ملخص
يشكل انهيار #الدولة_السودانية وتحولها إلى دولة فاشلة بالكامل ومرتع للتدخلات الأجنبية وربما القواعد العسكرية الأجنبية خطراً على #الأمن_القومي_المصري
لا شهر رمضان ولا عشره الأواخر يردعهم ولا عيد الفطر السعيد سيوقفهم، إذ اندلع العنف والاقتتال بالرصاص والمدفعية والطيران وكل أنواع الأسلحة صباح السبت الماضي بين قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان وبين نائبه رئيس قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بـ "حميدتي"، ولاحظ أن رتبة القائد أعلى من رتبة النائب بحسب الترتيب الهرمي العسكري، وهذا بحد ذاته واحد من دلائل عدة على الفوضى التي تعيشها البلاد منذ أن أمسك العسكر بزمام الأمور فيها بانقلاب إبراهيم عبود عام 1957، فالسودان عاش حالات انقلابية عسكرية ناجحة وأخرى فاشلة منذ استقلالها عام 1956 بلغت 15 انقلاباً عسكرياً، أي بمعدل انقلاب عسكري كل أربع سنوات وثلث تقريباً.
وما اقتتال اليوم إلا حلقة في سلسلة طويلة من عنف العسكر السودانيين في البلاد، لكن هذه الجولة مختلفة عن سابقاتها فهي ليست مثل الانقلابات التقليدية التي تبدأ باعتقال الرئيس والسيطرة على الإذاعة والتلفزيون وتقرأ على الجماهير البيان رقم واحد "للثورة" على الفساد والظلم والتبعية والخيانة إلى آخر القائمة التي لا يخلو منها أي بيان رقم واحد لانقلابات العسكر في بلادنا منذ أول انقلاب عسكري عربي - عراقي عام 1936 الذي عرف بانقلاب بكر صدقي.
الاقتتال في السودان هذه المرة مختلف تماماً، فقوات الجيش السوداني البالغ عددها نحو 150 ألفاً تقاتل قوات الدعم السريع التي يبلغ تعدادها نحو 100 ألف مسلح، والقتال هذه المرة يجري داخل المدن الرئيسة ومن بينها الخرطوم العاصمة، وهو اقتتال شامل لا يستثني أحداً ولا مبنى ولا مناطق ولا مدارس ولا أي شيء آخر.
إنه قتال جنوني بلغ في اليوم الثالث بحسب التقديرات التي لا يمكن التحقق منها أكثر من 200 قتيل وآلاف الجرحى، والمأساة مستمرة في بلد يعيش أكثر من 65 في المئة من سكانه تحت خط الفقر، وتنهار عملته التي تعيش اقتصاداً بلغ التضخم فيه 200 في المئة، وهذه الحرب المجنونة بين العسكر على السلطة ستعمق حتماً الانهيار الاقتصادي وتجلب مزيداً من الدمار للسودان وشعبه المنكوب، فالتوقعات لا ترى في الأفق نوراً لنهاية هذا النفق الدامي الذي دخله السودان السبت الماضي، على رغم الجهود والدعوات والمناشدات التي تقوم بها مصر ودول الخليج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إن المتضرر الأكبر من هذه الحرب الداخلية بعد الإنسان السوداني العادي هو الأمن القومي المصري، فمصر تعتبر السودان امتداداً لعمقها الإستراتيجي ورافداً مهماً لبعدها القومي، وكان ملك مصر يسمى ملك مصر والسودان قبل الاستقلال، وترى مصر في تدهور أوضاع السودان إضافة خطرة إلى الانهيار الليبي الواقع غرب البلاد، فانهيار الحدود الجنوبية المصرية مع السودان وتحوله إلى فوضى تضاف إلى الفوضى الليبية التي تحد مصر غرباً سيشكل عبئاً جسيماً على الحسابات الأمنية المصرية، فتحول ليبيا والسودان إلى دولتين فاشلتين يعني تهريب السلاح والمخدرات والهجرات والإرهاب عبر الحدود المصرية السودانية البالغة 1300 كيلومتر تقريباً، مثلما الحال عبر الحدود المصرية - الليبية البالغة 1100 كيلومتر تقريباً، والتي خلقت حرباً يخوضها الجيش المصري لوقف التهريب والإرهاب وتدفق الهجرات الفوضوية.
وترى مصر في السودان رادعاً مهماً للتطلعات الإثيوبية بالاحتكار المائي لنهر النيل وتداعيات بناء سد النهضة الإثيوبي على الأمن المائي للسودان ومصر المرتبطتين بكميات المياه المتاحة من النيل لبقاء الحياة فيهما.
كما يشكل انهيار الدولة السودانية وتحولها إلى دولة فاشلة بالكامل ومرتع للتدخلات الأجنبية وربما القواعد العسكرية الأجنبية التي ستشكل خطراً على الأمن القومي المصري، وبالتبعية على الأمن القومي العربي، فلا جدال أن الخطر على الأمن القومي المصري له ارتداداته على كل الدول العربية.
في حديث مع دبلوماسي مصري سابق حول القلق المصري من الاقتتال السوداني قال لي "حين اقتتل الليبيون في بنغازي شعرنا بأن الاقتتال في مرسى مطروح أو الإسكندرية، وباقتتال السودانيين اليوم نشعر بالقتال وكأنه في شوارع القاهرة وأسيوط".
كان الله في عون السودان وأعان الله مصر على مصائب جيرانها الأشقاء الأشقياء.