Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب تحول الخرطوم إلى "مدينة أشباح"

العاصمة السودانية تختنق تحت الركام والبارود... فهل تنقذها "الرايات البيضاء"؟

ملخص

الحطام والهياكل المتفحمة والجثث تحكي مأساة مدينة الخرطوم ومبادرة شبابية بعنوان "الرايات البيضاء" من أجل وقف الحرب

دخلت حرب الخرطوم أسبوعها الثاني على أعتاب نهاية هدنة "الثلاثة أيام" الرابعة من نوعها منذ بدء الاشتباكات في الـ15 من أبريل (نيسان) الجاري.

في يومها الـ12 لم تعد الخرطوم كما كانت عليه قبل أسبوعين، ماتت فيها مظاهر الحيوية والحياة وباتت تختنق تحت الركام والبارود، بينما لا تزال تئن تحت القصف ودوي المدافع الثقيلة والرشاشات.

الناس يفتقدون مقومات حياتهم اليومية وتحولت خضرة الخرطوم "مقرن النيليين" إلى سحب وأعمدة من الدخان الأسود الداكن، واكتست وشوارعها بسخام مخلفات حرائق المركبات والمباني.

هياكل متفحمة

مشاهد مؤلمة مفجعة ومؤثرة في شوارع الخرطوم، جثث منتفخة بعضها في العراء وأخرى داخل سيارات، ونداءات استنجاد على وسائل التواصل الاجتماعي من مواطنين بوجود جثث بالجوار منهم.

حطام مركبات عسكرية محترقة وبنايات كانت حتى قبل أسبوعين من معالم الخرطوم البارزة وبنوك ووزارات وأبراج معمارية مميزة الطابع تشوهت بفعل القصف أو تحولت إلى حطام هياكل تفحمت بالحريق.   

مواطنون حائرون يحملون حقائبهم يجرون أمتعتهم وأطفالهم خلفهم بحثاً عن وسائل نقل تقلهم إلى الولايات، وآخرون ممن آثروا البقاء يتجولون أيضاً لكن بحثاً عن رغيف الخبز بعدما أغلقت معظم المخابز أبوابها، إما لشح المياه أو الدقيق، أما القطاع الصحي، فحدث ولا حرج، إذ خرج ما يقارب ثلثي المرافق الصحية عن الخدمة.

الرايات البيضاء

دفع الواقع المريع متسارع الانحدار بالعاصمة السودانية نحو الأسوأ، خصوصاً في ظل جمود الوساطات وتعثرها، مجموعات شبابية على وسائط الاجتماعي إلى تبني مبادرة شعبية لوقف الحرب.

المجموعة الشبابية نظمت حملة متزامنة يقوم فيها كل سكان العاصمة برفع الرايات البيضاء أعلى منازلهم وفي الشوارع وحتى على الأشجار ومآذن المساجد بأكبر عدد ممكن، مستخدمين أياً من أنواع القماش الأبيض.

 

 

وتهدف المبادرة، بحسب ناشطين، إلى التعبير الصارخ عن الرأي الشعبي الرافض للحرب ورغبته الصادقة والملحة في إيقافها فوراً، فضلاً عن بعث رسائل مباشرة إلى المجتمع الدولي وشعوب العالم أجمع للعمل من أجل إيقاف الحرب وتجفيف كل أسباب تفاقمها أكثر.

ودعت المبادرة المواطنين إلى تجاوز مرحلة الصدمة التي سببتها الحرب والخروج من العجز والصمت والبكاء على فقد الأرواح إلى خانة مقاومة الحرب والضغط بشدة من أجل إسكات صوت المدافع التي تزلزل سكينة الخرطوم وتروع الأطفال المذعورين، والبدء فوراً بتنفيذ المبادرة في جميع المناطق التي تسمح ظروف الاقتتال فيها برفع رايات السلم والسلام البيضاء.

الحرب الجوالة

أبرز السمات التي لازمت حرب الخرطوم ووصمتها في الوقت الراهن تحولها إلى حرب جوالة تطوف أحياء العاصمة واحداً تلو الآخر تحت ضغط القصف الجوي وملاحقة فرق الجيش.

تبعاً لحركة عناصر الدعم السريع من منطقة حي المهندسين بأم درمان المقابل لقاعدة سلاح المهندسين، انتقلت الاشتباكات إلى داخل أحياء مناطق الفتيحاب وأم بدة شديدتي الاكتظاظ السكاني في جنوب وجنوب غربي الخرطوم فلم يكد يسلم أي من أحياء العاصمة من تجشم روع الاشتباكات ودوي المدافع الرشاشة ومضادات الطيران، كما أصيبت كثير من المنازل وقتل عدد من المواطنين بمخلفات وشظايا المقذوفات في أحياء تلك المناطق.

ووسط الخرطوم ومحيط المطار والقيادة العامة للجيش، حيث القصر الجمهوري (الرئاسي)، لا تزال هي الأكثر سخونة ولا تزال المعارك محتدمة، ولاحظ سكان تلك المناطق أن عناصر الدعم السريع يغادرون عرباتهم المقاتلة عند سماع أزيز قريب للطائرات الحربية، لكنهم يعودون إليها لاحقاً قبل أن تنطلق المدافع المضادة للطيران، كما أنهم يعمدون إلى التخفي وحشر العربات داخل الأزقة الضيقة وتحت الأشجار كملاذ آمن من رصد الطيران.

مشاهد بائسة

في شرق النيل وبحري حيث دارت أعنف المواجهات خلال أسبوع الحرب الأول، يروي المواطن عبدالقادر أبو بكر في تجوله من منطقة الفيحاء عبوراً لكبري المنشية مشاهد مروعة لجثث متعفنة ومنتفخة إلى جوار آليات عسكرية ومركبات عسكرية محروقة على جنبات الطرقات ومشاهد بائسة لمباني محترقة وأخرى تهشمت واجهاتها تماماً بواسطة نيران المدفعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأسف أبو بكر لما آلت إليه حال المنطقة التي خلت تماماً من مظاهر الحياة وهالته مشاهد الأسواق المحترقة التي كانت حتى قبل أسبوع تنضح بالحياة وتعج بالسلع والمعروضات وتضج بحركة البيع والتزاحم حولها.

أما داخل المنطقة الصناعية في الخرطوم بحري، معقل التصنيع الغذائي بالولاية، فتحولت المصانع إلى خرابات مفتوحة الأبواب بعدما تعرضت ومخزوناتها للعبث والنهب والحرق بواسطة عصابات من اللصوص انهمكت في ظل الانفلات الأمني التام في سرقة وتفكيك السيارات وحتى ماكينات المصانع نفسها بعد أن سرقت المنتجات الجاهزة وأفرغت المخازن.

ووصفت لجان أحياء منطقة بحري ما يحدث في المنطقة الصناعية بأنه جريمة متكاملة الأركان واعتبرت أن أجهزة الدولة تغافلت عن حمايتها، محملة المسؤولية كاملة لقيادة الجيش وقيادة قوات الدعم السريع ورئاسة قوات الشرطة في الولاية والمحلية.

الثكنات داخل المدن

في السياق يتحسر الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة في ولاية الخرطوم بشري حامد على الدمار والخراب غير المسبوقين اللذين حاقا بالبنى التحتية والمباني والممتلكات في كل مدن الولاية، معتبراً أن ذلك ناتج من خطأ استراتيجي كبير بجعل العاصمة الخرطوم ثكنة عسكرية تعج بالمعسكرات والمناطق العسكرية والعناصر في منطقة مخصصة أصلاً لسكن المدنيين، "الأمر الذي ظللنا نحذر منه طويلاً من خلال المطالبات المتكررة بتحديد وظيفة وطبيعة استخدامات الأرض وتحديد وظيفة المدينة، هل هي تجارية سكنية سياسية حضرية مختلطة أم غيرها؟".

وقال لـ"اندبندنت عربية" إن "الواقع الأصعب في هذه الحرب كان في وجود المناطق والثكنات العسكرية داخل القطاع الحضري الذي سبق أن بحت أصواتنا المنادية بإخراجها من داخل المدن إلى معسكرات مخصصة بمناطق نائية بعيدة، على أن يترك أمر الأمن في المدينة لقوات الشرطة وهي قوات مدنية ذات تسليح محدود".

الخطأ الفادح

وانتقد حامد بشدة مسألة تجييش البشر في الخرطوم والحشد غير المسبوق لقوات الدعم السريع وإنشاء قواعد ضخمة لها داخل الولاية بصورة لم يكن المواطنين على علم أنها بمثل هذا الحجم والكم الهائل من الجنود والانتشار الواسع لقواعدها العسكرية داخل الولاية، خصوصاً أنها قوات تابعة لعائلة محدودة يتوارثون القيادة فيها أدخلوها لحراسة المناطق الحيوية بالولاية.

واعتبر حامد أن الخطأ الفادح في السماح بالوجود الكبير لقوات الدعم السريع داخل الخرطوم سمح لجنودها بمعرفة مداخل ومخارج الولاية وبعضهم يتبع لدول مختلفة غير السودان، مما يعد تهديداً للأمن القومي وخيانة له.

وأضاف "لا أرمي باللوم على الدعم السريع بقدر ما أوجهه أيضاً إلى من قام بتكوينها ومساعدتها في النمو والتطور والتضخم إلى هذا الحجم من القوات والمستوى من التسليح حتى أصبحت دولة داخل الدولة لها وزارات مالية وتجارة وإعلام ومنصات".

ودعا حامد إلى "التوقف عن البكاء على اللبن المسكوب بعد أن وقعت الكارثة المفجعة التي يجب أن تكون درساً قاسياً علينا أن نتعلم منه كثير العظات، وأول تلك الدروس أن تكون كل المدن والمناطق في الولاية خالية تماماً من أي وجود عسكري بصرف النظر عن مسماه، كما لا بد من توحيد الجسم العسكري للجيش كما في سائر دول العالم"، مناشداً منظمات المجتمع المدني والسياسيين والإعلاميين قيادة حملة قومية ضخمة لإخلاء الخرطوم وبقية مدن البلاد من الثكنات العسكرية.

الوالي يناشد

إلى ذلك ناشد والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة كل المنظمات الوطنية الطوعية والخيرية العاملة في مجالات العون الإنساني الإسهام مع أجهزة ووحدات الولاية في تقديم ما يمكن من خدمة وعون، خصوصاً في مجالات إسعاف الجرحى ومعالجة المرضى وتوفير حاجات نزلاء المستشفيات وتقديم الغذاء والمستلزمات الضرورية لدور حماية الأطفال والعجزة والمسنات والمسنين ودور الفتيات والفتيان وسقاية العطشى في المناطق التي لا تتوافر المياه فيها.

وأوضح أن الظروف الحرجة التي تعيشها البلاد وولاية الخرطوم خصوصاً ترتبت عليها مشكلات عدة حالت دون تمكن أجهزة الولاية من القيام بمهماتها على الوجه الأكمل، تحديداً بتزامن هذه الظروف مع عطلة عيد الفطر.

بيئة ونفايات

وطالب حمزة المواطنين بالإسهام في أعمال صحة البيئة والتخلص من النفايات بوضعها في حاويات النفايات أو نقلها بأي وسيلة متاحة إلى أقرب محطة وسيطة ما أمكن ذلك، إلى جانب مساعدة الفرق والجهات التي تعمل في دفن الجثث بأي وسائل ومعينات قد يتطلبها هذا الأمر.

 

 

ودعا المواطنين في جميع أنحاء الولاية بلجانهم وتكويناتهم المختلفة إلى رفع حسهم الأمني والإسهام في تأمين أحيائهم وتفويت الفرصة على من يستغلون الأوضاع الحالية في تنفيذ عمليات نهب وسلب.

كذلك ناشد حمزة نقاط الارتكاز العسكرية في الطرق السماح بحرية الحركة وتسهيل مهمة وتأمين العاملين المتخصصين في تشغيل وصيانة محطات المياه والكهرباء، وطلب من القطاع الخاص العامل في مجال المواد الغذائية والخبز والخضراوات واللحوم والحاجات الضرورية كافة توفيرها للمواطنين بصورة مستدامة.

تحشيد وإمداد

ميدانياً أوضح بيان موقف العمليات اليومي للجيش أن الموقف مستقر إلى حد كبير باستثناء بعض الخروقات من جانب الميليشيات المتمردة ومحاولاتها القيام بعمليات تحشيد إضافية لقواتها المندحرة من ولايات كردفان ودارفور عن طريق الصادرات الغربي، وسعي الميليشيات إلى إمداد قواتها بالذخائر من مستودعها في منطقة الجيلي، لكنها جميعاً باءت بالفشل وتحولت إلى نكبات عسكرية بالنسبة إليها.

وذكر البيان أن مناطق عدة شهدت تسليم أعداد كبيرة من أفراد الميليشيات المتمردة أنفسهم ومعداتهم استجابة لصوت العقل وحقناً للدماء.

إلى ذلك حذر بيان للمتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة مواطني منطقة شمال مدينة الخرطوم بحري وحتى منطقة قري من أن المتمردين سرقوا شاحنات توزيع تابعة لشركات مواد غذائية ومطاحن غلال وشاحنات أخرى، يجري استغلالها في نقل الذخائر من مستودعهم بمنطقة قري.

وطالب البيان المواطنين في تلك المناطق باتخاذ الحيطة والحذر والابتعاد عن خط سير هذه المركبات.

المزيد من متابعات