ملخص
عشائر عربية تتهم "حزب الله" بالتدخل في القضاء بعد صدور أحكام استثنت مؤيديه بعد إشكال معه عام 2020
أعادت الأحكام القضائية الصادرة عن المحكمة العسكرية اللبنانية، نكأ جراح الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة خلدة (جنوب بيروت)، بين مناصرين لـ"حزب الله" والعشائر العربية. وكان أبناء العشائر نفذوا في أغسطس (آب) 2021 جريمة ثأرية بحق متهم بقتل أحد أبنائهم في عام 2020.
وتسلل التوتر السياسي إلى منطقة خلدة من جديد، بعد إصدار رئيس المحكمة العسكرية العقيد الركن خليل جابر الأحكام القضائية الأخيرة في ملف "أحداث خلدة"، التي تراوحت بين الأشغال الشاقة والإعدام، على 36 متهماً من عشائر خلدة من بينهم 19 موقوفاً، ووصلت العقوبات بالحكم على المتهمين بالسجن 10 سنوات، وبحكم الإعدام على تسعة من المتوارين عن الأنظار.
في حين لم تتم ملاحقة أو معاقبة أي عنصر مناصر لـ"حزب الله" أو لإحدى أذرعه العسكرية المعروفة باسم "سرايا المقاومة"، على رغم من ثبوت مشاركتهم في الإشكال المسلح، حيث تشير أوساط العشائر العربية إلى أن الحزب استطاع التنصل من المسؤولية، وحماية عناصره من الملاحقة والمساءلة، وفرض المحاكمة على أبناء عرب خلدة فقط.
الأمر الذي فتح النقاش حول أداء المحكمة العسكرية التي تواجه اتهامات بالانحياز كونها لم تجرم أياً من مناصري "حزب الله" المتورطين في الإشكال، وبخاصة أن ووجوههم ظهرت في المقاطع المصورة، وهم المعروفون بالأسماء، ما دفع الأهالي إلى قطع الطرق ورفع صوت الاعتراض على استنسابية التعاطي في الأحكام.
جمع المعارضة
واستنكاراً للأحكام القضائية تداعت قوى المعارضة من مختلف أطيافها الطائفية والحزبية، للتضامن مع العشائر العربية ورفض مما اعتبروه عزلاً للعشائر وللتأكيد أن قضيتهم قضية وطنية جامعة، وليست قضية طائفية كما يحاول البعض تصويرها.
ونظمت العشائر في خلدة لقاء عشائرياً سياسياً ضخماً لافتاً حضره وشارك فيه نواب من كتل نيابية وأحزاب وشخصيات مسيحية إضافة طبعاً إلى الحضور اللافت للرمز السني الديني المتجسد بمفتي الجمهورية اللبنانية ومفتي المناطق ووجوه عشائرية من كل المحافظات اللبنانية.
وفي هذا السياق قال الشيخ خلدون عريمط الذي مثل مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، إن العشائر العربية لا تريد إلا الدولة وسيادة الدولة، رافضاً الأحكام الجائرة التي صدرت عن المحكمة العسكرية، التي تناولت طرفاً واحداً.
وتوجه إلى العشائر العربية قائلاً "تأكدوا أنه لا وجود للبنان من دونكم ومن دون تطبيق حقوقكم ولا يزايد أحد علينا بتحرير القدس فأنتم حراس القدس شاء من شاء وأبى من أبى"، مضيفاً "أؤكد لكم أن المفتي دريان والنواب الحاضرين سيتابعون قضيتكم في محكمة التمييز وفي كل المحافل وصولاً إلى تحقيق العدالة".
كذلك دعا رئيس "حركة الاستقلال" النائب ميشال معوض "إلى تشكيل لجنة نيابية لكي تتابع قضية الموقوفين في أحداث خلدة سياسياً وقضائياً". وشدد "على أن طريق القدس لن تمر بخلدة"، مضيفاً "أتينا لنقول إننا متمسكون بالعدالة التي لا تتجزأ"، معتبراً "أن واجبات المحكمة العسكرية تكون فقط على العسكريين وليس المدنيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انقلاب على التسوية
ويشير مصدر في العشائر إلى أن الأحكام "أتت طعنة وانقلاباً على التسوية التي تم الاتفاق عليها، التي تضمنت تخفيض العقوبات إلى دون السنوات الخمس وإقفال هذا الملف نهائياً على أن تشمل مدانين من الطرفين، إلا أن ’حزب الله’ لم يطبق الاتفاق، واستطاع من خلال نفوذه الواسع داخل القضاء والمنظومة السياسية الانتقام على طريقته من العشائر وأبناء خلدة".
وتخوف من أن يؤدي الاحتقان الشعبي في منطقة خلدة، الذي بدأ يتسرب إلى الشارع خلال، نتيجة الإخلال بالشروط والضمانة التي قدمت لهم من "حزب الله"، إلى عودة الفوضى أو حدوث إشكالات تفاقم الموقف.
غير معنيين
وفي وقت رفضت مصادر "حزب الله" التعليق على الأحكام القضائية، اكتفت بالتأكيد أن الحزب لم يتدخل في الأحكام وأن التوتر الناتج عنها هو عملية "استثمار" سياسية للتصويب على الحزب والتحريض عليه.
في حين أكد مصدر عسكري مقرب من المحكمة العسكرية، أن الأحكام أتت بناء على وقائع وقرائن قانونية وأن الاعتراض عليها هو حق قانوني للمدانين باعتماد الأصول التي يرعاها القانون، الذي أتاح التمييز في الأحكام الصادرة لإعادة تصويب العدالة إذا رأى المدانون أن الأحكام الصادرة بحقهم ظالمة.
وعن الانقلاب على التسوية والمصالحة التي جرت بين الحزب والعشائر لطي صفحة النزاع، أكد أن المرجعية الوحيدة التي تصدر على أساسها الأحكام هي القوانين، وأن المحكمة غير معنية بمفاوضات ومصالحات جانبية.
الخريطة مقبلة
وتشير المعلومات إلى أن مشايخ العشائر تدرس خطواتها المقبلة، حيث يتحضر وكلاء الدفاع عن المدعى عليهم لتقديم طلبات بالتمييز بالأحكام الصادرة، على اعتبار أن هناك كثيراً من الثغرات القانونية في الأحكام. ويأمل أحد وكلاء الدفاع من اللجنة الثلاثية، المحامي محمد صبلوح، أن "يجد الموقوفون العدالة في محكمة التمييز بعد أن فقدوها في الهيئة العسكرية الدائمة التي أصدرت أحكاماً مجحفة".
كذلك وضعت خريطة طريق مبنية على 10 نقاط أساسية لإعادة تصويب الملف من أجل احتواء التوتر، وهي إنهاء ذيول الأحداث جذرياً، حفظ الحقوق والكرامة والخصوصية، إطلاق سراح كل الموقوفين العرب، الحرص على السلم الأهلي، تعزيز العيش المشترك وميزة التنوع، سيادة القانون (وروحية القانون)، اعتماد لغة الحوار، العشائر لن تسمح لأحد إطلاقاً بالتوظيف السياسي أو الابتزاز الانتخابي لمسألتها المحقة، العشائر العربية في خلدة تدرك حقيقة حسابات كل القوى والأطراف ونواياها واستراتيجياتها، وإنجاز المصالحة العادلة والنزيهة والمتماسكة والمتوازنة مع الآخر، تحفظ الكرامة الإنسانية.
العين بالعين
وترجع القضية إلى أغسطس (آب) 2020، حينما سقط قتيلان، أحدهما الفتى حسن زاهر غصن (14 عاماً)، وعدد من الجرحى، خلال اشتباك وقع بين شبان من المنطقة، ومجموعة من مناصري "حزب الله" على خلفية تعليق لافتة عن ذكرى "عاشوراء" قبيل احتفال كان ينظمه الحزب.
ويروي أحد مشايخ العشائر أن الفتى حسن غصن قـتل بدم بارد من أجل صورة علقها علي شبلي واعترض عليها البعض، وكان المغدور حسن غصن بينهم فأصابته رصاصة شبلي فوقع على الأرض أمام عيني والدته.
وقال، إنه بعد الحادثة طالب مشايخ العشائر بالاحتكام إلى القانون ومحاسبة القاتل، فتعهدت الدولة وأجهزتها بالقبض على الفاعل ومحاسبته، مؤكداً أن "حزب الله" تعهد حينها برفع الغطاء عن علي شبلي وتسليمه للدولة، إلا أن كل تلك التعهدات بقيت وعوداً من دون تنفيذ.
وبعد سنة على مرور الجريمة وتغاضي الدولة عن توقيف القاتل الذي كان يظهر بحرية ويوجد في أماكن عامة لا تبعد كثيراً عن منزل الفقيد، كان شبلي في أحد المنتجعات، حين تقدم أحمد شقيق حسن وأخرج مسدسه وأطلق رصاصاته على شبلي، الذي سقط قتيلاً أمام العشرات وأعين والدته أيضاً.
ولفت إلى أنه "بعد ساعات على العملية الثأرية سلم أحمد غصن نفسه لاستخبارات الجيش في رسالة واضحة بأنه يريد أن ينهي القضية عند هذا الحد"، مشيراً إلى أنه أثناء تشييع شبلي أصر بعض الشبان أن يمر الموكب في المكان الذي سقط فيه الفتى حسن غصن، حيث وضعت له صورة كبيرة، وأطلقوا النار عليها، وقاموا بنزعها مطلقين النار بالهواء، فأقدم بعض الشبان من العشائر على إطلاق النار عليهم، فكان ما كان، وسقط أربعة أشخاص كانوا يحملون السلاح.