ملخص
قد يكون تاكر كارلسون افترق عن "فوكس نيوز" لكن الأثر الذي خلفه على الحزب الجمهوري المعاصر عصي على المحو
صدم الإعلام والدوائر السياسية بأنباء "مغادرة" تاكر كارلسون لـ"فوكس نيوز"، الشبكة الإخبارية اليمينية التي نجت من دعوى قضائية كان من المحتمل أن تدمرها رفعتها عليها شركة أنظمة تصويت.
في البداية، كان كارلسون موضع السخرية في برنامج جون ستيوارت على "سي إن إن" CNN، ثم شغل موقعاً غير ذي أهمية على قناة "إم إس إن بي سي" MSNBC، قبل أن يؤسس موقع "ذا دايلي كولر" The Daily Caller الإلكتروني. بعد ذلك، ازدهرت مسيرته وأصبح معلقاً محافظاً يتمتع بشعبية ضخمة على واحدة من كبريات المحطات الإخبارية. لكن الآن، لن يتسنى له حتى أن يودع معجبيه المتعصبين، الذين أجج مشاعرهم باستخدام مزيج من الخوف من الأجانب ومعاداة الهجرة، ونكران الانتخابات والمعلومات الكاذبة بشأن اللقاح.
قد يشعر الليبراليون برغبة في الاحتفال بسقوطه فيما يعبر المحافظون عن ذهولهم التام إزاء إمكانية التخلي عن بقرة حلوب مثل كارلسون بهذه الطريقة الفجة. ولا شك في أن كارلسون سوف يستبدل بشخص متطرف أكثر يمينياً، وشخص يعرف كيف يلعب على الأوتار الصحيحة لمظلومية البيض التي تسحر وتذهل مشاهد وقت الذروة على "فوكس نيوز"، تماماً كما فعل كارلسون عندما اعتمر تاج صاحب العرش قبله، بيل أورايلي.
لكن الأثر الذي خلفه كارلسون في الحزب الجمهوري المعاصر عصي على المحو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فموقع "دايلي كولر" الذي أسسه ينشئ الجيل المقبل من الصحافيين اليمينيين. وبرامجه على "فوكس" حطمت الأرقام القياسية. وهو لم يتمكن من الوصول إلى منزلة تضاهي مكانة أورايلي فحسب، بل أصبح مستواه يساوي مستوى غلين بيك في العقد الثاني من الألفية الحالية، مع ما وضعه حينذاك من شكل خاص للتوجه المحافظ القائم على نظريات المؤامرة، وراش ليمبو في تسعينيات القرن الماضي، مع كلامه الفج الذي بثه عبر إذاعات البلاد، وويليام أف باكلي، الذي قدم برنامج "ذا فايرينغ لاين" The Firing Line وأسس مجلة "ناشونال ريفيو" National Review التي ما تزال مجلة اليمين الأولى.
وتفوق كارلسون على كل الشخصيات الأخرى، ما عدا لورا إنغرام ربما، في استخدام خطاب معاداة الهجرة على "فوكس". وغالباً ما كان كارلسون يردد كلاماً من "نظرية الاستبدال العظيم" Great Replacement Theory العنصرية [نظرية مؤامرة يمينية تنص على أن السكان البيض يجري استبدالهم بالأعراق الأخرى في مناطق سكنهم الأصلية] وأحياناً كثيرة، كان يسرق الكلام مباشرة من مجموعات القوميين البيض، كما اكتشفت "نيويورك تايمز" العام الماضي. وقال تحديداً إن الديمقراطيين يحاولون استيراد "ناخبين مطيعين أكثر من العالم الثالث" من أجل "استبدال" الناخبين البيض بآخرين يذعنون للسياسات الليبرالية.
لو اعتبرنا بأن الرئيس السابق دونالد ترمب كان يؤجج المشاعر والحمية المعادية للهجرة في قلب الحزب الجمهوري، فكارلسون كان يغلف هذه المشاعر بالمنطق ويهندم شكلها ويرتبه. وتبنى الجمهوريون بدورهم هذا المنطق في حملاتهم الخاصة وجعلوه ركناً أساسياً في خطابهم.
وفي السياق ذاته، ظهر كارلسون كأبرز الناقدين للتشدد تجاه روسيا والمشككين في الدعم الغربي لأوكرانيا أمام عدوها فلاديمير بوتين. وبالفعل، عندما وجد رون ديسانتيس نفسه في مأزق لأنه وصف الحرب في أوكرانيا على أنها "نزاع إقليمي"، قد حدث ذلك في معرض رده على أسئلة من كارلسون.
غالباً ما انتقد كارلسون الحرب في أوكرانيا وكرر الأكاذيب القائلة إن القوات الأميركية تشارك في الحرب على رغم أن محطته نفسها نفت هذا الخبر.
كما روج كارلسون للأكاذيب في شأن لقاح "كوفيد-19" في برنامجه، وللمعلومات الكاذبة التي قالت بأن اللقاحات مميتة. وكال الثناء على روبرت أف كينيدي جونيور، كما أعطاه منصة للتعبير عن آرائه، فيما يعد الرجل أحد أبرز مناهضي اللقاحات.
لكن أكثر موقع يظهر فيه أثر كارلسون في حزب المحافظين هو تكراره الأكاذيب المتعلقة بانتخابات 2020 الرئاسية وأعمال الشغب التي اندلعت في مبنى الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني). وقد بلغ تأثيره في مشاهدي "فوكس" درجة دفعت رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي إلى مشاركته فيديوهات أعمال شغب السادس من يناير، استخدمها كارلسون في ما بعد من أجل تغطية محاولة الانقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية في 2020.
وشاركه السيد مكارثي هذه اللقطات بعد محاولاته المتكررة والفاشلة في الفوز برئاسة مجلس النواب قبل أن ينجح في نهاية المطاف في احتلال هذا المنصب. لكن مجرد إحساس السيد مكارثي بأنه مضطر إلى مشاركة الفيديوهات ليس مع "فوكس" بشكل عام، ولكن تحديداً مع كارلسون، يبين بأنه علم أنه بحاجة إلى الحصول على رضاه إن أراد أن يبقى في موقع السلطة.
سوف يترك كارلسون فراغاً مكانه الآن، لكن لا يمكن محو كلماته، فخطابه متغلغل في الفكر الجمهوري المعاصر، وبينما سيكون أمام اليمين المتشدد في الحزب الجمهوري منصة أقل ينشر من خلالها آراءه، فقد فازت سرديته بالجدال الداخلي في الحزب الجمهوري. وهذا أمر يتعذر الرجوع عنه.
© The Independent