ملخص
يخاطب #ماكرون غداً الإثنين الفرنسيين، بعد نشر مرسوم إصلاح #نظام_التقاعد الذي ينص خصوصاً على رفع سن التقاعد إلى 64 سنة، ولا يلقى شعبية، في الجريدة الرسمية
معركة محتدمة منذ ثلاثة أشهر يخوضها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد معارضيه على خلفية تعديل نظام التقاعد. فبعد أن ترك رئيسة الحكومة إليزابيث بورن في مواجهة مباشرة مع أحزاب المعارضة لفرض التعديل ورفع سن التقاعد من 62 سنة إلى 64 سنة، سارع إلى تولي زمام الأمور مباشرة بعد تصديق المجلس الدستوري على معظم فقرات القانون، حيث فاجأ معارضيه والفرنسيين بإقراره ليلاً.
وأعلن الإليزيه أن ماكرون سيخاطب الفرنسيين عبر التلفزيون مساء غد الإثنين "بمنطق التهدئة"، و"للنظر أيضاً في ما تم إحرازه إلى جانب المعاشات التقاعدية"، على حد قول المتحدث باسم الحكومة أوليفييه فيران، مشيراً إلى انخفاض البطالة والضرائب وزيادة عدد المتدربين.
وأصدر المجلس الدستوري قراره بالمصادقة على النص، مساء الجمعة الماضي، بعد سبع ساعات من المشاورات تحت حراسة مشددة، حيث اجتمع نحو أربعة آلاف متظاهر أمام مبنى المجلس، لكنه استثنى ست فقرات منه، أهمها تلك المتعقلة بمؤشر كبار السن في المؤسسات إلى جانب رفضه طلب إجراء الاستفتاء الشعبي الذي كانت قد تقدمت به أحزاب اليسار.
وسرعان ما سارت تظاهرات عفوية في العاصمة الفرنسية وبعض المدن تخللتها أعمال عنف، بخاصة في مدينة رين، حيث تم إحراق باب مركز الشرطة، كما بلغ عدد الموقوفين في باريس ما يزيد على 100 متظاهر.
وتبرر السلطة التنفيذية مشروعها بالحاجة إلى معالجة التدهور المالي لصناديق التقاعد وشيخوخة السكان، لكن المعارضين يرون أنه "غير عادل"، خصوصاً بالنسبة للنساء والعاملين في وظائف شاقة.
نهاية مرحلة
واعتبرت الحكومة أن تصديق المجلس على القانون يشكل نقطة نهاية لمرحلة دستورية ستخولها الانتقال إلى مرحلة ثانية والشروع في مناقشة أفكار وخطط جديدة، لكن الطريق إلى ذلك سيكون شائكاً، فبوادر التواصل بين السلطة وممثلي النقابات التي بدأت، سرعان ما انقطعت، حيث أعلنت النقابات عن رفضها لقاء الرئيس الفرنسي الذي كان مقرراً الثلاثاء، معتبرة أن الفوز الدستوري لا يعني الفوز السياسي، كما توعدت بيوم تاريخي من التظاهرات في الأول من مايو (أيار)، إلى جانب مواصلة حركة الإضرابات والاحتجاجات في 20 و28 من أبريل (نيسان).
ودعا رئيس تكتل أحزاب اليسار جان لوك ميلانشون، الرئيس الفرنسي، فور إعلان المجلس الدستوري المصادقة على القانون إلى عدم إقراره، علماً أن المهلة الدستورية تقضي بتبنيه خلال مهلة تتراوح بين 48 ساعة و15 يوماً، لكن مسارعة ماكرون إلى اعتماده بعد ساعات عادت وأججت المشاعر والجدل.
ماكرون قطع الطريق على معارضيه
خطوة اعتبرها أستاذ القانون الدستوري في جامعة بانتيون أسّاس أو باريس الثانية، توما بيرو، تعكس شخصية ماكرون، كما تعبر عن رغبته بالانتقال سريعاً نحو المراحل التالية من برنامجه.
وقال بيرو لـ"اندبندنت عربية" إن "ماكرون بذلك قطع على معارضيه جميع الوسائل القانونية لإعادة النظر في القانون، وهذا يلغي دستورياً الطلب الثاني الذي تقدمت به أحزاب اليسار لإجراء استفتاء شعبي، لكون الطلب الأول لم يراعِ جميع المعايير الدستورية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مبارزة قوة
وحول قدرة المعارضة على شل عمل المجلس، كما هدد الأمين العام للحزب الاشتراكي أوليفييه فور عبر تغريدته على "تويتر"، علق بيرو بالقول "الشلل الذي تهدد به المعارضة هو مجرد شعارات، إذ لدى الحكومة جميع الأدوات القانونية لمنع محاولات التعطيل من قبل النواب، فسلطة هؤلاء محدودة، لكن في المقابل ذلك ينبئ بطول المواجهة. إنها مبارزة قوة بين الدولة والشعب".
وجهة نظر مختلفة يقدمها المحلل السياسي جان كريستوف غاليان، مذكراً بأن "أطراف المعارضة لم تتمكن من توحيد موقفها لإسقاط الحكومة حين تقدمت بحجب الثقة، علماً أنها كانت قادرة على ذلك لو توحدت. اليوم، ستجد الحكومة نفسها أمام حالتين من الشلل، فهي إن أرادت الاستعانة مرة أخرى بالمادة 49.3 من الدستور (التي تسمح بتمرير قانون من دون الحصول على تصويت البرلمان) لن تتمكن من ذلك، أما النقطة الأهم فتتمثل باستثناء المجلس الدستوري للفقرات التي تقدم بها الجمهوريون (اليمين الذي اصطف إلى جانب الحكومة) مثل الفقرة المتعلقة بمؤشر كبار السن، فهذه الخطوة شكلت صفعة لهم، مما يجعل الجمهوريين الخارجين عن السرب على غرار أورليان برادييه على حق ويضع إريك سيوتي (زعيم الجمهوريين) في موضع حرج. من هنا كان من الطبيعي أن يصرح هذا الأخير بأن المجلس الدستوري قال كلمته، والآن المعركة انتهت".
الضغط الشعبي
وحول تداعيات إقرار القانون، وهل سيشكل ذلك فعلاً انطلاقة جديدة لحكومة بورن؟ يعتبر غاليان أن عمل الحكومة سيكون صعباً، "لكن ليس لدرجة أن يهدد وجودها"، إذ يرى أن الفوز لا يعني نهاية المشكلات، "ففي فرنسا، كما في جميع المجتمعات، الفوز بالانتخابات لم يعد موازياً للحرية المطلقة بالحكم، بمعنى أن المجتمع يحاسب ويبقى متيقظاً لمراقبة كيفية تطبيق الحكم".
فمن الناحية الدستورية، القانون لم يعد قابلاً للمناقشة إلا في حالات استثنائية، كأن يلاقي رفضاً شعبياً متنامياً، وهو ما لا تعول عليه الحكومة التي اعتبرت أن حركة الاحتجاجات لم تجد في المرتين الأخيرتين التعبئة نفسها، لكن إمكانية تضافر ظروف اقتصادية صعبة قد تحول الامتعاض إلى حالة من الغضب الاجتماعي، وبهذا الشأن يقول غاليان "عندها يمكن أن تصبح الحالة مثيرة للقلق".
من جهته، يرى توما بيرو أن "تبني القانون قد يؤجج التعبئة الشعبية، وعندها يمكن للرئيس العمل على إبطاء تطبيقه أو طرح قانون جديد لإبطاله، في حال واجه معارضة قوية".
مرحلة حرجة
ما يعني أن الحكومة لا تزال أمام مرحلة حرجة وطويلة تتخللها المفاجآت، إذ من غير الممكن استنباط ما تحمله الأيام المقبلة، ويقول غاليان "نحن أمام مرحلة معقدة يصعب فيها استشراف التوقعات، والمقلق في الأمر هو ميزان الحرارة الاجتماعية، وهذا لن يؤمن ظروف التقدم إلى الأمام". وأضاف "ما يعني أن المعركة لم تنتهِ، والمرحلة المتبقية من ولاية الرئيس قد لا تكون على قدر من السهولة، لأن ما حصل يترك جروحاً غير ملتئمة، المرحلة التي نحن بصددها تذكر بمراحل (السترات الصفراء)، وقانون العمل الأول الذي تخلى عنه الرئيس الأسبق جاك شيراك بعد تبنيه، وتظاهرات قانون (الزواج للجميع)، وقانون المدارس الخاصة، وأحداث مايو 1968".
وتابع "ما يمكن استخلاصه هو أن الفرنسيين لن يتخلوا عن معركتهم، فهم منذ البداية كان لديهم الوعي أن ميزان القوى ليس لصالحهم، لكن المخيف هو أن تتحول الأمور إلى حركة غضب عارمة".
وتجدر الاشارة إلى أن سن القانون يتزامن مع مرور عام على ولاية ماكرون الثانية الذي يعتبره إنجازه الأول، بخاصة أنه جعل من تعديل نظام التقاعد شعار حملته الانتخابية.
ويخاطب الرئيس ماكرون، غداً الإثنين، الفرنسيين، بعد نشر مرسوم إصلاح نظام التقاعد في الجريدة الرسمية، السبت، علماً أن المواجهات باتت أكثر حدة، سواء على صعيد الخطاب السياسي أو المواجهات على الأرض بين المتظاهرين ورجال الأمن.