ملخص
"فيرست ريبابليك" الأميركي قد يكون أحدث بنك ينضم لسلسلة انهيارات القطاع المصرفي في البلاد بعد تراجع أسهمه في بورصة "وول ستريت"
واصلت أسهم بنك "فيرست ريبابليك" في البورصة الهبوط الشديد الذي بدأته، أول من أمس الثلاثاء، عقب بيانات مالية سيئة أعلنها البنك، الإثنين. وفي صباح أمس الأربعاء، هوي سهم البنك الأميركي بنسبة 15 في المئة ليضيف للخسائر الهائلة في قيمته السوقية خلال اليوم السابق.
كانت البورصة الأميركية في وول ستريت بنيويورك اضطرت، الثلاثاء، إلى وقف التداول على أسهم بنك "فيرست ريبابليك" أكثر من مرة مع انهيار أسهم البنك نتيجة عمليات البيع المكثفة، حيث خسر البنك نحو نصف قيمته السوقية (هوى سهم البنك بنسبة 49.38 في المئة خلال تعاملات الثلاثاء). وجاء الانهيار في أسهم البنك بعد يوم واحد من إفصاحه المالي عن الربع الأول، الإثنين، حيث أظهرت بياناته للبورصة نزيفاً هائلاً للإيداعات خصوصاً الشهر الماضي في أعقاب اندلاع أزمة انهيارات البنوك بالولايات المتحدة.
ومنذ انهيار بنك "سيليكون فالي" في كاليفورنيا وبنك "سيغنيتشر" في نيويورك وقبلها بنك "سيلفر غيت" المنكشف أكثر على العملات المشفرة الشهر الماضي تتركز أنظار السوق على بنك "فيرست ريبابليك" واحتمال تعثره بشدة أيضاً. ورغم مسارعة بنوك كبرى، مثل "جيه بي مورغان" وغيره، لمحاولة منع انهيار البنك الشهر الماضي بإيداع نحو 30 مليار دولار فيه لمواجهة سحب العملاء ايداعاتهم، فإن نزيف هروب الأموال من البنك لم يتوقف.
محاولة إنقاذ
أظهرت البيانات المالية ربع السنوية للبنك، الإثنين، أنه خسر ما يصل إلى 100 مليار دولار من إيداعات العملاء في ربع العام المنتهي بنهاية مارس (آذار). وكان القدر الأكبر من السحب في فترة انهيار البنوك وأعقابها. ورغم أن "فيرست ريبابليك" يشبه سلسلة البنوك الإقليمية التي تواجه مشاكل، أي صغيرة ومتوسطة الحجم، فإن أغلب عملائه من الأثرياء وبالتالي تتجاوز إيداعاتهم 250 ألف دولار، وهو الحد الأعلى للحماية من قبل المؤسسة الفيدرالية للتأمين على ودائع البنوك.
تضمن المؤسسة التعويض الكامل للعملاء الذين لا تزيد أموالهم على 250 ألف دولار في أي بنك ينهار، أما من ودائعهم أكبر من ذلك فيواجهون خطر خسارة إيداعاتهم لذا يسارعون بسحب أموالهم مع أي نذر خطر. وذلك ما جعل هروب رأس المال من "فيرست ريبابليك" أكبر بسبب قاعدة عملائه. لذا خسر البنك ما يزيد على نسبة 90 في المئة من قيمته السوقية منذ مطلع مارس (آذار) الماضي.
وتصر السلطات الأميركية على أن أزمة انهيار البنوك لن تنشر عدوى في القطاع المصرفي كله. وفي مقابلة نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأربعاء كرر كبير موظفي البيت الأبيض جيف زينتس تأكيد أن النظام المصرفي "سليم وجيد" محاولاً طمأنة المودعين بالقول، "يمكنهم التأكد من أن سلطات التنظيم المالي يتابعون بدقة وسيتخذون أي إجراءات ضرورية". وأشار زينتس إلى أن وزيرة الخزانة جانيت يلين ورئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي "قالوا مراراً وتكراراً إنهم سيستخدمون الأدوات المتاحة لهم لدعم القطاع المصرفي إذا تطلب الوضع ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الأسواق ليست مطمئنة، بل إن الأيام المقبلة قد تعيد حالة الاضطراب التي صاحبت انهيار البنوك الشهر الماضي وتزيد المخاوف من انتشار العدوى في القطاع المصرفي. ومع أن كبار المسؤولين في بنك "فيرست ريبابليك" سارعوا لطمأنة المحللين والأسواق، إلا أن فرص البنك لوقف الانهيار تبدو ضئيلة. إذ من غير المتوقع أن تضخ بنوك كبيرة أموالاً إضافية في البنك المتعثر تجعلها منكشفة على مخاطر أكبر.
وفي محاولة لتوسيع قاعدة عملاء البنك، قال مسؤولوه إنهم سيستهدفون عملاء جدداً من الأعمال الصغيرة والمنظمات غير الربحية. كما أعلن البنك خطة لتسريح عمالة بنسبة 20 إلى 25 في المئة لتقليل التكاليف. ويوظف البنك سبعة آلاف و200 موظف حالياً. لكن الأسواق والمحللين يرون المشكلة في نموذج أعمال البنك، مثله مثل بنوك إقليمية أخرى صغيرة ومتوسطة الحجم.
مشاكل القطاع المصرفي
من الواضح أن التدخل السريع من قبل وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على ودائع البنوك الشهر الماضي للتعامل مع أزمة انهيار مصرفي "سيليكون فالي" و"سيغنيتشر" لم تهدئ من المخاوف وما زال كثيرون يعتقدون أن أزمة البنوك لم تنته بعد.
ففي الأسبوع الماضي، خفضت مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني تصنيف 22 مصرفاً أميركياً مع نظرة مستقبلية مستقرة. وفي الوقت نفسه خفضت توقعاتها لأداء القطاع المصرفي الأميركي كله من "قوي جداً" إلى "قوي+"، في إشارة إلى المخاطر التي ما زال القطاع يواجهها.
وأرجع التقرير ذلك الخفض إلى أن "تدهور مناخ أعمال البنوك في الولايات المتحدة وتشديد السياسة النقدية وضعف ظروف التمويل تضخم مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة لبعض البنوك الأميركية".
وفي التعليق على تقرير "موديز" أشار عدد من المحللين والمستثمرين إلى اعتقادهم أن أزمة انهيارات المصارف تظل مخاطر محتملة. وتوقع البعض أن تشهد البنوك الصغيرة ومتوسطة الحجم أزمة ائتمانية خانقة في الفترة المقبلة، مع استمرار سحب العملاء مليارات الدولارات من ودائعهم فيها. وفي مقابلة مع شبكة "سي أن بي سي" قبل أيام قال رئيس شركة "اندبندنت استراتيجي" ديفيد روش، إن مخاوف انتشار عدوى الانهيارات لم تختف.
وأضاف، "أعتقد أننا شهدنا كيف أن البنوك الكبرى تمثل ملاذاً آمناً وأن الودائع التي يتم سحبها من البنوك الصغيرة والإقليمية تذهب إليها. لكن علينا أن نتذكر أيضاً أنه في كثير من القطاعات الرئيسة تمثل البنوك الصغيرة نسبة 50 في المئة من المقرضين. لذا أعتقد أن النتيجة النهائية ستكون مزيداً من تشديد سياسات الائتمان، أي عدم الاستعداد للإقراض، وبالتالي انكماش الائتمان في الاقتصاد بشكل عام وتحديداً الاقتصاد الحقيقي مثل قطاع الخدمات وقطاع الضيافة والبناء والتشييد والشركات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل ما بين 35 و40 في المئة من الناتج الاقتصادي الأميركي". ومعروف أن ديفيد روش كان قد تنبأ بالأزمة الآسيوية في عام 1997 وبالأزمة المالية العالمية عام 2008 وذلك قبل وقوع تلك الأزمات.