Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بدلت التكنولوجيا شكل الاحتفال بعيد الفطر في تونس

كان مناسبة لتبادل الزيارات واللمات العائلية وقد اختزلت هذه اللقاءات في رسائل ومكالمات هاتفية باردة

سهرات رمضانية في العاصمة التونسية (مركز التوثيق الوطني)

ملخص

#التكنولوجيا تسرق قيم عيد #الفطر وتقلص #اللقاءات_الأسرية في #تونس

بدلت التكنولوجيا الحديثة شكل الاحتفال بعيد الفطر... فبعد أن كان العيد مناسبة للزيارات المتبادلة والجمعات العائلية في تونس، بددت وسائل الاتصال الحديثة هذه اللقاءات واختزلتها في رسائل ومعايدات هاتفية باردة خالية من أي حميمية.

وأمام سطوة التكنولوجيات الحديثة، بات الحنين إلى لقاء الأهل والأحبة بشكل مباشر مطمح العديد، لما في ذلك من إشباع لحاجة إنسانية كامنة فينا وهي التواصل، والمفارقة أن وسائل الاتصال الحديثة فتحت لنا نافذة على العالم، إلا أنها في المقابل عززت مبدأ الانفراد، وقتلت اللقاءات المباشرة والزيارات بين الأهل.

رسائل معايدة نمطية وباردة

كمال الرحموني رجل يبلغ الخمسين من عمره، يعمل ميكانيكياً في تونس العاصمة منذ أكثر من 30 سنة، متزوج وأب لطفلين، ينجدر من ولاية باجة الواقعة في الشمال الغربي للبلاد، تحدث بشوق عن عيد الفطر في الثمانينيات والتسعينيات، وهو يسعيد شريط الذكريات الجميلة التي جمعته بالأهل والأصدقاء، حين كان يشارك والديه وأقاربه الاحتفال بالعيد في مسقط رأسه.

يفرك بأصابعه لحيته التي غزاها الشيب، ويستحضر الزيارات التي كانت تأخذه مع أشقائه وأبناء أعمامه إلى الأهل للمعايدة، ولقاء الأحبة والأصدقاء، وتبادل أطراف الحديث، ويخبر كيف اعتادوا أن يختموا نهارهم بلقاء مسائي تحت شجرة الزيتون أو لعب الورق في مقهى الحي.

بعد سفر في الذكريات، أخذ كمال نفساً من سيجارته التي تكاد تحرق أطراف أصابعه، ثم ترحم على والديه وقال، "منذ وفاة والداي فقدت طعم الأعياد، ولم أعد أزور مسقط رأسي إلا في مناسبات قليلة ومتباعدة".

ويضيف بحسرة بادية على وجهه، "قلبي ينفطر لغياب التواصل اليوم والاكتفاء برسالة نمطية باردة لا شحنة عاطفية فيها يتم تدويرها على كل الأصدقاء".

حاجة إنسانية

ويؤكد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، سامي نصر،  "إننا اليوم نعيش حياة اجتماعية غير طبيعية، لأن الحياة الاجتماعية تقوم على أساس التواصل، وقد طغت الاتصالات من بعد على روتيننا اليومي، وهو قتل للتواصل الإنساني".

ويضيف أن "الاتصال من بعد يجب أن يكون مكملاً للتواصل"، لافتاً إلى أن "التفاعل المباشر بين الناس هو حاجة إنسانية خالصة، لأن الإنسان اجتماعي بطبعه، أما اليوم بات الإنسان كائناً "فيسبوكياً" صنع لنفسه عالماً افتراضياً استعاض به عن العالم الحسي، وهذاخلل اجتماعي لا بد من معالجته".

وقال نصر "أصبحنا نتحدث عن حياة اجتماعية بديلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبتنا نرسم حياة موازية للحياة الطبيعية، تقوم على الافتراض، فظهرت مصطلحات جديدة كالصداقة الافتراضية، والحب الافتراضي، حتى صلة الرحم في العالم الافتراضي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووصف الحال التي نعيشها اليوم في ظل التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي بـ"المرض الاجتماعي الذي يتطلب المعاينة والعلاج من خلال حسن إدارة الحياة الاجتماعية، وترتيب الأولويات الاجتماعية، والتشبع بقيم المحبة، والإيمان بأهمية التواصل الأسري عبر تبادل الزيارات وتبادل التهاني بشكل مباشر، وتعزيز المبادرة نحو التواصل مع الآخر من أجل إنعاش قيم صلة القرابة ولم الشمل لحياة اجتماعية متوازنة وطبيعية".

ضغط الحياة

تقليص تبادل التهاني في العيد واختزالها برسائل باهتة يقلل الجانب التواصلي المباشر، لا سيما لدى جيل الشباب الذي يفضل الانطواء على نفسه في عالمه الافتراضي متوجساً من التواصل المباشر مع الآخر.

هذه النزعة نحو الانفراد والانعزال كرسها الانغماس المفرط في العالم الافتراضي الذي يتيح كل أدوات الاتصال الشفوي والمصور.

أماني السلامي طالبة جامعية، تتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع مئات الآلاف من متابعيها عبر مختلف المنصات الاجتماعية، تعتبر أن "أجواء العيد عاشتها في طفولتها، أما اليوم فالعلاقات الأسرية تأثرت بالفتور والتباعد كما أن الحسابات الضيقة والمصالح طغت على الجانب الإنساني في علاقاتنا".

وترى السلامي أن "التكنولوجيا الحديثة سهلت حياة الناس وذوبت المسافات"، وهي تعتبر أنها تعيش "واقعاً افتراضياً صاخباً بالأصدقاء من مختلف أنحاء العالم".

وتضيف أماني أنها بادرت للتواصل مع بعض الأقارب من أجل خلق روابط وتآلف إنساني، إلا أن تسارع نسق الحياة، والضغط وقلة ذات اليد، أسهمت في انحسار العلاقات الإنسانية والاكتفاء بالاتصال من بعد عبر وسائل الاتصال الحديثة بدل الزيارات بين الناس في العيد وفي غيره من المناسبات".

اتسعت هذه النزعة لتشمل العلاقات الإنسانية بشكل عام، فأصبحت المدن الحديثة جزراً منفصلة عن بعضها بعضاً، تفصل بينها حواجز إسمنتية تمنع الناس من التواصل المباشر، وبات الناس يتجنبون التواصل مع الآخر حتى في وجود مساحات مشتركة كالسكن في العمارة نفسها أو الحي نفسه.

بالأمس في غياب وسائل الاتصال الحديثة، كان العيد مناسبة لخلق فضاء للنقاشات الإنسانية وتبادل التهاني بشكل مباشر وتذوق الحلويات، أما اليوم فتعزز الاتصال من بعد عبر وسائل التكنولوجيا ليزيد العزلة والانطواء على الذات، ما أسهم في انتشار الأمراض كارتفاع حالات الإصابة بضغط الدم وإدمان الكحول والاكتئاب وغيرها.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات