ملخص
تضررت أنشطة منظمات إغاثية وصحية جراء الاشتباكات ولم يكن لديها خيارات أخرى غير تعليق عملها
تتزايد المخاوف من انهيار الأوضاع الصحية والإنسانية في السودان بشكل كامل مع اقتراب المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع من اتمام أسبوعها الثاني.
وتلقى القطاع الصحي ضربات موجعة بسبب الحرب في البلاد، خرجت على أثر ذلك 70 في المئة من مستشفيات العاصمة الخرطوم من الخدمة بحسب نقابة الأطباء، وأتلفت أطنان من الأدوية نتيجة للانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، فضلاً عن تعرض سيارات الإسعاف للاعتداءات النارية رغم نقلها مرضى ومسعفين. وإزاء هذا الوضع الكارثي، اضطرت المنظمات الإنسانية الدولية والوطنية إلى تعليق أعمالها في السودان الأمر الذي فاقم من الأزمات المتدهورة.
مؤشرات خطرة
مع مرور الأيام تضاعف سوء الأوضاع ليطال المواد الغذائية بسبب إغلاق المحال التجارية والمخابز، كما يعاني المواطنون الأمرين في الحصول على الحاجات الأساسية مثل المياه والكهرباء والصحة.
وبحسب هيئات إغاثية عالمية، فإن عدد السودانيين المفتقدين للأمن الغذائي بلغ نحو 11.7 مليون إنسان، منهم 8.2 مليون يعتمدون على المنظمات الإنسانية لتأمين الغذاء، كما يحتاج 10 ملايين إلى الخدمات الصحية، وقرابة أربعة ملايين من الأطفال للحماية.
وقال المواطن عروة الهادي، إن "توقف المنظمات الإنسانية يعني وجود كارثة تهدد الآلاف، وليس هناك خيار لدينا سوى الانتظار والأمل في أن يعود الدعم، في وقت يزيد فيه انتشار الفقر المادي والمعاناة". وأضاف "لا أدري ماذا سنفعل إذا توقفت المستشفيات عن العمل، فكلفة الأدوية مرتفعة، وغالبية الناس يجدون بالكاد ما يأكلون، فهم محاصرون داخل منازلهم من دون أن يكون لديهم عمل أو مصدر دخل"، لافتاً إلى أن "كثيراً من الأسر لا تستطيع تأمين الرعاية الصحية". وتابع "التفكير في الوضع الحالي يصيبني بالرعب والشفقة، وأحزن على حال أصحاب الأمراض المزمنة، الذين يحتاجون إلى غسيل الكلى وعجزهم عن الوصول إلى المشافي بجانب إغلاق التي تقع بالقرب من مناطق سكنهم ما يهدد حياتهم".
أوضح الهادي أن "الانعكاسات السلبية لتوقف أنشطة المنظمات الإنسانية كبيرة على الناس، لأن النشاط الاقتصادي متوقف والحياة المعيشية في خطر، ويواجه المصابون جراء إطلاق النار العشوائي في المنازل صعوبات جمة في سبيل الوصول إلى المستشفيات ما يعرضهم للموت بسبب عدم تلقي العلاج".
خارج الخدمة
وتعالت الأصوات المطالبة بوقف القتال، لا سيما مع خروج المرافق الصحية عن الخدمة.
في الأثناء، أعلنت نقابة أطباء السودان تعرض ست سيارات إسعاف للاعتداء من قبل القوات العسكرية المتقاتلة. وقالت إنه تم منع الطواقم الطبية ولم يسمح لها بالمرور لنقل المرضى وإيصال المعونات. ولفتت إلى أن 70.8 في المئة من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباك ما زالت متوقفة عن الخدمة، لافتة إلى أن 56 منها متوقفة عن الخدمة من أصل 79 مستشفى أساسية في الخرطوم والولايات، في حين أن 23 تعمل بصورة كاملة أو جزئية. وشرحت أن عدداً من تلك المستشفيات تقدم إسعافات أولية فقط، وهي مهددة بالإغلاق كذلك نتيجة نقص الكوادر والإمدادات الطبية والمياه والتيار الكهربائي.
من جهتها أشارت منظمة الصحة العالمية إلى ما يواجهه المسعفون والممرضات في الخطوط الأمامية والأطباء وسط الاشتباكات في السودان، من عجز عن الوصول إلى المدنيين المصابين، بسبب انعدام الأمن والهجمات على سيارات الإسعاف والمرافق الصحية.
وقال الطبيب في مستشفى أم درمان، هيثم عمر، إن "الأوضاع صعبة والتأخر في طلب المساعدة الطبية يعني أن عدداً من الجرحى سينزفون حتى الموت، وهناك نقص كبير بوحدات الدم وصعوبة في علاج المصابين". وأضاف أن "وقف استقبال المشافي للمرضى نهائياً، سيناريو لا يستبعد أن تتسع رقعته ما يهدد صحة الناس، كما أن انقطاع الكهرباء يؤثر بشكل كبير على من يتلقون العلاج لأن تعرق المريض في ظل ارتفاع درجات الحرارة يعرض الجروح لمضاعفات خطرة، وأصبحت المستشفيات أمام ظروف إنسانية صعبة في ظل اضطرارها إلى الموازنة بين قدرات الاستيعاب المحدودة والمسؤوليات الصعبة المرتبطة باستقبال مرضى لا تستطيع توفير علاجات مناسبة لهم، مما يدفع كثيراً منها إلى عدم استقبالهم".
وناشد الطبيب السوداني طرفي الصراع وضع السلاح جانباً واللجوء إلى الحلول السلمية وتجنيب البلاد خطر الانقسام والدمار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مناشدات عاجلة
ويخشى كثيرون من التوقف الكامل للمستشفيات خلال الفترة القادمة في حال استمرار الاشتباكات. وقال أحد المواطنين بمنطقة أم بدة، في أم درمان، ويدعى سالم يونس، إن "تعرض بعض المرافق الصحية للضربات العسكرية والاعتداء على سيارات الإسعاف أثناء وجود المرضى والمسعفين بها واحتلال المستشفيات من قبل القوات العسكرية انتهاك صارخ للقانون الدولي والحق في الصحة".
وشدد يونس على ضرورة "تأمين الوصول الأمن للمصابين والعاملين الصحيين وسيارات الإسعاف إلى المستشفيات في جميع الأوقات".
وأعلنت نقابة الأطباء السودانية مقتل 243 وجرح 1335 مدنياً منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
من جهته أشار وزير الصحة السوداني، هيثم محمد إبراهيم إلى التداعيات الكارثية على المنظومة الصحية في البلاد التي كانت تصارع أساساً قبل الأزمة الراهنة. ووجه الوزير نداءات عاجلة للسعي إلى وقف الحرب والالتزام بفتح مسارات للإسعاف وسيارات المرضى والنداء للمنظمات الدولية بضرورة تقديم العون بالإمدادات الطبية العاجلة التي حددتها الوزارة. وأضاف أن "استطالة مدة القتال تشكل مخاطر جمة على أصحاب الأمراض المزمنة والكلى والأورام وعمليات تحصين الأطفال والطوارئ والأوبئة التي يتوقع أن تكون في تزايد كبير مع بداية موسم الأمطار هذا العام".
تردي الوضع الإنساني
ومع تعثر جهود التهدئة والالتزام بالهدنة التي أعلن عنها، مساء الإثنين، تسود أجواء الخوف والذعر بين المواطنين، ما ينذر بعواقب شديدة الخطورة على الوضع الإنساني المتردي أساساً.
وقال الموظف السابق بمفوضية العون الإنساني جبريل حمدان، إن "المعارك العنيفة الدائرة حالياً في السودان تعرقل إيصال المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، في بلد يعتمد بشكل كبير على الدعم الدولي في هذا الشأن"، مضيفاً أن "هناك منظمات إغاثية وصحية تضررت أنشطتها جراء الاشتباكات، ولذلك لم يكن لديها خيارات أخرى غير تعليق عملها". وتابع حمدان "لم يختلف الحال مع منظمات أخرى، مثل "أنقذوا الأطفال" التي قالت، إن سياراتها والمبردات المملوكة لها وإمداداتها الطبية، سرقت مع احتدام القتال، ما تزامن مع عجز وكالات إغاثية أخرى عن مواصلة عملها في كثير من المناطق المتضررة جراء المعارك خصوصاً في بعض أجزاء إقليم دارفور".