ملخص
أصوات كثيرة ترتفع في #أميركا متسائلة إن كان على بلادها أن تكون مسلحة إلى هذا الحد ولديها #قواعد_عسكرية في بلدان عدة وتتصدى لقيادة العالم
روسيا والصين تواجهان أميركا وتقلدانها في الوقت نفسه. وواشنطن توظف تحديات موسكو وبكين في عودة الروح إلى الهيمنة بعد انحسارها. وما يحدث هو اقتراب روسيا والصين خلال العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين من الفخ الذي أوقعت أميركا نفسها فيه خلال منتصف القرن العشرين: "فخ الأحلام الزائفة للهيمنة"، على حد التعبير الذي استخدمه البروفيسور في العلاقات الدولية أندرو باسيفيش في مقال نشرته "فورين أفيرز".
عام 1950 أصدرت الإدارة الأميركية برئاسة هاري ترومان وثيقة سرية أعدها أركان التخطيط السياسي في وزارة الخارجية بقيادة بول نيتزه. كانت بدايتها التمييز بين "المجتمع الحر" في الغرب و"المجتمع العبد" في الاتحاد السوفياتي وبلدان المعسكر الاشتراكي، ونهايتها الدعوة إلى مسؤولية أميركا عن "القيادة العالمية لجلب النظام والعدالة ضمن مبادئ الحرية والديمقراطية، بسبب غياب النظام بين الأمم". وهذا قاد إلى توسع الهيمنة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الباردة وبعد نهايتها وسقوط الاتحاد السوفياتي.
وفي الأعوام الماضية والعام الحالي وجدت روسيا والصين في نظام الأحادية الأميركية على قمة العالم نوعاً من اللانظام وفقدان العدالة بين الأمم، وعملتا على ترتيب نظام متعدد الأقطاب. وقد ساعدهما انحسار الهيمنة الأميركية نسبياً، واختلاف التصور والسياسات بين أميركا وأوروبا، وما حصدته واشنطن من خيبة وخسارة استراتيجية فوق الخسائر البشرية والخسارة المادية التي قدرتها جامعة براون بثمانية تريليون دولار في حربي أفغانستان والعراق.
هذا الوضع وصفه البروفيسور باسيفيش بأنه "لحظة سويس" أميركية، وهي إشارة إلى ما حدث لبريطانيا وفرنسا بعد "حرب السويس" عام 1956، حيث خسر رئيس الوزراء البريطاني أنطوني إيدن منصبه، كذلك رئيس الوزراء الفرنسي غي موليه، وخسرت كل من بريطانيا وفرنسا دورهما وموقعهما لمصلحة أميركا، لكن نخبة السياسة الخارجية الأميركية رفضت الإشارة والتحذير وأصرت على أن "ما يحتاج إليه العالم هو مزيد من القوة الأميركية"، ثم جاءت "فرصة ثانية يمكن أن تقدمها لواشنطن حرب أوكرانيا للتعلم من درس السويس ومن دون معاناة هزيمة، غير أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تريد تعلم الدرس"، كما يرى باسيفيش. وهي أصدرت وثيقة حول استراتيجية الأمن القومي وبدت في رأيه مثل "سلطة تقدم شيئاً لكل شخص، ولكن لا يمكن أن تخدم كأساس لسياسة خارجية متماسكة، وقد جرى تسويقها كاستراتيجية في حين أنها عملياً غياب الاستراتيجية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والواقع أن أصواتاً كثيرة ترتفع في أميركا متسائلة إن كان عليها أن تكون مسلحة إلى هذا الحد، ولديها قواعد عسكرية في بلدان عدة، وتتصدى لقيادة العالم، حيث لم تعد مواردها تكفي، إذ صارت حصتها في الاقتصاد العالمي نحو 30 في المئة وعدد سكانها أربعة في المئة من سكان العالم. والبنية التحتية داخل أميركا تحتاج إلى تجديد، فضلاً عن أن ديون الدولة وصلت الى31 تريليون دولار، لكن من الصعب سماع مثل هذه الأصوات في روسيا والصين الطامحتين إلى دور كبير في قيادة العالم. فالاقتصاد الروسي ضعيف قبل أن تزيده العقوبات ضعفاً بعد غزو أوكرانيا، بحيث يوازي الدخل القومي الروسي دخل نيويورك وحدها، والطموح الروسي إلى المشروع الأوراسي قوي، لكن أي طموح فوق الإمكانات يقود إلى مشكلة كبيرة.
وأي هزيمة مع خسائر هائلة في حرب أوكرانيا تؤدي إلى ما يشبه "لحظة سويس" روسية. أما الصين، فإن اقتصادها قوي وقد يتجاوز الاقتصاد الياباني ليكون الثاني في العالم بعد الاقتصاد الأميركي. والقوة العسكرية والتكنولوجية والصناعية التي يبنيها شي جينبينغ هائلة. والنفوذ الصيني في العالم يتوسع من خلال "الحزام والطريق" وإنفاق تريليون دولار على مشاريع الطريق إلى كل القارات، لكن جيرانها في 15 بلداً يخافون من نفوذها وهيمنتها. وأي مغامرة عسكرية كبيرة تقوم بها هي امتحان لم تقع فيه بكين حتى الآن، ولا أحد يعرف كيف تخرج منه. وليس عليها أن تغامر بما يقود إلى "لحظة سويس" صينية إذا واصلت اتباع وصايا دينغ شياو بينغ.
عام 1961 حذر الرئيس إيزنهاور في خطابه الوداعي من "كارثة صعود قوة في يد المجمع الصناعي - العسكري"، لكن نخبة السياسة الأميركية تجاهلت التحذير، ثم دفعت البلاد الثمن. وأكبر خطر على روسيا والصين هو تقليد الهيمنة الأميركية والتصور أنهما محصنتان من الكارثة التي صنعتها القوة الأميركية.