوا بنزاهة وإحسان". وبغض النظر عن اللغة المتحيزة جنسياً، يظل هذا دليلاً توجيهياً جيداً للسياسة العامة، سواء في الداخل أو في الخارج، ويؤسفني أن أقول إنني تجاهلته أحياناً في خضم حماستي لنشر الحرية.

وتجدر الإشارة إلى أن ليبمان كان في الأصل ليبرالياً أممياً لم يتبن وجهات نظر مختلفة تماماً عن آراء المحافظين الجدد المعاصرين. بدأ مسيرته الصحافية الطويلة والمؤثرة بصفته ليبرالياً مثالياً ساعد في صياغة النقاط الـ14 التي وضعها الرئيس وودرو ويلسون من أجل "جعل العالم آمناً للديمقراطية" وأنهاها بصفته رجلاً واقعياً ليبرالياً عارض تدخل الولايات المتحدة في فيتنام. وهذا مسار يمكنني فهمه.

  ماكس بوت هو باحث رفيع المستوى في مركز جين ج. كيركباتريك لدراسات الأمن القومي في مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب "طريق لم يسلك: إدوارد لانسديل والمأساة الأميركية في فيتنام".

مترجم من "فورين أفيرز"،  أبريل (نيسان) 2022

المزيد من آراء