ملخص
تعتبر #فرنسا أن #الصين قد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تتمتع بقدرة كافية للضغط على #روسيا وإقناع #بوتين بتقليص طموحاته من وراء الحرب
وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي ما زال متعباً من معركته الشاقة في سبيل إصلاح نظام التقاعد، إلى الصين حيث سيلعب دور رجل الدولة على المستوى العالمي، وهي مهمة يرجح بأنه يحبذها أكثر بكثير من مهمة الزعيم غير المحبوب لدولة يسودها التوتر.
والهدف الأول لماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خلال زيارتهما الممتدة على ثلاثة أيام، هو إقناع الرئيس شي جينبينغ بالضغط على فلاديمير بوتين لكي ينهي أو يقلل من طموحاته من وراء اجتياح أوكرانيا المستمر منذ 13 شهراً. وقد يؤدي الثنائي دور "الشرطي الجيد" و"الشرطي السيئ"، فيما يعود تجسيد الدور الثاني من دون أدنى شك إلى فون دير لاين.
إذ لم تتوان رئيسة المفوضية الأوروبية عن إبداء دعمها الصريح لحلف الناتو، فيما أصدرت تصريحات قاسية بحقّ بكين. وأدلت الشهر الماضي بخطاب قالت إنه على أوروبا التحلّي "بمزيد من الشجاعة" تجاه الصين، لأنّ بكين أصبحت "أكثر قمعاً في الداخل وأكثر فرضاً لوجودها في الخارج". كما طرحت فون دير لاين عدداً من القضايا، منها الاتهام بانتهاك حقوق الإنسان والتنمّر على دول آسيوية أخرى. وختمت الخطاب بقولها إن بكين قد تخلّت عن الإصلاح والانفتاح، مفضّلةً مسار السيطرة والأمن.
أما ماكرون، فلا شك أنه بحاجة إلى الاحتفال بإبرام بعض الاتفاقات التجارية نظراً لما يواجهه من متاعب سياسية في الداخل. وقد وصل البلاد برفقة عشرات المبعوثين التجاريين الفرنسيين والأوروبيين. وسوف يلوّح هو وفون دير لاين بإمكانية تعزيز التجارة وإبرام الاتفاق الشامل المُقترح حول الاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي، بعد أن وُضع جانباً طيلة عقد من الزمن.
وقال ماكرون لمجموعة مواطنين فرنسيين مقيمين في الصين يوم الأربعاء "يمكن للصين التي تربطها علاقة وثيقة بروسيا، تمّ التأكيد عليها خلال الأيام الماضية، أن تضطلع بدور حيوي. علينا ألّا ننأى بأنفسنا عن الصين أو نبتعد عنها".
لكن إقناع الصين بتغيير موقفها من حرب بوتين على أوكرانيا سيكون مسألة صعبة. ففرنسا وغيرها من الدول الغربية تمدّ كييف بالسلاح والمال والدعم الدبلوماسي الجوهري. أما الصين، فتمنح موسكو دعمها الدبلوماسي وبعض المعدات المحدودة، فيما تعتقد الولايات المتحدة بأنها تدرس مسألة إرسال كميات كبيرة من الأسلحة. وقال ماكرون إن أوروبا لن تقبل بذلك.
لكن فرنسا تعتبر بأن الصين قد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تتمتع بقدرة كافية للضغط على روسيا، وإقناع بوتين بتقليص طموحاته من وراء الحرب. وأحد أهداف الجوانب التجارية والاقتصادية للرحلة هي تلطيف مرارة الجرعة الدبلوماسية والجيوسياسية.
يرى مجتبى رحمن، كبير محللي الشأن الأوروبي في مجموعة أوراسيا للاستشارات السياسية أنه "لهذه الرحلة هدفان أساسيان هما: نقل رسالة مفادها بأنه من مصلحة شي دفع بوتين نحو إبرام اتفاق سلام مقبول بالنسبة إلى أوكرانيا، وإصلاح العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي بعد فترة جمود نسبي".
وأشارت تقارير إلى قيام مشاورات بين ماكرون والرئيس الأميركي جو بايدن قبل الرحلة، فيما تباحثت فون دير لاين من جهتها مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
قلّة من الأشخاص تؤمن بأن ماكرون قادر على النجاح في إقناع الصين بالابتعاد عن روسيا. ومع أنّ الرئيس الفرنسي يظن بأنه زعيم عالمي، قليلة هي النجاحات الدبلوماسية التي حققها خارج أوروبا. خلال فترة ست سنوات قضاها في منصبه، فشل في إقناع بوتين بعدم شنّ الغزو على أوكرانيا (مع أنه لم يكن الوحيد في ذلك طبعاً)، وفشل في إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني، وفشل في تغيير صورة فرنسا في أفريقيا، وفشل في منع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من دفع أوستراليا إلى إلغاء صفقة الغواصات البحرية مع باريس. لكن وجود فون دير لاين في الرحلة سوف يكون مريحاً بالنسبة إلى المعارضين الأوروبيين للمقاربتين الفرنسية والأميركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويحذّر الخبراء من احتمال أن يعتبر شي هذه الرحلة فرصة للعمل على تحقيق هدفه القديم بإحداث شرخ بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وقد طرح شي، الذي قام بزيارة رسمية شهدت مراسم ترحيب حار إلى موسكو الشهر الماضي، خطة سلام لأوكرانيا لقيت رد فعل فاتراً من موسكو وكييف على حدّ سواء وعدائية من واشنطن.
وقالت فون دير لاين في خطاب لها أواخر الشهر الماضي "أي خطة سلام ترسّخ فعلياً ما ضمّته روسيا من أراضٍ هي خطة غير صالحة بكل بساطة. وسوف تشكّل طريقة تفاعل الصين مع حرب بوتين عاملاً حاسماً للعلاقات الأوروبية-الصينية في المقبل من الأيام".
كانت آخر زيارة لماكرون إلى الصين في أواخر العام 2019، قبل انتشار جائحة "كوفيد-19". وفي السنوات التي مرت منذ ذلك الوقت، ظهرت انقسامات ضخمة بين الشرق والغرب على خلفية قضايا الأمن في البحار الآسيوية، والوضع المستقبلي لتايوان وانتهاكات حقوق الإنسان في إقليم شنجيانغ وهونغ كونغ.
ويخشى الغرب كما الصين اليوم من احتمال تشكّل حرب باردة عالمية جديدة، تضع سلسلة الشراكات التي تقودها الولايات المتحدة (وتشمل الدول الأوروبية وبعض الدول الآسيوية) في مواجهة محور تقوده بكين وموسكو (ويشمل إيران وبيلاروس).
لكن فرنسا وألمانيا وبقية أوروبا لا ترغب في رؤية الخصومة مع الصين بالطريقة الفجة التي تراها الولايات المتحدة. إذ ما زال بين الطرفين روابط اقتصادية وتكافل قوي. فالصين أكبر مصدر للاستيراد بالنسبة إلى أوروبا وثالث أكبر سوق تصدير لها، حيث بلغ حجم التبادل التجاري في عام 2022 نحو 850 مليار دولار. وتأتي زيارة ماكرون وفون دير لاين في أعقاب زيارات أخرى إلى بكين، قام بها في الآونة الأخيرة المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز.
ويقول رحمن "لا أعتقد أنّ الأوروبيين والفرنسيين يريدون المشاركة في الخصومة بين الولايات المتحدة والصين. فهم أكثر حذراً. والمقاربة الأوروبية أكثر كياسة. لا يريدون وضع العلاقة في القالب نفسه كما الأميركيين".
وخلافاً للولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، أشارت فرنسا إلى أن روسيا تحت حكم بوتين سوف تلعب دوراً أساسياً في الشؤون الأوروبية حتى بعد الحرب في أوكرانيا كما ألمحت إلى أن هدف كييف باستعادة السيطرة على كامل أراضي البلاد غير ممكن على الأرجح. هذا ما قد يُكسب الرئيس الفرنسي ترحيباً أكبر في بكين حيث من المزمع أن يستهلّ ماكرون وشي اجتماعاتهما بجدية يوم الخميس. كما يتمتع ماكرون بتاريخ من جمع الدول الأوروبية حول شؤون الزمن، وبالتوصل إلى اتفاقات مالية ودبلوماسية بمعزل عن الولايات المتحدة.
ويقول رحمن "هذا يمنحه المزيد من النفوذ مع الصينيين. وقد يساعده في تقريب شي أكثر من الموقف الغربي".
كما توقّع المحللون أنّ تلوّح بكين باحتمال ترويض روسيا وإنهاء الحرب على أوكرانيا في سبيل إبرام اتفاقات تبادل تجاري وخلق أجواء دبلوماسية مؤاتية أكثر لها-من دون أن تنوي فعلاً تنفيذ وعدها. فالصين تزداد مهارة في مجال تقديم طرحها الخاص وفرض ثقلها الدبلوماسي.
وهذا الأسبوع، قالت صحيفة "غلوبال تايمز" القومية التي تديرها الدولة وتعتبر بوقاً لها، في استهداف للخطاب القاسي الذي أدلت به فون دير لاين أواخر الشهر الماضي، إن أوروبا ستعاني من أي محاولة لقطع العلاقات الاقتصادية مع بكين.
وأضافت "أن الاتحاد الأوروبي يعاني من صراع صعب إذ يرزح تحت عبء الضغوطات الأميركية التي تحثّه على تعديل علاقاته الاقتصادية مع الصين. لكن المستفيد الوحيد من الانفصال بين الصين والاتحاد الأوروبي هو المصالح الأميركية، فيما سوف تكون المعاناة من نصيب الصين وأوروبا".
لكن ربما تبالغ الصين في استخدام أوراقها. إذ يرجّح بأنّ إرسال مساعدات عسكرية كبيرة إلى بوتين لاستخدامها ضد أوكرانيا سيدفع بفرنسا والاتحاد الأوروبي إلى التوغل أكثر داخل المعسكر الأميركي. وفي ما عدا أوكرانيا، يشكّل التحرك العسكري أو غزو تايوان خطاً أحمر كذلك. ويُزعم بأنّ الصين غاضبة جداً من زيارة رئيسة تايوان تساي إينغ-وين، إلى الولايات المتحدة، فقد كان من المزمع أن تلتقي يوم الأربعاء رئيس مجلس النواب الأميركي، كيفن مكارثي، في كاليفورنيا.
أمام عدسات الكاميرات، سوف يوزّع ماكرون وفون دير لاين وشي ومجموعة من المسؤولين الصينيين الابتسامات. أما وراء الكواليس، فيُتوقّع أن تكون المباحثات أكثر حدة. وكما قالت فون دير لاين "لن نخجل أبداً من طرح... قضايا تقلقنا جداً".
© The Independent