Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

ما دوافع مسرب وثائق "البنتاغون" وكيف حصل عليها؟

مناهض لحرب أوكرانيا ولديه نظرة قاتمة للحكومة الأميركية ومجتمع الاستخبارات

مكتب التحقيقات الفيدرالي يلقي القبض على المشتبه به جاك تيكسيرا (أ ف ب)

ملخص

ظل تيكسيرا ينشر الوثائق داخل مجموعة صغيرة من دون أن يلاحظ أحد شيئاً، لكنها بدأت تحظى باهتمام واسع فقط عندما نشرت في منتدى عام على #الإنترنت ومنه إلى #وسائل_الإعلام

على رغم إلقاء مكتب التحقيقات الفيدرالي القبض على المشتبه فيه في تسريب وثائق البنتاغون السرية حول أوكرانيا وهو جاك تيكسيرا (21 سنة) الذي يعمل باستخبارات الحرس الوطني الجوي بولاية ماساتشوستس، يظل هناك عديد من الأسئلة حول الدوافع الحقيقية التي قادته إلى تسريب وثائق خطرة تضر بالأمن القومي للولايات المتحدة، وكيفية تسريب وثائق من منشآت محمية ولماذا لم تتمكن أجهزة الاستخبارات المختلفة من رصد التسريبات التي بدأ نشرها منذ أشهر، ولم تتكشف إلا عندما انتقلت عبر وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر استخداماً خلال الأيام الأخيرة؟

من تيكسيرا؟

بعد أيام من الانتظار والتحقيقات والمتابعات كانت صحيفة "نيويورك تايمز" أول من كشف هوية الرجل الذي يقف وراء التسريب الهائل لأسرار الحكومة الأميركية وفضح تجسسها على الحلفاء، وكشف عن الآفاق القاتمة لحرب أوكرانيا مع روسيا وأشعل حرائق دبلوماسية للبيت الأبيض، قبل ساعات من اعتقاله على يد عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي وسط اهتمام سياسي وإعلامي كبير بالنظر إلى التداعيات التي يمكن أن تفرزها التسريبات.

تظهر السجلات العامة أن جاك تيكسيرا يبلغ من العمر (21 سنة) وهو من سكان مدينة نورث دايتون التي تقع في جنوب شرقي ولاية ماساتشوستس الأميركية، ويقطن في منزل لشخصين بالغين في الخمسينيات من العمر، هما على الأرجح والديه.

وتظهر سجلات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن تيكسيرا عمل في جناح الاستخبارات رقم 102 بالحرس الوطني الجوي بولاية ماساتشوستس، الذي يقع في قاعدة أوتيس الجوية للحرس الوطني في كيب كود، وذلك منذ سبتمبر (أيلول) عام 2019 وعمل في مجال أنظمة النقل السيبراني حيث كان مسؤولاً عن دعم البنية التحتية للشبكة والتأكد من أن شبكة الاتصالات التي تستخدمها القوات الجوية تعمل بشكل صحيح، وفقاً لما يقوله مسؤول دفاعي لشبكي "سي بي إس".

وعلى رغم أن تيكسيرا شغل منصباً بسيطاً وهو في مقتبل العمر، فإنه كان بإمكانه الوصول إلى شبكة كمبيوتر داخلية في البنتاغون للحصول على معلومات سرية للغاية، تسمى نظام الاتصالات الاستخبارية العالمية المشتركة، بحسب ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤول دفاعي، وكان من شأن هذا النظام أن يسمح له بالقدرة على قراءة المستندات المصنفة في المستوى نفسه مثل عديد من الملفات المسربة، وكذلك طباعتها.

ومن المرجح أن يحقق المحققون في كيفية تمكن تيكسيرا، كموظف دعم تقني في قاعدة في ماساتشوستس، من الوصول إلى معلومات سرية للغاية، تم استخدام بعضها لاطلاع كبار القادة في البنتاغون عليها، لكن مسؤولاً أميركياً قال إن وحدات الحرس الوطني تؤدي بعض خدمات الدعم لوحدات الخدمة الفعلية، بما في ذلك الدعم الاستخباري لكبار المسؤولين العسكريين ولهذا كان بإمكان تيكسيرا الوصول إلى أنواع الوثائق عالية السرية التي يزعم أنه شاركها مع زملائه الأعضاء على خادم ديسكورد.

ما مجموعته؟

نشر تيكسيرا عشرات الوثائق السرية للغاية التي تتعلق بالحرب في أوكرانيا وعمليات التجسس الأميركية حول العالم على رفقاء له ضمن مجموعة تشكلت عام 2020 وتضم 20 شخصاً على الأقل من الشباب والمراهقين وجميعهم أصغر منه في العمر، ولا تقبل المجموعة أعضاء جدداً إلا بدعوات وتدعى (ثغ شيكر سنترال) على منصة المراسلة الفورية "ديسكورد" التي تحظى بشعبية على الإنترنت بين ناشطي ألعاب الفيديو.

وبحسب وصف رفيقين في المجموعة التي سميت على اسم مؤسسها الأصلي، فإن جاك تيكسيرا الذي يسميه بعضهم (أوه جي) هو شاب متحمس للأسلحة النارية يتمتع بشخصية كاريزمية شارك الوثائق السرية مع مجموعة من المعارف القريبين والبعيدين كانوا يبحثون عن الرفقة وسط شعورهم بالعزلة عن العالم الخارجي وسط وباء كورونا وبعضهم من روسيا وأوكرانيا ودول أخرى من دول الاتحاد السوفياتي السابق، ووحد هذه المجموعة الصغيرة حبهم المتبادل للأسلحة والعتاد العسكري، ووفقاً لصحيفتي "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست"، تبادل أعضاء المجموعة الميمات العنصرية واهتمامات في الأسلحة وألعاب الفيديو.

ما دوافع التسريب؟

وصف صديق تيكسيرا دوافعه لصحيفة "واشنطن بوست" على أنها رغبته في التباهي بمشاركة الأسرار التي يعرفها لدائرة صغيرة من الأصدقاء عبر الإنترنت الذين ارتبطوا بألعاب الفيديو على رغم أن إدانته يمكن أن تنتهي بقضاء سنوات طويلة في السجن".

ونفى الصديق، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، أن يكون تيكسيرا معادياً للحكومة الأميركية، أو أنه يعمل نيابة عن مصالح أية دولة، فهو ليس عميلاً روسياً أو أوكرانياً، مشيراً إلى أن الغرفة الموجودة على الخادم حيث نشر الوثائق تسمى "الدب ضد الخنزير"، والمقصود منها أن تكون ضربة قوية لروسيا وأوكرانيا.

وأشار إلى أن "أوه جي" لم يقف إلى جانب أي طرف في الصراع، بينما قال صديق آخر من المجموعة وهو خريج مدرسة ثانوية يبلغ من العمر (17 سنة)، إن تيكسيرا مسيحياً مناهضاً للحرب، وأراد فقط إبلاغ بعض أصدقائه بما يجري، خصوصاً أن بعض الأشخاص في المجموعة موجودون بأوكرانيا.

لكن "أوه جي" كان لديه نظرة قاتمة للحكومة الأميركية حيث كان يتحدث عن الولايات المتحدة، بخاصة أجهزة إنفاذ القانون ومجتمع الاستخبارات، كقوة شريرة سعت إلى قمع مواطنيها وإخفائهم، كما تحدث بشكل صاخب عن تجاوزات الحكومة بحسب أعضاء المجموعة، وأخبر رفاقه على الإنترنت أنها أخفت حقائق مروعة عن الجمهور، وادعى على سبيل المثال أن الحكومة كانت تعلم مسبقاً أن أحد المتعصبين للبيض كان يعتزم إطلاق النار على سوبر ماركت في مدينة بافالو بولاية نيويورك في مايو (أيار) عام 2022، وهو الهجوم الذي خلف 10 قتلى، جميعهم من السود.

كما زعم أن مسؤولي إنفاذ القانون الفيدراليين سمحوا بمواصلة أعمال القتل حتى يتمكنوا من طلب زيادة التمويل، وهي فكرة لا أساس لها من الصحة بحسب أعضاء المجموعة، لكن "أوه جي" كان يعتقد في عمق الفساد الحكومي.

هل هو متطرف؟

حتى موعد اعتقاله، كان الخبراء يقترحون بالفعل أن تيكسيرا ربما يكون قد تأثر بالتطرف اليميني الذي ربما دفعه لاتخاذ الإجراءات التي قام بها، بالنظر إلى ما شاهده صحافيو "واشنطن بوست" في مقطع فيديو يظهر تيكسيرا يصرخ ويوجه سلسلة من الإهانات العنصرية والمعادية للسامية أمام الكاميرا، ولهذا حذرت ويندي فيا وهايدي بيريتش مؤسسا المشروع العالمي ضد الكراهية، من خطر التطرف إذا أثبت المحققون أن التسريب جاء من داخل الجيش، مما يجب أن يكون جرس إنذار كبير للحكومة الأميركية.

وأشارت فيا وبيريتش إلى وجود أسباب غير محدودة لخطورة اختراق شخصيات يمينية متطرفة وعنصرية ومعارضة للحكومة الجيش الأميركي، والأمن القومي هو أحد أهم هذه الأسباب.

ويتفق داريل جونسون، المستشار الأمني والمحلل السابق للإرهاب المحلي بوزارة الأمن الداخلي، في أهمية توخي الحذر من وجود تهديدات استخبارية مضادة، لأن هؤلاء الأشخاص لديهم تصاريح أمنية، وهو ما لا ينبغي أن يحصلوا عليها، مشيراً إلى التصريحات العنصرية كدليل قوي على وجود دافع لتسريب الوثائق.

كيف ظل في الظلام لأشهر عدة؟

ظل تيكسيرا ينشر الوثائق داخل المجموعة التي يعتقد أن عددها وصل إلى 25 شخصاً لعدة أشهر من دون أن يلاحظ أحد شيئاً، لكن الوثائق السرية المسربة بدأت تحظى باهتمام واسع فقط عندما أخذ أحد أعضاء المجموعة المراهقين بضع عشرات منها ونشرها في منتدى عام على الإنترنت، ومن هناك انتقلت إلى "تيليغرام" الروسي و"تويتر" ثم صحيفة "نيويورك تايمز"، التي كانت أول من نقل أخبارها، ومع ذلك فإن السؤال هو كيف تمكن أوه جي من تسريب الوثائق من داخل قاعدة عسكرية شديدة الحراسة تحظر الأجهزة الإلكترونية والهواتف المحمولة التي يمكن استخدامها لتوثيق المعلومات السرية الموجودة على شبكات الكمبيوتر الحكومية أو التخزين الموقت للوثائق من الطابعات.

بحسب أعضاء المجموعة، ادعى "أوه جي" أنه قضى على الأقل جزءاً من يومه داخل منشأة عسكرية وقام بإعادة صياغة بعض المستندات المطبوعة يدوياً، مما أدى إلى عدم وضوح كلمات ومختصرات الاستخبارات للمبتدئين، مثل توضيح أن كلمة (نو فورن) تعني أن المعلومات الواردة في المستند حساسة للغاية ولا يجب مشاركتها مع الرعايا الأجانب.

وأخبر "أوه جي" المجموعة أنه عمل لساعات في كتابة المستندات السرية لمشاركتها مع رفاقه على خادم ديسكورد الذي كان يتحكم فيه الذي كان مكاناً لتجمع اللاعبين المراهقين المحبوسين في منازلهم والمنقطعين عن أصدقائهم في العالم الحقيقي، وهناك قام الأعضاء بتبادل الميمات والنكات المسيئة والثرثرة، كما كانوا يشاهدون الأفلام معاً ويمزحون ويصلون، لكن "أوه جي" ألقى محاضرات أيضاً حول الشؤون العالمية والعمليات الحكومية السرية، وبدا أنه يعتقد أن معرفته الداخلية ستوفر للآخرين الحماية من العالم المضطرب من حولهم.

واجتازت المستندات المنسوخة التي نشرها "أوه جي" مجموعة من المواضيع الحساسة التي يسمح فقط للأشخاص الذين خضعوا لفحوصات الخلفية الأمنية لمدة أشهر برؤيتها، إذ تضمنت التقارير السرية للغاية مكان وتحركات القادة السياسيين رفيعي المستوى وتحديثات تكتيكية عن القوات العسكرية، وتحليلات جيوسياسية.

وفي تلك المشاركات الأولية، أعطى "أوه جي" زملاءه الأعضاء مجموعة صغيرة من سيل الأسرار، لكن عندما ثبت أن تحويل مئات الملفات السرية يدوياً كان مرهقاً للغاية، التقط صوراً للمقالات الأصلية وأسقطها في الخادم، وظهرت هذه المستندات أكثر وضوحاً من النصوص العادية، وأظهر بعضها مخططات تفصيلية لظروف ساحة المعركة في أوكرانيا وصور الأقمار الاصطناعية شديدة السرية لتداعيات الضربات الصاروخية الروسية على المنشآت الكهربائية الأوكرانية، ورسمت صوراً أخرى المسار المحتمل للصواريخ النووية الباليستية الكورية الشمالية التي يمكن أن تصل إلى الولايات المتحدة، فضلاً عن صور أخرى مميزة لمنطاد التجسس الصيني الذي طاف في جميع أنحاء البلاد في فبراير، إلى جانب رسم تخطيطي للمنطاد وتكنولوجيا المراقبة المرفقة به.

وبدءاً من أواخر العام الماضي، شارك "أوه جي" مستندات عدة كل الأسبوع مع المجموعة حيث استغرق نشر الصور على الخادم وقتاً أقل، لكن هذا عرضه لمخاطر أكبر، ففي خلفية بعض الصور، أمكن رؤية بعض العناصر والأثاث التي يمكن التعرف عليها وهو نوع من القرائن التي يمكن أن تكون مفيدة للمحققين الفيدراليين.

بعد ذلك، ومن دون علم المجموعة، بدأ مستخدم مراهق آخر، نشر عشرات الصور الفوتوغرافية التي تظهر مستندات سرية على خادم ديسكورد آخر تابع لـيوتيوبر وهو واو - ماو إذ قدمت بعض الوثائق تقييمات مفصلة لقدرات الدفاع الأوكرانية وأظهرت إلى أي مدى يمكن للاستخبارات الأميركية أن تخترق القيادة العسكرية الروسية.

ومن هناك، بدأت الصور والوثائق تنتقل إلى تطبيقات الرسائل الفورية مثل "تيليغرام" و"تشان فور" ووسائل التواصل الاجتماعي الأكثر استخداماً مثل "تويتر"، قبل أن تنشر صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل التسريب على الرأي العام قبل نحو أسبوع.

المزيد من تقارير