ملخص
الأنظار شاخصة إلى مدعي عام مانهاتن ولائحة الاتهام التي سيصدرها في حق #الرئيس_الأميركي السابق دونالد #ترمب
إن عيون واشنطن مركزة هذا الأسبوع ليس على مبنى الكابيتول، أو على الرئيس جو بايدن في نهاية جادة بنسلفانيا [في واشنطن]، بل على جزيرة مانهاتن، حيث يعتزم فريق من كبار المحلفين في نيويورك إصدار لائحة اتهام في حق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في قضية دفع أموال لشراء صمت نجمة الأفلام الإباحية.
إن الرئيس ترمب نفسه أشعل عاصفة نارية من الجدال بعد نشره رسالة غاضبة في نهاية عطلة الأسبوع الماضي متوقعاً أن يجري اعتقاله في نهاية التحقيق الذي يجريه مدعي عام مانهاتن ألفين براغ في حق الرئيس السابق.
إنه من المنطقي أن براغ ــ الذي تبوأ المنصب في العام الماضي، وكان عرضة مباشرة للانتقادات لاعتقاد كثيرين أنه لن يجرؤ على ملاحقة الرئيس السابق ــ قد نجح اليوم في لفت نظر الإدارة الأميركية في واشنطن، لأنه لو نجح بالفعل في إصدار لائحة اتهام في حق السيد ترمب، فإنه من خلال ذلك يكون قد حقق ما لم يجرؤ على القيام به أي من المسؤولين في واشنطن، وهو محاسبة الرئيس دونالد ترمب على أفعاله.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بحلول شهر يونيو (حزيران)، يكون قد مر ثماني سنوات على إلقاء السيد ترمب قنبلة مولوتوف حارقة على الوسط السياسي في الولايات المتحدة. الجميع كان على علم أن السياسي الجديد سيقوم بزرع الفوضى في الحزب الجمهوري. كيفن مكارثي، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب حينها، كان قد قال مازحاً إن فلاديمير بوتين كان يدفع لترمب. السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام حذر أيضاً من أن حزبه سيتعرض للتدمير حال رشح "متطرفاً دينياً" وشخصاً معتوهاً، وهو "هو أمر نستحقه".
لكن وكي نستعير جملة من الملاكم المحترف ريك فلير الأسطوري إذ يقول، كي تكون رجلاً عليك هزيمة الرجل [أي عليك أن تتخطى أصعب العراقيل]. فالسبيل الوحيد كي يتخلص الحزب الجمهوري من ترمب لا بد أن يكون عن طريق مواجهته وتحديه، ولكن لم يتحل أي من الجمهوريين بالشجاعة اللازمة كي يحاسبوه. فإن كان التخلص من ترمب أمراً مفيداً للبلاد، فإن الكلفة العالية المترتبة على ذلك، أمر يفوق قدرة أي شخصية منتخبة على تحملها بشكل منفرد.
وكما تقول إحدى المتابعات لمسيرة ترمب منذ زمن طويل في صحيفة نيويورك تايمز، ماغي هابرمان، إن الزعماء الجمهوريين ومرشحيهم لرئاسة الجمهورية، إضافة إلى الديمقراطيين لطالما كانوا يأملون " بأن يقوم طرف آخر بالاهتمام بذلك الأمر"، هذا التصرف الجبان، قد سمح للرئيس السابق ترمب بأن يقود عملية عدوانية للسيطرة على السياسة الأميركية والتي ربما لن ينجح أحد في إنقاذها من تلك الأعراض أبداً، ولا بد أن نلوم كل المسؤولين المنتخبين على ذلك.
هذه كانت الحسابات مع وجود عدد قليل من المرشحين الجمهوريين للرئاسة ممن هاجموا ترمب بشكل مباشر خلال الانتخابات التمهيدية الحزبية عام 2016، عندما توفرت لديهم الفرصة السانحة للقيام بذلك. في إحدى المناظرات المبكرة خلال ذلك السباق، وعندما لم يكن ترمب يفقه شيئاً عن الثالوث النووي ـ أي قدرة الولايات المتحدة الأميركية على شن الهجمات النووية من البر والبحر والجو ــ تحاشى السيناتور ماركو روبيو المواجهة المباشرة مع ترمب في ذلك الشأن.
وفي شكل مشابه، رفض السيناتور تيد كروز، ومن خلال طمعه في النهاية في وراثة الشريحة الانتخابية الداعمة لترشيح ترمب بعد انطفاء بريق فرصه، توجيه الضربات إلى غريمه. بدلاً من ذلك أثنى على ترمب قائلاً إنه "مذهل". كان المرشحون الجمهوريون يعلمون أن ترمب قد يؤثر في حظوظهم الانتخابية المستقبلية، ولكنهم كانوا يعلمون أيضاً أن مهاجمته من شأنها إغضاب شريحة تأييد حزبي كانوا يعتمدون عليها لفوزهم بالمنصب، لذلك هم نفضوا أياديهم متأملين بأن يقوم أحد غيرهم بالتعامل مع ترمب.
فقط بمجرد أن بدأ ترمب تشكيل تهديد حقيقي عليهم ــ عندما نعت المرشح روبيو، بـ"ماركو الصغير"، وكما نعت زوجة "تيد [كروز] الكذاب" بالبشعة – ردوا عليه رداً خجولاً ولاذعاً.
الأمر نفسه يمكن قوله عن الطريقة التي تعاملت بها هيلاري كلينتون والحزب الديمقراطي مع صعود ترمب. فبدلاً من محاولة تحطيمه في وقت مبكر من النزال، كانت حملة كلينتون والديمقراطيين يأملون في العمل على رفع مكانة ترمب متوقعين أن يكون من الأسهل التغلب عليه مقارنة بالفوز في مواجهة مرشح أكثر خبرة من أمثال جيب بوش. وكانت حملة كلينتون قد قالت في مذكرة بهذا الشأن "إننا لا نود تهميش المرشحين الأكثر تطرفاً، بل علينا أن نجعل منهم مرشحين "جذابين" [مثل زمار هاملين الذي سحر الناس بزموره] بطريقة تمنحهم قدرة على تمثيل التيار الرئيس للحزب الجمهوري".
في تلك الأثناء، كان السيناتور تشاك شومر [ديمقراطي] شديد الوضوح بأنه لن يقاتل لاستمالة الناخبين الذين يعتبرون من حصة ترمب قائلاً "في مقابل كل ناخب داعم للديمقراطيين نخسره في غرب ولاية بنسلفانيا، سننجح في استمالة ناخبين معتدلين اثنين من الجمهوريين في ضواحي فيلاديلفيا، ويمكنكم تكرار الأمر نفسه في كل من ولايات أوهايو، وإيلينوي وويسكونسن"، لكن ترمب نجح في النهاية في الفوز في ثلاث من أصل الولايات الأربع تلك، جاعلاً من ولاية أوهايو معقلاً يعتمد عليه لتحالف الحزب الجمهوري.
بالطبع، عدد محدود من الجمهوريين والديمقراطيين وجدوا مصلحة في تحدي ترمب عندما ارتفعت مكانته ونجح في دخول البيت الأبيض. بدلاً من ذلك وطيلة فترته الرئاسية، آثر الجمهوريون من أمثال جيم جوردان، ومارك ميدوز، و[تيد] كروز، و[مارك] روبيو، الوقوف معه حتى بعد أن طرد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية "أف بي آي" جيمس كومي، وهجم بعنف على التحقيقات التي كان روبرت مولر يزمع إجراءها. وبالفعل لماذا يعارضون السيد ترمب؟ فهو رشح بعناية عدداً من القضاة المحافظين، ووقع على قوانين خاصة بإجراء خفض واسع للضرائب.
لكن وعلى رغم كل كلامهم عن معارضتهم الرئيس ترمب، لطالما كانت القيادة الديمقراطية مترددة في استخدام سلطاتها لمحاسبته. فبعد فترة قصيرة من إعادة الديمقراطيين سيطرتهم على مجلس النواب الأميركي، قالت رئيسة الأغلبية في حينه نانسي بيلوسي إن ترمب "لا يستحق هذا المجهود". ورفضت الرضوخ لتوسل نواب ديمقراطيين للدفع في اتجاه عزل ترمب، وقامت بذلك في وقت لاحق فقط عندما أصبح من غير الممكن تجاهل محاولات ترمب ابتزاز الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأمر الذي يبدو اليوم أكثر سوءاً مع مواصلة الرئيس بوتين هجومه الدموي على أوكرانيا.
حتى بعد تحريض الرئيس السابق لقيادة تمرد فعلي ضد مبنى الكابيتول الأميركي، لم يتمكن الجمهوريون والديمقراطيون من إيجاد العزم في ما بينهم لإنهاء [ظاهرة] ترمب والتخلص منه تماماً. وكان قد نقل عن مكارثي بأن ترمب يتحمل مسؤولية العنف الذي ارتكب [في حق الكونغرس]، وأنه قال في مجالس خاصة للجمهوريين "لقد ضاق ذرعي بذلك الشخص". أما السيناتور ميتش ماكونيل فقال في مجالسه الخاصة أيضاً إن "الديمقراطيين سيتولون أمر هذا الوغد بالنيابة عنا".
بالطبع، انتهى الأمر بتراجع المسؤولين عن مواقفهما حيال ترمب بعد أن فقدا شهيتهما واكتفى ماكونيل بإلقاء كلمة حادة لتفسير ما جرى بعد تبرئة ترمب في المحاكمة لعزله. أما الديمقراطيون فلم ينجحوا في تحقيق أي إنجاز يكون مدعاة للفخر.
بالاستناد إلى ما قاله كل من راكيل بايد، وكارون ديميرجيان، في كتابهما، سعى الديمقراطيون إلى الحد من الجهود لاستدعاء الشهود في المحاكمة الثانية لعزل ترمب، لرغبتهم في التركيز على محاولة تمرير الأجندة التشريعية التي طرحها الرئيس بايدن. عضو مجلس الشيوخ الأميركي كريس كونز كان قد نقل عنه قوله "الجميع هنا يريد الذهاب إلى منزله. لديهم رحلات طيران للحاق بها والاحتفال لمناسبة عيد العشاق. وبعضهم بالفعل تخلف عن رحلته الجوية".
هذا ليس هدفه القول إن المسؤولين المنتخبين ليس لديهم من أسباب موجبة تدفعهم إلى الخوف من التداعيات السياسية لقراراتهم. فجميع أعضاء الكونغرس من الجمهوريين ما عدا اثنين صوتا لصالح عزل الرئيس ترمب لم يعودوا في المجلس، إما لأنهم كانوا قد خسروا ترشيح الحزب أو فضلوا التقاعد في وقت مبكر. عضوان جمهوريان في مجلس الشيوخ كانا قد صوتا لإدانة الرئيس ترمب وكان يمكنهما أن يترشحا لولاية جديدة في 2022، فضلا التقاعد أيضاً. عضو أخرى في مجلس الشيوخ، هي ليزا موركوسكي، تفادت حملة انتخابات تمهيدية محفوفة بالمخاطر بسبب نظام الترشيح الخاص في ولاية ألاسكا.
إن السياسيين عادة ما يتجاوبون مع التحفيزات، وليس هناك من محفز واضح للوقوف في مواجهة ترمب. السيناتور ميت رومني يبدو وكأنه العضو الجمهوري الوحيد الذي عانى عدداً من التداعيات بسبب ذلك، على رغم كونه في نهاية حياته المهنية.
كل ذلك يعني أنه لو قرر [مدعي عام مانهاتن] براغ أن يمضي قدماً في إصدار لائحة الاتهام ضد ترمب، فإن من شأن ذلك أن يعيب الجميع في واشنطن. وللإنصاف، براغ فاز بمنصبه في انتخابات بدائرة مانهاتن الليبرالية، ومن المحتمل أن تكون لائحة الاتهام ضد ترمب مفيدة لآفاقه السياسية المستقبلية.
وتأتي قرارات براغ مع مخاطر كبيرة عليه شخصياً، وإنه لو أساء التصرف في القضية، فإن من شأن ذلك أن ينهي مسيرته السياسية، ولكن لو كتب له النجاح، فإن ذلك سيظهر مدى هزالة الإدارة السياسية في واشنطن، من خلال فشلها في الاستجابة والتعامل مع الإنذارات المتعلقة بترمب.
© The Independent