ملخص
في #اليوم_العالمي_للصحة يتمنى الجميع أن يجيب عن سؤال "كيف الصحة؟" من كل قلبه الصحيح وعقله اليقظ وجسده الخالي من الآلام أن "الحمد لله. عال العال"
تحية العرب من المحيط إلى الخليج هي سؤال عن الصحة وإجابة بالحمد والشكر لله على موفور الصحة حتى في الحالات التي تكون فيها عليلة أو منهكة أو توشك على النفاد. "كيف الصحة؟" "إزي الحال؟" "صحتك جيدة؟" والقائمة تطول.
وفي اليوم العالمي للصحة الذي يوافق 7 أبريل (نيسان) من كل عام، يجده القائمون على أمر الصحة في المنطقة العربية فرصة لإلقاء نظرة على الوضع الصحي كل في بلده أو على المنطقة برمتها. فعلى رغم الفروق الشاسعة في مقدار الرعاية وحجم الميزانيات المخصصة للصحة والتفاوت الكبير في الأوضاع المعيشية والتي يصل بعضها إلى درجة الاقتتال الدائر على مدى سنوات وما ينجم عنه من تدهور مميت يلحق بقطاعات الصحة، فإن أوضاع العرب الصحية تظل أقرب إلى التشابه لدرجة التطابق في "يوم الصحة العالمي".
يوم تعزيز الصحة
في يوم الصحة العالمي هذا العام يتذكر العالم أنه في عام 1948 اجتمعت أغلب الدول وأسست "منظمة الصحة العالمية" بغرض تعزيز الصحة والحفاظ على سلامة البشر وتقديم الرعاية للضعفاء.
هذا العام تحتفل منظمة الصحة العالمية بالذكرى الـ75 لتأسيس المنظمة وتحتفي بـ"اليوم العالمي للصحة"، وتلقي نظرة على ما تم تحقيقه في مجال الصحة العامة وهو ما أسهم في تحسين نوعية الحياة على مدى العقود السبعة الماضية، لكنها أيضاً تنظر إلى الحاضر وما لحق به من كوارث صحية، لا سيما في السنوات القليلة الماضية، والتحديات التي ينبغي العمل على مواجهتها في المستقبل الذي يبدأ اليوم.
في اليوم العالمي للصحة يتمنى الجميع أن يجيب عن سؤال "كيف الصحة؟" من كل قلبه الصحيح وعقله اليقظ وجسده الخالي من الآلام أن "الحمد لله. عال العال" فعلياً وليس مجرد إجابة كلاسيكية متوقعة. وهذا هو الهدف الأسمى من "يوم الصحة العالمي": مفهوم "الصحة للجميع" الذي يتم رفعه شعاراً اليوم يعني أن يتمتع الجميع بصحة جيدة حتى يعيشوا حياة جيدة في عالم ينعم بالسلام والازدهار والاستدامة.
لكن لا مجال للحديث عن عالم يتمتع بالسلام والازدهار والاستدامة بينما 30 في المئة من سكانه غير قادرين على الحصول على الخدمات الصحية الأساسية. ولا مجال لتحقيق الحلم بينما يواجه نحو ملياري شخص إنفاقاً صحياً شحيحاً مع وجود تفاوتات رهيبة تنال من أولئك الذين يعيشون في بيئات محرومة.
نسبة تسعة في المئة من سكان العالم – وهو التعداد العربي - حقق نسبة لا تتجاوز اثنين في المئة من الإنفاق العالمي على الصحة، الأمر الذي يعرض كثيراً من الأسر العربية لضوائق مالية متواترة وكلفة صحية باهظة.
ليست منطقة محرومة بل منكوبة
المنطقة العربية أو منطقة شرق المتوسط التي تضم أغلب الدول العربية لا تعد منطقة محرومة لكنها منطقة منكوبة، أو ربما تتجاذبها عوامل عدة تؤثر سلباً وأحياناً تؤثر بشكل قاتل في صحة العرب. يمثل العرب نحو تسعة في المئة من سكان العالم، لكن هذه النسبة الصغيرة هي الأكثر معاناة من أزمات إنسانية امتد أمدها لسنوات.
صحة العرب تأثرت كثيراً، ليس فقط بالأمراض العادية ولا جراء الوباء، لكن لأن الصراعات أجبرت ملايين المواطنين على النزوح والإقامة في مخيمات، وضعفت هياكل الأنظمة الصحية وعاودت أمراض الظهور بعد أن كانت اختفت، وذلك بسبب شح اللقاحات.
وترزح خمس من دول المنطقة تحت وطأة فقر شديد، إذ 25 في المئة من المواطنين في هذه الدول يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما يدخلهم في دائرة مفرغة، حيث الفقر يؤدي إلى اعتلال الصحة، واعتلال الصحة يؤدي إلى مزيد من الفقر، وهلم جرا.
كما أن متوسط العمر المتوقع في دول المنطقة بوجه عام أقل من المتوسط العالمي، وهذا يعود كذلك إلى اعتلال الصحة وضعف الأنظمة الصحية في عدد من الدول.
مؤشر الصحة العالمي
المراتب العشر الأولى في مؤشر الصحة العالمي الصادر عن "ستاتيستا" (المعنية بالبحوث والإحصاءات على الإنترنت) قبل أيام خلت من أي دولة عربية، لكنها وضعت إسرائيل في المكانة الخامسة. وتصدرت القائمة سنغافورة ثم اليابان. أفضل مؤشر للصحة لدولة عربية حصلت عليه الإمارات في المكانة الـ33، تليها قطر في المرتبة الـ38.
يقيس المؤشر مدى تمتع المواطنين في دولة ما بالصحة، وحصولهم على الخدمات الضرورية للحفاظ على صحة جيدة، كما يقيس كفاءة الأنظمة الصحية ومعدل انتشار الأمراض وعوامل الخطر ومعدلات الوفاة وأسبابها.
عنوان الاحتفال باليوم العالمي للصحة هذا العام هو "الصحة للجميع"، لكنه يظل عنواناً حيث الصحة ليست للجميع. وعلى رغم أن أغلب الدول العربية يستثمر في الأنظمة الصحية بغرض إصلاحها وتحسين مستويات الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين وتوسيع نطاقها، فإن هذه الدول تواجه تحديات عديدة في ما يختص بعدالة الرعاية الصحية وجودتها.
الأمراض العادلة
أما الأمراض فأكثر عدالة في قدرتها على الإصابة والفتك. في عام 2023 ما زالت الأمراض غير السارية، وتشمل أمراض القلب والسكتة والسرطانات وأمراض الرئة المزمنة والسكري الأشد فتكاً بالأرواح، وهي سبب رئيس للوفاة في دول الإقليم إذ تقتل نحو 1.7 مليون شخص سنوياً، بحسب المكتب الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية "إمرو".
ولأنه قلما يخلو بيت عربي من المحيط إلى الخليج من مريض واحد في الأقل يعاني تركيبة القلب والسكري وضغط الدم العالي، فإن عبء هذه الأمراض في المنطقة العربية ثقيل. وإذا أضيفت أمراض السرطان المختلفة لهذه الحزمة يتضح حجم العبء الثقيل على الأفراد والحكومات والمجتمعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فعلى المستوى الفردي تحدث الوفاة المبكرة أو الإعاقة الشديدة للناجين، والمشكلة هي أن أغلب الأمراض السارية تصيب الأشخاص وهم في المرحلة العمرية الأكثر إنتاجية من حياتهم، وهذا يدفع بالأفراد وأسرهم إلى الفقر، وذلك لنقص قدرتهم على الإنتاجية وعبء المرض نفسه، من جهة الحصول على العلاج والدواء لفترات طويلة مع عدم شمول نظام الرعاية الصحية الجميع.
وعلى المستوى الحكومي تمثل هذه الحزمة من الأمراض ضغطاً كبيراً على الأنظمة والموارد الصحية، وتزيد كلفة الرعاية الصحية، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً للدول المنخفضة الدخل، وكذلك الدول في الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط، هذا العبء المادي الكبير على الميزانيات المحدودة للدول يدفعها إلى مزيد من الصعوبات الاقتصادية مما يعرقل أي احتمال لتحقيق قدر معقول من النمو. وهذا بدوره يقوض النمو الاقتصادي، وتترتب عليه عواقب اجتماعية عديدة.
حزمة الممارسات الخاطئة
حزمة الممارسات الصحية الخاطئة في المنطقة العربية، المتمثلة في التدخين والنظام غير الصحي في الأكل وقلة النشاط البدني وتعاطي الكحول بشكل ضار، وثيقة الصلة بحزمة الأمراض المزمنة الأربعة الرئيسة: أمراض القلب والسكتة والسرطان وأمراض الرئة المزمنة والسكري.
ويضاف إلى هذه الحزمة حزمة الأزمات الإنسانية والطوارئ والكوارث التي تتربص بالمنطقة. فإضافة إلى فيروس "كوفيد-19" لا تزال التهديدات المتنوعة للصحة العامة تتسبب في خسائر فادحة للمجتمعات والاقتصادات العربية. ويتأثر ما يقرب من نصف بلدان الإقليم مباشرة بالنزاعات والأزمات الإنسانية الأخرى. وحالياً يحتاج أكثر من 111 مليون شخص إلى المساعدة، كما أن ثلثي اللاجئين في العالم هم من سكان المنطقة.
ولأن الكوارث لا تأتي فرادى فإن الدمار الذي لحق بسوريا على مدى الـ12 عاماً الماضية خلف ظروفاً معيشية بالغة الصعوبة، سواء لمن لم يتركوا بيوتهم أو من نزحوا إلى مخيمات هرباً من الاقتتال.
وكوليرا أيضاً
الحرب في سوريا أرهقت النظام الصحي تماماً، حيث ما يقرب من 30 في المئة من جميع المرافق الصحية العامة متوقفة عن العمل وغير قادرة على تلبية الحاجات الصحية المتزايدة، ثم جاء الزلزال المروع ليقضي على ما تبقى من إمكانات صحية كانت تصارع من أجل البقاء. فبين أعمال عدائية مستمرة وتدمير البنية التحتية على نطاق واسع ووجود عدد كبير من النازحين وحدوث صدمات عدة بسبب المناخ وانخفاض مستويات المياه بشكل قياسي في نهر الفرات والصدامات التي تسبب فيها البشر وأثر ذلك السلبي في مياه الشرب النظيفة عادت الكوليرا إلى سوريا.
أما اليمن فنظامه الصحي قارب على الانهيار الفعلي التام. سنوات الصراع المستمرة تركت ما يزيد على ثلثي السكان أي نحو 21.6 مليون يمني في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية. ويقدر عدد النازحين داخلياً بنحو 4.5 مليون شخص في أمس الحاجة إلى أساسات الرعاية الصحية، كما أن انعدام الأمن الغذائي والتفشي المتكرر للأمراض أنهك الجميع.
الغذاء المناسب
وفي اليوم العالمي للصحة هذا العام يضاف إلى كاهل الدول العربية خطر إضافي يلوح في الأفق، ألا وهو مستويات الجوع وسوء التغذية اللذان وصلا إلى مستويات "حرجة" بحسب تقرير صدر قبل أيام عن عدد من المنظمات الأممية منها منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي و"يونيسف" وغيرها.
هذا الخطر الذي يعتبر أكبر مهددات الصحة تفجر بسبب جائحة "كوفيد-19" ثم حرب روسيا في أوكرانيا، حيث تعاظمت صعوبة حصول الملايين على الغذاء المناسب.
وعلى رغم أن انتشار التقزم في المنطقة العربية أقل من المعدلات الطبيعية، فإن انتشار الهزال وكذلك السمنة بين الأطفال أكبر من متوسط المعدلات العالمية.
وتظل السمنة في 2023 آفة عربية، فنحو ثلث السكان البالغين يعانون السمنة وهي نسبة أكثر من ضعف المعدل العالمي.
رفاهية النفسية
معدلات أخرى تزيد على حدود المقبول أو المعقول في المنطقة العربية، فتفاقم من الأوضاع الصحية للمواطنين العرب. تغير المناخ واستمرار الفقر وعدم المساواة أمور تهيمن على عديد من الدول العربية وتلقي بظلالها على الأوضاع الصحية للمواطنين وقدرات الأنظمة الصحية على تقديم الرعاية الصحية اللائقة بهم.
أما الصحة النفسية لدول المنطقة فتختلف من دولة إلى أخرى، لكن تبقى في منزلة مختلفة عن الصحة الجسدية حيث النظرة العامة لها ما زالت تدور في فلك "الرفاهية" التي لا قبل للمواطن العربي العادي بها.
ويضاف إلى ذلك عبء الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي، على رغم التأكيد على مدى عقود طويلة بأن الصحة النفسية هي حالة من الرفاه النفسي تمكن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة وتحقيق غاياته والتعلم والعمل بشكل جيد والمساهمة في مجتمعه المحلي. وتؤكد الدوائر الإعلامية العربية دائماً أن الصحة النفسية هي حق أساسي من حقوق الإنسان، وأنها حاسمة الأهمية للتنمية الشخصية والمجتمعية والاجتماعية الاقتصادية. وعلى رغم ذلك فإن قصور الميزانيات الوطنية والقدرات الفردية، إضافة إلى العراقيل الاجتماعية تحول دون ضمان صحة نفسية جيدة للمواطن العربي.
الصحة ليست للجميع
المواطن العربي المصاب بإعاقة سواء جسدية أو ذهنية ما زال أيضاً بعيداً من شعار اليوم العالمي للصحة هذا العام "الصحة للجميع". الإحصاءات الأممية تشير إلى أن اثنين في المئة فقط من المواطنين العرب يبلغون عن الإصابة بإعاقة ما.
وفقاً لأرقام اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة، "الإسكوا"، فإن اثنين في المئة فقط من العرب أبلغوا عن الإصابة بإعاقة ما، لكن الأرقام والإحصاءات قاصرة، وإن كان عديد من الدول العربية أنجز خطوات في السنوات القليلة الماضية على صعيد الأطر القانونية لحماية ذوي الإعاقة، وذلك بين إصدار تشريعات ضامنة للحقوق وتخصيص نسب بعينها في التوظيف لهم في القطاعين العام والخاص.
وتبقى المشكلة في التطبيق العملي، وفي القبول المجتمعي، وكذلك في حصول أصحاب الإعاقات في الدول العربية على الحق العادل في التعليم والتدريب والتمكين، بالتالي التشغيل.
وكما هو متوقع تتفاقم الأزمات وتتعقد المشكلات حين تجتمع في المواطن العربي المقيم في مخيم للاجئين أو النازحين. لاجئ معاق أو لاجئ يعاني اعتلالاً نفسياً إضافة إلى قائمة أنواع المعاناة الأخرى التي يعانيها اللاجئون والنازحون تتبلور في المنطقة العربية التي باتت إحدى أكثر مناطق العالم اشتمالاً على مخيمات في ضوء الحروب والصراعات المستمرة على مدى سنوات.
اليوم، يسأل العرب بعضهم بعضاً: "كيف الصحة؟!" على استحياء، ليأتي الرد على قدر أكبر من الاستحياء: "عال العال" والجميع يعلم أنها ليست كذلك.