ملخص
أعطى مراسلو اندبندنت على أرض الواقع صوتاً لمن لا صوت لهم في مختلف أنحاء بلاد مزقتها النزاعات. إليكم، إذاً، كيف تكشفت الطريق إلى #حرب_العراق والصراع المرير الذي أعقب ذلك على صفحات "اندبندنت"
قبل عشرين عاماً، وفي ساعات الصباح الأولى من يوم 20 مارس (آذار)، سقطت القنابل الأولى على بغداد – إنها بداية غزو كان من شأنه أن يقود إلى سنوات حرب تخوضها القوات البريطانية والأميركية، وخسائر مدنية وعسكرية لا حصر لها، وفراغ سياسي ملأه إرهابيون ألحقوا فظائع إضافية لا توصف بشعب العراق.
في ضوء إدراك متأخر عمره عقدان، تبدو سلبيات هذا الخطأ الاستراتيجي الكارثي واضحة للجميع باستثناء البعض. في نهاية المطاف، لم تكن هناك أسلحة دمار شامل. لكن من السهل أن ننسى أن في خضم النقاش الدائر عامي 2002 و2003، تأثرت غالبية الصحافة والسياسيين بإدارة بوش، وفي بريطانيا، بالسيل الدعائي الذي أطلقته حكومة بلير، وملفه سيئ الصيت الذي تم التلاعب به ليزعم أن في مقدور صدام حسين أن يطلق أسلحة دمار شامل في غضون 45 دقيقة.
لم يكن الأمر كذلك بالنسبة إلى "اندبندنت"؛ لقد نظرنا، كما نفعل دائماً، في المزاعم المقدمة نظرة نقدية وقمنا بتكوين استنتاجاتنا الخاصة. قررنا أن هذه المزاعم غير منطقية. ولكوننا الصوت الوحيد تقريباً، شككنا في الخطاب الرسمي طوال الوقت، من الحجج التي سيقت لمصلحة الحرب إلى مأساة موت الدكتور ديفيد كيلي، وتبييض صفحة تقرير هاتن، والتحقيقات الأخرى التي تلته. وطوال الوقت، أعطى مراسلونا على أرض الواقع صوتاً لمن لا صوت لهم في مختلف أنحاء بلاد مزقتها النزاعات. إليكم، إذاً، كيف تكشفت الطريق إلى حرب العراق والصراع المرير الذي أعقب ذلك على صفحات "اندبندنت".
التكوين: محور الشر
29 يناير (كانون الثاني) 2002: في أول خطاب لجورج دبليو بوش عن حالة الاتحاد، قال لأميركا إن حربه على الإرهاب بدأت للتو.
وتعهد الرئيس، الذي يتمتع بمستوى شعبية قياسي، بتقديم عشرات الآلاف من الإرهابيين إلى العدالة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، بحسب ما أفاد روبرت كورنويل من واشنطن. وكتب يقول: "لن تسمح أميركا للأنظمة المارقة بالحصول على أسلحة الدمار الشامل، كما قال الرئيس، مشيراً إلى العراق وكوريا الشمالية بالاسم". كانت هذه هي المرة الأولى التي يشير فيها بوش إلى العراق و"محور الشر" الذي أصبح الآن سيئ السمعة، وهي عبارة ترددت في أنحاء العالم ويتردد صداها حتى يومنا هذا. ما لم يقله بوش هو أن ما أصبح مطلباً بـ"تغيير النظام" وإزاحة صدام كان عملاً لم يتم إكماله منذ حرب الخليج الأولى عام 1991. فالتحالف الغربي، بقيادة جورج بوش الأب والد بوش، طرد صدام من الكويت – لكنه توقف عند الحدود وترك الدكتاتور في مكانه.
الطريق إلى الحرب
من فبراير (شباط) إلى أبريل (نيسان) 2002: انطلاقاً من تصريحات بوش في يناير (كانون الثاني)، بدأ تحرك بريطانيا نحو الحرب. في نهاية فبراير، دعم توني بلير الولايات المتحدة بشأن العراق بعد إجراء مكالمة هاتفية مع بوش. وكتب المحرر السياسي أندرو غرايس أن رئيس الوزراء أبلغ حكومته بأنه "يدعم التصميم الأميركي على التحرك في شأن العراق لكنه أصر على أن أي قرارات لم يجرِ التوصل إليها بعد". واتضح في وقت لاحق أنه ما من شك في أن بلير سيدعم بوش، حتى عندما حض الأميركيين على الحصول على موافقة الأمم المتحدة على التدخل المسلح. وفي الداخل، سرعان ما ظهرت خلافات، فاليوم التالي، نشرنا أن بلير تلقى تحذيراً بأنه سيواجه تمرداً وزارياً إذا انضم إلى العمل العسكري الأميركي.
وكان هناك أيضاً عينة عن الخلافات المقبلة؛ في 13 مارس (آذار)، نشرنا أن جاك سترو، وزير الخارجية، زعم أن نظام صدام حسين يمكن أن يمتلك قنبلة نووية في غضون خمس سنوات. وقال لنواب حزب العمال: "هناك أدلة منشورة ودامغة حول تواطؤ صدام حسين والنظام العراقي في إنتاج أسلحة دمار شامل".
وبعد أقل من أسبوعين، أصر وزير الدفاع البريطاني جيف هون على أن بريطانيا يمكن أن تنضم إلى ضربة عسكرية من دون الحصول على موافقة الأمم المتحدة.
في المزرعة
5 أبريل (نيسان) 2002: سافر بلير إلى مزرعة الرئيس في كراوفورد بولاية تكساس وقضى ساعات في الحديث مع بوش عن العراق. وكانت النتيجة إطلاقه التهديد الأكثر وضوحاً حتى ذلك الوقت، مردداً لغة بوش حول أن العراق سيواجه "تغييراً في النظام" إذا لم يسمح لمفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة بدخول أراضيه.
من ولاية تكساس، كتب بول وو وكولن براون يقولان: "يمثل استخدام عبارة 'تغيير النظام' تعزيزاً مهماً لخطاب السيد بلير، مردداً بوضوح لغة البيت الأبيض العدوانية المتزايدة منذ 11 سبتمبر. هو يشير إلى انقطاع رئيس الوزراء عن حذر وزارة الخارجية التقليدي في شأن هذه المسألة".
عبور نقطة اللاعودة
10 سبتمبر (أيلول) 2002: في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد سنة تقريباً من هجمات 11 أيلول، أخبر بوش قادة العالم أن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات خاصة بها إذا لم تنفذ الأمم المتحدة قراراتها ضد صدام. وأوردت صفحتنا الأولى اليوم التالي: "بوش يدق طبول الحرب".
وكتب روبرت فيسك يقول: "في ثلثي الطريق المؤدية إلى إعلانه الافتراضي للحرب، برز رمز صغير وخطير ودال، يشير إلى أن الرئيس بوش ينوي بالفعل إرسال دباباته عبر نهر دجلة". كان يشير إلى تأكيد بوش أن "الولايات المتحدة ليس لديها أي خلاف مع الشعب العراقي"، وترديده كلمات والده قبل حرب الخليج الأولى، وكلمات رونالد ريغان عام 1985 في شأن ليبيا. كانت هذه هي اللحظة، كتب فيسك، التي عبر فيها بوش الابن نقطة اللاعودة الخاصة به.
الملف
24 سبتمبر 2002: عرض بلير الحجة لمصلحة الحرب في الملف الحكومي الذي طال انتظاره. في أكثر من 50 صفحة، تضمنت مزاعم أن صدام كان يمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية قابلة للنشر في غضون 45 دقيقة. لم تتمكن الوثيقة من إقناع 53 من نواب حزبه ممن صوتوا ضد الحكومة على رغم ادعاء رئيس الوزراء أمام مجلس العموم: "هدفنا هو نزع السلاح. لا أحد يريد نزاعاً عسكرياً".
في أكثر من ثماني صفحات من الأخبار والتحليلات، عرضت "اندبندنت" في اليوم التالي الملف بالكامل. وفي الافتتاحية، كان رأينا: "قد يكون صدام خطراً على السلام، لكن بلير فشل في طرح الحجة لمصلحة الحرب على العراق".
يوم انقلب العالم على العراق
9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2002: كتب ديفيد يوسبورن من نيويورك في الصفحة الأولى يقول: "في تأييد تصميم واشنطن ولندن على قلب أكثر من عقد من التحدي الذي يمثله صدام حسين، صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع أمس على قرار شديد اللهجة يمنح العراق 'فرصة أخيرة' للتخلص من أسلحة الدمار الشامل أو مواجهة حرب أكيدة".
بعد ثمانية أسابيع من المفاوضات، صوت مجلس الأمن بواقع 15 صوتاً مؤيداً وغياب أي صوت معارض لمصلحة القرار 1441، الذي أمر العراق بالامتثال لمفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة. وفي تحذير للزعيم العراقي، قال بلير: "تحدى إرادة الأمم المتحدة وسننزع سلاحك بالقوة. لا تشك في ذلك على الإطلاق".
البحث عن الأسلحة
من نوفمبر 2002 إلى فبراير 2003: على مدى الأشهر القليلة التالية، واجه مفتشو الأسلحة تردداً من العراق – لكنهم فشلوا في العثور على أي أثر. في 28 يناير (كانون الثاني) 2003، جاء في تقريرنا من نيويورك ما يلي: "قدم هانز بليكس، كبير مفتشي الأسلحة، تقريراً قاسياً لكن غير حاسم في شأن نزع سلاح العراق أمام مجلس الأمن الدولي أمس. يزخر التقرير بالتحذيرات التي تشير إلى انتهاكات خطيرة لكنه خالٍ من الأدلة الملموسة لإثبات الذنب، فترك العالم القلق غير متأكد من الطريق التي يجب أن يتبعها – نحو الحرب أو السلام.
لم يفعل التقرير شيئاً لتقليل المخاطر بينما يفكر جورج بوش وتوني بلير في خياريهما: السماح لعملية التفتيش غير الحاسمة بالاستمرار لأسابيع وربما أشهر، أو التحرك نحو هجوم عسكري في الخليج".
أدت المسألة إلى انقسام في أوروبا، وبحلول نهاية يناير أيدت ثمانية بلدان من بينها المملكة المتحدة الحرب، في حين عارضتها ثمانية بلدان أخرى من بينها فرنسا وألمانيا. سافر بلير إلى واشنطن لحض بوش على السعي للحصول على تفويض آخر من الأمم المتحدة، لكن الرئيس قاوم ذلك. وكتب أندي ماكسميث وروبرت كورنويل في واشنطن يقولان في الأول من فبراير: "أوضح الرئيس بوش الليلة الماضية أنه لن يسمح لأي قرار ثان للأمم المتحدة بتأجيل اتخاذ قرار في شأن الحرب مع العراق. وقال إن قراراً جديداً سيكون موضع ترحيب، لكن فقط 'إذا شكل إشارة أخرى إلى أننا عازمون على نزع سلاح صدام حسين'". وأشار مسؤولون إلى أن الهجوم قد يبدأ في غضون ستة أسابيع فقط.
الملايين من الناس يتظاهرون من أجل السلام
15 فبراير 2003: احتج الناس – في حين كانت الحرب تلوح في الأفق، خرجت حشود ضخمة من أناس عاديين إلى شوارع لندن، إلى جانب مدن أخرى في أنحاء العالم كلها.
وأظهرت "اندبندنت أون صنداي" بحراً من المحتجين واللافتات في الطريق إلى بيكاديللي تحت العنوان الرئيسي التالي: "الملايين من الناس يتظاهرون من أجل السلام". وفي الداخل، أوردت القصة ما يلي: "كانت التظاهرة أكبر تجمع سياسي من أي نوع في التاريخ البريطاني ورداً شعبياً مؤكداً على رئيس الوزراء توني بلير. كان ذلك عبارة عن مليون شخص يصوتون ضده بالتظاهر".
ازدياد التوتر
فبراير (شباط) ومارس (آذار) 2003: في الوقت الذي واجه فيه بلير وبوش معارضة في الأمم المتحدة، واجه رئيس الوزراء أيضاً تحدياً من ثورة عمالية – أبرزها من وزيرة التنمية الدولية كلير شورت، التي اتهمها حلفاء بلير بـ"الخيانة" بعدما هددت بالاستقالة ما لم ينل التحرك إلى الحرب دعماً من قرار جديد من الأمم المتحدة.
وبحلول 17 مارس، انهارت آمال التوصل إلى اتفاق في الأمم المتحدة، وبعد ساعات أعلنت الولايات المتحدة عن نيتها المضي قدماً بغض النظر عن ذلك. من واشنطن، كتب مراسلنا روبرت كورنويل يقول: "المنفى أو الحرب. سلم جورج بوش صدام حسين هذا الخيار الصارخ الأخير الليلة الماضية عندما قدم مهلة 48 ساعة للدكتاتور العراقي لمغادرة البلاد أو مواجهة نزاع عسكري".
وفي بريطانيا، أصبح روبن كوك – وزير الخارجية السابق ورئيس مجلس العموم حينها – أول وزير يستقيل، متهماً الحكومة بـارتكاب "حسابات دبلوماسية خاطئة"، وقال لمجلس العموم إنه لا يستطيع "الدفاع عن حرب لا تحظى باتفاق دولي أو دعم محلي". وكان المقال الرئيسي لـ"اندبندنت" واضحاً: "تشكل الحرب التي تبدو الآن حتمية فشلاً ذا أبعاد كارثية محتملة، ستقع عواقبه أولاً على شعب العراق الذي طالت معاناته". واليوم التالي، وافق مجلس العموم على الحرب – لكن 139 نائباً عمالياً أيدوا تعديلاً معارضاً، في أكبر تمرد يعاني منه حزب حاكم في تلك المرحلة.
ومن العراق، رصد روبرت فيسك مزاج بغداد المستعدة للقصف: "بدأ الظلام يحل، ضباب القلق الذي يسقط على الناس جميعاً عندما يدركون أنهم يواجهون خطراً لا يمكن تصوره".
صدمة ورهبة
20 مارس 2003: الساعة 2:20 بتوقيت غرينتش، أُطلِق أول صاروخ "توماهوك" من على متن حاملة الطائرات "يو أس أس بانكر هيل". بعد أشهر من التصعيد، بدأت حملة "الصدمة والرهبة" التي قادت "عملية حرية العراق". وبعد 10 دقائق، انطلقت صفارات الإنذار في أنحاء بغداد عندما أسقطت مقاتلات "أف-117 نايتهوك" قنابل يزن كل منها ألفي باوند (907 كيلوغرامات)، ما سبّب انفجارات زعزعت الهدوء في المدينة قبل الفجر. أُوقِفت البرامج العادية للإذاعة العراقية الرسمية، وحل محلها مذيع جديد بدأ يقول باللغة العربية: "هذا هو اليوم الذي كنا ننتظره"؛ كان الجيش الأميركي قد استولى على التردد. بحلول الساعة 6:45 بتوقيت غرينتش، دخلت القوات الأولى العراق عبر الحدود الكويتية وسيطرت على مدينة أم قصر الساحلية التجارية.
في الصفحة الأولى من "اندبندنت"، التي عنونت "الحلفاء يطلقون هجوماً شاملاً"، كتب روبرت فيسك من العاصمة العراقية يقول: "كان الأمر أشبه بباب يُقفَل عميقاً تحت سطح الأرض؛ هدير نابض من الصوت استمر لدقيقة، جلب حملة الرئيس جورج بوش المفترضة ضد 'الإرهاب' إلى بغداد الليلة الماضية.
"تبلورت في الأفق خطوط صادرة عن الدفاعات الجوية في بغداد – القوة النارية التي تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية لمدافع سوفياتية قديمة مضادة للطائرات – تلتها سلسلة من الاهتزازات الهائلة جعلت الأرض ترتعش تحت أقدامنا. مزقت فقاعات من النار السماء حول العاصمة العراقية، حمراء داكنة عند القاعدة، وذهبية في الأعلى".
نحن نقصف. هم يعانون
23 أبريل 2003: على مدار الحرب، سيصل عدد القتلى المدنيين العراقيين إلى 150 ألف قتيل وفق تقرير تشيلكوت - على رغم أن التقديرات تختلف والبعض يحدد المجموع عند رقم أعلى بكثير – مع الكثير من الجرحى. بعد يومين من بدء الهجوم الأولي، خصصت "اندبندنت أون صنداي"، صفحتها الأولى لقصص عن اليوم الأول، تحت عنوان: "حقيقة الحرب. نحن نقصف. هم يعانون".
بعد جولة في مستشفى في بغداد، كتب روبرت فيسك يقول: "يقول دونالد رامسفيلد إن الهجوم الأميركي على بغداد هو 'أكثر حملة جوية مستهدفة في التاريخ'، لكنه يجب ألا يحاول إخبار ضحى سهيل بذلك. نظرت إلي صباح أمس، وهي تتغذى بالتنقيط عبر أنفها، وعبوس عميق على وجهها الصغير بينما كانت تحاول عبثاً تحريك الجانب الأيسر من جسمها. أطلق صاروخ كروز الذي انفجر بالقرب من منزلها في ضاحية الرضوانية ببغداد شظايا في ساقيها الصغيرتين – كانتا مربوطتين بالشاش – وفي شكل أكثر خطورة، في عمودها الفقري. فقدت الآن كل حركة في ساقها اليسرى.
"تنحني والدتها فوق السرير وتقوّم ساقها اليمنى التي تدفعها الفتاة الصغيرة خارج البطانية. بطريقة ما، تعتقد والدة ضحى أن طفلتها، إذا كانت ساقاها ممددتين بجانب بعضهما بعضها، ستتعافى من الشلل. كانت الأولى من 101 مريض كانوا قد أُحضِروا إلى مستشفى الكلية المستنصرية بعد بدء الهجوم الأميركي على المدينة ليلة الجمعة. أصيب سبعة أفراد آخرين من عائلتها في القصف نفسه بصواريخ كروز؛ كانت أصغر طفلة، البالغة من العمر سنة واحدة، ترضع من والدتها في الوقت نفسه.
"هناك شيء يشي بالغثيان والفحش يحيط بهذه الزيارات إلى المستشفيات. نحن نقصف. هم يعانون. ثم نأتي ونلتقط صوراً لأطفالهم الجرحى. يقرر وزير الصحة العراقي عقد مؤتمر صحافي خال من الإحساس خارج الأجنحة للتأكيد على الطبيعة 'الوحشية' للهجوم الأميركي. يقول الأميركيون إنهم لا يعتزمون إيذاء الأطفال. وضحى سهيل تنظر إلي وإلى الأطباء مستجديةً طمأنتها، كما لو أنها ستستيقظ من هذا الكابوس وتحرك ساقها اليسرى ولا تشعر بمزيد من الألم.
"لذلك دعونا ننسى للحظة الدعاية الرخيصة للنظام وكذلك ما حدث في المستشفى الجامعي. ذلك لأن واقع الحرب لا يتعلق في نهاية المطاف بالانتصار العسكري والهزيمة، أو الأكاذيب حول 'قوات التحالف' التي يروج لها صحافيونا 'المرافقون' الآن حول غزو لا يشارك فيه سوى الأميركيون والبريطانيون وحفنة من الأستراليين. فالحرب، حتى عندما تكون لها شرعية دولية – وهذا ما تفتقر إليه هذه الحرب – تدور في المقام الأول حول المعاناة".
من يجرؤ على تسمية هذا "أضراراً جانبية"؟
27 مارس 2003: "كان غضباً، كان فحشاً" – كان هذا هو السطر الأول في الصفحة الأولى من "اندبندنت" الذي رحب بالقراء بعد أسبوع من بدء الغزو. لكنها كانت صفحة أولى على عكس أي صفحة أولى أخرى – بدلاً من العنوان الرئيسي، عرضت رسالة روبرت فيسك المذهلة بأحرف كبيرة ملأت أكثر من نصف الصفحة.
وسط العبارات الملطفة عن "الأضرار الجانبية"، بثت كلمات فيسك الحياة في رعب بغداد وإنسانيتها: "اليد المقطوعة على الباب المعدني، ومستنقع الدم والطين عبر الطريق، والأدمغة البشرية داخل المرأب، وبقايا الهياكل العظمية المحترقة لأم عراقية وأطفالها الصغار الثلاثة في سيارتهم التي لا تزال مشتعلة.
"قتلهم صاروخان أطلقتهما مقاتلة أميركية – بحسب تقديري، أكثر من 20 مدنياً عراقياً، مُزِّقوا إلى أشلاء قبل أن ينالوا 'تحريرهم' على يد البلاد التي دمرت حياتهم. سألت نفسي: من يجرؤ على تسمية هذا 'أضراراً جانبية'؟".
سقوط صدام
9 أبريل 2003: هذه الصورة ربما تكون الصورة الرمزية لحرب العراق: تمثال صدام في ساحة الفردوس ببغداد الذي أُسقِط، مع حبل مربوط حول عنقه. وقعت اللحظة الرمزية في اليوم الذي تقدمت فيه القوات الأميركية إلى العاصمة بعد أسابيع من القتال واجتاحت المدينة من دون عوائق.
باعتباره شاهداً على الأحداث من على أرض الواقع في ذلك اليوم، تولى فيسك قيادة تغطية "اندبندنت"، فكتب يقول: "'حرر' الأميركيون بغداد أمس، ودمروا مركز ربع قرن من السلطة الدكتاتورية الوحشية لصدام حسين، لكنهم جلبوا وراءهم جيشاً من اللصوص الذين أُطلق العنان لهم في المدينة القديمة لعهد من النهب96+-* والفوضى. كان يوماً بدأ بالقصف والغارات الجوية والمستشفيات الغارقة بالدم وانتهى بطقس تدمير تماثيل الدكتاتور. صاحت العصابات مبتهجة.
"رجال، على مدى 25 سنة، أطاعوا بتذلل أكثر رجال الشرطة السرية تواضعاً في عهد الرئيس صدام، تحولوا إلى عمالقة، ليهتفوا بكراهيتهم للزعيم العراقي بينما كانت تماثيله الضخمة والوحشية تسقط في صخب على الأرض. 'إنها بداية حريتنا الجديدة'، صرخ صاحب متجر عراقي قائلاً في وجهي. ثم سكت قبل أن يسأل: ماذا يريد الأميركيون منا الآن؟".
أين هي إذاً؟
20 أبريل 2003: مر شهر على الحرب، ولا علامة على أي أسلحة دمار شامل. في 20 أبريل، في مقال بارز على الصفحة الأولى، سألت "اندبندنت أون صنداي": "أين هي إذاً، يا سيد بلير؟ لا رأس حربياً غير قانوني. لا برميل من المواد الكيماوية. لا مستند إدانة واحداً. لا دليل واحداً على أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل بعد أكثر من شهر من الحرب والاحتلال".
"المهمة أُنجِزت"
1 مايو (أيار) 2003: على متن حاملة الطائرات "يو أس أس أبراهام لينكولن"، أعلن بوش النصر في العراق. وقال الرئيس وهو يقف تحت لافتة كُتِب عليها "المهمة أُنجِزت" لبحارة يهتفون: "سنواصل مطاردة العدو قبل أن يتمكن من توجيه ضربة".
مزاعم مجمّلة
29 مايو 2003: مع استمرار غياب أي أثر للأسلحة الكيماوية أو البيولوجية، تعرضت الاستخبارات البريطانية مجدداً إلى التشكيك. نقل برنامج "توداي" الذي يبثه "راديو 4" عن مسؤول بارز زعمه أن رئاسة الوزراء رغبت في "التلاعب" بالملف الحكومي المتعلق بالعراق، بما في ذلك الزعم في شأن الدقائق الـ45، وذلك خلافاً لنصيحة المؤسسة الأمنية. كان كشفاً من شأنه أن يؤدي إلى انهيار حجة بلير لمصلحة الحرب، وما قد ينتج من ذلك من عواقب مأساوية. أوردت "اندبندنت" هذه المزاعم مع تحذير وزير رفيع المستوى من أن الفشل في العثور على أسلحة دمار شامل سيشكل "أكبر فشل استخباري بريطاني على الإطلاق"، في حين انتقد روبن كوك الملف أيضاً، وكتب على صفحاتنا يقول: "لم تكن هناك معلومات استخبارية مؤكدة عن برنامج أسلحة حالي من شأنه أن يمثل تهديداً جديداً ومقنعاً لمصالحنا".
منذئذ، تنامت الأسئلة حول التقارير – التي يُطلَق عليها الآن اسم "الملف الرديء" – ومرت أسابيع من المزاعم والمزاعم المضادة.
ضحية حرب
18 يوليو (تموز) 2003: مع تزايد الضغوط على الحكومة، حُدِّد الدكتور ديفيد كيلي بوصفه المصدر المحتمل للتسريب إلى أندرو غيليغان، مراسل الشؤون الدفاعية لدى "توداي"، الأمر الذي سلط ضوء وسائل الإعلام على خبير الأسلحة. وفي 18 يوليو، انتحر كيلي بسبب ما بدا ضغوطاً لا تُطَاق. اليوم التالي، نشرت "اندبندنت" صورة كبيرة للدكتور كيلي بعنوان: "موت موظف مدني، ضحية حرب". وورد في المقال ما يلي: "الساعة الثالثة من بعد ظهر الخميس، اتخذ كل من رجلين – كان مصيراهما قد تشابكا في شكل لا ينفصم في الأيام القليلة الماضية – خطوة مصيرية.
"غادر ديفيد كيلي، عالم الأحياء الدقيقة وأحد كبار الخبراء في الأسلحة البيولوجية والكيماوية في البلاد، بيت المزرعة المكون من ثلاثة طوابق والعائد إلى القرن الثامن عشر في قرية ساوثمور بالقرب من أبينغدون الذي كان منزله. كان يرتدي قميصاً قطنياً أبيض داكناً وجينزاً أزرق وحذاء بنياً. أخبر زوجته جانيس أنه خارج في نزهة على الأقدام وانطلق في اتجاه هاروداون هيل، وهي منطقة ريفية تحظى بشعبية لدى المشاة، لكن خارج المسار المطروق، على بعد بضعة أميال بالقرب من حدود أوكسفوردشاير / ويلتشاير.
"في الوقت نفسه تقريباً، دخل أندرو غيليغان، مراسل الدفاع لدى برنامج 'توداي' الذي يبثه 'راديو 4' التابع لـ'هيئة الإذاعة البريطانية' (بي بي سي)، غرفة إحدى اللجان في مقر البرلمان بوستمنستر على بعد 65 ميلاً (105 كيلومترات) لتقديم أدلة، للمرة الثانية، إلى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني، التي كانت تحقق في مزاعم بأن حكومة توني بلير بالغت في تقارير الاستخبارات لإثبات الحجة لمصلحة حرب العراق.
"كانت جلسة سرية انتهت بخلاف حاد مع رئيس اللجنة، دونالد أندرسون، الذي عقد مؤتمراً صحافياً استثنائياً في الممر اتهم فيه غيليغان بتغيير قصته حول ما حدث في اجتماع قبل شهرين بين الصحافي والدكتور كيلي. ورفض غيليغان بشدة هذا الاتهام، وأصر على رفضه ذكر مصدر قصته التي تقول إن الملف الذي يحدد الحجة لمصلحة الحرب 'قد تم التلاعب بها' من قبل رئاسة الوزراء.
"لكن الدكتور كيلي لم يكن ليسمع أبداً عن نتيجة الجلسة، التي كان قد عرف – من الأخبار التي صدرت في ذلك الصباح – أنها ستُعقَد. لم يعد من مشواره. الساعة 11:45 مساءً اتصلت عائلته بشرطة تايمز فالي وأفادت بأنه مفقود. عند الفجر، بدأ فريق مكون من 70 ضابط شرطة عملية تفتيش. وعند الساعة 9:20 صباحاً، عثروا على جثة الدكتور كيلي في جزء كثيف الأشجار من هاروداون هيل، بحسب ما قال ناطق باسم شرطة تايمز فالي".
"سيداتي وسادتي – أمسكنا به"
13 ديسمبر (كانون الأول) 2003: على مقربة من مسقط رأس صدام حسين، تكريت، عثرت القوات الأميركية على صدام حسين – مسلحاً بمسدس – في قبو بعد عمليات تفتيش مكثفة للمنطقة المحيطة بالقبو. ونُشِر لاحقاً شريط فيديو له وهو يخضع إلى فحوص طبية. وكتب فيسك يقول في رسالته من بغداد الاثنين الواقع في 15 ديسمبر: "إذاً أمسكوا بصدام أخيراً. كان أشعثاً، وعيناه المتعبتان تنضحان بالهزيمة، وحتى الـ750 ألف دولار التي وُجِدت في حفرته في الأرض كانت تحط من قدره.
"صدام في سلاسل، ربما ليس حرفياً، لكنه بدا في ذلك الفيديو الاستثنائي أمس كسجين من سجناء روما القديمة، كبربري محاصر، يده تداعب اللحية الشعثة. تلك الأشباح كلها – أشباح الإيرانيين والأكراد الذين قُتِلوا بالغاز، والشيعة الذين قُتِلوا بالرصاص وأُلقِي بهم في مقابر جماعية في كربلاء، والسجناء الذين ماتوا تحت التعذيب في فيلات شرطة صدام السرية – لا بد من أنها شهدت شيئاً من هذا.
"'سيداتي وسادتي – أمسكنا به'، قالها بول بريمر، الحاكم الأميركي في العراق، متفاخراً. 'إنه يوم مجيد في تاريخ العراق. على مدى عقود، عانى مئات الآلاف منكم على يدي هذا الرجل القاسي. على مدى عقود، فرق هذا الرجل القاسي بينكم وجعلكم ضد بعضكم بعضاً. على مدى عقود، هدد بمهاجمة جيرانكم. ولت هذه الأيام إلى الأبد... بات الطاغية سجيناً'".
تبييض صفحة؟
28 يناير (كانون الثاني) 2004: قدم اللورد هاتن، الذي عينته الحكومة للتحقيق في الظروف المحيطة بموت الدكتور ديفيد كيلي، استنتاجاته، وكان رأي "اندبندنت" واضحاً: "تبييض صفحة؟".
كانت للعدد الخاص صفحة أولى بيضاء صارخة أصبحت واحدة من أكثر صفحات "اندبندنت" الأولى أثراً – وشهرة. وحملت الكلمات التالية: "قبل ثمانية أشهر، بث الصحافي في 'بي بي سي' أندرو غيليغان تقريره الذي بات شهيراً الآن والذي شكك في ملف الحكومة حول قدرات العراق على صعيد السلاح، والملف ركن حيوي في حجة الحكومة لمصلحة الحرب. وفي الضجة التالية بين رئاسة الوزراء و"بي بي سي"، عُثِر على العالم الحكومي ديفيد كيلي، الذي كُشِف أنه مصدر غيليغان، ميتاً في غابة. وعين توني بلير اللورد هاتن، رئيس القضاة السابق في إيرلندا الشمالية، لإجراء تحقيق في الظروف المحيطة بموت الدكتور كيلي. واستمع اللورد هاتن إلى 74 شاهداً على مدى 25 يوماً، ونشر أمس تقريره المكون من 740 صفحة. وقال فيه إن تأكيدات غيليغان لا أساس لها من الصحة وانتقد 'بي بي سي' التي بات رئيسها الآن مستقيلاً. وقال إن الدكتور كيلي انتهك القواعد التي تحكم الموظفين المدنيين في التحدث إلى الصحافيين. وبرأ توني بلير، وبرأ أليستر كامبل، ولم يوجه أي لوم إلى الحكومة على تسمية الدكتور كيلي. فهل كان هذا كله تبييضاً مؤسسياً؟ وماذا عن المسألة المركزية التي شعر اللورد هاتن أنه لا يستطيع معالجتها؟ إذا كان ملف سبتمبر 2002 الذي ساعد في إقناع الأمة بالحاجة الملحة إلى الحرب (وأثار هذه السلسلة المأساوية من الأحداث) موثوقاً به حقاً، فأين بالضبط هي أسلحة الدمار الشامل العراقية؟".
موت طاغية
30 ديسمبر 2006: الساعة 6:10 صباحاً، قبيل الفجر مباشرة، أُعدِم صدام حسين شنقاً في شمال بغداد. بداية نوفمبر (تشرين الثاني) 2005، حُكِم عليه بالإعدام على خلفية مقتل 148 شخصاً في بلدة الدجيل خلال الثمانينيات. لم تُبَث عملية الإعدام، لكن التلفزيون العراقي عرض لقطات لحسين وهو يسير إلى المشنقة، ولاحقاً صوراً لجثته ملفوفة في كفن.
وأظهرت الصفحة الأولى لـ"اندبندنت" الصورة الأولى لصدام حسين بعد إعدامه تحت عنوان "الدكتاتور الميت". وورد في قصتنا ما يلي: "بينما كانوا يضعون الحبل حول عنقه، تمتم الدكتاتور السابق البالغ من العمر 69 سنة قائلاً لنفسه: 'لا تخف'. كان الظلام لا يزال مخيماً في الخارج. لم تكن الشمس قد أشرقت بعد. لم تكن الدعوة إلى الصلاة قد انطلقت بعد في المدينة التي حكمها صدام حسين المجيد التكريتي ذات مرة بالتخويف.
"الآن وقف مكبلاً في سجن في الضاحية الشمالية من بغداد – السجن نفسه الذي مارس فيه جهازه الاستخباري، المخابرات، التعذيب والقتل. كان المغلاق عند قدميه قد فُتِح لعدد لا يُحصَى من الأشخاص الآخرين، بناء على أوامره. سيكون موته بالوحشية نفسها تقريباً.
"عرض الجلاد على صدام غطاء لتغطية وجهه خلال تلك اللحظات الأخيرة، لكن العرض رُفِض. 'الله أكبر'، قال الرجل المدان. 'الأمة ستنتصر. فلسطين للعرب'.
"خلال نطقه بالشهادة، وهي صلاة إسلامية تقول بألا إله إلا الله وبأن محمداً رسول الله، للمرة الثانية، أُوقِف عن ذلك فجأة. لما وصل إلى كلمة محمد، سُحِب مقبض، وفُتِح المغلاق وسقط جسمه. نصف متر، لا أكثر. كان ذلك كافياً. 'سقط الطاغية'، صرخ شخص ما في مجموعة المتفرجين. قال شاهد عيان: 'سمعنا صوت رقبته تنكسر على الفور'.
"مات صدام حسين، جزار بغداد بالنسبة إلى البعض لكنه الشهيد بالنسبة إلى أتباعه المتبقين. أُعدِم بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. بُثّ فيلم الثواني التي سبقت موته كدليل على أن ما كان لا يُصدَّق بات صحيحاً الآن. فجر مسلمون سنة موالون له قنابل؛ أما الشيعة الذين اضطهد طائفتهم، فرقصوا في الشوارع وأطلقوا النار في الهواء".
الرقص فوق المقابر
6 يوليو (تموز) 2016: بعد سبع سنوات من إعلان غوردون براون عن تحقيق تشيلكوت في حرب العراق، نشر التحقيق تقريره، وكان الحكم إدانة. كان الغزو غير ضروري؛ تحقق الدعم له من خلال تحريف للأدلة، في حين هُمِّش أولئك الذين عارضوا العمل العسكري وقُلِّل من شأنهم. كانت القوات غير مجهزة تجهيزاً جيداً للحرب، في حين لم تنل بقايا البلاد التي ستخلفها الحرب سوى الحد الأدنى من التفكير.
لكن بلير رأى الأمر في شكل مختلف. أعلن رئيس الوزراء السابق أن قراره بأخذ بريطانيا إلى الحرب اتُّخِذ "بحسن نية"، وعلى ضوء المعلومات نفسها، كان ليكرر ما فعله. ومع مقتل أكثر من 150 ألف مدني عراقي و179 جندياً بريطانياً على خلفية هذا القرار، كان حكم "اندبندنت" على رئيس الوزراء السابق واضحاً: "الرقص فوق قبورهم".
في شأن الـ2.6 مليون كلمة الواردة في تقرير تشيلكوت، كانت مقالتنا الرئيسية موجزة: "باختصار، كان قتل الأبرياء العراقيين الذي تواطأت فيه بريطانيا أكبر خطأ في التاريخ العالمي الحديث، ولا يمكن أن يُغفَر أبداً".
© The Independent