Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما تصبح الأمومة عبئا على النساء

بعض المؤسسات تتحايل على اللوائح وتعاقب المرأة بعد إنجابها وكثيرات يفضلن ترك الوظيفة للتخلص من الضغوط النفسية

إعلامية صومالية تعمل على تقرير صحافي في العاصمة مقديشو (أ ف ب)

ملخص

يبدو المجتمع العربي متناقضاً بضغطه على النساء بتحقيق حلم الأمومة، فيما أغلب المؤسسات تقضي على طموحهن بالتحايل على القوانين

بين مستهجن ومتعاطف استقبل الجمهور الكلمات التي جاءت على لسان نادين "أمينة خليل" بطلة مسلسل "الهرشة السابعة" الذي انتهى عرضه في الموسم الرمضاني 2023 منذ أيام، حين كانت تبدي شعورها بالظلم لأن حياتها المهنية توقفت تماماً بسبب تفرغها للأمومة ورعاية ابنيها التوأم، فيما زوجها انطلق في مسيرته وحقق إنجازاته في مجال عمله، مشيرةً إلى أن عدم التكافؤ هنا أشعرها بالضآلة وبالخسارة، نظراً لأن الزوج حقق حلم الأبوة مثلما هي مارست أمومتها، ولكن مع الفارق أنها استنزفت تماماً بسبب تواجدها الدائم مع الطفلين، وعلى رغم أن الزوج آدم الذي قام بدوره محمد شاهين كان في كثير من الأحيان مشاركاً ومتعاطفاً ومراعياً ولكن الضغط النفسي والبدني الواقع على أم التوأم جعل الأمور تنفلت وتنفجر في النهاية.
الفكرة التي تحدثت عنها البطلة تحدث دوماً بتفاصيل ربما أكثر قسوة في الحياة الواقعية، فعربياً تبدو بعض المؤسسات المهنية وكأنها غير مجهزة بالمرة للتعامل مع التغييرات التي تحدثها الأمومة في حياة النساء، إذ نجد أن بعضها يسارع بفصلهن أو التضييق عليهن لتقديم الاستقالة أو حتى حرمانهن من الترقي، فيما هناك مؤسسات لا تقبل بالمرة تعيين النساء المقبلات على الزواج والإنجاب، وهي أمور باتت معروفة بشكل ضمني في عدد من الهيئات حتى لو لم تكن مكتوبة ومصدقة بشكل رسمي، ولكن معمول بها وتُنفَذ بنودها بشكل واضح، حيث يتم التعامل مع الأمهات مهما كن متميزات على أنهن عبء، فهل الأمومة بالفعل تحرم نساء العالم العربي من التقدم الوظيفي وتلغي طموحهن المهني تماماً؟

هل يستقيم الطموح المهني مع الإنجاب؟

نساء كثيرات علقن على تشابه مشكلاتهن مع ما مرت به بطلة المسلسل، مع التأكيد على تفانيهن في مراعاة صغارهن، ولكن هذا لا يتنافى برأيهن مع تحقيق أحلامهن وأهدافهن على صعد أخرى، والهم تشترك فيه أمهات متعددات سواء داخل مصر أو في الدول العربية، فعلى رغم أن القوانين بشكل عام على المستوى العربي تنصف الأمهات، إلا أن المعضلة تكمن في التعاطي المجتمعي معها وفي تطبيقها الذي يحدث به تحايل بشكل متكرر، كما أن بعض المشكلات لا تحلها القوانين من الأساس ولكن سرها يكمن في الثقافة المجتمعية والأجواء التي تسود العلاقة بين الزوجين ومَن حولهما من أقارب وأصدقاء... في المسلسل الذي أخرجه كريم الشناوي وأشرفت على تأليفه مريم نعوم، حاولت البطلة الانخراط في مهنة لا تتطلب مؤهلات صعبة أملاً في أن تكون شروط حضورها أقل إجحافاً، ولكن النتيجة كانت مزيداً من الصراعات الأسرية واتهامات لها بإهمال الصغيرين، وذلك على رغم استعانتها بالأقارب والأهل والمعارف لرعاية الأطفال في غيابها، وعلى رغم أنها اختارت من الأساس سوق عمل يمكن تصنيفها على أنها هامشية لا تتطلب مواعيد محددة، ولكن مع ذلك لم تتمكن من الجمع بين محاولة تحقيق طموحها وبين الاهتمام بالعائلة الصغيرة، عملياً تبدو التجارب أكثر صعوبة في ظل وجود 83 في المئة من القوة العاملة في مصر تابعة للقطاع الخاص، الذي تكون إجازات الوضع فيه وإجازات رعاية الأطفال أقل مرونة من القطاع الحكومي بكثير، وذلك وفق تجارب كثيرة، فحتى إذا كان قانون العمل يلزم تلك المؤسسات قواعد معينة للتعامل مع الأمهات، ولكن الواقع له رأي آخر، فقد يحدث ابتزاز ومساومة ومن ثم إنهاء التعاقد، بالطبع هناك مؤسسات خاصة تحاول أن تكون أكثر إنصافاً في ما يتعلق باللوائح المنظِّمة لها، ولكنها قليلة وربما نادرة في سوق العمل المصرية.

من يطبق اللوائح والقوانين؟

 خاضت ليلى سالم وهي أم لطفلة وحيدة تجربة من هذا النوع، حين تقول إنها ترغب في أن تنجب طفلاً ثانياً، إلا أن الأمر يستلزم تفكيراً طويلاً وخططاً دقيقة، فبحسب المادة 73 من قانون الطفل، وقرار وزير القوى العاملة رقم 121 لعام 2003، "يلتزم صاحب العمل الذي يستخدم مئة عاملة فأكثر في مكان واحد إنشاء دار حضانة، أو أن يعهد إلى دار حضانة موجودة فعلاً بإيواء أطفال العاملات"، ولكن هذا لم يحدث على أرض الواقع معها، فهي تعمل في مؤسسة خاصة شهيرة ومع ذلك لا تتمتع وزميلاتها بتلك الخدمة، إذ تؤكد ليلى المتخصصة في التسويق أن هذه الخدمة متاحة في شركات أخرى بمصر، ولكن على مستوى ضيق للغاية، لافتةً إلى أنها لم تتمكن من أخذ سوى ثلاثة أشهر إجازة، إضافة إلى الثلاثة أشهر الأساسية الخاصة برعاية المولود الجديد حينما وضعت طفلتها، كما أن الثلاثة أشهر الإضافية كانت من دون راتب، فلم يكن متاحاً أن تحصل على حتى نسبة صغيرة من راتبها، أو تأخذ إجازة لمدة عامين دون أن يتم الاستغناء عن خدماتها مثلما تنص قوانين العمل وقانون الطفل وهو أمر يحدث عادة في المنشآت الحكومية، ولكن أكثر ما كان يربك يومها هو أنها كانت تضطر لترك طفلتها في دار روضة خاصة تلتهم أكثر من نصف راتبها شهرياً، مؤكدةً أنها في بعض الأوقات كانت تعهد بها إلى الأقارب للاعتناء بها أثناء تواجدها في العمل، ولكن الأمر لم يكن متاحاً في كل الأوقات، مشيرةً إلى أن الطفلة الآن تذهب إلى المدرسة والعبء أصبح أقل، ولكن مجرد التفكير في تكرار هذه الدوامة مجدداً بالنسبة إلى الأم يبدو أمراً صعباً في ظل قواعد العمل التي تحكم القطاع الخاص.

امتيازات لفئات قليلة

وبالنسبة إلى المادة 72 من قانون الطفل، من حق الأم العاملة أن تحصل على إجازة رعاية لمدة سنتين بحد أقصى، ثلاث مرات، كما أن من حقها أن تكون تلك السنوات دفعة واحدة وليست متقطعة أي ست سنوات متتالية، وفي حال تمسكت بالعودة سريعاً بعد انتهاء الإجازة القصيرة فمن حقها ساعة إضافية راحة في يوم العمل من أجل إرضاع صغيرها دون أي تخفيض في الأجر كما يحظر فصلها خلال فترات إجازة الوضع والرعاية، وكذلك مراعاة ظروفها في ما يتعلق بطبيعة المهمات الموكلة لها، ولكن كل تلك المزايا هي من نصيب النسبة القليلة جداً التي تعمل في القطاع الحكومي، فنسبة الإناث والذكور المنتمين لهذا القطاع لا تتعدى 20 في المئة من القوة العاملة بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
كانت "ن . ه" الأستاذة في إحدى الجامعات الحكومية، من الحاصلات على أغلب تلك المزايا، حينما رزقت بابنها الأصغر، لافتةً إلى أنها أصرت على أن تبقى معه طوال فترة الطفولة وحتى بعد أن دخل إلى المدرسة، مؤكدةً أنها ندمت لأنها لم تقم بشيء مشابه مع شقيقته الكبرى وشعرت بالتقصير، حين عادت حينها إلى العمل سريعاً، ولكنها مع الابن الصغير حصلت بالفعل على ست سنوات رعاية، مؤكدةً أن مسيرتها تأثرت بعض الشيء، ولكنها عوضت كل ما فاتها بعد العودة مع شعور تام بالرضا لأنها أعطت طفلها حقه في الرعاية والاهتمام، كما أنها لم تكن تحصل طوال تلك الفترة سوى على ربع أجرها، وهذا بالطبع وفقاً للوائح والقوانين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


البحث عن وظيفة من المنزل

لكن من المؤكد أن ليس كل العائلات تمتلك رفاهية الاستغناء عن راتب الزوجة أو معظمه، بل إن كثيراً من الأسر تعتمد على ما تتقاضاه الأم بشكل أساسي في سد احتياجات المنزل وتكاليف المعيشة والإنفاق على الطفل، بالتالي هنا ينبغي المقارنة بين المكاسب والخسائر التي يخلفها خيار الإجازة، وكذلك خيار العودة للعمل، فالأخير قد يكون مكلفاً أيضاً وتتبدد مكاسبه في مصاريف إضافية لترك الطفل في دار رعاية خاصة، ولكن الأمور تصبح أفضل بعض الشيء إذا كان أحد المعارف أو الأقارب متوفراً للاعتناء به حتى عودة أحد الوالدين من العمل، فيما الأمور تصبح أفضل بكثير حين يكون عمل الزوج أو الزوجة من المنزل أو في مجال عمل يتمتع بمرونة كبيرة في المواعيد، وهو ما تؤكده المحاسِبة سناء عماد التي تركت عملها في أحد البنوك الخاصة على رغم أنها كانت تتقاضى أجراً كبيراً، ولكنها وجدت أن أغلب الراتب ينفق على الروضة التي تعتني بطفليها إلى حين انتهاء دوامها، كما أن المجهود البدني كان كبيراً، إضافة إلى الضغوط النفسية لشعورها بالذنب لتركهما ساعات طويلة بعيداً منها، واختارت الأم الثلاثينية أن تدير عملاً خاصاً بها من المنزل كي تحقق التوازن النفسي وتهتم بطفليها بصورة أكبر دون أن تشعر بعدم التحقق مع وجود عائد مادي يضمن للعائلة مستوى معيشة معقولاً.
العبء المجتمعي هنا يضاف إلى الضغط النفسي واكتئاب ما بعد الولادة الذي يحيط بالأمهات مما يجعل التجربة غير يسيرة بالمرة، وهو أمر عبرت الكاتبة إيمان مرسال عن بعض من تفاصيله في كتابها الصادر عام 2017 بعنوان "كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها"، الذي كان عبارة عن تجربة شديدة الخصوصية ومليئة باللحظات المؤثرة عن الشعور الأبدي بالذنب الذي يلازم الأمهات، وعن كوابيس ما بعد الولادة، والإحساس بانتهاء الطموح والحياة العادية عقب الحمل والإنجاب.


هل المجتمع يعاقب النساء بعد تحقيق أمومتهن؟

فالمجتمع يظل يطالب النساء بتحقيق الأمومة، فيما هو لا يهيئ لها الشارع أو مؤسسات العمل لتلك التجربة، ولا يعاونها حتى على تسهيل المهمة، ومن بين الأمثلة شديدة القسوة هنا ما تعانيه بطلة مسلسل "تحت الوصاية" الذي تقوم ببطولته منى زكي وحقق نجاحاً وشعبية في عرضه الرمضاني الحالي، فالأم التي توفي زوجها غير قادرة على إدارة شؤون طفليها منه بسبب قوانين المجلس الحسبي الذي يقضي بأن تكون الوصاية عليهما في يد الجد، ودار أكثر من حوار اشتكت فيه البطلة من عدم قدرتها على التصرف في أموال الأبناء لسد احتياجاتهم الأساسية أو أن يكون لها الولاية التعليمية عليهم، أو حتى أن تفتح لهما حساباً بنكياً، على رغم أنها تذوق الأمرين في العمل على مركب صيد لتوفر لهما ثمن الطعام، فالأمومة هنا تتلخص في المعاناة فقط في حين أن كثيراً من القوانين تعطي غيرها حق التصرف في أدق خصوصيات طفليها اللذين أنجبتهما ولا تزال تراعيهما بمنتهى الإخلاص، فإذا كانت نادين في "الهرشة السابعة" متهمة بأنها أم مرفهة ومدللة ومعاناتها لا تمس القطاع الأكبر، فإن مشكلة حنان في "تحت الوصاية" شديدة التعقيد والبؤس.

قوانين أكثر إنصافاً... من سيطبقها؟!

وتعلق المحامية مها أبو بكر على أنه "من المنتظر أن تختفي كثير من المعاناة التي تحيط بالنساء بعد قانون الأحوال الشخصية المنتظر"، لافتةً إلى أن "الولاية على الأطفال من حق الأم ومن المتوقع أن يشمل التعديل هذا البند بشكل أساسي كي تكون ولاية الأم على صغارها مثل الأب تماماً، وإذا ما شعر طرف ما بأن الآخر يشكل خطورة على الأبناء بولايته تلك، عليه أن يلجأ إلى القضاء".
وتابعت أن "الدراما المجتمعية مثل السحر، وهي تزيد من الوعي فالكل بحاجة إلى تلك النوعية من الأعمال التي تنبه لنقاط مهمة تساعد المؤسسات التشريعية والمتخصصين وأيضاً الجمهور العادي"، مضيفةً "نحن بحاجة إلى هذه النوعية من الأعمال لأنها من ضمن حركة الدفع لتغيير القوانين لأن هذا التغيير أمر بديهي يحدث مع تطور المجتمعات وهي خطوة على الطريق الصحيح، بعكس بعض الأعمال التي تظهر المرأة بشكل مهين وسلبي، والتي ليس لها ضرورة الآن في ظل هذه الظروف المجتمعية".
وتأمل المحامية المتخصصة في شؤون الأسرة مها أبو بكر "في أن يتضمن القانون الجديد بعض المواد المقترحة الأخرى التي تلقى قبولاً ومن شأنها تخفيف العبء عن النساء والأمهات على وجه التحديد، ومنها أن تكون هناك هيئة معاونة للقاضي تضم طبيباً نفسياً وليس مجرد أخصائي وكذلك خبيراً مجتمعياً، نظراً إلى أن ملف الأسرة في رأيها هو الملف الأهم في المجتمع ووجود متخصصين من هذا النوع من شأنه أن يساعد في الوصول إلى الحل الأسلم والأصلح لأطفال الأسر المتنازعة، مطالبةً أيضاً بأن تكون هناك شرطة أسرية لتنفيذ الأحكام لأنهم أكثر وعياً بمثل تلك المشكلات وأكثر مراعاةً لنفسية الأطفال"، وأكثر ما ينتظر تحقيقه في رأيها هو "تعديل آلية تطبيق وتنفيذ القوانين المنصفة كي لا تكون مجرد حبر على ورق".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات