Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كليوباترا "الأفريقية" تضع "نتفليكس" في دائرة تزييف التاريخ

غضب مصري - يوناني واتهامات للمنصة بتزوير الوقائع المثبتة علمياً وتاريخياً ومتخصصون: الفراعنة رسموا مختلف العرقيات على جدران المعابد

الملكة كليوباترا عمل جديد ينتصر لنظريات الأفروسينتريك على نتفليكس (مواقع التواصل)

ملخص

سعى المشاركون في النقاش على #مواقع_التواصل أن يسردوا حقيقة أصول الملكة المقدونية ابنة #بطليموس الثاني عشر التي خرجت من أرضهم لتحكم #مصر

"إنها حتى لم تكن مصرية، فكيف يمكن تصويرها على أنها تتحدر عرقياً من أفريقيا السوداء جنوب الصحراء الكبرى؟"، ذلك التساؤل أو ما شابهه، حملته آلاف التعليقات التي لم تتوقف منذ أن طرحت "نتفليكس" الإعلان الترويجي الأول لسلسلتها الدرامية التوثيقية الجديدة التي تستكشف حياة الملكات الأفريقيات، حيث اختارت "كليوباترا" لتكون نجمة الموسم الأول، الملكة التي حكمت مصر لمدة 20 عاماً تقريباً انتهت قبل الميلاد بـ30 عاماً حينما دخل الرومان البلاد.

المفارقة أن التساؤلات هذه المرة لم تأتِ من المصريين، لكن من اليونانيين في المقام الأول، حيث تنتمي الملكة التي لطالما سحرت العالم بسيرتها وصفاتها وملامحها ووصفاتها التجميلية، وحتى لغز انتحارها، إلى سلالة البطالمة، وتحديداً من الإغريق المقدونيين، فحتى وإن لم تكن شقراء تماماً، فهي لم تكن سمراء بأية حال.

الإعلان الترويجي لم يكتفِ فقط بإظهار "كليوباترا" على كونها ذات عرق مغاير تماماً للوقائع التاريخية ولتمثالها المعروض في أحد متاحف العاصمة الألمانية برلين، لكن أيضاً الحاشية وسكان القصر والغالبية العظمى من الشخصيات تنتمي للعرق ذاته، على رغم أن الأحداث تدور في مصر، وإذا كان المصريون يغلب على ملامحهم طابع البشرة السمراء، لكن العرق مختلف كلياً عما يأتي في العمل الذي تشرف على الجانب التنفيذي في إنتاجه ورؤيته الفنية الممثلة جادا بينكيت سميث زوجة النجم ويل سميث، وهي أميركية ذات أصول أفريقية.

مبالغة في الغضب أم ضرورة؟

هل هناك مبالغة في ردود الفعل؟ بخاصة أن فكرة الترويج للحضارة الفرعونية على أنها تنتمي لمن سكنوا جنوب الصحراء الكبرى، وليس مصر، أو ما يسمى موجة "الأفرو سينتريك - مركزية أفريقيا"، والمعنية بإلقاء الضوء على الهوية الأفريقية والحديث في المحافل المختلفة عن مساهماتها في الحضارة العالمية، بات يثير حساسية وغضباً بشكل دائم، لدرجة أنه تم إلغاء العرض الذي كان من المقرر أن يقدمه الممثل الأميركي الشهير كيفن هارت في القاهرة، فبراير (شباط) الماضي بسبب ترويجه لتلك النظرية.

وبعيداً عما إذا كانت فكرة الإيقاف والمنع لم تكن في صالح إدارة الملف من عدمه، ومع اقتراب عرض العمل في العاشر من مايو (أيار) المقبل، فإن الجانب الغالب يرفض ما سماه تزوير التاريخ، وبشكل خاص من المعلقين اليونانيين عبر "تويتر"، بحسب ما أشار موقع "جريك سيتي تايمز"، حيث سعى المشاركون في النقاش أن يسردوا حقيقة أصول الملكة المقدونية ابنة بطليموس الثاني عشر التي خرجت من أرضهم لتحكم مصر.

الأستاذ الجامعي بدوي إسماعيل العميد السابق لكلية الآثار بجامعة الأقصر، يرى أن كون "كليوباترا" المتحدرة من قارة أوروبا بالأساس تظهر بهذا الشكل يعني أن هناك تعمداً لتزييف التاريخ، والشيء نفسه بالنسبة إلى المتعاملين معها في القصر والحاشية.

وأشار إسماعيل إلى أن حركة "الأفروسينتريك" يسيطر عليها الأميركيون الأفارقة منذ ما يقرب من قرن، وأن بعضاً من روادها كانوا يأتون في زيارات دورية إلى المعابد المصرية ويقيمون طقوساً معينة، معتبرين أن تلك الحضارة هي إرثهم، لكن المؤكد أنهم يدعون ذلك ويحاولون القفز على إنجازات حضارة لا تمت لهم بصلة، مشدداً على أن هذه الاجتماعات كانت تحدث في مصر منذ سبعينيات القرن الماضي، لكن فيما بعد انتبهت المؤسسات الرسمية لما يجري وتم منعها.

عرقيات مختلفة

الأمر لا يتعلق بالعنصرية بالمرة، لكن فقط بأهمية الاستناد إلى المعلومات الحقيقية الموثقة حين الحديث عن ملكة حكمت مصر منذ آلاف السنوات، ولم تكن جذورها تنتمي لقارة أفريقيا من الأساس، إذ ترى سحر سليم رئيسة قسم الأشعة التشخيصية بكلية الطب ومستشفيات جامعة القاهرة وخبيرة أشعة الآثار، أن المصري القديم لم يكن يهتم بالمرة بلون البشرة ولا بالاختلافات في السمات والملامح المظهرية بين البشر، حيث كان يتمتع بقيم حضارية منفتحة متقدمة ترفض التمييز العنصري، بل على العكس حتى أصحاب السمات البدنية المختلفة مثل المتقزمين وغيرهم كانوا يأخذون فرصتهم كاملة في الدولة دون أي تمييز ووصلوا إلى مناصب عليا، وكان التعامل معهم طبيعياً تماماً، والفيصل في التقدم والترقي كان يعود إلى الكفاءة، وليس لأي شيء آخر.

وأوضحت سليم أنه من الناحية التشريحية فإن الاختلاف في الملامح الخاصة بالمصري القديم تشبه تماماً ما هو حادث اليوم. وتابعت "هناك تفاوت ما بين الأنف العريضة والشفاه الغليظة، مثل الملكة تويا حماة الملك أمنحتب الثالث، وهي أم الملكة تي، فيما زوجها يويا كان يحمل ملامح وجه دقيقة، وكذلك الملك أحمس وستي الأول، فهذا التنوع هو سمة مصرية خالصة لا نزال نحافظ عليها حتى اليوم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتؤكد الأستاذة الجامعية وعضو اللجنة العلمية للعرض المتحفي بمتحف الحضارة أن المصري القديم كان يؤرخ لكل شيء، حتى إنه رسم الغرباء على جدران المعابد، لكنه ميز نفسه بلون البشرة القمحي للرجال والبشرة الأفتح للنساء باعتبارهن أقل تعرضاً للشمس، كما كانت نقوش ملابس المصري القديم مختلفة عن الجنسيات الأخرى التي رسمت على المعابد، والشيء نفسه في ما يتعلق بطريقة تصفيف الشعر، حيث حرص الفراعنة على توثيق مرور مختلف الأعراق على أرض مصر، وبحسب ما جاء في النقوش، فالأفارقة رمزوا لهم باللون الأسود، والآسيويون ببشرة شاحبة، وظهر الليبيون أيضاً ببشرة فاتحة بعض الشيء وبطريقة معينة في تصفيف الشعر.

ملكة إنجلترا سوداء أيضاً

الفكرة التي تحاول عشرات الآلاف من التعليقات أن تركز عليها على مدار يومين هما عمر طرح البرومو الرسمي للعمل الذي تجاوز مليون مشاهدة وحصد كثيراً من السخط، هي ضرورة الاستناد إلى الوثائق والمصادر العلمية، وعلى رغم الإشادات المبدئية بمستوى الإعلان فنياً، حيث يمزج بين التوثيق والتمثيل الدرامي ويستعين بآراء كثير من المتخصصين الذين يدفعون بنظرية إسهامات الأفروسينتريك في الحضارة المصرية، فإنه بحسب اللقطات التي عرضت، في الأقل، لم يستعن العمل بأي مصري متخصص في هذا الشأن ليدلي برأيه.

لكن في جانب آخر، هل يجب أخذ إنتاجات "نتفليكس" الفنية على أنها مرجع علمي أو تاريخي؟ لا سيما أن المنصة ذاتها عرضت قبل عامين فيلماً وثائقياً ذاع صيته يمجد في الحضارة الفرعونية مستعينة بفريق من المتحدثين المصريين وهم يحتفون باكتشاف أثري مهم يتعلق بمقبرة لم تمس تعود للقرن الـ25 قبل الميلاد، حمل عنوان "أسرار مقابر سقارة"، كما أن المنصة ذاتها عرضت أعمالاً أخرى مثيرة للجدل فيما يتعلق بعرق أبطالها وبينها مسلسل "بريدجرتون" (Bridgerton) بمواسمه الذي يظهر ملكة إنجلترا ذات بشرة سوداء، وهو أمر مغلوط تاريخياً، لكن في الأقل فإن المسلسل الرومانسي يستند إلى أحداث خيالية، ولم يقدم نفسه على أنه توثيق درامي يستعين بمتحدثين لهم حيثية مثلما هو الحال في سلسلة ملكات أفريقيا المزمع عرضها قريباً.

تقصير فني وإعلامي

مع ذلك، تبقى ضرورة تفنيد الأفكار المغلوطة وليس رفضها وغض الطرف عنها، ولا حتى السخرية منها، فإذا كان هناك عمل فني يعرض وجهة نظر ويدعمها بطريقته، فالأفضل أن يواجه بطريقة بعيدة من الخطابة التي لا تجد من يلتفت إليها عادة في عصر السوشيال ميديا، وهذا هو الرأي الذي يتبناه أستاذ الآثار بدوي إسماعيل، إذ يرى أنه لا جدوى من الرد على تلك المغالطات بالطرق التقليدية التي لن يتلفت إليها أحد، داعياً إلى أن يكون هناك توجه ثابت لشرح أصول الحضارة المصرية بوسائل مبتكرة تناسب هذه الجيل، مثل تقديم إنتاجات فنية رفيعة المستوى تعرض عبر جميع الوسائل وبطرق مختلفة.

وأبدى إسماعيل أسفه لعدم استمرارية الاهتمام بإبراز قيمة الحضارة الفرعونية عقب النجاح غير العادي الذي حققه حفل موكب المومياوات الملكية قبل عامين في أثناء افتتاح متحف الحضارة، حيث نال اهتماماً عالمياً واسعاً، مشيراً إلى أن الترويج للآثار ليس عن طريق جدران المتاحف فقط، بل هناك عشرات الطرق لمبتكرة التي يمكن أن تصل بها الرسائل عبر العالم، مشدداً على أن الأعمال الفنية التي تتناول الحضارة المصرية القديمة قليلة للغاية في مصر بعكس نظيرتها عالمياً.

المزيد من فنون