ملخص
من أهم المشاريع الاستراتيجية التي تبنتها #الجزائر منذ السبعينيات والهدف من إنشائها هو جعلها نقطة لإعادة توازن #الإقليم وللحد من تركيز السكان على #المناطق_الساحلية
فتحت الحكومة الجزائرية مجدداً ملف المدينة الجديدة بوغزول في محاولة لتحريك المشروع والانطلاق في تجسيده بعد قرابة نصف قرن من الإعلان عنه.
ولم تفلح الحكومات المتعاقبة منذ السبعينيات في بعث المشروع الذي يقع جنوب غربي الجزائر العاصمة ولم تستطع تجاوز العراقيل التي وقفت في طريقه، على رغم وصفه بالأكبر والأحدث في الجزائر على الإطلاق ويهدف إلى نقل العاصمة الحالية أو في الأقل بعض الإدارات إلى المدينة الجديدة بوغزول.
وفي آخر خطوة أقدمت عليها الجزائر لإحياء المشروع، أمر الرئيس عبدالمجيد تبون في اجتماع للوزراء الأحد بالتحضير لعرض من قبل وزير السكن والعمران والمدينة في مجلس الوزراء يتعلق بالآفاق المستقبلية للمدينة الجديدة لبوغزول من أجل الشروع في بنائها واستغلالها بنجاعة، إذ إنها بقيت بلا روح منذ بداية المشروع قبل عقود.
وترأس وزير السكن الجزائري محمد طارق بلعريبي في 29 مارس (آذار) الماضي بمقر الوزارة لقاء تقنياً خصصه لمشروع المدينة الجديدة لبوغزول بحضور الإطارات المركزية للوزارة ومدير المدينة الجديدة.
وأشار إلى أن نحو مليار دولار تم استثمارها في الإنجاز على مستوى المدينة الجديدة ببوغزول، وفي كل الشبكات والمنشآت الفنية على مسافة 28 كيلومتراً تضم شبكات الألياف البصرية والمياه الصالحة للشرب والشبكات الكهربائية والسقي.
وتمحور اللقاء حول ثلاث نقاط أساسية تتمثل في مشروع بناء المقر الجديد للمدينة الجديدة لبوغزول وملف فتح المجال للاستثمار ومشروع إنجاز وحدة تصفية المياه، بحسب بيان لوزارة السكن.
ولتسهيل الخطوات على المستثمرين والعقاريين الراغبين في الاستثمار في المدينة الجديدة "بوغزول"، أطلقت وزارة السكن موقعاً إلكترونياً لاستقبال طلبات المستثمرين من خلال تمكينهم من التعبير عن اهتماماتهم للاستثمار في المدينة.
غير أن مشروع المدينة الجديدة يواجه انتقادات كثيرة لم تتوقف بسبب بطء تجسيده ميدانياً، بالنظر إلى عمر الفكرة التي تقارب نصف قرن من الزمن من دون أن يرى المشروع النور.
مدينة مجمدة
وتقع بوغزول جنوب غربي العاصمة (تبعد 170 كيلومتراً عن العاصمة) وخصصت لها مساحة قدرت بـ20 ألف هكتار، حيث تعود فكرة بنائها لفترة السبعينيات، وعكست رغبة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين في إنشاء عاصمة اقتصادية للبلاد، لكن ظروفاً حالت دون تجسيد هذا المبتغى.
وأعيد بعث المشروع عام 2004 خلال العهدة الثانية من فترة حكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة ثم توقف مجدداً، إلى غاية بعث الرئيس عبدالمجيد تبون المشروع من جديد، عندما أمر خلال اجتماع لمجلس الوزراء في منتصف يناير (كانون الثاني) 2022 بـ"إعادة النظر في وظيفة وكيفيات إنجاز المدينة الجديدة ببوغزول، بما فيها إشراك المستثمرين لاستكمال هذا المشروع وفق لمسة تنموية حضارية"، بحيث أدرج قانون الموازنة لعام 2022، "تكملة إنجاز المدينة الجديدة بوغزول" في بنوده.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وليست المدينة الجديدة بوغزول الوحيدة التي تسعى الجزائر من خلالها إلى تخفيف الضغط عن المدن الكبرى في شرق البلاد ووسطها وغربها، إنما هي واحدة من ست مدن جديدة هي المنيعة وعلي منجلي وذراع الريش وعين النحاس وحاسي مسعود.
ويشير الملف التقني الخاص ببوغزول إلى أن "الهدف من إنشائها هو جعلها نقطة لإعادة توازن الإقليم وللحد من تركيز السكان على المناطق الساحلية وتنشيط الهضاب العليا للسماح بإعادة توزيع الأنشطة والسكان".
وصدر المرسوم التنفيذي لإنجاز بوغزول في 2004 وتم تعديله في 2006 وعدل من جديد في السنة الحالية، فاتفق على توسعة محيطها إلى 19500 هكتار منها 6000 هكتار مدرجة في محيط التعمير والتهيئة و12000 هكتار حول المساحات المهيأة لتشكل محيط الحماية للمدينة الجديدة.
وستحتوي بوغزول على بنايات سكنية لـ400 ألف نسمة وبنايات منشآت إدارية ومدرسية وجامعية واستشفائية ودينية ورياضية ونشاطات اقتصادية في القطاعات التجارية والسياحية والصناعية، وطرقات برية وشبكة للسكك الحديدية ومحطات للنقل البري ومطار دولي وحدائق ومساحات خضراء ومنشآت تقنية، على غرار محطة لتصفية المياه ومركز لمعالجة النفايات وهياكل للاتصالات السلكية واللاسلكية.
مشروع استراتيجي
في هذا السياق، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف فارس هباش مشروع المدينة الجديدة بوغزول من أهم المشاريع الاستراتيجية التي تبنتها الجزائر منذ السبعينيات "لكن المشروع ظل حبراً على ورق ولم يرق إلى الوتيرة المطلوبة للإنجاز والتجسيد الفعلي".
ويقول لـ"اندبندنت عربية" إن الرئيس تبون أعطى تعليمات إلى وزارة السكن المكلفة متابعة إنجاز المشروع بضرورة المضي قدماً لاستكمال هذا المشروع الحيوي والاستراتيجي في غضون عام 2030، لما لهذه المدينة من أهمية استراتيجية اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً، كما أوصى تبون بضرورة إشراك القطاع الخاص في مختلف مراحل الإنجاز.
وأوضح أن القائمين على هذا المشروع الحيوي يطمحون بأن تكون المدينة الجديدة بوغزول مدينة متكاملة، إذ إن استكماله من شأنه تقديم إضافة اقتصادية متميزة، بخاصة أنه يضم ستة أقطاب للاستثمار على مساحة 1115 هكتاراً و186 هكتاراً مهيأة لقطب الصناعة التكنولوجية الدقيقة.
وأشار هباش إلى أنه "يمكن تجسيد عدد من المناطق الصناعية ومناطق النشاطات لتشكل مناطق استثمارية أو أقطاب صناعية للتميز في ظل وجود بنية تحتية عصرية تسهل تدفق الاستثمار والتبادل التجاري البيني أو الخارجي، بخاصة إذا تم ربط المشروع بالطريق السيار شرق غربي والطريق العابر للصحراء وكذلك ميناء الحمدانية في المستقبل، وهذا من شأنه أن يخلف أكثر من 122 ألف منصب شغل كتقديرات أولية".
وأردف أنه "في ظل الاستراتيجية الوطنية الرامية إلى تنويع مصادر الدخل الوطني من خلال تنويع الصادرات خارج المحروقات، فإن مشروع المدينة الجديدة بوغزول سيشكل قيمة مضافة متميزة للاقتصاد الوطني وسيسهل بشكل لافت الاندماج في هذه الاستراتيجية الوطنية، وعليه يجب أن يعطى كل الأهمية اللازمة من قبل السلطات العليا في البلاد لتجنب أي تأخير في آجال تجسيد المشروع وتسلمه".
من جهته يقول عضو لجنة المالية السابق بالبرلمان الجزائري هواري تيغرسي إن "أهداف الحكومة الجزائرية كانت منذ عقود ترمي إلى لإنشاء مدينة جديدة للبلاد، بحيث بدأت بإصلاح هذه المنطقة وربطها بشبكات الطرق المهمة والسريعة وأيضاً بشبكات السكة الحديدية لتسهيل التنقل منها وإليها".
وأضاف أن "الملاحظ هو توجه الحكومة الجزائرية إلى اعتماد المدينة الجديدة بوغزول كمنظومة صناعية بامتياز من خلال منح مشاريع مهمة في المنطقة وتهيئتها لتصبح مدينة اقتصادية وصناعية في المراحل المقبلة، بعد أن بقيت بلا روح منذ بداية المشروع".
وأشار إلى أن السلطات تركز خلال الفترة الأخيرة على هذه المنطقة من خلال تحريك وتيرة النشاط، سواء الصناعي أو الخدماتي في هذه المدينة الجديدة للشروع في تعميرها واستغلال نجاعتها الاقتصادية ودعمها.
ويعتبر تيغرسي أن للمنطقة دوراً مهماً من الناحية الجغرافية لأنها تسهم بشكل فاعل في تخفيف الضغط الموجود في العاصمة حالياً بتوفير كل الإمكانات منها ربطها بالموانئ لخلق حركة اقتصادية وتجارية تسهم في خلق الثروة ومناصب عمل ومناطق سكنية كبيرة.