حمّلت القوى السياسية السودانية المجلس العسكري مسؤولية ما يحدث من محاولات انقلابية وصلت إلى أربع محاولات منذ سقوط نظام البشير في 11 أبريل (نيسان) الماضي، نظراً إلى عدم تعامله بحسم مع كثير من القضايا الحساسة لضمان استقرار الحكم، بخاصة تقاعسه عن اعتقال رموز النظام السابق وقياداته الفاعلة وانشغاله بصراع السلطة وعدم الاهتمام بإعادة هيكلة القوات النظامية. واعتبرت ما حدث جريمة تهدف إلى تقويض النظام الديمقراطي.
تسليم السلطة
وأكد سياسيون سودانيون لـ "اندبندنت عربية" أن تأمين النظام الديمقراطي خلال الفترة الانتقالية المقبلة وما يعقبها من انتخابات حرة يكون في سرعة تسليم المجلس العسكري الانتقالي السلطة لحكومة مدنية تسعى إلى تهيئة المناخ السياسي.
القيادي في قوى الحرية والتغيير المحامي معز حضرة رأى أن المجلس العسكري الانتقالي هو المسؤول الأول عما أُعلن من محاولة انقلابية، لأنه انشغل بالصراع حول السلطة وإطالة أمد التفاوض، ولم يقم بدوره الرئيس المتمثل في إعادة هيكلة القوات النظامية بمكوناتها المختلفة من جيش وشرطة وأمن، إضافة إلى إبقائه لعناصر النظام السابق في مفاصل الدولة المختلفة، مشيراً إلى أنه لا يستبعد مشاركة الحركة الإسلامية، ممثلةً في حزب المؤتمر الوطني في هذه المحاولة الانقلابية لقطع الطريق على أي اتفاق سياسي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وإعادة النظام السابق إلى منظومة الحكم ولو بطريقة غير مباشرة، خصوصاً أن القوات المسلحة وخلال 30 عاماً، أصبحت مؤدلجة تنتمي لتنظيم سياسي معروف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سرعة تسليم السلطة
وأوضح أن أي انقلاب عسكري لن يكون في صالح النظام الديمقراطي ولا الشعب السوداني، مطالباً المجلس العسكري بسرعة تسليم السلطة إلى حكومة مدنية تهيئ المناخ السياسي العام وتزيل الثقافة الانقلابية وتعمل على إعادة هيكلة القوات النظامية وإبعاد العناصر ذات الانتماء السياسي. وأكد حضرة أن هذا الإجراء هو الضامن الوحيد للحفاظ على الديمقراطية، ونوه في المقابل إلى أن هذه المحاولة الانقلابية تُعتبر جريمة تهدف إلى تقويض النظام الديمقراطي، تصل عقوبتها إلى الإعدام، مطالباً بضرورة إعادة هيكلة الأجهزة العدلية من قضاء ونيابات وشرطة لتمارس دورها الفاعل والمطلوب بشفافية تامة.
مجرد شائعات
أما كمال عمر عبد السلام، القيادي في حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه حسن الترابي عقب خلافه مع البشير عام 1999 (أحد مكونات الحركة الإسلامية)، فعزا ما حدث من محاولة انقلابية إلى خلافات داخل الجيش وقوات الدعم السريع، لافتاً إلى أن المجلس العسكري لم يقدم حتى الآن بيّنات أكيدة على الرغم من أنه ليس من السهولة أن تفشل محاولة العناصر المتهمة بهذا الانقلاب، كما لم نسمع صوت إطلاق رصاص ولا تحرك معدات عسكرية (دبابات) في شوارع العاصمة الخرطوم، مؤكداً أن الأمر بالنسبة إليه مجرد شائعات، مقصود منها تصفية خلافات المؤسسة العسكرية، لأنه ليس معقولاً أن نسمع كل يوم عن انقلاب عسكري من دون أن يقدَّم أي شخص إلى محاكمة.
من الصعب تصديق المحاولة الانقلابية
وأوضح أنه لكي تكون هناك واقعية لهذه المحاولة، جرى ربطها بعناصر عسكرية ومدنية حتى تكتمل الحلقة، لكن من الصعب تصديق المحاولة الانقلابية وربط عناصرها بحزب المؤتمر الوطني، معتبراً المؤسسة العسكرية، خصوصاً قوات الدعم السريع، مهددة أساسية للحكم الديمقراطي وذلك من واقع التاريخ الذي أثبت أن انهيار التجربة الديمقراطية يكون المسبب الرئيس لها العسكر، لذلك قال إنه لكي نؤمن التحول الديمقراطي لا بد من العمل على إعادة هيكلة قوات الدعم السريع وتدريب عناصرها على عقيدة الديمقراطية، لأنه إذا لم يكن هناك إيمان وثقافة بأهمية الديمقراطية في واقعنا المعاش، وأنها الدستور الذي نحتكم إليه في ممارساتنا وشؤوننا اليومية، فلن تتوقف هذه المحاولات الانقلابية التي من دون شك، ستقودنا إلى الفشل والتخلف لا محال.
مربع الشمولية
وأكد مبارك الفاضل المهدي، رئيس حزب الأمة على موقف حزبه المبدئي الرافض للانقلابات العسكرية التي كانت سبباً أساسياً في أزمات البلاد السياسية منذ الاستقلال بتداعياتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، لافتاً إلى أن كل مساوئ الانقلابات تمظهرت في انقلاب الإنقاذ عام 1989 الذي كاد أن يؤدي بالسودان إلى المجهول لولا الثورة الشعبية، ومعرباً عن إدانته بشدة هذه المحاولة الانقلابية التي أعدّ لها قائد الأركان المشتركة وبعض قادة النظام السابق وهي محاولة لإعادة البلاد إلى مربع الشمولية الأول الذي تخطاه الشعب السوداني بجسارته ودماء شهدائه.
وأشار إلى أن حزبه ظل ينبّه إلى جملة من الأخطاء وقع فيها المجلس العسكري، أهمها تقاعسه عن اعتقال رموز النظام السابق وقياداته الفاعلة والمجموعات التي نهبت ثروات الشعب السوداني ومن عاثوا فساداً، فضلاً عن ملاحقة كل الذين أجرموا في حقه من منسوبي المؤتمر الوطني وأتاح لهم بذلك الفرصة لمحاولات إجهاض الثورة، منبهاً في الوقت ذاته إلى أخطاء عدة وقعت فيها قوى الحرية والتغيير، متمثلةً في سعيها الانفراد بالأمر وإقصاء المكونات السياسية التي شاركت في الثورة ولم توقع على إعلان الحرية والتغيير، وكذلك الدخول في صراعات مع المجلس العسكري ومحاولة عزله عن المشهد السياسي، وإنكار مبدأ الشراكة المطلوبة في الظروف المعقدة التي نشهدها، ما أدى إلى حالة الفراغ السياسي والتنفيذي.
وأوضح أن الأخطاء التي وقع فيها الطرفان، أغرت حرس النظام القديم بالعودة إلى المشهد مرة أخرى عبر محاولة الانقلاب العسكري، ولن تقف محاولاتها في حال طال الصراع بين مكونات الثورة واستمر واقع الفراغ الماثل سياسياً وتنفيذياً. وأكد أن هناك حاجة ضرورية إلى وحدة الصف الوطني، ما يحتم على القوى السياسية التوافق على ميثاق يجمع بينها ويؤسس لمشاركة فاعلة ومتكافئة خلال الفترة الانتقالية.
إحباط محاولة انقلابية
يُذكر أن المجلس العسكري أعلن عن إحباط محاولة انقلابية يقودها رئيس الأركان المشتركة الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب بمشاركة عدد من ضباط القوات المسلحة وجهاز الأمن والاستخبارات الوطني برتب رفيعة، إضافةً إلى قيادات من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني، تهدف إلى إجهاض الثورة الشعبية وعودة النظام السابق إلى الحكم. وجرى اعتقال عددٍ كبير من الضباط وشخصيات مدنية تابعة لنظام البشير.