ملخص
توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تُكلف حرب #أوكرانيا الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 2.8 تريليون دولار بحلول نهاية 2023
مع مرور أكثر من عام على حرب أوكرانيا، تتضخم الأرقام بشأن التكلفة التي تتكبدها الأطراف المتنازعة جراء الصراع، والتي تتعلق بالكلفة الاقتصادية، بما يشمل العتاد العسكري والخسائر الاقتصادية الداخلية، ناهيك عن الكلفة البشرية من أرواح تزهق ولاجئين يفرون من وطنهم. ومع ذلك فتكلفة حرب تتواجه فيها قوى عظمي لا تقف عند حدود دولة، بل تتسع لتشمل اقتصادات العالم لاسيما النامي منه.
وقدّر البنك الدولي الأسبوع الماضي، كلفة تعافي أوكرانيا وإعادة بنائها من الحرب الروسية بمبلغ 411 مليار دولار على مدى العقد المقبل، مع كلفة رفع أنقاض الحرب وحدها بمبلغ 5 مليارات دولار. وأورد البنك الدولي في تقرير، تفاصيل بعض حصيلة الحرب الروسية، حيث تأكد مقتل ما لا يقل عن 9655 مدنياً، من بينهم 461 طفلاً، وتضرر ما يقرب من مليوني منزل وأكثر من مؤسسة من كل خمس مؤسسات للصحة العامة. ووفق التقرير، فإن الحرب الروسية أدت إلى هدر 15 سنة من التقدم الاقتصادي في أوكرانيا، مما أسفر عن تراجع الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا بنسبة 29 في المئة ودفع 1.7 مليون أوكراني إلى الفقر. إجمالاً، قدّر البنك الدولي 135 مليار دولار حساب الأضرار المباشرة للمباني والبنية التحتية حتى الآن، من دون احتساب الأضرار الاقتصادية الأوسع.
بينما يبدو من العبث الحديث عن التكلفة المالية للحرب بينما هناك أرواح تُزهق، فإن ذلك الصراع الذي ينبئ بحرب عالمية جديدة لا تتوقف تكلفته عند الخسائر الداخلية، فعلى الصعيد الأوسع كشفت دراسة للمعهد الاقتصادي الألماني "IW"، في برلين، أن الاقتصاد العالمي تكبد 1.2 تريليون دولار، جراء الحرب المتواصلة في أوكرانيا، مع تأثر الاقتصادات الغربية على نحو خاص حيث فقدت ثلثي إنتاجها العالمي، كما شكلت مشكلات إمدادات الطاقة والمواد الخام ضغطاً على الشركات في جميع أنحاء العالم. وتوقع المعهد خسائر عالمية إضافية بقيمة 1 تريليون دولار في 2023. ووفق صندوق النقد الدولي، بلغ معدل التضخم العالمي العام الماضي 8.8 في المئة، وستتواصل عواقب الحرب على الاقتصاد العالمي، حيث يتوقع أن ينخفض النمو العالمي من 3.4 في المئة في عام 2022 إلى 2.9 في المئة في 2023. فهل حرب أوكرانيا ستكون الصراع الأكثر تكلفة في التاريخ؟
حروب كبدت العالم تريليونات
لم تنته الحرب ولا نهاية وشيكة في الأفق ومن ثم لا يمكن حساب التكلفة الكلية، كما تغيب التقديرات بشأن تلك التكلفة المحتملة، لكن التاريخ الحديث يعج بالحروب ذات التكلفة الباهظة.
بحسب جامعة نورويتش الأميركية، فإن الحرب العالمية الثانية هي الأغلى في التاريخ، فبحساب فارق التضخم مع قيمة الدولار الآن، فإن تكلفة الحرب بلغت أكثر من 4 تريليونات دولار في عام 1945. وشكّل الإنفاق الدفاعي في العام الأخير من الحرب حوالي 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. خلال تلك الفترة، استخدمت الحكومة الأميركية أساليب جديدة لجمع الأموال المطلوبة ونجحت في تحقيق هدفها. ووفق الموقع الإلكتروني للجامعة، فإنه في حين أن الحروب التي يتم شنها في عالم اليوم كبيرة ومكلفة، إلا أنها لا تزال باهتة مقارنةً بالحجم والتأثير المالي للحرب العالمية الثانية.
في حين أن الحرب العالمية الثانية هي أغلى صدام عسكري تم خوضه على الإطلاق، لكن يقول مراقبون إن "الحرب الباردة"، التي لا تزال تعتبر حرباً، وإن كانت ليست بالمفهوم العسكري التقليدي، تجاوزت في تكلفتها. إذ يشير البعض إلى مقدار الأموال التي تم إنفاقها على سباق التسلح النووي الذي كان في صميم صراع الحرب الباردة التي امتدت من عام 1945 حتى أوائل التسعينيات، إذ تُقَدر هذه الأموال بنحو 10 تريليونات دولار في جميع أنحاء العالم لتطوير الترسانات النووية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما كانت للحرب العالمية الأولى في الفترة بين 1914 و1918، تكلفة باهظة تزيد بحسابات اليوم على 3 تريليونات دولار، حتى أن المؤرخين يشيرون إلى أنه عند حساب تلك الحرب من منظور مالي واقتصادي، فإن أحداً لم ينتصر. وكان الاقتصاد الألماني الأكثر ألماً جراء هذه الحرب، إذ عانت أجزاء من ألمانيا تضخماً مفرطاً غير معقول حتى أن العملة الألمانية "المارك" كانت قيمتها أقل كثيراً من الورق الذي تُطبَع عليه. فتم تدمير الاقتصاد لتمويل المجهود الحربي، وكان إصلاح هذا الدمار الاقتصادي، جزئياً، هو ما مهد الطريق لصعود هتلر.
تظل حربا العراق وأفغانستان اثنتين من أكثر الحروب كلفة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فوفقاً لصحيفة "يو أس أي توداي" الأميركية، فإن تكلفة الحربين بلغت نحو 2 تريليون دولار، فحرب أفغانستان الأطول في التاريخ الأميركي حيث امتدت نحو 20 عاماً بلغت نفقاتها الحربية أكثر من910 مليارات دولار، فيما بلغت النفقات الحربية لحرب العراق أكثر قليلاً من تريليون دولار. ومع ذلك، يشير "معهد واتسون" للشؤون العامة والدولية، في رود آيلاند بالولايات المتحدة، إلى أن إجمالي نفقات الحرب على الإرهاب التي بدأتها الولايات المتحدة في عام 2001، بلغ حتى عام 2022 نحو 8 تريليونات دولار.
استمرار الحرب يرفع التكلفة لـ 2.8 تريليون
وبينما لا نهاية تلوح في الأفق للحرب في أوكرانيا، ومرور لحظات بين الحين والآخر تجعل العالم يحبس أنفاسه وسط تهديدات روسية باستخدام السلاح النووي، فإن التكلفة المادية والبشرية لذلك الصراع تتفاقم يوماً تلو الآخر. وتوقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن تكلف الحرب الروسية على أوكرانيا الاقتصاد العالمي خسائر تصل إلى 2.8 تريليون دولار بحلول نهاية 2023 إذا استمرت الحرب. وعلّق ألفارو سانتوس بيريرا، كبير الاقتصاديين لدى المنظمة، "نحن ندفع ثمناً باهظاً للحرب".
وذكرت المنظمة، التي تضم في عضويتها 38 دولة، أنه من المقرر أن يتراجع نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.2 في المئة خلال عام 2023، مقابل 3 في المئة في 2022، في حين بلغت التوقعات قبل الحرب نمواً بنسبة 3.2 في المئة في 2023 و4.5 في المئة في 2022. ويقول مراقبون إن الفرق بين التقديرين يعني أن الحرب وعواقبها ستكلف العالم ما يعادل الناتج الاقتصادي لفرنسا بأكمله خلال هذين العامين. وتوقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ينمو اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.3 في المئة فقط في عام 2023، مع استعداد الاقتصاد الألماني للانكماش بنسبة 0.7 في المئة.
ويقول ديزموند لاشمان، الزميل لدى معهد "أميركان إنتربرايز"، إنه "في حين من السابق لأوانه تقييم تلك العواقب طويلة المدى التي ستتسبب بها الحرب للاقتصاد العالمي، لكن يبدو أن هذه هي الحال نظراً إلى الضرر العميق الذي أحدثه هذا الصراع في أجزاء كثيرة من العالم والذي يمكن أن تحدث تغييرات سياسية كبيرة في أعقابها". ويشير إلى أنه "على رغم أن روسيا وأوكرانيا يشكلان جزءاً صغيراً من الاقتصاد العالمي، إلا أنهما لهما تأثير كبير في الوقت نفسه من خلال تشكيل جزء كبير من إمدادات الطاقة والغذاء والأسمدة في العالم. ففي عام 2019، بلغت حصة روسيا من واردات الغاز والنفط والفحم الأوروبية 40 و25 و45 في المئة على التوالي، واستحوذت روسيا وأوكرانيا على 25 في المئة من واردات العالم من القمح. ويضيف لاشمان أن "الارتفاع المفاجئ في أسعار الطاقة والغذاء الدولية كان آخر شيء يحتاجه الاقتصاد العالمي في وقت كان التضخم يرتفع بسرعة بالفعل نتيجة لاضطرابات سلسلة التوريد والركود الناجم عن فيروس "كوفيد-19"، إذ أسهمت هذه الارتفاعات في ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ عدة عقود بنسبة 9 في المئة في الولايات المتحدة وأكثر من 10 في المئة في أوروبا. ومع قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي الآن بالضغط بشدة على مكابح السياسة النقدية لاستعادة السيطرة على التضخم، هناك خطر حقيقي يتمثل في أن كلاً من الولايات المتحدة وأوروبا قد تشهدان ركوداً حقيقياً في وقت لاحق من هذا العام".
ويحذر البنك الدولي من أننا قد نكون في بداية موجة جديدة من حالات التخلف عن سداد ديون الأسواق الناشئة كما يتضح من حالات التخلف عن سداد ديون الأرجنتين وسريلانكا وزامبيا أخيراً. فما يصل إلى 100 مليون شخص في اقتصادات الأسواق الناشئة قد يسقطون في براثن الفقر.