Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يحمل المستقبل للحزب الحاكم في إسكتلندا؟

مشكلاته لن تنهي سعي البلاد إلى الحصول على استقلالها

الزعيمة السابقة للحزب القومي الإسكتلندي نيكولا ستورجن (غيتي)

ملخص

ترى الكاتبة ماري ديجيفسكي أن الحزب القومي الإسكتلندي يتبنى قضية واحدة وعندما يخسرها سيصبح مصيره مجهولاً

انهيار جبل جليدي، أو انفجار من الداخل، أو خروج قطار عن سكته، بغض النظر عن توصيفكم لما جرى في السياسة الإسكتلندية على مدى الأسابيع الثمانية الماضية، فإنه من الصعب تخيل أي عودة سريعة لسطوة الحزب القومي الإسكتلندي على أمور البلاد. كما يصعب أيضاً الشعور بأي شيء آخر غير التعاطف مع الزعيم الجديد للحزب القومي الإسكتلندي، حمزة يوسف الذي ترك بمفرده للتعامل مع التركة الممزقة التي ورثها كزعيم للحزب.     

إن الغارة الصباحية التي شنتها قوات الشرطة على المنزل المشترك لزعيمة الحزب السابقة نيكولا ستورجن وزوجها، وهو الرئيس التنفيذي السابق للحزب، بيتر موريل زادت من فداحة ما يتعرض له الحزب القومي، خصوصاً أن أحد الجيران تخوف مما هو أسوأ وربما حدوث جريمة قتل، بعدما أقامت قوات الأمن خيمة زرقاء في حديقة المنزل.

لم تكن هناك جريمة قتل ــ لكن نعم، كان هناك موت، ولكن من نوع آخر. موت الحلم بالنسبة إلى بعض الإسكتلنديين بتحقيق الاستقلال، وربما يستمر موت الحلم ذلك لجيل كامل في الأقل. منذ توقيتها إعلان استقالتها من زعامة الحزب التي كانت غير متوقعة بتاتاً قبل ثمانية أسابيع، إلى موعد تسليمها قيادة الحزب إلى الزعيم الجديد قبل ستة أسابيع، أدارت ستورجن عملية خروجها من الساحة السياسية بشكل بارع للغاية، إذا ما أخذنا في الاعتبار الظروف التي أصبحنا نعرفها حالياً. بغض النظر عن سير الأمور بعد ذلك (ولا بد من الإشارة إلى أن زوجها بيتر موريل أخلي سبيله من دون توجيه أي تهم إليه بعد 11 ساعة من الاستجواب)، فإن الوزيرة الإسكتلندية الأولى ستشهد لها مسيرتها على أنها كانت شخصية سياسية قادرة ــ حتى لم تعد كذلك فجأة.

الحقيقة هي أن قرارات بعينها في غير محلها ربما تكون لعبت دوراً أسهم في إطاحتها، منها دعوتها إلى إجراء استفتاء ثان التي بدت سابقة لأوانها، خصوصاً أنها كانت لا ترتكز على أسس متينة إذا أخذنا في الاعتبار اتجاهات استطلاعات الرأي. إن جهودها في السعي إلى أن تكون أكثر تقدمية من بقية دول الاتحاد في خصوص تحديد هوية الأفراد المتحولين جنسياً، عاد بالمنفعة على أعدائها ليس فقط في إسكتلندا، لكن في العاصمة لندن أيضاً. إن قدراتها المعتبرة في الإقناع لم تكن مجدية في خصوص قرارها هذا ــ والحكومة في وستمنستر تصرفت بالطريقة المعتادة لفرض الحدود القائمة على مبدأ نقل السلطات [للأقاليم]. 

وفيما تلوح إمكانية خسارة [الحزب القومي الإسكتلندي] لمقاعد برلمانية في الانتخابات العامة المرتقبة عام 2024، واعتماد معظمها في البرلمان المحلي في إسكتلندا على دعم حزب الخضر، فإن واقعيتها السياسية دفعتها إلى استخلاص الاستنتاج الصحيح.

لكن من الخطأ برأيي اعتبار استقالتها مجرد أمر يخصها شخصياً. إن مصيرها لا يمكن فصله عن مصير حزبها، وربما هنا تقع جذور الأكاذيب التي تتكشف حالياً. إن الحزب القومي الإسكتلندي هو حزب يتبنى قضية واحدة، فهكذا تكوّن الحزب وهكذا تطور ونما. إن فرصه عكست قضايا وأسباب الرغبة في استقلال إسكتلندي، فهل كان لرواج شعبيته كقضية حزبية سبب أو نتيجة؟

انظروا حول العالم إلى الأحزاب التي تتبنى قضية واحدة كعلة لوجودها والتي تفوز باحتكار كامل للسلطة إما عن طريق نقل السلطات أو من خلال الحصول على الاستقلال، لطالما انتهت بعدما استنفدت الأسباب التي بررت وجودها. وفي غياب أي قوة سياسية معارضة في إسكتلندا، تساهل الحزب في الجري خلف أهدافه. وهكذا انغلق الحزب على نفسه، وانقسمت قيادته إلى جماعات وشيع [متناحرة]. وتجاهل أعضاؤه المشاعر الشعبية العامة (لأنهم يعتقدون بأن معرفتهم بنبض الشارع أفضل من غيرهم). وهكذا اعتبروا أن سلطتهم لا ينازعهم عليها أحد، ومن ضمن ذلك قدرتهم على تسيد الساحة عبر الزبائنية والمال أيضاً.  

راجعوا المثال الكلاسيكي لما جرى لحزب المؤتمر الشعبي الأفريقي في دولة جنوب أفريقيا، فقضيته النبيلة التي ناضل من أجلها ومنحته فرصة وربما الفرص الكثيرة في الواقع، ولكنه أضاعها. هكذا هو مصير كثير من الأحزاب التي تتبنى قضية واحدة بعد فوزها بالسلطة، لكن عاجلاً أم آجلاً فإنها جميعها تعاني في الحكم.

في عز صعود الحزب القومي الإسكتلندي كانت إسكتلندا دولة الحزب الواحد على المستويات كافة إلا في تسميتها. ما كان يمكن اعتباره "طبيعياً" في المد والجزر السياسي لطالما انتهى أو جرى التخلي عنه وتجاهله. إن المؤشرات التي بدت على النظام التعليمي الإسكتلندي الذي لطالما كان محل إعجاب، والأمر نفسه بالنسبة إلى النظام الصحي الإسكتلندي وقطاع الخدمة المدنية، كلها أظهرت تهاويها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن ستورجن كانت استحقت الثناء على قيادتها المباشرة والسديدة خلال فترة الجائحة، لكن أداء إسكتلندا عملياً بالنسبة إلى معدل الوفيات والإصابات بالعدوى بالكاد اختلف عن إنجلترا. ومع انتهاء الجائحة، عادت الاهتمامات بشؤون البلاد اليومية لتحتل المرتبة الثانية من جديد على سلم الأولويات بعد الأهداف القومية المجيدة، وكان للسعي إلى إجراء استفتاء ثان الأثر المميت على مستقبل الحزب.

من السهل النظر إلى الماضي، وأن نتساءل لماذا كان معظم رؤساء الوزراء البريطانيون من توني بلير، وصولاً إلى ليز تراس، قلقين جداً من مسألة صعود القومية الإسكتلندية. فكل ما كان عليهم فعله - خصوصاً بعد خسارة الاستفتاء في 2014 - هو أن يجلسوا مرتاحين، وأن يقوموا من حين إلى آخر (وبهدوء) بتذكير بمحدودية مسألة نقل السلطات المالية والقانونية، ويتابعوا كيف سيقوم حزب القومية الإسكتلندية باستهلاك نفسه.

بالنظر إلى الماضي، حتى "بريكست" - حيث اختلف التصويت حيال المسألة بشكل كبير في إسكتلندا عنه في إنجلترا - ربما لم يشكل قوة التأثير الأساسية التي أوحى بها أثناء التصويت عليه. إن الاستقلال الإسكتلندي لا يبدو أنه سيعود كقضية تهدد جدياً حال الاتحاد في المستقبل القريب. بالطبع، إن وحدة بريطانيا العظمى تبدو آمنة بشكل أكبر اليوم مقارنة وبشكل عملي بأي وقت ومنذ بداية عملية نقل السلطات. إذا كان أي جزء من المملكة المتحدة في طريقه إلى الانفصال، فإن تلك المنطقة ربما ستكون إقليم إيرلندا الشمالية.

دعوني هنا أقدم ملاحظة إضافية ربما تكون شاذة قليلاً. إن المشكلات التي من شأنها أن تكون قاتلة بالنسبة إلى الحزب القومي الإسكتلندي لن تضع حداً لمساعي الاستقلال الإسكتلندي وليس عليها ذلك. لقد سافرت عبر المناطق الإسكتلندية قبل الاستفتاء على الاستقلال في إسكتلندا عام 2014، وأمضيت السبت في تاريخ السادس من سبتمبر (أيلول) في غلاسكو. وكان ذلك هو اليوم الذي لا بد لنا من أن نتذكره، قبل أن تعلن الصحف الصادرة الأحد أن الاستفتاء أظهر أنه يمكن أن يكون المؤيدون للاستقلال حصلوا على غالبية الأصوات.

ذاك الاقتراع بث الذعر في وستمنستر [حكومة لندن]. الثلاثاء الذي سبق الاستفتاء، قام زعماء الأحزاب البريطانية كافة بالمسارعة لزيارة إسكتلندا. [رئيس الوزراء السابق وهو من إسكتلندا] غوردن براون ألقى عدداً من الخطابات تدافع جميعها عن الاتحاد. الملكة إليزابيث قامت أيضاً بمد يدها [للدفاع عن الاتحاد] بلطف شديد. في الـ18 من سبتمبر، خرج الاتحاد سليماً آمناً من الامتحان بفارق بلغ قدره 10 في المئة من أصوات المقترعين.    

لكن ما أذكره تماماً من تلك الأحداث، هو الحماسة، والأمل والشعور بأنك تعمل من أجل قضية محقة من قبل العاملين في الحملة الساعية إلى الاستقلال، خصوصاً بين داعميه من شريحة الشباب. لدى إسكتلندا تاريخ وتقاليد قديمة تخصها هي وحدها. فلدى أبنائها شعور قوي بالهوية القادرة ليس فقط على دعم مبدأ المواطنة، ولكن أيضاً على العمل من أجل ازدهار الدولة المستقلة. وهم لن يقبلوا بأي شيء أقل من النجاح في تحقيق ازدهار اقتصادي كأساس [لذلك الاستقلال]. فحيث هناك ما يكفي من العزم، هناك دائماً طريق لتحقيق الهدف.

لذلك فإنه في يوم من الأيام، سيتمكن جيل جديد من الإسكتلنديين من تحقيق استقلالهم على ما أعتقد، وأتمنى أن يكون ذلك بوسائل سلمية وأن يكون انفصالاً ودياً. وسيحكم المؤرخون في ذلك الوقت إلى أي مدى ساعد أو أعاق الزعيمان (أليكس) سالموند و(نيكولا) ستورجن من حزب القومي الإسكتلندي المساعي لتحقيق الاستقلال.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء