تعد بريطانيا عضوا قياديا في حلف الناتو، وهو شيء لا يتغاضى عنه أبدا أعضاء حزب المحافظين ويدعمونه بقوة. ويبقى الناتو منظمة متعددة الجنسيات يتخلى فيها كل بلد عن جزء من سيادته من أجل ضمان الأمن للجميع. لقد تأسّس في عام 1949 بهدف واحد، وهو منع روسيا، أو الاتحاد السوفياتي كما كانت تُسمى آنذاك، من تقسيم وتدمير أوروبا الغربية، التي خرجت لتوها منتصرة على شر شمولي مختلف بتكلفة بشرية تُقدر بملايين الأرواح.
لايزال هذا الهدف قائماً، فهو لم يتغير. رأينا مثلا كيف ارتكب الكرملين الذي تقوده الاستخبارات الروسية الـ" كي جي بي" جريمة قتل مواطنة بريطانية في سالزبري، وغزا أوكرانيا، ودعم نظام الأسد القاتل في سوريا، وتدخّل في آلياتنا الديمقراطية. كما أن المقاتلات الروسية ما فتئت تتحرش بطائراتنا وتختبر دفاعاتنا بانتظام، ويفتخر زعيمها فلاديمير بوتين بانتصار القومية والسلطوية على الديمقراطيات الليبرالية التي ضحى الكثير من أجيال آبائنا وأجدادنا بأنفسهم للدفاع عنها.
هكذا تسعى روسيا لتدمير وحدة الغرب وتريد أن ترى اقتصاداتنا تضمحل ودولنا تعاني من الفقر إلى درجة نعجز معها عن تمويل قدراتنا الدفاعية التي نحتاج إليها.
كان السلاح الأكثر فعالية لروسيا في معركتها هذه خلال السنوات الثلاث الماضية هو بريكست، ولاسيّما أنه العملية التي ستؤدي على الأرجح إلى تفكّك المملكة المتحدة وإعاقة الاقتصاد البريطاني، وإلحاق الضرر باقتصادات شركائنا التجاريين الرئيسيين والتفريق بيننا وبين أقرب حلفائنا بمن فيهم معظم أعضاء الناتو.
قد تتوقع من اليسار المتطرف ان يدفعه هيامه بحب الشيوعية السوفياتية الى دعم مشروع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وهذا ما يفعله في الواقع . كما يجب أن تتوقع من اليمين المتطرف أن يحمله شغفه بالشعبوية والانعزالية القومية على دعم بريكست. وهذا ما يفعله هو الآخر في الواقع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحالف المتطرفون من مختلف الاتجاهات لتدمير قوى الوسط. هكذا وضع بيل كاش، النائب المحافظ المتشدد في تأييده لبريكست، يده بيد جيرمي كوربين، زعيم حزب العمال؛ كما وقف نايجل فرّاج زعيم حزب البريكست إلى جانب جورج غالاواي، النائب اليساري السابق الذي أعلن أخيراً نيته تحدي توم واتسون نائب زعيم حزب العمال، في الانتخابات المقبلة.
لكن ما لم يتوقعه الشعب البريطاني هو أن يلجأ النواب المحافظون والسياسيون، الذين نشأوا في ظلال "المرأة الحديدية" مارغريت تاتشر وتحدّيها لروسيا، إلى المهادنة في وجه سياسة صمّمها أعداؤنا لتدميرنا. بيد أن هذا هو ما يفعلونه.
يدرك عدد كبير من النواب المحافظين أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون كارثة على المملكة المتحدة، كما يقدّرون تماما الضرر الاقتصادي الذي سيحدثه. إنهم يعلمون جيدًا إلى أي مدى سيتقلص حجم بلادنا بين الأمم، ويتراجع نفوذها بدلا من أن يزيد، وكيف ستُدير ظهرها لشركائها الرئيسيين، مثل اليابان ودول الكومنولث الذين ينشدون أن تكون بريطانيا صوتهم في أوروبا.
إنهم يدركون كل هذا ولا يفعلون شيئاً، وبدلا من ذلك يتسترون بعيدا عن الأضواء خوفًا على ارتباطاتهم ومن الصحافة التي أصبحت تؤيد على نحو متسارع بريكست ، وباتوا يدعون إلى مزيد من الحذر قائلين "إن الوقت لم يحن بعد" للخروج.
أوضح ونستون تشرشل بفصاحة تامة مخاطر هذا التصرف في كتابه "العاصفة المتأججة" عن حقبة المهادنة، عندما قال "سنرى كيف يمكن أن يصبح دعاة الحكمة وضبط النفس من المسببن الرئيسيين لخطر مميت؛ وكيف يمكن لنهج الوسطية النابع من الرغبة في الأمن وحياة هادئة أن يقود مباشرة إلى عين الكارثة ... إذا لم تقاتل عندما يكون نصرك مؤكداً وغير مكلف للغاية، فقد تأتيك اللحظة التي سيكون عليك فيها القتال وكل الظروف تقف ضدك وفرصتك بالنجاة ضعيفة".
هذا هو الموقف الحرج الذي يواجهه حالياً الكثير من نوابنا المحافظين، أمثال فالون و رود و فورد وتوغندهات و غرين، وبورت، وفيلد، وبوتملي وسومس، المعتدلون والعقلاء لكنهم رغم ذلك مستعدون للخضوع لإرادة الكرملين بدل أن يقفوا ويفعلوا ما يعلمون أنه الصواب.
يقولون إنهم من تيار " الأمة الواحدة" المحافظ الليبرالي، ممن يلتزمون بأقصى قدر من التوافق في الحزب، لكن التاريخ على الأرجح سيساويهم بأعضاء جماعة "الريشة البيضاء" الذين رفضوا الالتحاق بالقوات المسلحة لإنقاذ المملكة المتحدة، وذلك لأسباب تتصل بوازع ضمائرهم المسالمة.
بطبيعة الحال، فإن مؤيدي البريكست المتحمسين هم من وضعونا على طريق الخراب الوطني ودمار حزب المحافظين أيضا. لكنهم على الأقل يتصرفون على نحو منسجم مع معتقداتهم، رغم أن غالبية البلاد ترى الأن أن هذه المعتقدات هي مجرد هراء.
على النقيض من هؤلاء، فإن أولئك البرلمانيين الذين يعلمون أن طريق بريكست يؤدي إلى الخراب ويلتزمون الصمت ويدعمون الحكومة، يدركون تمام الإدراك أنهم يتصرفون ضد المصلحة الوطنية ويعززون أهداف السياسة الخارجية لأعدائنا.
دعونا نصلي جميعًا أن يكتسب النواب المحافظون المعتدلون بعض الجرأة والشجاعة قبل فوات الأوان ، كي لا يكونوا مثل دعاة المهادنة في الثلاثينيات من القرن الماضي.
© The Independent