ملخص
على مر السنوات كانت #فرشات_الكتب في #مصر جزءاً من الطابع العام لكثير من الأماكن ووجهة للمثقفين ومحبي القراءة
على مدى السنوات كانت مكتبات الشارع أو ما يطلق عليه "فرشات" أو "بسطات" الكتب جزءاً من الطابع الثقافي لكثير من المدن المصرية، إذ ضمت جميع أنواع الإصدارات وكانت إحدى وسائل نشر الثقافة لفئات كثيرة في المجتمع.
لكن مع مرور الزمن واجهت هذه الفرشات تحديات كثيرة، فبعضها لا يزال قائماً والبعض الآخر لم يصمد وجزء منها أصبح كياناً متكاملاً مثل مكتبات سور الأزبكية الشهيرة الواقعة بمنطقة العتبة في القاهرة.
ولسنوات كانت هناك أماكن بعينها تتميز بفرشات متميزة للكتب يمر عليها الناس بالمصادفة في طريقهم أو يتوجهون إليها حال رغبتهم التعرف إلى الجديد في عالم الكتب، ومن أشهرها منطقة وسط البلد بالقاهرة وسور جامعة القاهرة وشارع النبي دانيال في الإسكندرية، وغيرها كثير من الأماكن التي تمثل فرشات الكتب فيها واحدة من معالم المنطقة.
يقول المهندس مجدي (60 سنة)، وهو من الزبائن المستديمين لمكتبات الشارع، "منذ أكثر من 40 سنة وأنا زبون لمكتبات الشارع، ويمكنني رصد التحول الكبير في طبيعة هذه المكتبات، فسور الأزبكية على سبيل المثال كان قديماً ساحة ثقافية يمكن للقارئ أن يحصل منها على وجبة ثقافية دسمة بسعر زهيد، حيث كانت تتوافر أمهات الكتب وروائع الفكر والأدب العربي والعالمي، وكان التوجه إلى المكتبات وفرز الكتب في ذاته متعة كبيرة لا يعرفها إلا محبو القراءة".
ويضيف "الوضع الآن اختلف كثيراً، فنوعية الكتب الموجودة دخل عليها كثير من الأعمال دون المستوى وأصبحت الأسعار أغلى والمعروض ليس بجودة المقدم سابقاً، بالطبع لا تزال المكتبات قائمة وتمثل ملتقى لمحبي القراءة لكن التجربة بكاملها اختلفت".
بينما يشير عمر (22 سنة) وهو طالب في الصف الأخير بالجامعة إلى أن "فرشات الكتب كانت دائماً هي الوسيلة المثلى للحصول على كتاب رخيص في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، فحتى المراجع العلمية الدراسية نشتري بعضاً منها من مكتبات سور الأزبكية بسعر أقل بكثير من الجديدة، ودائماً أتوجه كل فترة إلى مكتبات الشارع للاطلاع على الجديد في عالم الكتب، كما أحرص على زيارة سور الأزبكية للحصول على تشكيلة متنوعة من الكتب في جميع المجالات بسعر قليل، فمثل هذه المكتبات هي الحل الأمثل لمحبي القراءة في كل الأوقات".
الكتب المقلدة الأزمة الكبرى
واحدة من أبرز الأزمات المرتبطة بفرشات الكتب في مصر هي الكتب المقرصنة التي تباع بأسعار زهيدة، مقارنة بالأصلية التي تباع في دور النشر والمكتبات الكبرى، ويشتريها القارئ في بعض الأحيان من دون علم منه بأنها غير أصلية، وفي أحيان أخرى يشتريها لرخص سعرها في ظل الارتفاع الكبير بأسعار الكتب خلال الفترة الأخيرة بشكل عام، مما يشكل خسائر كبيرة لدور النشر والمكتبات الكبرى لتصبح واحدة من أهم التحديات التي تواجهها صناعة النشر.
مصطفى صاحب إحدى الفرشات بمنطقة الجيزة يقول "طبيعة ونوعية محتويات فرشة الكتب اختلفت على مر السنوات، ففي البداية كنا بالأساس نبيع الصحف اليومية والمجلات وبجانبها الكتب والآن تراجع كثيراً بيع الصحف بعد اتجاه الناس للإنترنت وأصبح الاعتماد الأساس على بيع الكتب بمختلف أنواعها، وبالفعل توجد الكتب المقلدة بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة على كثير من فرشات الكتب بسبب أن الكتب الأصلية لن تباع بكثافة خلال هذه الفترة، بسبب الارتفاع الكبير في أسعارها وغالباً زبونها سيتجه إلى دور النشر ذاتها".
ويضيف "نبيع هذه الكتب مجبرين لأنها السبيل الوحيد لاستمرارنا، فالجرائد سوقها تكاد تكون انعدمت، والكتب الأصلية أصبحت غالية جداً، وبعض القراء هم أيضاً مجبرون على شرائها لحبهم للقراءة وعدم تمكنهم من دفع الثمن الغالي للكتب".
سور الأزبكية
تعتبر منطقة سور الأزبكية على مدى أكثر من 100 سنة واحدة من أشهر مناطق بيع الكتب في القاهرة، وعلى مدى السنوات كانت ملتقى للباحثين عن كتاب بسعر بسيط في جميع المجالات بكل ما تحتويه من إصدارات في جميع التخصصات، وفي معرض القاهرة الدولي للكتاب كان يخصص لها منطقة تحت اسم سور الأزبكية دائماً ما كانت تشهد زحاماً شديداً لتوافر جميع أنواع الكتب بأسعار بسيطة مقارنة بدور النشر الكبرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صاحب إحدى المكتبات بسور الأزبكية خالد هاشم يقول "تعتبر المنطقة من أشهر الأماكن لبيع الكتب في مصر، وما يميزها هو التنوع الهائل في المعروضات، فلا أعتقد أن هناك منطقة في العالم العربي كله تضم كل هذا التنوع، فلدينا كتب يعود تاريخ صدورها لأكثر من 100 سنة وكتب من أحدث الإصدارات، كما تتوافر جميع التخصصات، فيجد الزائر الكتب الدراسية والأدب والروايات والكتب العلمية المتخصصة وكتب الأطفال، وكل شيء يرغب في الحصول عليه بأسعار لا تقارن بالمكتبات الكبرى".
ويضيف "كل فترة يكون لها نوعية من الكتب يكثر الطلب عليها، وحالياً كتب التاريخ هي الأكثر طلباً، وفي فترات سابقة كانت الروايات والأدب، وسيطر الطلب على الكتب الدينية في وقت سابق، والزبائن من جميع الأعمار يتوجهون لسور الأزبكية، لكن فئة الشباب هي الأكثر ربما لرخص سعر الكتب وكونه في متناولهم، وبشكل عام فإن الإقبال حالياً على رغم السعر البسيط للكتب أقل كثيراً من فترات سابقة، بسبب الظرف الاقتصادي الذي لا يجعل الإنفاق على شراء الكتب أولوية لكثير من الناس".
وعن مشكلة الكتب غير الأصلية التي انتشر بيعها في الفترة الأخيرة، أشار إلى أن "أحد مصادر حصول مكتبات سور الأزبكية على الكتب هي شراء مكتبات كاملة لأشخاص أو مجموعات كتب يرغب أصحابها في التخلص منها فنشتريها كاملة ونعرضها للبيع، وأحياناً يكون من ضمنها كتب غير أصلية بالفعل، لكنها تمثل نسبة بسيطة من المعروض في سور الأزبكية الذي يعتمد في المقام الأول على بيع كتب مستعملة".
مكتبات شارع النبي دانيال
لا تقتصر فرشات الكتب على القاهرة وإنما تمتد إلى جميع المحافظات، لكن هناك بعض المناطق تحظى بشهرة أكبر وتعد من العلامات عند ذكر مكتبات الشارع، ومن بينها مكتبات شارع النبي دانيال التي تعد وجهة للمثقفين ولكل المهتمين بالقراءة في الإسكندرية.
وعنها تقول الكاتبة السكندرية دينا سليمان "شارع النبي دانيال واحد من أهم شوارع الإسكندرية، ويضم تجمعاً كبيراً لمكتبات الشارع، وكان على مدى السنوات وجهة كل المثقفين والمهتمين بالكتب، لكن الوضع حالياً اختلف باعتبار أن المشهد الثقافي تغير بالكامل، ففي السابق لم يكن هناك هذا الكم من دور النشر، وكان الأكثر دور النشر الحكومية ومشروعات مثل مكتبة الأسرة والهيئات الثقافية، وكانت الأسعار أقل بكثير من الوضع الحالي، فالطالب بمصروفه يستطيع أن يقتني الكتب بكل سهولة بالتالي لم يكن هناك أزمة الكتب المقلدة من الأساس التي ظهرت كنتيجة لارتفاع أسعار كتب دور النشر الخاصة، كما اتجه أصحاب مكتبات الشارع لبيع الكتب المدرسية المستعملة بسعر أقل باعتبار سوقها والطلب عليها كبيراً وتحقق ربحاً عالياً".
وتضيف "كانت مكتبات الشارع تضم نوادر الكتب في توقيت لم تعرف فيه الكتب الإلكترونية ولا البحث على الإنترنت، فالوضع الحالي وتوافر الكتب الإلكترونية جعل الإقبال على فرشات الكتب يقل، وبعض المكتبات الموجودة في الشارع استغلت التكنولوجيا وأصبح لها صفحات على مواقع التواصل وتقدم خدمة التوصيل للمنازل، مما جعل روح المكان بكاملها تختلف، إلا أنه على رغم كل شيء فلا يزال من يتوجه لفرشات الكتب للتنقيب عن كتاب معين والبحث وسط أكوام الكتب القديمة باعتبار أن ذلك يمثل شغفاً ومتعة كبيرة في ذاته".