ملخص
يغرد الفنان الإيرلندي #نيل_جوردان خارج السرب في عالم #السينما
يخبرني نيل جوردان أن "صناعة الأفلام تشبه ممارسة الجنس... أنت لا تعرف كيف يقوم بها الآخرون. ولا يمكنك أبداً معرفة ما إذا كنت تفعلها بالشكل الصحيح". يعتبر هذا شعوراً مناسباً نظراً إلى أن أفلامه ليست مثل أفلام أي مخرج آخر، وهي أيضاً... حسناً، مليئة بالإثارة: الأجواء المتعطشة للدماء والمشحونة جنسياً في فيلم "مقابلة مع مصاص الدماء" Interview with the Vampire، الشبق القوطي في ’صحبة الذئاب‘ The Company of Wolves، الإثارات في فيملي "لعبة البكاء" The Crying Game و"موناليزا" Mona Lisa اللذين يصوران رجالاً شعثاً مفتونين بنساء قاتلات غامضات. كما لو أن جوردان يسعى إلى إبقاء جمهوره متحفزاً، فهو يحب التركيز على أفلام السيرة الذاتية الضخمة التي تتناول شخصيات من فترة تاريخية معينة كما في "مايكل كولينز" Michael Collins أو الأعمال الميلودرامية الغارقة بمشاهد المطر في أوقات الحرب كما في "نهاية العلاقة" The End of the Affair.
طوال معظم مسيرته المهنية المستمرة منذ 40 عاماً، كان الكاتب والمخرج الإيرلندي يسمع أنه يعمل بطريقة خاطئة. يشرح الرجل البالغ من العمر 73 سنة: "لكنني كنت دائماً مفتوناً بالأشياء التي لم أفعلها من قبل... أعتقد بأن معظم المخرجين ليسوا كذلك. يمكنك دائماً تمييز أفلام فرانسوا تروفو، أليس كذلك؟ إنهم يبقون في الحيز نفسه. بعض أفضل المخرجين - مثل كين لوتش ومايك لي - لا ينوعون أدواتهم وبدرجة كبيرة. لكنني كنت أفعل العكس دائماً".
لهذا السبب جزئياً وجد نفسه في نهاية المطاف يصنع فيلم نوار تدور أحداثه في لوس أنجليس مقتبساً من رواية لريموند شاندلر ومن بطولة ليام نيسون في أكثر أدواره تشاؤماً. فيلم "مارلو" Marlowe الذي يعرض حالياً في دور السينما، يسترسل في استعارات هذا النوع السينمائي: تستأجر امرأة قاتلة غامضة (تجسدها ديان كروغر) المحقق القاسي (نيسون) للتحقيق في اختفاء حبيبها. نحن نرى جيسيكا لانج، تدخن السيجار الطويل وتتصرف ببذاءة. كان هذا دأب داني هاستن وآلان كامينغ أيضاً اللذين يتاجران بالمخدرات والأسلحة والفتيات في أحياء هوليوود الخفية في الأربعينيات من القرن الماضي.
يقول جوردان وهو يفرك عينيه وصدغيه بعد يوم طويل أمضاه برفقة الصحافيين في أحد فنادق لندن: "أردت أن أرى ليام في هذا الدور... نحن نتحدث عن ممثل لديه قدرات تمثيلية عدة مختلفة، لكن منذ قيامه ببطولة ’محتجَزون‘ Taken وهو يؤدي أدواراً فيها الكثير من الضرب والقتال وما إلى ذلك. كان سعيداً تماماً بتلك الأدوار وأداها بشكل جيد جداً – لكنني فكرت ببساطة ’أريد رؤيته مهزوماً، من باب التغيير‘".
تعود علاقة جوردان ونيسون لزمن قديم، إذ التقيا أثناء تصوير فيلم "إكسكاليبر" Excalibur للمخرج جون بورمان عام 1981. كان جوردان يقوم بمهمات مساعد المخرج، ونيسون يشارك في أول فيلم روائي له. كان جوردان في عقده الثالث، شاب إيرلندي اكتشف للتو إثارة كتابة السيناريو بعد أعوام من كتابة الروايات. يقول: "في المعتقد الإيرلندي، أنت تصبح كاتباً لأنك لا تصلح للقيام بأي عمل آخر... عنت كتابة السيناريو فتح باب يؤدي إلى عالم مختلف تماماً أمامي. اعتقدت بأنها شيء استثنائي، بحيث تمكنك من جعل الناس يطلقون النار على بعضهم بعضاً، أو يمارسون سفاح القربى، والسماح بحدوث كل الأمور الغريبة". كان هذا النهج في مصلحته دائماً.
تميل أحداث أفلام جوردان إلى أن تقع في عالم الخيال حتى عندما تتمتع بسرد دنيوي. إنها تشع بالصوفية، من حكاية سفاح القربى الخرافية في فيلمه الدرامي "المعجزة" The Miracle الصادر عام 1991، إلى قصة حورية البحر الإيقاعية والغريبة في فيلم "أوندين" Ondine عام 2009. يقول مازحاً أثناء حوارنا: "يكون أدائي أفضل في الأحلام، أليس كذلك؟". كما أنه لا يخشى العمل مع النماذج البشرية الأشد تبجيلاً في العالم: النجوم السينمائيون الكبار مثل توم كروز وجوليا روبرتس، الذين يرسلهم إلى عوالم لا يوجد فيها أمثالهم عادة. من أجل جوردان فقط، سيقبل كروز وضع أنياب وباروكة مخيفة والتسكع في أوكار مصاصي الدماء المثليين. أو سترضى روبرتس التجول في معقل الثوار الإيرلنديين في دبلن في أوائل القرن الـ20. كانت لدى الناس آراء كثيرة في خصوص انتقاء الممثلين في هذين الدورين تحديداً.
في "مايكل كولينز" – التعاون الثاني من بين أربعة أعمال جمعته بـنيسون – لم يستسغ كثيرون اللكنة الإيرلندية التي تبنتها روبرتس في العمل (في مراجعة نشرت عام 1996، سخرت "اندبندنت" من "لكنتها غير المتمكنة وألقها الذي تتميز به ولم يكن مناسباً لتلك الحقبة"). يشعر جوردان بالسوء حيال ذلك اليوم، ويقول متنهداً: "كان الأمر محزناً، لأن جوليا لم تحصل على شيء من هذا الفيلم... من دون جوليا، لما كانت صناعة هذا الفيلم ممكنة، وشعرت بالحزن ببساطة لأنها قدمت مثل هذا الجهد... ليس ذنبها أنها واحدة من أكبر النجوم في العالم".
قبل عامين، تسبب جوردان في تعرض توم كروز لرد فعل عنيف مماثل. أخبرته أنني لم أدرك حتى البحث عن هذه المقابلة أن قلة من الناس أرادوا أن يلعب كروز دور ليستات في قصة الكاتبة آن رايس. رد جوردان ضاحكاً: "أوه، لقد كرهوه... وجدت آن رايس الأمر محيراً. في الواقع كان رد فعل براد بيت كذلك". بحلول وقت تعاقده مع كروز، كان اختار بيت بالفعل لدور لويس، عشيق ليستات على الشاشة، وكان لديه انطباع بأن دانييل داي لويس الشهير بتمثيله المنهجي سيلعب دور ليستات. يضيف مازحاً: "أراد الكل دانييل - على رغم أنني أتخيل أنه لا يريد النوم في نعش [من أجل التحضير للشخصية]". تمكن جوردان الذي لم يعرف الكلل من استمالة كروز، وكانت لديه أسباب على كل حال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول: "لطالما اعتقدت بأنه ممثل رائع، لكن حياته أيضاً لا تختلف عن حياة مصاص دماء، أتفهم قصدي؟ لا يريد المشاهير الخروج إلى حيّز خال من الرقابة. عليهم التحكم في اختيار الأشخاص الذين يلتقون بهم وكيف يفعلون ذلك. يجب أن يتحكموا في صورتهم. يبدو الأمر كما لو كانوا يعيشون في عالم طيفي من نوع ما. كانت المقارنة بحد ذاتها منطقية بالنسبة لي. لذلك اتفقنا على عمل الفيلم معاً، ثم أغضبنا الجميع حقاً". يتذكر أن إحدى عاشقات قصص آن رايس اقتربت منه في حانة في نيو أورلينز، وسألته ما الذي كان يدور في باله لما اختار كروز. يضيف: "بعد ذلك، رفعت تنورتها وكشفت عن وشم مرسوم على مؤخرتها لـروتغر هاور في هيئة ليستات... لأن آن رايس كانت، لسبب ما، تحب روتغر هاور. كان الجنون بهذه الدرجة".
امتص جوردان ردود الفعل الغاضبة، مثلما فعل مع أي جدل ناتج من مشهد معين في الفيلم: قبلة سيئة السمعة على الشفاه بين لويس الذي يجسده بيت وكلوديا المرأة الأربعينية التي تحولت إلى مصاصة دماء عندما كانت طفلة، مما يعني أنها لا تزال تتمتع بهيئة طفلة صغيرة. في دور كلوديا، قدمت كيرستن دانست البالغة من العمر 11 سنة أداء مميزاً في الفيلم، لكنها أشارت في الأعوام الأخيرة - وإن كانت تمزح تقريباً – إلى كم كان تقبيل بيت "مقرفاً" خلال التصوير. يتذكر جوردان ضاحكاً: "لقد قالت ’هذا مقرف!‘... كانت صغيرة جداً لدرجة أنني قلقت في البداية، لأنك تدرك أن [مشروعاً] من هذا النوع سيحدد المسار التمثيلي للأطفال بطرق لا يفهمونها هم أنفسهم بعد. لكن أثناء العمل معها، لم يبق لدي أي من تلك التحفظات في نهاية المطاف – كان واضحاً أنها ستتابع عملها في مجال التمثيل. لقد فهمت المشهد تماماً، وعلى هذا النحو كان بالي مطمئناً، أتفهم قصدي؟".
كان "مصاص الدماء" مجرد واحد من أوائل أفلام جوردان التي نبشت في المحرمات اللاذعة، ليس أكثر مما فعل فيلم "لعبة البكاء" الصادر عام 1992 الذي يقع فيه قاتل من الجيش الجمهوري الإيرلندي، يجسده الممثل ستيفن ريا، في حب امرأة متحولة الجنس تدعى ديل (لعبها جاي ديفيدسون الذي ترشح لأوسكار أفضل ممثل في دور مساعد عن أدائه في الفيلم). لا يخل الفيلم من المشكلات، لكنه رومانسي بطريقة شائكة تماماً. يقول جوردان: "اعتقدت بأنه كان ظريفاً، في الواقع... كنت أتعامل مع شخصية تعرف عن نفسها على أنها قومية إيرلندية، ذكورية ومغايرة الهوية الجنسية، لكن بعد ذلك تتفكك كل تلك العناصر قبل معرفة ما إذا نجا شيء منها، وهذا ما حصل. كان ذلك الحب تجاه إنسان آخر. تجاوز هذا الفيلم الحدود بعض الشيء، أليس كذلك؟ في الأقل كان كذلك في وقت صدوره، من دون أدنى شك".
أخبره أنني وبقدر حبي للفيلم، كنت دائماً أشعر بعدم الارتياح بعض الشيء من التعامل مع الكشف عن هوية ديل الجنسية على أنها منعطف تتغير عنده حبكة الفيلم في منتصف الحكاية. اعتمدت الحملة الترويجية بكاملها على ذلك، بحيث كانت الملصقات تتفاخر بأن "لعبة البكاء" فيه تقلبات في الحبكة أكثر من فيلم "سايكو" Psycho [لـ ألفريد هيتشكوك]"، بينما تم حث النقاد على الحفاظ على سرية الهوية الجنسية لـديل. كان جوردان هو الذي أصر على هذا النهج. يوضح: "إذا قال الناس ’أوه، هذا فيلم يدور حول رجل يقع في حب فتاة كانت رجلاً في السابق‘، حسناً... لماذا ستذهب لمشاهدة الفيلم؟". كان هارفي واينستين الذي وزعت شركته ميراماكس الفيلم في الولايات المتحدة، المتحكم بالحملة الصحافية الفعلية. يضيف جوردان: "نظراً إلى كونه عبقري دعاية لا يرحم، فقد حول ’لعبة البكاء‘ إلى ’الفيلم الذي يحتوي سراً‘".
هل شاهد جوردان أياً من الأعمال الساخرة التي ظهرت في أعقاب الفيلم؟ أذكر فيلم "إيس فينتورا: محقق الحيوانات الأليفة" Ace Ventura: Pet Detective لـ جيم كيري الذي يحتوي في ذروته على "منعطف في الحبكة" شديد الرهاب من المتحولين جنسياً إذ نرى لعبة هزازة على هيئة قضيب تبرز من السروال الداخلي للممثلة شون يونغ. يتنهد قائلاً: "لم أشاهده... أعتقد بأنهم كانوا يسخرون من التسويق وليس من الفيلم نفسه. أعني، هل تعلم أنهم غيروا عنوان الفيلم عند إصداره في هونغ كونغ؟". أجيبه أنني لم أكن أعرف ذلك. فيتابع: "كان العنوان باللغة الكانتونية يترجم إلى ’النجدة، حبيبتي لديها قضيب‘". شعرت بالصدمة لوهلة قصيرة. أسأله ما الذي حصل حينها بحق الجحيم؟ فيجيب: "ليست لدي أي فكرة - لكن الناس ذهبوا لمشاهدته على رغم ذلك".
سألت جوردان عما إذا كان يفكر في إرثه، وما إذا كان يعتبر عدم قدرة الناس على تمييز "أفلام نيل جوردان" بشكل خاص مشكلة. فيسألني: "هل أبدو كما لو أنني أحير الناس؟... ربما أفعل ذلك. لكن لا يمكنني فعل الكثير حيال الأمر. عمري الآن أكثر من 70 سنة، وأحب صناعة الأنواع التي أحبها من الأفلام". إنه غير قادر على تحديد عمله بشكل خاص، لكنه يقول إنه شاهد على التلفزيون أخيراً مقطعاً صغيراً من فيلمه "إفطار على بلوتو" Breakfast on Pluto الصادر عام 2005، وتفاجأ قليلاً.
يقول مبتسماً: "قلت في نفسي، يا إلهي، هذه وقاحة رهيبة في الواقع!... أنت تشاهد كيليان ميرفي في حانة يرتادها عناصر الجيش البريطاني، ثم يحدث انفجار فيها ويتهم هو بأنه قاتل متحول جنسياً. يتعرض بعدها للضرب في مخفر للشرطة، ثم يغرم بأحد رجال الشرطة... كان شعوري ’أوه، هذا مثير جداً للاهتمام‘".
أخبره أنه يجب أن يفكر في إعادة مشاهدة مزيد من أعماله. يجفل من الفكرة ويعدل جلسته في كرسيه: "سأفكر في الأمر". على كل حال، ونظراً إلى معرفتي بعدد المرات التي رفض فيها القيام بما يطلبه الناس منه، أعتقد بأن نصيحتي لم تلق آذاناً صاغية.
يعرض فيلم "مارلو" في دور السينما حالياً.
© The Independent